عائلتي لم تبالي بامري..!؟
السلام عليكم،
لقد تعرفت على موقعكم من خلال أستاذ للتربية الإسلامية.
أنا شاب أحس بالاكتئاب الشديد! حتى أني لا أستطيع التحدث مع أفراد أسرتي!!.
بدأت المشكلة عندما دخلت مدرسة داخلية في 13 من عمري؛ دخلتها بكل إرادتي لأنها ذات سمعة جيدة. مرّ العام الأول بسلام، في العطلة الصيفية استمتعت كثيراً مع عائلتي، وعند انتهاء العطلة توجب عليّ العودة للمدرسة الثانوية، كان صعباً عليّ لكني اتحملت وبدأت عاماً دراسياً جديداً.
في أحد الأيام سمعت أن أبي أدخلني لهده المدرسة لأنها توظف التلاميذ عند تخرجهم... والحقيقة هي لا. بعد أن علمت بالأمر حاولت أن أشرح لأسرتي الأمر فلم يتقبلوه قائلين أنني ما زلت صغيراً ولا أعرف شيئاً. أقلقني الأمر كثيراً لا سيما أن أبي كان يدفع تكاليف باهظة لإكمال الدراسة فيها معتقداً أنهم سيوظفونني عند انتهاء دراستي وهذا ليس صحيحاً.
بعد انتهاء العام الثاني حاولت أن أشرح لهم بأنه لا جدوى في الدراسة بتلك الثانوية لأنها مثل كل المدارس الأخرى! وعند انتهاء العطلة الصيفية توجب عليّ الاستعداد للدخول المدرسي للموسم الثالث. فلم يعجبني الأمر فأخذ أبي يصيح بي ويشتم فأغمي عليّ في البيت وتجمع الجيران وأحسست بالفشل التام حينها، وظللت أبكي الليل بأكمله. وقد فكرت في الهروب من المنزل حينها لكنني فكرت مليّاً وقررت أن أراعي طاعة الوالدين.
عندما سألتني أمي في الصباح: هل تريد أن تذهب للمدرسة أو تبقى في المنزل أجبتها بأنني أود الذهاب للمدرسة الثانوية، فجمعت المتطلبات استعداداً للموسم الثالث وذهبت وكنت حزيناً جداً ولم أستطع نسيان ما حصل، ثم بدأت علاقتي مع عائلتي تضعف ولم تعد كالسابق، لم أعد أشاركهم أسراري وقصصي. بدأت المشكلة تتفاقم وتتفاقم مع الوقت لا سيما أنني في سن المراهقة ومرحلة التغيرات الجذرية جسدياً ونفسياً.
المشكلة الآن هي أني لا أستطيع الكلام مع أي فرد في عائلتي خاصة أمي لأنني أعتبرها لم تبالِ بأمري وبقيت مكتوفة اليدين دون حراك عندما احتجتها بجانبي لتدافع عني. المشكلة الأكبر أن الجميع يعتقد الآن بأنني مريض نفسياً وأعاني من عقدة نفسية مما جعلني (أكره) أسرتي خاصة أمي لأنها هي من أشاعت هذا الخبر، والآن يملأ قلبي الحقد والكراهية لكل من كان السبب... وهذا لا يعجبني.
مع العلم أنني تسجلت بمدرسة داخلية أخرى تعتبر من أحسن المدارس بالمغرب، والمصيبة هي أن عائلتي تعتقد أن المدرسة التي كنت أدرس فيها هي من أدخلتني، وهذا غير صحيح لأنني أنا من أرسلت طلب التسجيل وهذا ما يجعلني أحزن أكثر.
أحياناً أعتقد أن أحداً قد سحر لي أو شيء من هذا القبيل! لأنني لا أستطيع النطق حتى بكلمة واحدة مع أسرتي وأنا أريد أن أصلح الأمر لكن لا أستطيع، وكأن شيئاً في داخلي يمنعني... مع العلم أنني طبيعي مع كل أصدقائي والناس الغرباء، بالإضافة إلى أنني تلميذ نجيب جداً (والحمد لله) ودائماً من الأوائل في الدراسة.
أرجوكم ساعدوني لأن المشكلة تتفاقم والوضع يزداد سوءاً يوماً بعد يوم.
15/8/2010
رد المستشار
السيد "سفيان" المحترم،
عليكم السلام وأهلاً وسهلاً بك في موقع الشبكة العربية للصحة النفسية الاجتماعية، حيث تستطيع أن تعبّر عن أي شيء تعجز عن البوح به في أي مكان آخر، وتأكد أننا نتفهم الظروف والتحديات التي تختبرها في هذه المرحلة, وسيسعدني أن نعمل سويّاً من أجل الاستفادة من هذه التحديات على أمل أن نجعل منها فرصة للنمو والتطور والاستقرار.
أفترض أنك قد بلغت سن 17 سنة الآن، ولا شك أن أسلوبك في طرح المشكلة وإدراكك لها في واقع المرحلة التي تتجاوزها اليوم يشيران إلى أنك شخص مميز وواعٍ وينتظر منك الكثير في المستقبل, أجل.. عزيزي سفيان، أنت الآن في سن المراهقة؛ مرحلة الحب واللاحب، والحقد واللاحقد، ومرحلة الطفل واللاطفل، الرجل واللارجل، صحيح! إنها مرحلة التحول من الطفولة إلى الرشد، مرحلة التناقضات والصراعات مع الذات ومع الآخرين.. مرحلة التغيرات الجذرية على كافة الأصعدة.., ويعجبني فيك يا سيد سفيان أنك تدرك طبيعية هذه المرحلة، ويعجبني أكثر أنك كنت مدركاً لهذا الأمر في اللحظة التي كنت تكتب فيها هذه الشكوى.
