كئيبة وأشعر بالذنب..!؟
سأحاول قدر المستطاع أن أصف مشكلاتي وسأكتبها على هيئة نقاط.
1- أنا طالبة في مرحلة إعدادي هندسة، أشعر بالخمول الشديد وعدم الرغبة في المذاكرة، وكلما جلست لأذاكر لا أكمل النصف ساعة حتى يشرد ذهني فأقوم!.
2- كثيراً جداً ما أشعر بالاكتئاب والضيق ويلاحظ كل من أقابلهم ذلك، فهم بسألنني إن كنت متضايقة أو مريضة؟؟ وهذا الشيء لا أعلم سببه فأنا لا أحاول العبوس لكن يظهر هذا على وجهي.
3- دائماً ما أشعر أن قدراتي أقل ممن حولي وأفكر في الفشل وأنني سأصبح مهندسة فاشلة أو زوجة فاشلة.
4- أخاف من فعل أي شيء جديد؛ أريد المشاركة في الأعمال التطوعية أو الخيرية لكن أجد نفسي خجلة وخائفة.
5- أحياناً أبالغ في مشاعر القلق والخوف.
6- كنت أحياناً أصحو ليلاً مفزوعة وخائفة.
7- أخاف من الالتزام لإحساسي بأني لن أستطيع الإلتزام.
8- لا أحب أي شيء في حياتي! فمثلاً، لا أحب أصدقائي جداً!.
9- أنا جميلة والحمد لله (بحسب ما يقول الآخرون) ويوجد العديد من الشبان في الكلية يلمحون دائماً بالإعجاب أو حتى الحب وهذا يشعرني بالضغط والضيق، فأنا لا أبادل أي منهم نفس الشعور..
10- كنت أمارس إحدى الرياضات الفردية لكني فشلت فيها، كنت أثناء المباريات أشعر بالخجل والتوتر وبرغبة في انشقاق الأرض وابتلاعي حيث يراني كل الناس.
أما بالنسبة لحياتي فأنا تربيت في أسرة عادية لكني كنت طفلة غريبة "فليلاً" فقد كنت عصبية جداً وأحياناً أمزّق الملابس مثلاً! أو أكسر الأشياء عند الغضب.. لكن كنت دائماً طيبة جداً... كنت أشك في أمي ولا أعرف لماذا -إنسانة طيبة ومحترمة جداً- فإذا تحدثت مع أي رجل أشعر بالشك والغيرة وأعاملها بقسوة.
كنت دائماً متمردة على أسلوب حياتنا فكان يضايقني ألا أجد أبي وأمي يحبان بعضهما.. ولم تكن علاقتي بأبي جيدة فهو إنسان طيب لكن لا يوجد صداقة بيننا، فقد تمر الأيام والشهور لا نتحدث إلا مثلاً "صباح الخير يا حبيبتي" "صباح الخير يا بابا"! وكنت ألاحظ دائماً اهتمامه بأخي أكثر مني ومن أختي، ونظرته لأمي نظرة دونية، وعامة تسود الأجواء حالة من السلبية.
في المدرسة كنت طفلة مرحة جداً ويلاحظ الجميع ذكائي الشديد، كان لي أصدقاء كثر، لكن كنت إذا اتخذت صديقة مقرّبة أنقلب عليها بعد فترة دونما سبب واضح وأكرهها وأشمئز منها. حتى الصف الثالث الإعدادي تعرفت على شاب على النت وأحببته جداً جداً وكنت لا أفكر إلا فيه ولا أهتم إلا به.. لكنه كان حبّاً من طرف واحد وفشل طبعاً وابتعدت عنه بعد أن ألمح لي أنه لا فائدة.. فمسحته من عندي وبدأت رحلة العذاب..
أصبحت كئيبة جداً، وفي الصف الأول الثانوي أصبحت دائمة الحزن ولم يعد لي أصدقاء، ما زال الجميع يحبونني لكني كنت أبتعد عنهم وأجلس وحيدة، حتى تركت المدرسة في الثانية ثانوي. كنت أشعر بالغربة في مدرستي الجديدة رغم أن الجميع كانوا يحبونني ولكني دائماً صامتة... في تلك الأثناء صرح لي شاب كنت أعرفه في الواقع بحبه لي.. وأخذ يقنعني بالارتباط وأنني سأحبه، وجدتني أوافق رغم رفضي للمبدأ لكني كنت كمسلوب الإرادة، فأنا لا أجادل أحداً وكأن ليس لي رأياً (حمقاء) وظلّ هذا الشاب يحاول معي أن أحبه لكنني لم أحببه والطبع كنت أضعف من أن أواجهه بهذا، فاكتملت رحلة العذاب!
