الزواج والاختيار العاطفي والعقلاني مشاركة 2
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته؛
لدي تعقيب على هذه الاستشارة وعلى الرد الذي جاء فيها من قبل الأستاذة رفيف الصباغ. أرى يا أستاذة رفيف أنك تعتبين على السائلة في قولها: (أكتر حاجة مش متخيلاها إني أكون في حضن حد وأنا مش عايزاه)!!!
وتقولين: عبارة تثير في الذهن صورة امرأة في حضن رجل!! وتعبر بها فتاة عن علاقتها بمن تريد! أي تجعل من فعلٍ ينبغي أن يكون من أخص الخصوصيات بينها وبين زوجها، تجعل منه صورة متاحة يراها الجميع!!
أرى أن هذه السائلة لم تقل شيئًا يخدش الحياء!! هذه المسألة تمثل نقطة هامة لديها _ولها كل الحق في هذا_ فلم تعدين مصارحتها بما يشغل بالها ينافي الحياء؟؟؟ ولم يكن اختيارها للكلمات معيبًا!!!
أولا يقوم العديد من السائلين والسائلات بشرح بعض أفكارهم الحسية و(الجنسية تحديدًا) بشكل مفصل ويثير التقزز في كثير من الأحيان على الرغم من أن استشارتهم ليست جنسية؟...
بل هم عبروا عن فكرة تشغل بالهم...أولا يقوم موقعكم الكريم بجعل عبارات اعترض عليها الكثير من المتصفحين _لأنها في نظرهم تخدش الحياء_ عنوانًا للمشاكل المطروحة؟؟
فلماذا تمنع أو تعاتب السائلة لأسلوبها _ الذي لا أرى فيه باسًا أو ما يخدش الحياء_ على عكس موقعكم الكريم الذي صرح بعض رواد الموقع أن في عناوين استشاراته ما يخدش الحياء.
أرى أنه من الأحرى بك توجيه مثل هذا العتاب لأصحاب الموقع أولًا, أو القبول بنهجه طالما أن هذه الاستشارة قد تم إرسالها لهذا الموقع.
تقولين: (وتعبر بها فتاة عن علاقتها بمن تريد!)
تعبر بها (فتاة)؟؟؟؟ ولم تستخدمين علامة التعجب؟؟؟ ماذا تقصدين؟؟؟؟
هل تقصدين أن الأمر سيجد قبولًا عندك إن كان المتحدث شابًا؟؟؟ وهل يحرم على (الفتاة) أيضًا في هذا الموقع التعبير عن مشاعرها لن أقول علاقتها.. فيا سيدتي الفاضلة لقد أعطيت الموضوع أكبر من حجمه... (أي تجعل من فعلٍ ينبغي أن يكون من أخص الخصوصيات بينها وبين زوجها، تجعل منه صورة متاحة يراها الجميع)!!
أي فعل وأي صورة؟؟؟؟؟؟ يراها الجميع؟؟؟؟ أي جميع؟؟؟ فهل تعرفين السائلة معرفة شخصية؟ وهل يعرفها رواد الموقع؟؟؟؟؟ لتكون (فكرتها) عن خطيبها الحالي صورة يراها الجميع؟؟؟
وللأخت السائلة أقول لها: يقول أشرف الخلق عليه الصلاة والسلام: ((لم يُرَ للمتحابين مثل النكاح)) رواه ابن ماجه..
وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال: جاء رجل إلى النبيّ فقال: يا رسول الله، عندنا يتيمة قد خطبها رجلان مُوسِرٌ وَمُعْسِرٌ، وهي تهوى المعسر ونحن نهوى الموسر، فقال رسول الله: ((لَمْ يُرَ لِلْمُتَحَابّيْنِ مِثْلُ النِّكَاحِ)).
