الزواج والاختيار العاطفي والعقلاني
لا أريد أن أطيل عليكم، كل ما في الأمر أن أحد زملائي في العمل أعجب بي وطلب أن يتقدم لخطبتي فوراً، ولكنه أراد في البداية أن يوضح لي ظروفه المادية فرفضت الكلام معه من أجل تكبير مقام أهلي لأن هذا الكلام لابد أن يكون مع أبي.
وفي تلك الأثناء كنت لا أحبه وكانت مشاعري نحوه مجرد إعجاب، فأخبرتهم في المنزل، ومرت الأيام وتقابل والدي مع زميلي، وبعد رجوعه من المقابلة أخبرني والدي أن شقته في بيت عائلته ويعيش فيه أمه وخاله وعمته، بالإضافة إلى أن مستوى سكنه والمنطقة التي يسكن فيها غير مناسب. رغم أن له منصباً في عمله ومرتبه جيد، ولكن أمي أصرت أنه لا يصلح لي، وعنفتني وقالت لي هذا ليس مستوى تنزلين إليه، قلت لهم أن هذه مجرد بداية وأنه إنسان طموح، وسيستطيع بإذن الله أن يجهز شقة في المستقبل، فلم يقتنعوا وسخروا من كلامي واعتبروه أوهاماً، وقالوا أن أهله لن يتركوه فهو ابنهم الوحيد، فلم أحزن لرفضهم كثيراً، ولكنه كلمني بعدما عرف رد أبى وقال لي: "ألم أطلب منك أن تعرفي ظروفي من البداية لكنك رفضت، ولماذا يرفضونني وأنا بحمد الله شخص جيد وقد رباني أهلي تربية جيدة وتعلمت أحسن تعليم؟؟".
فلم أرد عليه لكي لا أجرحه بالحقيقة، وحاولت تهوين الأمر عليه، وفي نهاية المكالمة قال لي: "هل أنت على استعداد أن تنتظريني سنة ونصف أكون فيها قد جمعت ثمن الشقة؟؟" فوجدتني أجيبه مباشرة وبدون أن أطلب منه مدة للتفكير: "نعم سأنتظرك" ومن وقتها بدأ حبنا.
وأصبح حبنا يزيد يوماً بعد يوم، وكنت أراه كل يوم في العمل، وعشنا كل لحظة في حياتي وحياته، وعرفنا طباع بعضنا البعض، وكنت بين الحين والآخر أحاول أن أتحدث عنه في المنزل لعلهم يلينوا من ناحيته، فأخبرتهم مرة أنه سأل علي، ومرة أن راتبه قد زاد أو أنه ترقى في العمل، حتى يفهموا أنني أريده. وصرت أرفض مقابلة أي شخص يتقدم لخطبتي، ولو اضطررت لإرضائهم بمقابلة خطيب كنت أقول أنني لا أجد قبولاً وفعلاً لم أكن أجد أي قبول. وكانت تلك الفترة فترة ضغوط نفسية شديدة.
وبعد شهور أخبرني زميلي أن أهله تشاجروا معه حينما أخبرهم بأنه يريد شراء شقة وقالوا له كيف تشتري شقة وأنت لديك شقة بالفعل وأنت أولى بهذا المال الذي ستشتري به الشقة. فصدمت لذلك فالسبب الذي وافقت على انتظاره على أساسه ووعدته بذلك من وراء أهلي هو وعده لي بتجهيز شقة. وأخذت قراراً بأن أتركه لكنني لم أستطع لأني أحببته، ومرت الأيام واستمرت ضغوط البيت بسبب العرسان والزواج من ناحية ومعه من ناحية، لكننا مهما تشاجرنا كنا نعود لبعضنا سريعاً. وقد أعطاني حباً كنت أحلم به طوال حياتي، وحتى لو كنت أنا المخطئة كان هو الذي يكلمني أولاً ويسأل دائماً عني ويحتويني ويشعر بي.وقد أعطاني أشياءاً كثيرة لكن أكثر ما يغضبني منه كانت عصبيته المفرطة لأنه يشبهني في ذلك كثيراً فكنا نتشاجر لكننا نحب بعضنا بشدة.
