مشكلتي أن والدي عصبي أكثر مما يجب، قد تصل معه الأمور أن يكسّر حاجبات المنزل، لكن لا يمد يده علينا. هو قد يعود من العمل متضايقاً جداً فيفرّغ غضبه فينا ويستمر في الصراخ ويكسر أي شيء يجده أمامه.
دائماً يحرجنا في حضور أي أحد نحبه، يعني أختي مخطوبة لكنه لا يتوانى عن أن يصرخ في وجه أمي في حضور خطيبها. لقد بدأت أكرهه، لم أعد أحبه كما في السابق، وأود حين يفتعل أي مشكلة في البيت أن أواجهه لكن لا أستطيع، كل ما أستطيع فعله هو أن أدخل غرفتي وأبقى وحدي وأبكي وأكتئب. بدأت أقصّر في دروسي ومذاكرتي،
أريد حلاً لمشكلتي، كيف يمكنني مواجهته؟.
رد المستشار
السلام عليكم، أختي الصغيرة، فلنبدأ بخير الكلام قال تعالى (وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاهُمَا فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلاً كَرِيماً) (الإسراء: 23)، من هذه النقطة نبدأ؛ أساس تعاملنا مع والدينا "الإحسان" والقول الكريم.
ذكرت في رسالتك أن والدك عصبي جداً أكثر مما يجب... يصل غضبه إلى حد تكسير ما تصل له يده في المنزل، لكن لم يرفع يده على أحدكم... ألا يرن هذا الفعل جرساً في ذهنك؟ أنا لا أعلم ظروفكم أو عددكم أو طبيعة عمل والدك ولكن لنرسم معاً الصورة.
تصوري معي... والدك في العمل؛ مسؤوليات، ضغوط، قد تكون طبيعة عمله غير مريحة بالمرة، قد يكون متضايقاً من رب عمله أو زملائه... ضغوط تلبية متطلبات الأسرة مادياً.. حاجاته كإنسان تمضي أيامه ليلاً ونهاراً وهو يعمل من أجل حاجاتكم الأساسية وكأنه لا بد أن ينسى نفسه. كل هذا يحمله والدك "كالقفة" على رأسه كل يوم، وهو عائد لكم من عمله ولاحظي أنها لا تصغر بل تكبر.
لو أنك مكانه تحملين هذا الحمل فوق رأسك فماذا سيكون أول شيء تفكرين بعمله حين تصلين بيتك؟ تماماً، كأني أسمعك تقولين: "أن أنزل "القفة" من فوق رأسي وأرتاح قليلاً". لكن إذا وصل والدك ووجد في البيت تياراً آخر من الضغوطات يضيف إلى حمله فماذا ستكون ردة فعله؟ أو ردة فعلك لو كنت مكانه؟ غضب... نعم ردة فعل إنسانية جداً، وغضبه واضح جداً أنه موجه للظروف "للتعب" وليس لكم لأنه لا يؤذيكم ويتفاداكم.
عزيزتي، كل هذه المقدمة لأوضح لك شيئاً واحداً: والدك يحبكم.. وأنتم كذلك، وهذا يفسر اكتئابك وترددك في طريقة المواجهة، فنحن لا نخاف من جرح إحساس من نكره بل من نحب.
إذا كنا اتفقنا حتى الآن "إن شاء الله" فلننتقل للحل؛ قد يساعدك على المضي في الحل أن تعرفي أن الشخص العصبي إنسان فاقد للثقة في نفسه، وفاقد للحب والحنان، وقد يكون هذا الفقد حصل في بداية حياته وحمله معه، لذا فهو يحتاج جداً للتعويض، يحتاج للحب والاهتمام والاحترام والتقدير والثناء، كلما أعطيتموه من هذه الأشياء في حياتكم اليومية أصبح أقل عرضة للنوبات العصبية.
إذن كيف يمكن أن نتجنب نوبات غضبه أو نقللها؟
0 ساعدي والدتك -أنت وباقي إخوتك- لتهيئة جو هادئ في البيت قبل وصوله مهما كانت الظروف، يمكن لكل الأمور أن تنتظر قليلاً حتى يصل ويستقر وتهدأ نفسه و... يتخلص من "قفة" الهموم من العمل.
