الخوف من المرض
السلام على من بعثهم الله رحمةً إلى عباده المصابين الله بارك فيكم وجزاكم الله ألف خير؛
أنا مشكلتي الخوف من المرض وهذا حدث لي بعد إجراء عملية جراحية على الدوالي، ابتداء عندي مراقبة نفسي في كل شيء يحدث من مرض، وبدأ عندي نوع من الأعصاب التي هي توتر على نفسي مثل القلق والخوف الرهيب، وإني يحدث لي من كثرة التفكير تشنج في أطراف رأسي مما يكون مثل الذي يرتدى قبعة على رأسه، وزيادة في نبضات القلب، وارتفاع الضغط، وكله من أثر الخوف والرهب وإني في حيرة من أمري ولا أعرف ماذا أفعل؟؟
الله يخليكم ساعدوني علما أني عرضت نفسي على دكتور ليبي اسمه ............. مدير مشفى للأمراض العقلية والأعصاب وأعطاني دواء وإني خائف من هذا الدواء من أثر الخوف يا دكتور وائل أرجوك ساعدني والله.
الخير
9/1/2004
رد المستشار
الأخ السائل العزيز: أهلا وسهلا بك، وشكرا على ثقتك في موقعنا مجانين نقطة كوم، وصفحتنا استشارات مجانين، الحالة التي تصفها لنا هي حالة معروفة كثيرا ما يواجهها كل طبيب نفسي أثناء عمله، إلا أن عنصرا هاما من العناصر التي ينبني عليها توصيف وتشخيص الحالة غائب عن إفادتك مع الأسف وهذا العنصر هو عنصر الزمن!، فنحن لا ندري منذ متى بدأت الأعراض ولا متى قمت بإجراء الجراحة المذكورة، ولا حتى نعرف شيئا عن الظروف التي صاحبت ذلك كله!
فما تصفه لنا في سطورك الإليكترونية، يعبر عن حالة من القلق الشديد المصحوب بأعراض جسدية نعرفها بأنها أعراض القلق أو الخوف أو الغضب الجسدية، وتتمحور أفكارك وتخيلاتك وأفعالك أيضًا والتي تصاحب تلك الأعراض، وتسببها، وتزيد بسبب حدوثها أيضًا، تتمحور حول الخوف من المرض، وهذا ما يذكرنا برد الفعل المراقي Hypochondriacal Reaction، والذي يلي تهديدا ما تتعرض له الصحة بوجه عام سواء كان ذلك التهديد طبيا (كأن تعانق أحدا مثلا ثم تكتشف أنه مصاب مرض انتقالي "معدي" أو أن تحدث لك أي أعراض تفسرها أنت على أنها أعراض مرض خطير) أو جراحيا كإجراء العمليات الجراحية كما حدث معك.
ويمكن أن يكونَ ذلك جزءًا من اضطراب القلق المتعمم، كما يمكن أن يكون جزءًا من وسواس المرض (الاضطراب المراقي) الذي تستطيع أن تقرأ عنه إذا تصفحت ما يرد ضمن باب الوسواس القهري تحت العنوان التالي: نطاق الوسواس القهري: وساوس الخوف والريبة
ونستطيع من خلال الخبرة العملية في الطب النفسي أن نصنف مرض المراق أو وسواس المرض إلى ثلاثة أصناف (لكننا لا نستطيع تصنيف حالتك في غياب التفاصيل والمدة الزمنية):
الصنف الأول: هو مريض المراق الوسواسي: وهو الذي تأخذ أعراض وسواس المرض فيه شكل أعراض اضطراب الوسواس القهري، إلا أن محتوى تلك الأعراض يكون متعلقًا كله بالفكرة الأساسية وهي أن لديه مرضًا خطيرًا ما، فهناك إذن فكرة تسلطية يمكن أن تأخذ مرةً شكل مرض في القلب أو مرض في الكلى أو أن الشخص مصاب بالسرطان أو بالإيدز أو غير ذلك، وهناك فعل التنقل بين الأطباء، وإجراء الفحوص الطبية المختلفة والمتتالية التي تمثل الأفعال القهرية، وهذه الفحوص في كل مرة تثبت خلوه من الأمراض، لكنه رغم ذلك لا يطمئن، وهذا هو مريض المراق الذي يدور بين الأطباء والمستشفيات ساعيا للاطمئنان، لكنه لا يطمئن اللهم قليلاً في أعقاب كل كشف يقوم به طبيب، أو فحص تُظهر نتيجتُه خلوَّه من المرض الذي يخاف منه.