وحاولت أفتح الموضوع مرة ثانية في المنزل لكنهم قالوا لي "ما الجديد"؟ قلت مرتبه قد زاد وقد يستطيع في آخر السنة أن يوفر مبلغ ستين ألف جنيه ويشتري شقة، حيث أن لديه شقة معروضة للبيع وغير صالحة أساساً للسكن وقد وعده والده بأن يعطيه جزءاً من ثمن بيعها، وأنه يحاول إقناع أهله بشراء شقة أخرى، المهم وبعد محاولات شاقة لإقناعهم أن يقابلوه ويسمعوا منه، وفعلاً أخذ موعداً وقابل والدي، ولكن والدي أخبرني أنه قد غير كلامه، وأنه يضحك علي وأنه بدلاً من أن يتعهد بشراء شقة جديدة لوالدي، استمر في الحديث عن الشقة التي في بيت عائلته، وغضبت جداً من زميلي وكيف أنه رجع في كلامه الذي وعدني به بعد أن بذلت مجهوداً كبيراً في إقناعهم بمقابلته. لكنه قال لي أن والدي هو من لم يقتنع بأن ذلك المبلغ يمكن أن يكفي لشراء شقة، وأنه –أي والدي- من عقد الأمور فعدنا للكلام على الشقة الأولى؛
فأخذت موقفاً حازماً من أهلي ومنه، وكنت أشعر أنني مظلومة بينهم، ومرت سنة ونصف وكانت الأيام تمر علي بصعوبة جداً، لأن حبي له وحبه لي كان كبيراً، وكنا نتمنى أن يأتي اليوم الذي يجمعنا معاً دون أن نتخفى من الناس ونشعر بأننا لا نفعل شيئاً خاطئاً. وقاربت سنتان على الانتهاء على هذا الحال وأنا أرفض كل عريس، وكنت أرفض لأنني بالفعل لم أجد ميلاً لأي أحد سواه، وحينما وجدوا نفسيتي في حالة سيئة قالت لي والدتي أن أطلب منه المجيء لمقابلتهم وأنه مادام يحبني فسيوافقون على زواجنا وسيقبلون بظروفه الحالية كبداية.
وكنت أشعر أنني في حلم من شدة فرحتي وشعرت أن قلبي سيتوقف عن الخفقان من شدة السعادة. وطلبت منها أن تعيد الكلام على مسامعي عدة مرات لأتأكد أنني لا أحلم، وكان هو خائفاً جداً وغير مصدق لأنها ستكون المرة الثالثة التي يتقدم هو وأهله فيها لخطبتي، لكن حينما حضروا لمقابلة أهلي وجدت أن والدتي لم تتقبل والديه، بل ولم تعطه هو أي اهتمام. وتجاهلت أنا الأمر ورغم كل شيء فقد اتفقوا على الشبكة والمؤخر. وقال لي بأنه سيزيد على ما اتفقوا عليه ليحضر لي أجمل شبكة، وأنه حينما تتحسن أحواله فلن يبخل علي بأي شيء. لكن والدي رفض قراءة الفاتحة قبل أن يزورهم في منزلهم، وهو مما زاد قلقي، لكن فرحتنا لم تكن توصف، ونزلنا معاً واخترنا الشبكة، وحلمت بالفستان الأبيض والفرح.
وكان والديّ انزعجا حينما رأوا أهله ورأوهم أقل من المستوى، وكل ما في الأمر أنهم أناس بسطاء، فوالدته كانت ممرضة ووالده يعمل حداداً في أحد المصانع، ويعمل عامل دهان بعد الظهر وهي كلها أعمال شريفة لكسب العيش، وذهبنا لزيارتهم مع والدي ووالدتي وأخي الأكبر، وما أن خرجنا من بيتهم حتى ثاروا علي بشدة وقالوا أنه من المستحيل أن يتركوني أسكن في بيت كهذا البيت الذي يشبه العلبة، وأنه حتى لن يتسع لما سيجهزني أهلي به من الأثاث، وأنهم يرفضون طريقة حياتهم وطريقة ملبسهم والمنطقة التي يعيشون فيها.
