آسفة لعدم الاستئذان
تعيش وسط قلوب لا تبض
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته؛
أنا صاحبة رسالة آسفة لعدم الاستئذان هذه هي إحدى المشكلات التي استأذنت سيادتكم في إرسالها ولكم جزيل الشكر:
إليكم قصة إنسانة رأت من البلاء الكثير والكثير وصبرت كثيرا حتى بات لها حلم الحياة السعيدة حلم بعيد المنال, سأقص عليكم قصتها دون مبالغة وأريد أن اعرف ما وصلت إليه مشاعركم تجاه مشاكلها وما هو العامود الفقري لمشكلتها.
والدتها من الإسكندرية و تزوجت كباقي الناس وأنجبتها و لكن لابد وان نلقى نظرة على الأب فهو إلى حد كبير لا يتحمل مسؤولية وما زاد الأمر أن الأب شيوعي وكان يعيش دور الفنانين الذين رسموه لأنفسهم أنهم لكي يصبحوا فنانين لابد وان يكونوا شيوعيين, علما بأن والدة رجل متدين وشيخا كان في بلدته.
ستقولون لي أنها مخطئة لأنها لم تسأله عن الدين وتعرف مدى تدينه قبل الزواج, أليس كذلك, ولكن تعالوا نرجع إلى سنين ماضية, هل تذكرون كيف كان الوعي الديني؟؟؟؟ وكيف كان الكبار في السن هم الذين يتحجبون فقط و....و...., وأشياء كثيرة تدل على جهلنا بأمور كثيرة وأيضا لم يكن هو شيوعي منذ البداية ولكن أصبح كذلك في الفترة التي سيطرت عليها الشيوعية على الأذهان, أي عندما أصبحت موضة.
على أحب الإطالة عليكم وعاشت هذه الأم في عذاب وعدم تفاهم وكانت في القاهرة وبعد فترة لم تستطع أن تكمل حياتها معه وكان أمر الطلاق غير مألوف لدينا في مجتمعنا وأصبحت مسؤولة عن ابنتها أكثر وأكثر وخاصة وأن أهلها متشددين وأمور أخرى كثيرة وعقبات واجهتها مما جعلها تسافر إلى دولة أخرى ولكي تستطيع أن تربى ابنتها وتحافظ عليها لابد وأن تكون بجانبها في معظم الوقت ولكنها أيضا لابد وأن تشتغل جيدا حتى تستطيع أن تربيها وتنفق عليها, مما جعلها تحافظ على ابنتها جدا وتمنعها من الاختلاط بالناس وتربت هذه الفتاة على هذا الشكل بلا بلد أو أب حنون أو أهل أو حتى صديقة أو جارة عاشوا منعزلين
وبعد فترة كبيرة رجعوا إلى القاهرة مرة أخرى حتى تكمل البنت تعلمها في بلدها وبما أن شغل الأم الحكومي كان في القاهرة عاشوا فيها وظلوا على اتصال بأهلهم في الإسكندرية ودخلت البنت الجامعة قسم رسوم متحركة مجال به أكبر قدر من العزلة ويخرج الطاقة في الرسم وكان عليها أن تختلط بالناس وتتعامل بلا حساسية, وأيضا هذه الكليات تحتاج قدر كبير من المال مما جعل أمها تشتغل أكثر وأكثر وذلك لم يغنِّ عن سؤال الأب عن قدر من المال وكانت الأم تصدرها في طلب المال منة,
مما كان يجعلها في حالة رهيبة من الخجل لأنها لم تعتاد عليها أنه أبوها ومن إحساسها بالضعف لما هما فيه من وضع وكانت تحس بالمهانة وأمها تسألها هل طلبت منه الفلوس, هل أعطاك مما يجعلها تضطر إلى طلب الفلوس وهي في داخلها تحس بعدة أحاسيس مختلفة, وبعد أربع سنين استطاعت أن تتخرج واشتغلت على طول, لتقدما في مجالها وبدأت تكسب مالا وفرحت وفرحت الأم وأحست أنها ارتاحت وأخذت تقلل من أعمالها واكتفت بالوظيفة فقط وأثناء ذلك خطبت البنت وبدأت الحياة تبتسم.