فلم يقل النبي الكريم عليه أفضل السلام بأن لهم منعها طالما أن فقر الخاطب الآخر سيحرجهما أو سيكون أقل من مستواهم المادي... خصوصًا في حالة السائلة, فقد بلغت ال26 وهذا في نظري سن فتاة ناضجة تستطيع أن تحكم على الأمور وهي أكثر قدرة على تحديد ما تريد. فمتى في نظرك يا سيدتي المستشارة يكون الابن أو (الفتاة) ناضجة لتعرف ما تريد.
لا أظن يا أختي السائلة أن لأي شخص الحق بما في ذلك أنا أو المستشارة بأن يختار لك المضي في هذا الخطبة أو لا فأنت الأكثر معرفة باحتياجاتك وما تستطيعين تقبله.
يبقى أمر الزواج دون موافقة الأهل أو رضاهم أمرًا متاحًا على الرغم من أنه مر وله سلبيات كثيرة... لكنك أنت الأكثر قدرة على التحديد... مع عدم إغفال احتمال فشل الزيجة كأي زيجة من الزيجات... فماذا سيكون موقفك وموقف أهلك منك ومن النتائج؟؟ ولا تنسي عقلية الشاب الشرقية.
كما لا أنصحك بإغفال الخاطب الحالي لما فيه من مميزات كثيرة إيجابية.
وآخر الأمر أن ليس من حق أهلك إجبارك على الزواج بمن لا تريدين, كما أن ليس لهم الحق أن يستهزئوا بمشاعرك... وماذا يعني أن يجعلوك كالخادمة في المنزل؟؟؟؟؟ هذا الأسلوب في الإهانة ولن أقول الحوار غير مقبول بتاتًا مع أي شخص كان... فما بالنا بالمتعلمة المثقفة والتي لديها دخلها الخاص وإن لم يكن كبيرًا؟؟؟
أعتقد أنك بحاجة لأن تجلسي مع نفسك لتعيدي النظر فيما لك وفيما عليك, فراحة الآخرين وإن كانوا أهلنا لا يجب أن تكون على حساب كرامتنا ونظرتنا لأنفسنا و(سنين عمرنا).
كما أنصحك بالاهتمام أكثر بعامل الوقت... فلا تجعلي أي حادث يأخذ وقتًا أكثر من اللازم... لما فيه من استنزاف للجهد والمشاعر... فحاولي دائمًا أن تأخذي قرارك في أقرب فرصة مع دراسة الإيجابيات والسلبيات ليكون اختيارك على بصيرة.
أترككم في أمان الله
وشكرًا....
11/8/2010
رد المستشار
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته يا "ر.ع".... وشكرًا على تعقيبك ومناقشتك المفيدة والجميلة.
وأعتذر بداية إن خاطبتك بضمير مخالف لجنسك، حيث ذكرت في خانة المهنة أنك (طالبة) وذكرت في الجنس أنك (ذكر)!! فلا أدري بأي ضمير أخاطبك! على كل هذا لا يؤثر وأهلًا بك سواء كنت ذكرًا أم أنثى....
أبدأ بإجابتك من آخر مشاركتك أولًا وبنصيحتك الجميلة للأخت "رانيا" التي أوافقك في أكثر نقاطها، وإنما لي تعقيبات صغيرة على بعض الأمور....
ولا أدري، لعلك لاحظت منذ البداية أني ذكرت صعوبة الرد على مثل هذه الاستشارات، لأنها أمور حساسة، ولا يستطيع أن يقرر فيها إلا من رأى الوضع بأم عينه، وسماع المشكلة من طرف واحد في مثل هذه الحالات كثيرًا ما يعطي حلولًا غير واقعية، أو غير مناسبة....
غير أن السائلة سألت عن وجهة نظر الدين والمجتمع، وأجبتها عن ذلك، ثم طبقت وجهة النظر هذه على ما ظهر لي من رسالتها....
وفعلًا كما قلت ليس لأحد الحق سواء كنت أنا أو غيري أن يختار لها المضي في خطبتها أو لا. إنما هي نصيحة ووجهة نظر حسب المعلومات الواردة، وللسائلة أن تأخذ من الردود والمشاركات ما تراه أنسب لحالتها....