الصنف الثاني: هو مريض المراق الرهابي: وهو الذي تأخذ الأعراض فيه شكل أعراض الرهاب والتي تتمثل أساسًا في التجنب التام لكل ما قد يتسبب في إثارة قلقه ومخاوفه (وهو في هذه الحالة تجنب الأطباء والمستشفيات خوفًا من أن يكتشف أو يتأكد من المرض الخطير)، وهنا نجد مريضًا بتوهم المرض، لكنه يتجنب الأطباء، ويعيش في معاناة مستمرة رغم ذلك لأنه لا يستطيع الخلاص من فكرة أن لديه مرضًا خطيرًا، لكنه في نفس الوقت يخاف من أن تتأكد تلك الفكرة، ومن هذه النوعية بعض الحالات التي يكون فيها المريض مصابًا بمرض جسدي آخر يحتاج إلى متابعة طبية كارتفاع ضغط الدم أو السكر، لكنه يخاف من الأطباء ويتجنبهم.
ومن بين الأمثلة العملية التي قابلتها مريض سمع برنامجًا تليفزيونيا عن مرض جنون البقر وأعراضه، وبدأت فكرة أنه مصاب بجنون البقر تهاجمه وتقحم نفسها في وعيه، وقد كان يعاني من نوبات شعور بالإرهاق والكسل، رغم أنه لم يبذل أي مجهود، وقد رأى في ذلك ما يثبت أنه مصاب بجنون البقر، وأن هذا هو أحد العلامات المبكرة، ولم تفده طمأنة أصدقائه، ولا أعضاء أسرته، ولا 7 أطباء قام بزيارتهم، وبدأ يخاف من أكل لحوم البقر! بل إنه كان يتجنب الجلوس على مائدة عليها من يأكلونه، وكان عادةً ما يحس بالدوخة والرغبة في التقيؤ مع خوف وتوتر شديدين إذا رأى من يأكلون لحوم البقر، وكان فضل الله عظيما إذ تحسنت أعراضه تماما بعد فترة من استخدامه لأحد العقاقير المستخدمة في علاج الوسواس القهري "الم.ا.س.ا SSRIs".
وأما الصنف الثالث: فهو مريض المراق الاكتئابي: وهو مريض عادةً ما يكون جوهر اضطرابه هو الشعور المبالغ فيه بالذنب بسبب خطأ ما وقع فيه، بحيث يكون المرض الخطير الذي أصابه في رأيه هو العقاب العادل من السماء، ومن بين هؤلاء المرضى من يستسلمون تماما لفكرة إصابتهم بالمرض الخطير فيبقونها سرا، ومن بينهم من يتجنب الفحص لدى الطبيب، لأنه لا يرى داعيًا لفرط اقتناعه بأن هذا هو العقاب العادل الواضح من السماء.
وفي حالتك أنت يا أخي السائل تبدو أعراض القلق واضحة وغالبة بل إن أعراض القلق الجسدية لديك قد تصل إلى حد نوبات الهلع، وذلك ما قد ينتج عن تعرضك لمثير ما تفسره أنت على أنه يعني الإصابة بمرض خطير، وأرجو ألا تفهم من ذلك أنك تعاني من اضطراب نوبات الهلع، لأن من الأسئلة التي يفضل أن تعرف الإجابة عليها سؤال: نوبات الهلع : عرضٌ أم تشخيص !؟!
وأما ما تسميه بالتشنج في أطراف الرأس هو ما يسميه المصريون "تحزيمة على الرأس" وما تسميه الكتب الغربية Head Bandage، وهو أحد أشهر أشكال صداع التوتر Tension Headache، والذي كثيرا ما يصاحب حالات القلق والاكتئاب بوجه عام.
وفي النهاية نقول لك أن الطبيب النفسي الذي استمع لوصف حالتك بتفاصيلها وهو يراك وتراه وسألك وأجبته فعرف ما لم نعرف، كان أقدر منا بالتأكيد على تحديد التشخيص الحالة وتحديد العلاج المناسب، وأما خوفك من الأدوية نفسها فأمر تحتاج فيه إلى العلاج المعرفي، كما ننصحك بأن تسمي الله قبل ابتلاع الأقراص، وأن تتابع مع طبيبك النفسي الذي أشرت إليه أو مع غيره من أهل التخصص، وأهلا وسهلا بك دائما فتابعنا بالتطورات.