ثم تعبت الأم واكتشفوا أنها مصابة بمرض خبيث وظلت البنت تشتغل حتى تنفق على أمها, من لها في هذه الدنيا بعد ربنا ووقفت في هذا الموقف ولم تضعف واستحملت أن يقول لها الطبيب خذي أمك إلى البيت أفضل من أن تموت هنا, فبيتها أكرم لها وفعلا ماتت من لها في هذه الحياة ووقفت ولم تضعف وأرادت جدتها أن تأخذها معها إلى الإسكندرية ولكنها رفضت لأنها بذلك ستترك شغلها وهي لم تعتد أن يصرف عليها حد غير أمها وما زاد الأمر أن أباها أحدث مشاكل كثيرة مع خطيبها مما جعل الخطبة تفشل بعد وفاة أمها,
وما هو طبيعي في بلدنا أنه عندما نفشل جوازة فإن الناس لا تسكت وظلت تسمع أهله يتكلمون عليها ويصلها كلام كثير ولكنها تربت على شيء لم يعد موجودا في هذا الزمن أنها لا ترد على الكلام بكلام ولا تحب أن تتكلم على احد, وما زاد عليها أنها لم ترتح في العيش مع أبيها وزوجته (علما أن زوجته كانت جيدة معها) ولكنها لم تحس أنه أبوها وحساسيتها الزائدة لم تجعلها تعيش مرتاحة مما جعلها أمام أول فرصة تترك البلد وتشتغل شغلانة أخرى وهى مضيفة وأحست أنها تعيش غريبة خارج بلدها أفضل ما تعيش بذلك الإحساس وهي في وسط أهلها وبلدها، ولكنها لم ترتاح لأنها ظلت على أخلاقها وخافت أن تموت جدتها وهى خارج البلد ورجعت بعد عدة سنوات ولم تتأقلم مع أبيها مما جعلها تعيش في بيت أمها وظلت على علاقة جيدة بأبيها حتى لا تقطع صلة الرحم وهى متكفلة بنفسها.
ليس لديها أصدقاء كثيرين وذلك لأنها صريحة جدا لا تقبل الغلط ولأنها عقلانية جدا وهى تعيش هكذا ولم تتزوج بعد وأصبح عندها 31 سنة وتحجبت وهي محافظة على نفسها جدا وتصلي وتتقي ربها في كل شيء، وكثير من الناس تقدموا لها ولم يكلوا الموضوع عندما يعلمون أنها تعيش لوحدها أو عندما يعرفون سنها، حتى أن أباها أخذ شقة جديدة لم يجهز لها حجرة ولم يضعها في حسبانه, على الرغم من حرصها عليه
على فكرة أنا صديقتها المقربة وهذه هي قصتها كلها وأنا لا أعرف ماذا أفعل تجاهها ولقد حاولت ولله الحمد كنت عنصر مهم في حجابها وكثيرا ما أحاول أن أساعدها ولكني لا أعرف كيف وخاصة وأن كل شيء تفكر فيه جيدا قبل أن تفعله وتفكر وتفكر وأعتقد أنها بذلك تسجن نفسها داخل نفسها كثيرا، ولكني أتساءل ما هو سبب مشكلتها أبوها أم أمها أم أخلاقها التي لم نعتد عليها, علما أنها لا تجرح أحد أبدا, لا أعرف
وهى مازالت "عايشه" ولكني أحس أنها تعيش جسدا بلا روح، تعيش بقلب لا ينبض.
رد المستشار
عندما شاءت إرادة الله سبحانه أن تكون حياتنا مسلسلا من الحلقات تستمر بعد الموت، حتى يكون مشهد ما قبل النهاية هو يوم الحشر الأكبر، يوم نقف أمام المولى سبحانه وتعالي عرايا إلا من أعمالنا، نغرق في لجة عرقنا، وننظر إلى وجهه الكريم، وننتظر: هل يرضى أم يسخط، فمن يرضى الله عليه فهنيئا، ولا كرب عليه ولا شقاء بعد، وتنمحي من ذاكرته كل آلام الدنيا ومتاعبها، ومن يسخط عليه يسقط لحم وجهه الأسود، ويكون مكتوبا عليه أن يلاقي حصاد عمله، ولا قيمة لنعيم الدنيا كله وقتئذ، فما بالنا بمن يخسر الدنيا والآخرة!!!