وهكذا تكرر المشهد للمرة الثالثة، وقلت في نفسي "لماذا إذن طلبتم أن يأتي لمقابلتكم وأنكم تقبلون ظروفه وتعرفون أين يسكن، وتعرفون والديه فهل فقط ما غيركم هو دخول منزلهم من الداخل"؟؟. أعترف بأن بيتهم ليس هو البيت الذي أحلم به، لكننا يمكن أن نصعد السلم درجة درجة، لأنني أحبه. وهكذا صدموني وكسروا فرحتنا، ومنعوني من الذهاب إلى العمل. وبعد فترة عدت للذهاب إلى العمل، وسمعت أنه انهار، وحينما حاولت الحديث معه بعد غياب تكلم معي بأسلوب عنيف، لكنني عذرته في ذلك لأنه أهين كثيراً من أهلي.
والغريب أن أهلي فهموا أن إلحاحه في الارتباط بي أنه يتحداهم وأنه يطمع فينا والكثير من الكلام الغريب الذي لا معنى له. وساءت علاقتنا أنا وهو فعلى أي أساس سنتحدث مع بعضنا بعد أن رفضوه؟ وفي ذلك الوقت تقدم لخطبتي أحد زملائي في العمل وهو في منصب مدير زميلي الذي أحبه المباشر. ورفضته لسببين لأنني مازلت أحب زميلي الآخر (محمد) وأنتظره حتى يأتي الفرج من الله، والسبب الثاني أن محمد لم يكن يحب ذلك الشخص. لكن أهلي لم يسمحوا لي بالرفض، فقالت لي أمي أنها تشعر أنها ستموت، وأن والدي مريض بالقلب ولن يعيش طويلاً، ويريد أن يطمئن علي.
وظل إلحاح إخوتي المتزوجين وقولهم أن أهم شيء هو رضا أهلي، وأنني سأكسب إذا نفذت كلامهم. وكنت أتمزق من داخلي ولا أستطيع إخباره بالأمر، ولكنني أخبرته دون أن أخبره من الشخص المتقدم، وكان من الصعب عليه جداً أن يسمع أن أحب الناس إليه والتي يتخيلها كزوجة ستكون لأحد غيره فما بالكم إذا عرف بأن ذلك الشخص هو مديره المباشر. وتمت الخطبة بسرعة رهيبة، ولم أشعر للحظة بالفرح، وقلت في نفسي أنني سأرضيهم وفقط ثم بعد ذلك سأقول أنني لا أريده لأنني كنت مقتنعة أنني لن أتفق معه فنحن مختلفون في أشياء كثيرة.
وعانيت كثيراً في البداية، وكنت أفتعل المشكلات لكي أتركه، لكن أهلي كانوا يتدخلون لحل المشكلات. وقد مضى عليّ في هذا الوضع ستة أشهر، وأنا أختنق يوماً بعد يوم وأنا أرى حبيبي، لأن خطيبي يعمل في نفس المكان الذي يعمل فيه، وصرت أتذكره كلما تحدث خطيبي عن العمل، وكلما غضبت من خطيبي أو كلما مازحني أو كلما قال لي كلاماً عذباً أشعر أنني أسمع هذا الكلام من حبيبي الذي تمنيته كزوجي وحبيبي في كل وقت وفي أحلامي. وأتذكر تخطيطنا لحياتنا وأولادنا. وصرت غير قادرة على منح نفسي فرصة لأن أحب خطيبي أو أشعر بالميل له رغم أنه على خلق ودين ويطبق شرع الله، وأهله أناس محترمون ومتيسرون مادياً، وهو هادئ الطبع لدرجة أنه يستفزني بهدوئه لأن الهدوء ليس مطلوباً طوال الوقت.
كما أنه كريم ومتفاهم ويحبني ويريد أن نطبق شرع الله في حياتنا وأن يكون منهجاً لمستقبلنا. ولكنني لا أجد نفسي معه، وكثيراً ما أشعر أنه لا يستطيع فهمي، وأقول له عما يزعجني منه ولكنه يكرر فعله وهو ما يخنقني ويجعلني أفكر في حبيبي السابق كثيراً. أشعر أنني تائهة. وحاولت التخلص من شعور الذنب وأن أخبرهم بأنني لا أريده فسخروا مني وقالوا أنهم يعرفون أنني أفتعل المشاكل وأنه لا يوجد سبب مقنع لرفضه، قلت لهم أنني لا أتقبله ولا أحبه ولا أتخيله كزوج فسألوني هل مازلت أحب زميلي السابق أو تفكرين فيه؟ فقلت لهم نعم، بعد عناء وحرج شديد لأنني كنت أخفي ذلك بداخلي. لكنهم في النهاية رفضوا وقالوا أنني سأتزوجه رغماً عني لأنهم تعبوا مني وإذا لم أفعل فلن يسمحوا لي بالذهاب للعمل أو الخروج وسيجعلونني كالخادمة في المنزل.