وقبل أن أذكر تعقيباتي، أود أن أتوجه إلى الأخت رانيا وأستأذن منها في نقاش بعض المسائل في هذا الرد، حيث ليس بالضرورة أبدًا أن تكون مقصودة بالكلام، وإنما هي مسألة نتناقش فيها معًا أملًا في أن يتبين الحق لجميع الأطراف، وفي أن يستفيد الجميع أكبر فائدة ممكنة، فأرجو أن يتسع صدرك لهذا النقاش يا "رانيا" وألا تجرحك بعض العبارات، فلست المقصودة بالكلام، وإنما لك الحرية بالاستفادة مما يعجبك.
كلامك يا "ر.ع" صحيح في مجمله ولا غبار عليه، وفيه لفتات جميلة ومفيدة، غير أني سأعقب ببعض المحترزات التي يمكن أن توسع دائرة النظر لمثل هذه الأمور، وأسأل الله تعالى التوفيق والسداد:
1- بالنسبة لزواج المتحابين: أنا أول المشجعين عليه، وليس هناك أروع منه، وإلا لما قال النبي (صلى الله عليه وسلم) ما قال. ولكن: أسأل: هل كل متحابين يصلحان أن ينشئا أسرة مستقرة؟ طبعًا لا، وأنت تعلم. لهذا فإن الدين الذي استحب الزواج للمتحابين، هو الدين الذي أعطى للأولياء صلاحية تحديد فيما إذا كان من أحبته الفتاة يناسبها ويمكن أن تتزوجه أو لا! وما ذلك إلا لضمان استقرار الأسر.
وذهب الفقهاء –ولهم أدلتهم الكثيرة في هذا- إلى اعتبار الكفاءة في الزواج، ولكنهم اختلفوا في الأمور المعتبرة في الكفاءة، فمنهم من اقتصر على الدين (المقصود التقارب في مستوى التدين، وليس أصل وجود الدين)، وأغلبهم أضاف عليها أمور أخرى كالنسب، والحرفة (نوع العمل الذي يعمله الزوج)، والمال،والحرية (أيام كان الرق)، والسلامة من العيوب.... ولهذا كما قلت تفصيلات وأدلة كثيرة.
والمهم أن نعلم: أن الدين لما فضل للمتحابين الزواج لم يترك ذلك الأمر دون قيود. كذلك لما أعطى الأولياء حق الاعتراض على الرجل الذي رغبت به الفتاة، لم يجعل لهم السلطة المطلقة في هذا، وإنما قيدهم بقيود تجعل الأمر في النهاية في صالح البنت لا في صالحهم فحسب، إذ الكفاءة إنما اشترطت لتضمن لها حياتها أولًا، وإنما مصلحتهم تأتي تبعًا!!
فهنا وفي كل مسألة في مسائل الدين لا يمكننا أن نسمع حديثًا فنستدل به على شيء دون أن نجمع جميع الأدلة الواردة في المسألة، ونعلم وجه الجمع بين تلك الأدلة، ونفهم المراد منها لغويًا، وطريقة الاستدلال بها.....
وقد كفانا مؤونة هذا –والحمد لله- أئمة جهابذة كبار، لو أمضينا عمرنا كله لما وصلنا لمعشار ما كانوا عليه، فنحن نأخذ منهم ما وصلوا إليه مشكورين، ونحاول أن نستفيد منه بما يناسب زماننا هذا، وبما يناسب كل حالة على حدة.
إذن يا "ر.ع"، إذا أحب المتكافئان بعضهما وأرادا الزواج، فأنا سأزغرد وأقول لأهلهما: لولولولولييش زوجوهما الساعة!!!!! لكن أنى لي أن أعلم الكفاءة من خلف الأسلاك والشاشات والأقمار الصناعية؟!!! أترك الأمر إذن لأصحاب العلاقة، ويبدو –والله أعلم- في استشارتنا، أن أهلها كانوا راغبين بتحقيق طلبها وتزويجها ممن تحب، لكنهم كلما عاينوا الوضع، وجدوا الأمر غير مقبول بالنسبة لهم ولها! فالله أعلم بالحال، وأسأل الله تعالى أن يجمعها بمن يسعدها في الدارين أيًا كان.
