الوساوس وكثرة الشكوك في الوضوء وفي الصلاة
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته؛
أنا فتاة أعاني من جحيم الوسواس. في الوضوء تأتيني فيه الشكوك الكثيرة والوساوس، وأضيع الماء كثيرًا بسببه. أعيده أحيانًا أكثر من أربع مرات أو خمس، وأقول وضوئي باطل وأصلي به ولو أتتني هذه الشكوك.
أصلي خلف الإمام في المسجد أو في البيت، لكن عقلي يشتغل بالوضوء أثناء الصلاة ولا أدري كم ركعة أصلي. همي هو أن أنتهي فقط منها. علمًا أنني أقرأ آية الكرسي و"آمن الرسول" قبل الشروع في الوضوء، لكن لا جدوى. وأقول لنفسي: لمَ أنا لست مثل المسلمات يتوضأن ويطمئن؟ وأحيانا أقطع الصلاة.
ذهبت ثلاث مرات عند طبيب نفسي، ولا جدوى. ذهبت عند الفقهاء للرقية لا جدوى.
كل ذلك بسبب الوضوء فلا ترتاح نفسي ولا أشعر بالإيمان في قلبي. وأنا حزينة جدًا ولا أدري ما هو علاجي. حتى الاستنجاء والتنظف أكرره عدة مرات حتى أحس بالتعب وأدعو خاصة عند الأذان أطلب منه عز وجل الشفاء العاجل.
ليس عندي أب، وأنا في بيئة فقيرة لا أجد عملًا لأكسب منه مالًا حلالًا، أخي ينفق علي وعلى والدتي فقط ما نأكله، لأن الشركة التي يعمل فيها أغلقت وهو معهم في المحاكم يريد حقوقه.
فأنا فتاة ليست عندي نقود للعلاج ولا أدري ما هو علاجي. حتى أحيانا تأتيني أفكار قتل نفسي وأقول: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، وأفك نفسي منها. فأنا أعاني منذ سنين من هذه الوساوس التي تهاجم رأسي دون إرادتي.
كل الطرق فعلتها ولا أجد حلًا لنفسي أنا لا أتفرج على التلفاز ولا أسمع الأغاني.
أرجوكم أن تساعدوني فأنا حزينة جدًا لأنني أتعذب. أحتاج إلى حل لمشكلتي أريد العلاج. تعبت من العقاقير.
وأرجوكم أيضًا بالله عليكم أن تساعدوني أريد أن أسأل في أمور ديني لقد ذهبت مرات عدة إلى المجلس العلمي بمدينتنا ولا أجد من يجيبني على أسئلتي. فأرجوكم إذا عرفتم عالم من العلماء المسلمين أعطوه رقمي يتصل بي فوالله العظيم لا أملك مالًا حلالًا للاتصال به. أريد أن أسأله في أمور ديني جزاكم الله خيرًا.
أخاف أن يخطفني الموت وأجد نفسي أحاسب على كل صغيرة وكبيرة فأرجوكم ساعدوني. أختكم المسلمة يتمزق قلبها ويتألم ألمًا شديدًا وهذا رقمي الهاتفي"....."
وأرجو أن لا تنشروا حالتي هذه ويعرف الناس مشكلتي المحزنة.
وجزاكم الله خيرًا كثيرًا ويحفظكم وينجيكم من كل سوء انصحوني وساعدوني أرجوكم.
11/8/2010
رد المستشار
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته؛
أختي "رقية"، كلماتك هذه تفيض أسًى وألمًا، والحق معك، لكن هوني عليك إذ تكفيك مصيبتك بالوسواس، فلا تضيفي عليها مصيبة الحزن والاكتئاب!
الذي ذكرته في رسالتك أن وسواسك يتعلق بالوضوء بشكل أساسي، وكذلك وساوس في الاستنجاء، والصلاة.
ولا بد لك من السير وفق برنامج معرفي سلوكي حتى تستطيعي التغلب على ما أنت فيه.
وقبل أن أفصل الجواب، أحب أن أقول لك شيئًا:
إن أي إنسان عندما يقوم بعمل ما، لا يمكن لعمله أن يخلو من الخطأ مهما قلّ، ولهذا تري الأحكام الشرعية تحدد لك الحد الأدنى المطلوب من العبادة، ثم ترسم الصورة الكاملة، ثم تبين بعض ما قد يطرأ على الإنسان أثناء أداء طاعته فلا يؤثر عليها لعدم قدرته على تجنبها...
ولو كان يمكن للإنسان أن يؤدي العمل على أكمل حالاته دائمًا لما احتجنا لكل هذه الأحكام، ولما امتلأت بها كتب الفقه...
فما ينبغي لك أن تقلقي وتجزعي لأي خطأ، ولأي تقصير، ولأي مخالفة للصورة الكمالية التي رسمتها في ذهنك للفعل، سواء كانت هذه الصورة مطابقة للحكم الشرعي أو لا!
إذا أردت أن ترتاحي فعليك أولًا أن تقنعي نفسك أن الخطأ والتقصير أمر طبيعي جدًا، ولا بد من وجوده، وأن هناك أفعالًا وإن سميناها تقصيرًا، إلا أنها لا تؤثر على أدائنا، ولا تبطل أعمالنا...
وإذا سألت لماذا أنت مختلفة عن سائر المسلمات (والحقيقة أنك لست الوحيدة بينهن)، فالجواب: أنهن يستطعن تقبل هذا التقصير الإنساني الطبيعي في العمل، ويستطعن تقبل ألا يكون عملهن في قمة الكمال...