فوافقت على كل ذلك في مقابل أن أستريح من هذه الخطبة فأنا مازلت في أول الطريق وليس هناك ما يجبرني على الإكمال. وحينما قلت لهم أنني سأتحمل كل ما هددوا به ضربني والدي، وصرخت أمي وتشنجت. وبعد الضرب قلت لهم حاضر وسأعمل ما تريدون فهدؤوا تماماً وضحكوا وكأن شيئاً لم يكن. وأحسست أنني حمل ثقيل، وأنني سأتزوج والسلام. لكن أكثر شيء لا أستطيع تخيله أن أكون في حضن شخص لا أريده. أرجوكم قولوا لي هل أنا صح أم خطأ؟؟ أنا أريد أن أرضيهم لكن ليس على حساب سعادتي!!
أنا تعبانة جداً وأموت،
أرجوكم سارعوا بالرد من وجهة نظر الدين والمجتمع.
26/6/2010
رد المستشار
أهلًا بك يا أخت "رانيا"... إن من أصعب الاستشارات التي تأتي، الاستشارات التي مضمونها الصراع بين السائلة وأهلها من أجل الزواج من المحبوب!!
لماذا؟ لأن السائلة دائمًا تصف محبوبها بعينها هي لا بعين الواقع. ومن المعروف أن من يحب لا يشاهد عيوب محبوبه، وإن شاهدها، كانت عنده أحلى من العسل، وأهون من أن يتركه لأجلها!!
هذا يجعل الإجابة الحاسمة مستحيلة. والإجابة التي تضع الموازين وتترك السائلة لضميرها، غير مفيدة لأن السائلة تزن بالعاطفة لا بالعقل، فهي لا تحسن استخدام الموازين بحال من الأحوال.
الكلام المعهود في هذا: أنه ليس من حق الوالدين أن يجبرا ابنهما (ذكرًا كان أم أنثى) على الزواج بمن لا يريدا...
حتى مسألة ولاية الإجبار التي يذكرها الفقهاء بالنسبة للفتاة، وحق أبيها في إجبارها على الزواج ممن اختاره لها دون إذن منها (بشروط طبعًا)، حتى هذه المسألة، باتت أمرًا يحتاج إلى طول نظر في عصر انفتحت فيه المرأة على رؤية الرجال، وأصبح من الخطورة بمكان –على حياتها واستقرار أسرتها- إجبارها على من لا ترضاه ومن لا تعجب به....
من جهة أخرى يقال للفتاة: إن لك الحق في اختيار زوجك لكن بشرط أن يكون كفؤًا لك، بحيث لا يعد الارتباط به معيبًا لك ولأسرتك أمام الناس، لأن هذا أدعى لاستقرار الحياة الزوجية. فغدًا عندما تهدأ مشاعر الحب بعد الزواج، تفتح الفتاة عينيها وترى ما لم تكن تراه، وتصبح حياتها جحيمًا لا يطاق... لهذا وحرصًا على مصلحة الفتاة التي أُسِر قلبها فلم تعد تحسن الموازنة، جعل الشرع الحق لأوليائها أن يعترضوا -إن شاؤوا- على من تختاره إذا كان غير مناسب لها ولهم.
ويقال للأولياء أيضًا: لو رغبت ابنتكم بالزواج من كفؤ لها، فلا يحل لكم منعها، ولها أن ترفع أمرها إلى القاضي، فيزوجها رغمًا عن وليها.
والذي أستشفه من كلامك:
- أن الفارق بحسب رأي أهلك كبير بين الأسرتين، فلا السكن، ولا ثقافة الأهل، ولا الناحية المادية، مقبولة، وهذا فيه خطر كبير عليك وعلى أهلك من تعيير الناس لكم في المستقبل، وهو يهدد حياتك بالاضطراب.