2- تسألني متى برأيي تكون الفتاة ناضجة لتعرف ما تريد؟ المفروض يا (ر.ع) أن الإنسان ما ينبغي أن يصل إلى العشرين إلا وقد نضج، ومنهم من ينضج في الرابعة أو الخامسة عشرة!! لكن هل هذا يحصل دائمًا؟ إذن ليس لي رأي في هذا حتى تسألني عنه، فإما أن تكون الفتاة (ومثلها الفتى) ناضجة بالأدلة الملموسة، أيًا كان سنها فيترك لها الاختيار، وإما أن تكون غير ناضجة بالأدلة الملموسة أيًا كان سنها فيساعدها الآخرون في الاختيار!!
3- مسألة معاملة الأسرة للبنت: أوافقك الرأي تمامًا أن الإهانة مرفوضة بجميع وجوهها للأنثى والذكر وهي أمر مرفوض إنسانية وشرعًا.
غير أني أختلف معك في قولك: (فما بالنا بالمتعلمة المثقفة والتي لديها دخلها الخاص وإن لم يكن كبيرًا؟؟؟). فأنا أختلف معك في أن الدخل الخاص يزيد من قيمة الابن ويكون أدعى لزيادة احترامه والتحفظ في مخاطبته عند والديه ذكرًا كان أو أنثى.
أقصد: أنه ما ينبغي للولد أن يجعل من دخله سببًا ليرفع من قيمة نفسه عند والديه، وما ينبغي للوالدين أن يحسبا حسابًا خاصًا لابنهما إن كان له دخل خاص.... العلاقة بين الوالدين والأولاد –ذكورًا وإناثًا- علاقة أخلاقية مجردة عن جميع المصالح والماديات، لا تتغير بفقر أو غنى أحد الطرفين، وعلى أساسها يتم التعامل، وعلى أساسها يحاسب الجميع....
قد لا تكون مختلفًا معي في هذا، ولكني نبهت إليه، لأنه شاع مؤخرًا صنف من الأبناء، ما إن يرى أحدهم نفسه قد أصبح لديه دخل ما، حتى يكبر في عين نفسه، ويصبح يطالب والديه باحترام زائد، ويغضب لأي حركة تنقص من منزلته التي يتخيلها، وينسى أن يطالب نفسه بإعطائهما ربع ما يطالبهما به، وقد كانا –وما زالا- كل شيء في حياته، وكان يومًا: لا شيء!
هذا ما أردت قوله، أما سائر ما يتعلق بمسألة الحب والزواج، فأظن أني في مسلسل تبحثين عن الحب أم الزواج والمشاركات الكثيرة فيه، قد ذكرت كل ما يمكن أن أقوله، فلا داعي للتكرار....
آتي الآن إلى أول رسالتك، وإلى اعتراضك على ملاحظتي حول طريقة تعبيرها عن كرهها للخاطب الجديد:
طبعًا أكرر أن الكلام الآن عبارة عن مناقشة مسألة وليس حكمًا على رانيا، فهي تتمتع بأدب وحياء كما تشهد عليه كثير من عباراتها، وكذلك طريقة تعاملها مع أهلها في تعبيرها عن رغبتها بمن تريد....
ولكن الذي حصل أن العبارات التي يستعملها المجتمع اليوم بدأت تتحلل من الأدب شيئًا فشيئًا، والناس يستخدمونها بشكل طبيعي وإن كانت معادنهم طيبة وحيية، وذلك بسبب تعودهم على سماعها في التمثيليات، والأغاني ونحوها. ولا أحد ينكر أننا أصبحنا نسمع –ومن الأطفال- عبارات لم يكن ينطق بها أهلنا من قبل.