أنا أشعر بالذنب تجاهه وأشعر أنني أخدعه، لكنني لا أستطيع المواجهة وهذا أثّر على دراستي كثيراً وأثّر في نفسيتي فكنت دائماً مكتئبة... في أثناء امتحانات الثالث ثانوي أصبت بحالة من الضيق الشديد فكنت تحت ضغط كبير جداً، وكنت أبكي كثيراً ولا أستطيع المذاكرة جيداً، لكنها مرّت على خير الحمد لله، وحصلت على مجموع مكنني "بالكاد" من الالتحاق بكلية الهندسة الحمدلله... دخلت الجامعة لكني لم أكن متحمسة جداً..
انقطع هذا الشاب عن مكالمتي وأنا أيضاً... في الكلية أعجب بي الكثير من الشباب لكني لا أشعر بشيء تجاه أحد منهم، فأنا أشك بقدرتي على الحب، أريد أن أعيش حياة طبيعية وأن يكون لي هدف وأن أثق بنفسي وأجد لنفسي هدفاً، أريد أن أشعر أنني حيّة وأن أحب أصدقائي وأن أجد حبّاً حقيقياً لكنني للأسف أشك في قدرتي على كل هذا.
آسفة للإطالة.
وشكرا لكم
12/03/2010
رد المستشار
كنت في السابق أتصور أن الإحباط وفقدان الثقة بالنفس والفشل في إقامة علاقات حقيقة ينتج عن الشخصيات الغبية أو التي لم تلق في بيتها سوى الاستهزاء والتحطيم المباشر، لكن بعد التخصص وخبرة الحياة عرفت أن الشخص النابغ والحساس المبدع، والشخص الذي لم يتعرض لتحطيم واضح ومباشر ولكنه فقد الدفء والمدح والإحساس بالأمان والرعاية النفسية والتربوية الجيدة والتفهم لطبيعة شخصيته هو أكثر عرضة لفقدان الثقة بالنفس وفقدان التناغم مع من حوله في الحياة والعلاقات... أظنك منهم يا ابنتي!
أنت فتاة خرجت من بيت جدرانه تشع برداً، وأبوين لا يكترث أحدهما بالآخر، ويعيشان معاً القصة القديمة؛ قصة "عايشين عشان الأولاد وخلاص" والتي فرّخت ملايين البيوت الواهية، وأنجبت ملايين الأشخاص المحبطين والمكتئبين التائهين، غير القادرين على التكيف مع النفس أو البشر أو طبيعة الحياة، فصرت مع الأسف النموذج العادي لمعظم بيوتنا، نموذج المحبط الذي لم يحقق أحلامه، والتي قد لا يعرفها جيداً من الأساس، لأنه لم يعرف نفسه وظلّ يحاربها دون أن يعرف لماذا ولا حتى متى سيظل يحاربها؟؛
ورغم كونك شخصاً صار وضعه ونفسيته "عادية" في تلك الحياة، إلا أننا دوماً نجد "الأمل" في قصص الناجين أو بمعنى أدق قصص الناجحين الذين يعيشون معنا ذات طرق التربية السلبية ونفس النماذج الوالدية إلا أنهم قرروا أن يكونوا هم المنتصرينز وكما تأكدت من الفكرة السابقة تأكدت كذلك أننا مع الظروف نكون في حالة اختيار! فهناك من يختار"الاستسلام" والنواح ورفع الراية البيضاء ويظل تحت لواء "الخوف من كل شيء وأي شيء" حتى لو تقافزت من حوله النماذج المختلفة لأنه يخاف أو لا يثق في قدراته، وآخرون اختاروا أن يكونوا "قادة" لأنفسهم وظروفهم ويتكيفون تحت لواء "استخدام المتاح لاستخراج أفضل النتائج".
والفارق بين الجماعتين كبير: بداية من طريقة التفكير والعزيمة ودفع ثمن هذا الاختيار، مروراً بالاختبارات والدأب، وانتهاء بالفوز أو الفشل. ولولا ظني بأنك لست في مساحة المرض النفسي المزمن لقلت لك اهرعي فوراً لطبيب نفساني ليعالج اضطرابك النفسي، ولكنك نفسياً تعانين من الاكتئاب التي صارت أعراضه واضحة جليّة، فأنت لست مقبلة على شيء، تنظرين لنفسك نظرة دونية، تلومين نفسك، كسولة، لا ترغبين في عمل أي شيء، وأتصور اضطراب نومك وطعامك بالزيادة أو النقصان، وكل ما سبق هي أعراض الاكتئاب كما يقول الكتاب، لذلك، أتمنى أن تبدئي بالعلاج الذاتي وإن كان صعباَ بالآتي:
* أن تنظري لما آل إليه حالك من تيه وعدم رضا لما صرت عليه، وتذكري أنك استسلمت وكانت النتيجة صفراً، وأنه وجب أن تسلكي الطريق الآخر الذي سيتطلب جهداً ووقتاً ولكنه سيحقق التغيير.