- أيضًا من الملاحظ أن أهلك قد فكروا بزميلك وبمسألة قبوله كزوج لك كثيرًا، وقابلوه أكثر من مرة على أمل أن يحققوا لك رغبتك ويسعدوك، لكنهم في كل مرة يجدون الأمر غير مقبول نهائيًا لك ولهم. والنزول عند رغبتك في مقابلته لمرات ثلاث دليل على أنهم لم يرفضوه لسبب غير منطقي، أو ليظلموك وينفذوا رغبة جائرة.
- قضية عدم وجود القبول عندك لغير زميلك، قضية بديهية، حيث الحبّ بينكما قائم، وأمل الارتباط ما زال موجودًا. فلا يعول عليه عندك في الاختيار. فأخرجي الأول من قلبك تجدي مكانًا للثاني!! والمرأة لا يتسع قلبها لاثنين! وأخطر ما تعانيه الفتاة عند تعريض قلبها لتجربة حب، هو صعوبة ارتياحها النفسي لمن يتقدم إليها بعد تلك التجربة، وقبل أن تنسى. لهذا لما منعها الشرع من خوض تلك التجارب قبل الزواج، كان حريصًا على بقاء قلبها نقيًا مستعدًا لاستقبال المودة الزوجية، والسكون تحت ظلالها.
فلا أرى رفضك للخاطب الجديد مقبولًا ولا منطقيًا، ولا عبرة بما تشعرين به نحوه الآن.
النقطة الأهم في استشارتك، واستشارات أمثالك:
هي الثقافة التي تشغل ذهن فتياتنا وشبابنا، والمسخ الذي أصاب الأهداف والأحلام...
أظن، وأنت في سن السادسة والعشرين، وفي طريقك كي تصبحي أمًا لأطفال، عليك أن تعي هذه الحقيقة.
الطفل صفحة بيضاء، يقبل كل ما يلقى إليه، ويتربى عليه، والذي لا يعلمه كثير من الآباء أن علماء النفس شبه مجمعون على أن الخطوط العريضة للشخصية تتكون في السنوات الخمس الأولى للطفل، وأنه يتعلم في السنوات الثلاث الأولى نصف المعلومات التي يتعلمها طوال حياته!!
ترغب الأم بالراحة وهدوء البال، ريثما تنجز أعمالها، وتقول لأطفالها: اذهبوا فانظروا إلى التلفاز دون أن تهتم لما ينظرون إليه فيه، فالأمر بسيط، والولد ما زال صغيرًا لا يفهم!!
ولا تدرك أن شخصية طفلها ترسم في ذلك الحين: أغاني الفيديو كليب، وأفلام الحب، بل والقطة التي يعشقها القط توم، أو الفأرة التي يعشقها جيري.... هي التي تصوغ أحلامه وأهدافه، وهي التي ترسم مستقبله، وهي التي توجه سلوكه!! والولد يرى ما لا يراه الكبير، ويفهم ما لا يفهمه!!
فينشأ الولد والبنت، في أحلام الحنان، والرومانسية، وأهدافهما العشق والحب، وتبادل النظرات واللمسات، أما ما سوى ذلك من الأهداف السامية التي تستحق أن تكون أهدافًا، فهي في المرتبة الثانية -إن وجدت أصلًا- فلا تقوى على تسيير الشاب، ولا على توجيه سلوكه!!
هذا الكلام أثاره في ذهني قولك أن زميلك أعطاك حب كنت تحلمين به طول حياتك!! حياتك التي لم تتجاوز ستًا وعشرين سنة، كنت تشغلين أيامها الثمينة بأحلام الحب!! وأيّ حب؟ الحب الذي من المفروض أن يأتي متتمًا لأنواع كثيرة من الحب كان يفترض أن نعيشها في كل لحظة، مع ذاتنا، مع من حولنا، مع خالقنا، ثم يأتي الزواج، فنضم إلى سلسلة الحب هذه نوعًا آخر، وهو الحب بين الزوجين...
فنحن ننسى ما بين أيدينا من الحب، ونحلم بما لم يأتِ بعد، وبطريقة مشوهة!!