0 اعرفوا نفسيته جيداً وحاولوا مراعاتها؛ لا تتحدثوا معه -أنت أو إخوتك أو والدتك- في وقت يكون فيه مستفزاً أو غاضباً أو متعباً أو حزيناً، امنحوه بعض الوقت ليفضفض ويشتكي ويخفف من حمله.
0 عندما يدخل البيت لاحظي تعابير وجهه، إذا شعرت أن ملامحه يبدو عليها ملامح الغضب أو أنه يتنفس بسرعة، أو ينظر بشدة، أو يتلفت بقوة فاعرفي أنها علامات تدل أنه على وشك الانفجار في لحظة غضب فتجنبي أنت وإخوتك الاحتكاك معه أو إثارة أي مواضيع نقاشية أو إخباره عن مشاكل.
0 تقولين لا تعرفين كيف تواجهينه، ولا أقول واجهيه بل كلميه بحب فهو والدك حبيبك، تحدثي معه في مواضيع تهمه أو يحبها.. أو مواضيع تجعله يضحك.. وإذا اضطررت في يوم لظرف ما أن تحاوريه فكوني في حوارك معه لبقة واحترميه. لا تستفزيه بالإصرار على رأي ما، أو معارضته بحدة، أو الاستهزاء به أو بكلامه، بل اطرحي رأيك بلباقة واسأليه عن رأيه باحترام. الإنسان العصبي في حاجة للتقدير والاحترام وإذا أعطيته التقدير اللازم لن يثور عليك.
حسناً، وإذا ثار فعلاً وغضب كيف تتعاملين معه؟.
حالياً ما تقومين به نوعاً ما مناسب وهو أنك تتوجهين لغرفتك ولا تبادلين نوبة غضبه بنوبة غضب منك، وهذا تصرف حكيم منك. في اللحظة التي يغضب فيها بشدة ويبدأ بالصراخ، راعي التالي -وطبعاً نصيحتي أن يطبق أفراد البيت النصيحة نفسها للتعامل معه-.
- كوني هادئة ومتماسكة وقوية.. انتبهي لا توتري، فكثرة الكلام والحركة، والبكاء، والنحيب، والخوف.. كل هذه الأمور ستزيد من غضبه وعصبيته. إذا كان الكلام موجهاً لك لا تقفي بخنوع وخوف وذل بل قفي أو اجلسي بثبات منتصبة القامة ولكن باحترام. وإذا لم يكن موجهاً لك فانصرفي لغرفتك.
- لا تنظري إليه بحدة، ولا تجعلي نظراته تبدو بلا معنى وكأنك لا تهتمين به وبكلامه، انظري إليه باهتمام لكن دون حدة، واستمعي له جيداً وأكدي له أنك تسمعينه، فأشد ما يمكن أن يثير غضبه أن يشعر أنك لا تسمعينه ولا تعرفين ماذا يقول.
- حاولي تجنب بعض العبارات مثل عبارة: «لماذا أنت غاضب؟!» أو «هذا لا يستحق الغضب» أو «هدئ أعصابك لا داعي لك هذا!» فهذه العبارات تشعره أنك لا تقدرين موقفه ولا تفهمين.. لذا فسيغضب أكثر! لكن قولي له مثلاً «فعلاً هذا الأمر يثير الغضب، معك حق، وبإذن الله لن يتكرر» ستجعله يهدأ لأنه سيشعر أنك تقدرين شعوره.
- إذا أردت كسب زوجك العصبي احتويه بالحنان والعطف والتقدير، وعامليه بلطف وتقدير وإجلال، وبيني له مشاعرك وتقديرك وسترين كيف تستطيعين علاجه بإذن الله، ولا تنسي أهمية الدعاء له وفقك الله.
في النهاية عزيزتي،
كوني أنت الأقوى تقربي لأبوك ودلليه، ربما تكونين مصدر أمانه وهدوئه في المنزل، فبداخل كل إنسان نقطة ضعف، ابحثي عن ضعف أبيك واستغليه بالطريقة الصحيحة.
وعندما يكون خارج المنزل قومي و"فرفشي" مع أمك وأخواتك لئلا تكونوا مشحونين وقت وصوله، ولا تدعي أي ضغوطات تؤثر على دراستكن فهي مفتاح الحياة الجديدة لك.
أسعد الله قلبك.
واقرئي أيضاً:
كيف أتعامل مع أبي؟؟
لا أستطيع التواصل مع أبي