إنك لا تريد الدراسة في مدرسة داخلية تحرمك الحياة بشكل طبيعي مع أسرتك ككل الشباب في مثل سنك، وهذا حقك.. وأنك لا تريد أن تتكلم مع أي فرد من أفراد أسرتك لأنك تشعر بأنهم لا يريدونك، لا تريد أن تتكلم مع والدك لأنه يصيح بك رغم أنك صرت رجلاً، ولا أن تتكلم مع والدتك لأنها (باعتك) ولم تقف إلى جانبك ولم تدافع عنك! ويتهمونك بأنك مريض نفسياً وأنت على مستوى رفيع من الصحة النفسية، وكل ما تريده وتحتاجه هو شخص يفهمك في الوقت الذي هم فيه عاجزون عن فهمك. تريد أن تشاركهم أسرارك وقصصك... وهم الذين أبعدوك عنهم، وتريد أن تعاقبهم جميعاً لأنهم لم يتفهموا حاجاتك ولم يحترموا رغبتك.. وتريد، يا عزيزي سفيان... أن تحرمهم (من نفسك) ومن سماع صوتك ومن محبتك.... وهم الذين يحبونك ويرون الدنيا كلها في عيونك، للحد الذي يحرمان نفسيهما من أجل تأمين الأقساط الباهظة لكي تكمل دراستك... وتريد أن تقنع نفسك بأنك أصبحت تكره (أسرتك) وخصوصاً والدتك التي وصفتك بأنك معقد نفسياً... وأنت الذي بكيت الليل ورفضت المدرسة الداخلية وعانيت ومازلت تعاني لأنك تحب أسرتك وتريد البقاء معها.. وما زلت تتألم... وتتألم... وتكتب إلينا طالباً الاستشارة... لأن الحقد ليس من شيمك ولأن الكره ليس من أخلاقك.. ولا تطيق البقاء على هذه الحالة يوماً آخر.
أتفهم مشاعرك جيداً وأكذب، إن قلت لك أنني لم أعاني نفس معاناتك خلال مراهقتي، وأشك أن أحداً في عالمنا العربي على الأقل لم يختبر هذه المعاناة بسبب التباعد بين أساليب التنشئة الاجتماعية في مجتمعاتنا وبين مبادئ علم النفس وإهمال الخصائص النفسية للنمو الإنساني عبر مراحل العمر.
ولكن يا "سفيان"... أريد أن أسألك: هل جرّبت أن تقول لوالديك... ببساطة: أنك لم تعد تريد متابعة دراستك في مدرسة داخلية لأنك تريد البقاء معهما والحياة معهما والنمو بينهما ككل الأطفال والمراهقين والشباب؟ هل جرّبت أن تصف مشاعرك أمامهم وتعبر عن محبتك وتعلقك بهم بصوت مرتفع, وأن تعانقهما وتقبلهما وتقول لهما أنك تحبهما وأنك تعلم أنهما الكائنان الوحيدان على هذا الكوكب اللذان يحبانك دون أي مقابل؟ وأن تقول لهما أنك تعلم أنهما يحرمان نفسيهما الكثير من أجل شراء محبتك ومصلحتك ومستقبلك؟ وأنك تقدر كل ذلك ولكن محبتك لهما تجعلك تفضل البقاء معهما؟ وذلك بدلاً من معاقبتهما بهذا الشكل والتمسك بهذا الشيء الخفي في داخلك الذي يمنعك من الكلام معهما، والذي يتضح أن مصدره ليس سحراً أو غموضاً كما تعتقد أحياناً، وإنما كرامتك وكبرياؤك أو خجلك من التعبير عن مشاعرك بشكل طبيعي وعفوي.
أريد منك أن تصارح والديك بحقيقة مشاعرك، وأن تعاود الكتابة إليّ لتخبرني بالنتائج علّني أعود لأقنعك بمتابعة دراستك في هذه المدرسة التي أخبرتنا أنها أحد أحسن المدارس في المغرب، والتي يبدو أنها ستدفعك إلى مزيد من التفوق وستفتح لك أفقاً واسعاً في المستقبل.
عاود الكتابة.. يا عزيزي... علّنا نتفق سويّاً على الصبر الآن حتى نحصد الثمار قريباً، ونحصل على قبول ومنحة دراسية في جامعة مرموقة مثلاً، وعندها ربما قد تنسى أيام المعاناة مع المدرسة الداخلية هذه، وربما قد تشكر والديك لأنهما وبفضل نظرتهما النسبية للأمور قد قررا وضعك في هذا الطريق الذي رأيا فيه مصلحتك.
مع أطيب تمنياتي لك بالتوفيق والنجاح،
ولا تنسَ أن تطمئننا عندما تنصلح أمورك مع أهلك.
ويتبع .....................: سفيان في دوامة المراهقة! م