هذا الطفل الذي تربى على سماع عبارات الحب، والتعبير عن ذلك بشتى أنواع العبارات، لا يلام إن عبر عن رغبته في الزواج بطريقة مختلفة عما اعتاده أهلنا في ما سبق!!
واعذريني، فمرة أخرى عبارتك (والتي لا تنفردين بها) هي التي أثارت لدي هذا الكلام!!
وهي قولك: (أكتر حاجه مش متخيلاها إني أكون في حضن حد وأنا مش عيزاه)!!!
عبارة تثير في الذهن صورة امرأة في حضن رجل!! وتعبر بها فتاة عن علاقتها بمن تريد! أي تجعل من فعلٍ ينبغي أن يكون من أخص الخصوصيات بينها وبين زوجها، تجعل منه صورة متاحة يراها الجميع!!
أين ما أدبنا به القرآن، وما كان عليه سيد الخلق صلى الله عليه وسلم، من استخدام العبارات اللطيفة والسامية للتعبير عن مثل تلك الأمور ابتعادًا عن التصريح بها قدر الإمكان؟!
أما كان يمكنك القول: أن أعيش، أو أرتبط بمن لا أريد، دون أن تثيري في الذهن هذه الصورة البعيدة عن حياء الفتاة المسلمة؟!
ليس الذنب ذنبك، فاللغة تكتسب من المجتمع، ومما يسمعه الإنسان، والعبارات المتاحة هي ما تستخدمينه!! لكن لما اعتدنا عليها لم نعد نفهم ما تعنيه، ولم نعد نشعر بأبعادها!!
وأستشف من خلال كلامك ومن خلال تعاملك مع أهلك، حياءً يزينك، فهل ترضين أن تنطقي بكلمات بعيدة عن الحياء بهذا الشكل؟ لا تستهيني بهذه العبارة وإن نطق بها كل من حولك، فهي تخدش حياءك الغالي والثمين، في عصر ندر في الحياء...
أخيرًا رسالة أوجهها للأهل:
أعرف أن هناك من يهمل التربية، وحديثي ليس موجهًا إليهم...
ولكني أتوجه بالحديث إلى من اعتنوا بالتربية، ولكنهم ربَّوا أبناءهم، بالطريقة التي رباهم بها آباؤهم... أقول: إن الطريقة التي ربانا بها آباؤنا، لم تعد تكفي اليوم فحيث كان المجتمع كله، من المدرسة والشارع، وسائر الأسرة، حيث كانوا معينين للوالدين في التربية، وكانوا متممين لما سهى الوالدان عنه...، فإن هذا كله أصبح معول هدم لما تفعلونه... ما كنا نشاهده بالأمس، والمعلومات التي تحشى في أذهاننا، ليس كالذي يشاهده أطفالكم اليوم، وكالمعلومات التي تحشى في أذهانهم...
لا يكفي أن تقول لولدك اليوم: يا بابا، العلاقة بين الشاب والفتاة قلة أدب، حتى يقتنع بكلامك!!
كان هذا يكفينا في الماضي، حيث الكل حول الطفل مجمع على هذا. أما اليوم، فلا بد من حشد البراهين التي تقنع الطفل أن كل هذا الجمال والبريق الذي يسلط عليه الضوء ويروج له في الشاشة، والشارع، والجيران والروايات.... أن كل هذا قلة أدب!!
لا بد لكل مهتم بأخلاق أطفاله، وهم كثر -وإن بدا لنا غير هذا- لا بد أن يتعلموا فنون حماية أطفالهم من السوء، وفنون غرس الخير في قلوبهم في جوٍ مشحون بالفتن... ولا بد أن يدركوا أن طريقة آبائنا لم تعد تكفينا اليوم، ليكون أطفالنا مثلنا...، فكيف إذا أردناهم أفضل منا؟!
قد تقولين:
وما علاقة هذه الثرثرة بمشكلتي:
أقول: لولا وقوعك ضحية هذه الظروف، وتلك التربية، لما احتجت إلى هذا السؤال، قد بينت لك المشكلة من جذورها، لتأخذي ما مررت به درسًا، وتجربة تصونين أطفالك عن الوقوع فيها....
أكملي مشروع زواجك الذي بدأته الآن، وأتركك في رعاية الله...
ويتبع>>>>>>: الزواج والاختيار العاطفي والعقلاني مشاركة2