وكان انتقادي لهذا السلوك المنتشر، وقد أحببت إرشاد للسائلة لتجنبه، وأظن أنه يدل على مرادي قولي لها: (ليس الذنب ذنبك، فاللغة تكتسب من المجتمع، ومما يسمعه الإنسان، والعبارات المتاحة هي ما تستخدمينه!! لكن لما اعتدنا عليها لم نعد نفهم ما تعنيه، ولم نعد نشعر بأبعادها!!)
والسؤال: هل نترك الناس يستخدمون تلك العبارات دون أي تنبيه، طالما أنهم ذوو معادن طيبة؟ أم ننبه إلى أنها دخيلة علينا ولا تناسب مبادئنا الإسلامية التي تدعو إلى الرقي في الأخلاق والأدب؟ وهل نترك الآداب الدقيقة اللطيفة تضيع في غمار ما يفد إلينا بعد أن كانت من أبرز مفاخرنا وما نتميز به؟
أولًا: إن المفردات المستخدمة تؤثر بشكل أو بآخر على النفس والتفكير والأخلاق، وعلم البرمجة اللغوية العصبية قائم على ملاحظة هذا الأمر. فيخشى أن تتغير طبيعة النفس مع كثرة استخدامها لهذه الألفاظ.
ثانيًا: إن النبي (صلى الله عليه وسلم) قال: ((إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق)). فإذا كان هناك نقص في جانب من جوانب الأخلاق، فمن الدين إتمامه والتنبيه عليه.
وعلى هذا أصل طرحي لتلك الملاحظة لا غبار عليه فيما أعتقد. ولكن ربما كان من الأفضل، -وتجنبًا لجرح أحد أو تعظيم الأمر عليه- أن أفرد لهذا الموضوع مدونة، ولا أسوقه ضمن استشارة، ولكن كانت العبارة هي التي جرتني لهذا كله. وأنا حينها أوافقك في انتقادك لي. ولا أخفيك قد شعرت عند كتابتي لهذا الكلام أنه سيثير جدلًا ما.
العبارة صراحة غاية في الرومانسية، وتفيض بالمشاعر العاطفية، وكناية عن الحنان والاحتواء الذي تأمله من زوجها المستقبلي. هذا هو الوجه الجميل فيها. ولكن مع ذلك هناك ما هو أكثر منها أدبًا من العبارات، ويمكن أن توصلنا إلى المقصود. ألا يمكننا أن نفهم قصدها فيما لو قالت: (أن أكون في رعاية من لا أريده؟ أن أتزوج بمن لا أريده؟ أن أعيش مع من لا أريده؟) أظن بلى.
ولو رجعنا إلى كتاب الله تعالى لوجدنا أنه سبحانه، كان يكني عما يتعلق بالنكاح بعبارات لطيفة تدل على المراد، كقوله تعالى: ((لَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً)) [البقرة:236]. فعبر بكلمة (تمسوهن) عن الجماع والدخول بالمرأة.
فانتقادي إنما كان من هذا الباب.
وتسألني لم أعدها منافية للحياء وتخدشه؟
صراحة، ربما أنا التي أعيش قبل خمسين سنة من الآن!! أيام زمان –الله يرحمها- كان هذا الكلام مقصورًا –عند الأكثرية الكاثرة- بين الزوجين! وكان لا يستخدمه الرجل -الذي من طبيعته أن يصرح أكثر من المرأة بهذه الأمور- أمام الناس، فضلًا عن أن تستخدمه المرأة....
وهنا جواب سؤالك: لماذا قلت: (وتقولها فتاة)! الحياء مطلوب من الذكر والأنثى، لكن ما يعد منافيًا للحياء من المرأة، قد لا يعد كذلك بالنسبة للرجل وذلك لاختلاف الطبيعة. فمن الطبيعي جدًا أن يصرح الرجل برغبته في الزواج ويصر على أمه أن تذهب وتخطب له فتاة صفاتها كذا وكذا..... وهذا منذ سالف العصر والأوان. ما رأيك لو قامت الفتاة وطلبت من أبيها أن يخطب لها رجلًا شكله كذا وعمله كذا، وكل يوم استيقظت تطالبه وتشدد عليه في هذا الأمر؟ أليس هذا منافيًا لطبيعتها وحيائها عادة؟ أليس الشرع قد راعى هذه الطبيعة فيها وأقرها عندما جعل إذنها في قبول الزواج هو السكوت، لأن طبيعتها تجعلها تستحي من إعلان ذلك صراحة؟ أما رأيت الأخت "رانيا" ذاتها –وهي صاحبة العبارة- تحتار كيف تعبر عن رغبتها بمن تحب تلميحًا وتعريضًا لأهلها؟ فهذا هو المقصود من تعجبي من كون العبارة تقولها فتاة، إذ لم يعهد من الفتيات هذا (أعني أيام زمان).