لن تستطيعي مهما حاولت أن تعاكسي ما خلقك الله عليه من الضعف والوقوع في الزلل والتقصير، فلا تشقي على نفسك بمطالبتها بما لم تخلق عليه.
أمر آخر:
إن ما أصابك من الوسواس لا علاقة له بالتقوى وليس دليلًا على قلة الدين، وهناك من كبار علماء المسلمين من أصيب به، كابن دقيق العيد مثلًا، بل لقد أصاب الصحابة أيضًا!
ولعلي ألمح في قولك أنك لا تنظرين إلى التلفاز ولا تسمعين الأغاني، عبارة خفيفة تقول: أنا متدينة، فلماذا أصاب بالوسواس؟ وتقول: صدقوني أنا لست عاصية فلا تسيؤوا الظن بي إن أصبت بالوسواس!
ذكرت أنك ذهبت للرقية، وأنك تقرئين بعض الآيات، وتكثرين الدعاء، وهذه أحد أسباب الشفاء التي أخذت بها، فلا تنزعجي إذا لم تتحسني لأنه لا بد معها من اتخاذ سائر الأسباب.
كذلك ذكرت أنك ذهبت للطبيب ثلاث مرات، وهذا لا يكفي لعلاج الوسواس، ثم قلت أنك مللت من الأدوية، فهل أفهم من كلامك أنك ما زلت تتناولينها؟ وما هي تلك الأدوية؟ وهل كانت هي العلاج الوحيد الذي أعطاه لك الطبيب أم كان يوجهك إلى الالتزام بعلاج سلوكي تطبقينه؟
على كل:
رغم أهمية الدواء في كثير من الأحيان، إلا أن للعلاج المعرفي السلوكي نتائج رائعة مدى الحياة، وبدون ثمن ولا أعراض جانبية.... وإذا كنت لا تستطيعين الذهاب إلى الطبيب لظروفك، فيمكنك الاطلاع على استشارة بعنوان: الوسواس القهري برنامج علاجي فقهي سلوكي، فلصاحبتها وساوس شبيهة، وهي لا تستطيع الذهاب إلى الطبيب، وستجدين في الرد على استشارتها برنامجًا يعينك على علاج مرضك.
أحييك على صلاتك بوضوئك رغم شعورك ببطلانه، وأتمنى أن تتقدمي أكثر لتطبقي العلاج السلوكي، فلا تكرري الوضوء، رغم شعورك ببطلانه.
أنت يا رقية لو أعدت الوضوء مئة مرة لما فارقك هذا الإحساس، فاكتفي بمرة إذن، لأن النتيجة واحدة عندك، لكن في الحقيقة مقاومة التكرار هي العلاج الأول لك. سواء في الوضوء، أو الصلاة، أو الاستنجاء، ولا تخافي فلن تكوني محاسبة عند الله تعالى، لأنك موسوسة، والموسوس له أحكامه الخاصة التي يحاسبه الله تعالى على أساسها، وملخص تلك الأحكام أن على الموسوس أن يمضي في عمله رغم شعوره بالنقص، وهذا واجب عليه، وأن عليه إن شعر بعدم اكتمال غسل يده، أن يقول: بلى غسلتها، ويكمل. وإذا شعر بأنه أنقص غسل عضو كامل، أو ركعة، أن يقول بلى فعلت ذلك ويكمل...
ويمكنك الرجوع إلى منهج الفقهاء في التعامل مع الوسواس القهري 9 و10 و11، من أجل تفصيل يريحك.
فإذا بدأت بتطبيق العلاج، فإياك حين تهملين الاستجابة لوسواس من الوساوس، أن تبقي تفكرين فيه، لأنك ستشردين بذلك عما بعده من الأفعال، وستشكين فيها وبالتالي يزداد قلقك وشرودك، إلى أن تجدي نفسك تشكين في كل شيء، وهذا ما يحصل معك إذ تفكرين بوضوئك أثناء الصلاة فتشكين فيها، فتصبح ثقيلة عليك فارغة من المعاني الإيمانية.
حاولي الانشغال باللحظة التي تعيشينها ولا ترجعي إلى الوراء. ولا تحزني إن لم تشعري بالمعاني الإيمانية في صلاتك، فقيمتك عند الله تعالى ليست بما تشعرين به، بل بالجهد الذي تبذلينه. والله تعالى إن رأى منك صدقًا في جهادك لوسواسك واتباعك للأحكام الخاصة بك وإن كانت مخالفة لما تهواه نفسك، فإنه سيكرمك ولا ريب بمعان ومشاعر لم تكن تخطر لك على بال، فالله كريم ورحيم، وأكبر دليل على رحمته بنا أننا ما زلنا أحياء على وجه الأرض رغم هذا الفساد الذي عم وطم! ما أكرمك وأرحمك يا رب، إذ تتحملنا على كثرة معاصينا!! ونحن يا رقية على أمل أنه سيرحمنا في الآخرة كما رحمنا في الدنيا، فنحن ضعفاء جئناه معترفين بتقصيرنا، وبذلنا جهدنا، وهو الذي يقبل عملنا على ما فيه!
ولا تخافي من تقصيرك في معرفة الأحكام، فالله يعلم أنك تسعين لمعرفتها، وسيدخر لك ثواب هذا الجهد، إنما المؤاخذة لمن يركن إلى الكسل ويترك السعي...
ويمكنك مراسلة الموقع مشكورة باستفساراتك، وأسأل الله تعالى أن يعينني على معرفة أجوبتها جميعًا. وإذا كان بالقرب من منزلكم مسجد تلقى فيه الدروس الدينية فلا تقصري بالذهاب والتعلم.
مع تمنياتي لك بالتوفيق والشفاء العاجل.