* تعلمي أن تنظري لنفسك بحيادية، فلو كنت أتحدث معك عن فتاة تتمنى الالتزام، تعرضت لضغوط نفسية وعاطفية في أوقات دراسية حرجة وتمكنت من دخول كلية من كليات القمة وأنها تتمنى العمل التطوعي وكل من حولها يحبونها ويشكرون أخلاقها وتفوقها، وأنها ذات وجه جميل فكيف سترينها؟، فالاكتئاب يجعل النظرة سوداء يسلب الأشياء مذاقها ومعناها، فانتبهي لأن ظلال الاكتئاب هو ما يجعلك تشعرين بتلك المشاعر.
* ثقتك بنفسك أزمة مفتعلة تكاد تكون مزيفة؛ فالفاقد لثقته بنفسه لا يجد لنفسه محيطاً اجتماعياً، ولا يكون محبوباَ، ولا يقهر ضغوطه! ولكنك تجهلين مفاتيح الحياة ومفاتيح التعامل مع البشر، تفتقدين للحوار العميق الذي يعلمك تلك الأمور والباقي أنت أهل له؛ لأنك إنسانة ذكية ومبدعة، فكل ما تحتاجين له الخبرة التي ستتراكم بمرور الوقت والمواقف والتجريب كباقي البشر، ومشورة شخص حكيم ثقة، فأنت كالتلميذ النجيب الذي ينقصه خبرة الزمن والأستاذ الجيد، جِدي لنفسك هذا المستشار الثقة ليشير لك فقط على المعاني والمفاهيم وطبيعة الحياة والبشر فتتفوقين عليه!.
* قصة ضعف تحصيلك ليست هي حقيقة المشكلة وإنما هي أعراضها، أما حقيقتها أنك مكتئبة، وتحتاجين لكسر دائرة الاكتئاب السخيفة التي يتم كسرها بأن تقومي بعمل كل ما تشعرين بأنك ترفضين القيام به لأنك لا ترغبين به، فتذاكرين بشكل مناسب لواقعك فتذاكرين النصف ساعة ثم تقومين لعمل شيء لتعودي مرة أخرى لنصف ساعة أخرى وهكذا، تتواصلين مع أصدقائك ولا تتركي نفسك وحيدة، وقومي بالأمور التي كانت تسعدك قبل اكتئابك حتى ولو كنت كارهة فالتكرار سيفك تلك الدائرة، خاصة وإن تحسنت الأمور فسيشجعك ذلك كثيراً.
* زيدي ثقتك بنفسك بالقراءة والاطلاع، وممارسة الهوايات والرياضة البسيطة لتحققي انجازات تشجعك، وتذكري أن الثقة بالنفس تنبع من الداخل وأن الثقة بالنفس ليس معناها النجاح الدائم والإقدام المستمر، لكن الثقة بالنفس معظمها مكتسب بالتجريب وتكرار المحاولات التي تؤكد وجود قدرات لدينا نكتشفها بمرور الوقت.
* وثّقي صلتك مع الله سبحانه العليّ القدير بالطريقة التي تناسبك وبالعبادات التي تؤثر فيك أنت.
* حين يفوتنا شيء أو أشياء في تربيتنا، فلا يجوز لنا أن نتنصل من مسؤوليتنا نحن تجاه تربية أنفسنا، فلو كسلت أو عجزت عن أداء ذلك لنفسك فما الذي تنتظرينه غداً أو بعد غد؟ أو ماذا ستنتظرين ممن حولك لك؟، لا تكوني بخيلة على نفسك بالحب والرعاية فأنت تحتاجينهما كثيراً، فهدفك الدراسي واضح، يبقى هدفك الاجتماعي، وهدفك مع الله سبحانه، والحمد لله أنت لم تذكري كرهك لدراستك وتتمنين القرب منه سبحانه، وتتمنين نضوجك في علاقاتك، فلتربي نفسك على مفاهيم التقبل، والتكيف مع الآخر، والعطاء، لتتنسمي مشاعر الحب التي يمكن تعلمها بالتكرار والاستشعار بها عن عمد.
* إن وجدت نفسك لا تتمكني من بذل هذا الجهد وحدك فلا مفر من التواصل مع طبيب لعلاج اكتئابك دوائياً والذي سيزيل الكثير من المشاعر السلبية لديك ويفتح الطريق للتغيير ببرنامج علاجي ومعرفي سلوكي من خلال جلساتك معه.
وأخيراً، سأرد على تساؤل قد يرد لرأسك حول معرفتي بشخصيتك وكأني أعرفك، فأقول لك، كلمات بعينها ذكرتها في سطورك تفصح عن شخصيتك التي أدمنت على نكرانها وتحقيرها جعلتني أراك من الداخل ولن أبوح لك بها؛ لأنها كما يقولون "سر المهنة".