وأما قصدي في الصورة، فهي الصورة التي تثيرها العبارة في الذهن، وليست صورتها هي طبعًا. فلا فرق بين أن نعرف صاحبة السؤال أو لا. واعتراضي: أنه لا داعي لأن يستخدم الإنسان الخلوق عبارات تثير في الذهن صورة تعبر عن علاقة خاصة بين المرأة وزوجها، مع إمكان الاستغناء عنها.
وقد عدت لنفسي كثيرًا بعد قراءة انتقادك، بل عرضت عبارتها على أكثر من شخص، منهم فتاة أوربية تدرس هنا، ومعلوم أن الغربيين ليس عندهم تدقيق في هذه الأمور، وكذلك عرضتها على أقرباء لي عرب مقيمين في كندا منذ سنين طويلة، فما كان منهم إلا موافقتي على أن التعبير بمثل هذه العبارة غير لائق، ولولا خشيتي من أن تظن رانيا أن الانتقاد لشخصها وليس للعبارة لذكرت لك ما علق به كل منهم.
ربما كان الأسلوب قاسيًا بالنسبة لمن جاءت تبوح بما في قلبها أملًا في معين، ولكني لا أتنازل عن أن علينا أن نكون واعين بما ننطق به، وأن نترفع عن النطق بمثل هذه العبارات. وما قلت لها ذلك إلا حبًا بها، فأعتذر منك يا رانيا إن كنت جرحتك أو أسأت إليك في هذا.
ثم هل سكوتي عن بعض ما في الموقع يستلزم أن أسكت عن كل شيء فيه؟ إما كل شيء، أو لا شيء!!
أظن لا علاقة لهذه بتلك، وقد انتقد الموقع من انتقده، وبين أصحابه وجهة نظرهم.
على كل شكرًا على دفاعك عن الأخت، وعلى حرصك على مشاعرها، وعلى أن تأخذ حقها في حرية التعبير....
وشكرًا لأنك نبهتني لأكون أكثر تفهمًا، وأحسن تعاملًا مع أصحاب المشكلات، ومع هذا المجتمع الذي لازلت صراحة عاجزة عن استيعاب هذا التراجع الرهيب والسريع فيه، ليس لقلة الإحاطة بما يجري، وإنما لشدة الحزن على ما أصابه! فليس قصدي إلا إرادة الخير، والسعي نحو الأفضل، ولا أحمل في قلبي حقدًا على أحد، وليس قصدي الاستهزاء بأحد ولا تعنيفه.
وأتمنى إن أخطأت يومًا –وكلنا خطاء- ألا يتخذ البعض خطئي ذريعة ليتمادوا في خطئهم، أرجو منهم أن يلتفتوا إلى مصلحتهم، بغض النظر عن حالي أنا، وأن يسعوا للحفاظ على الإنسانية التي بدأت تظلم وتمسخ.... فما هي إلا أيام قلائل، ويقف كل منا يحمل خطأه وحده ليحاسبه الله عليه....
أتمنى أن تكون رسالتي وصلت لمن يقرأ، وألا يقف في وجهها ذنبٌ أذنبته، أو سوءٌ في النفس أحمله، إن أهلكتني ذنوبي فأسأل الله تعالى ألا يُهلِك الناسَ بذنوبهم....
والسلام
ويتبع>>>: الزواج والاختيار العاطفي والعقلاني مشاركة 4