قصة صديقتك هي واحدة من ملايين القصص لقلوب نابضة بكل خير وصدق وبراءة، ولكن ظروفها وأحداث حلقات حياتها لا تبدأ بالسعادة فيظن الجميع أننا بصدد مسلسل درامي باكي، ولو انتظروا بقية الحلقات لرأوا غير ذلك، فالأحدث تتطور وقد تنقلب إلى الميلودراما أو الكوميديا أو الرومانسية أو خليط من هذا وذاك، والله وحده يعلم.
ومن طبيعة الحياة أن تحدث مفارقات من قبيل الاختيار المتسرع الذي تورطت فيه الأم للأب، ومن ألاعيب التاريخ أن يحاول الناس التحرر من القديم والتقاليد فيقعوا أسرى لأوهام سرعان ما تنكشف وتكشف عن كوارث ومساخر وأهوال مثلما حدث لنا قبل وبعد يونيو 1967.
ومن غباء البشر أن يعطلوا قدرتهم على التواصل بينهم، فلا يستطيعون التعبير عن مشاعرهم أو تنمية عواطفهم أو رعاية غيرهم بكلمة حب أو ضمة حنان لا تكلفهم شيئا غير الانتباه أن اللمسة تشبع، والحروف مثل العقاقير وقد تشقي وقد تقتل!!
ومن الغفلة الشائعة -وأكثر ما في الدنيا: الغفلة- أن تكون سبل السعادة مفتوحة، ولكن على العين غشاوات، وعلى الهمة أثقال، وفي النفوس عجز عن طرق أبواب القلوب، وإزاحة مبدأ البعاد، وجفاء الانقطاع، ولو بادرت صديقتك بالاقتراب من والدها خطوة خطوة بحب واهتمام، وطلب التواصل لا يلح في المطالب، ولكن يكرر قرع الأجراس أو يربت على قلبه المكنود مثلنا جميعا، لو أنها تعطيه كل أسبوع زهرة قد أكون مكالمة سريعة أو هدية بسيطة أو سؤال عن صحته وأحواله.
ولو أنها أقبلت على زوجة أبيها -وعلاقتها بها جيدة- فتواصلت معها واهتمت شعوريا وإنسانيا بها لوجدت من يسأل عليها، ويبادلها الاهتمام باهتمام، إننا جميعا بشر ضعفاء أمام المديح والحنان، والسؤال والاهتمام، والعون والمؤازرة، ونحن نميل إلى من يتجه إلينا، ونصبح طوع من يحنو علينا، ونحرص على اللقاء حين نعرف أننا سنحتسي فيه كؤوس التواصل والتراحم والحب بمعانيه المتعددة وأشكاله المتنوعة.
ليست المشكلة في التاريخ أو الجغرافيا أو الماضي أو الحاضر، ليست في العالم أو في الآخرين بقدر ما هي فينا حين نعجز عن الإدراك، ونتكاسل عن الفهم، ونقعد عن التواصل فيبقى الأمر على ما هو عليه: باردا جامدا وحزينا، ولو شئنا لطوينا بأيادي حانية قوية - هذه الصفحة الكئيبة ونشرنا غيرها.
- هكذا شاء الله سبحانه أن يكون علمه من الأزل إلي الأزل، وإرادته من قبل ومن بعد هي الحاكمة، ولكنها لا تنفذ ولا تنزل إلا حين تنطلق عبر إرادات البشر أو من يريد منهم أن يتحرك، هذا فيما يتعلق بالوحدة التي تعيشها صديقتك، فكل في يديها إذا أرادت، والله معها.
- أما ما يتعلق بتأخر زواجها فأحيلك إلى إجابتي الدعاء بين الالتزام والابتذال "مشاركة"، وتابعينا بأخبارك وصديقتك.