متردد ولا أستطيع أخذ القرارات, فمالحل..!؟
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،
بداية أعتذر عن الكتابة إليكم من غير الطريق المخصص لتلقي المشكلات الجديدة، لكني في الحقيقة أعاني كثيراً وفي أمس الحاجة للمساعدة، وسأحاول الاختصار.
مشكلتي هي التردد الشديد وعدم القدرة على اتخاذ القرارات السريعة ما أضاع مني الكثير من الفرص في حياتي وأثّر كثيراً على حياتي المهنية والمادية.
أنا حاصل على أعلى الدرجات العلمية ومتميز جداً في عملي ومحبوب، لكني متردد إلى أبعد الدرجات وغير قادر على اتخاذ القرار! ويستمر التردد حتى تضيع الفرص وكأني لست مسئولاً عن ضياعها.
ربما يكون ضعف إيمان أو قلة ثقة بالنفس مع أنني ناجح للغاية سواء في عملي أو دراستي أو حياتي الأسرية.
التردد يقتلني ويقتل مستقبلي، هل يمكنني أن أتغيّر أم أنني كبرت ولم يعد بالإمكان إصلاحي؟.
أشكركم.
19/9/2010
رد المستشار
الأخ العزيز السيد "د. م." المحترم،
عليكم السلام ورحمة الله وبركاته،
أهلاً وسهلاً بك في موقع الشبكة العربية للصحة النفسية الاجتماعية،
هل يمكن أن تتغير، أم أنك كبرت ولم يعد إصلاحك ممكناً؟ كم كنت أتمنى أن أسمعك وأنت تجيب على هذا السؤال بنفسك.., الجواب القاطع هو "نعم"... التغيير ممكن ولكن بشرط توفر إرادة التغيير لدى الفرد ومدى قدرته على التعامل بشكل منهجي مع الأمور المقاومة للتغيير.
قد يقف في وجه التغيير عادة عدم قدرة الإنسان على إدراك نواحي الضعف والقصور في الوضع الحالي وجوانب القوة ومزايا الوضع الجديد، يضاف إليه ارتياحه للوضع المألوف والخوف من المجهول لما قد يجلبه من أوضاع جديدة غير مألوفة. كما أن الإنسان يكوّن عادات وأنماط سلوك تحدد طريقة تصرفه وكيفية استجابته للمواقف يشعر معها بالارتياح لأنه لن يكون مضطراً للتفكير في كل موقف جديد بطريقة جذرية.
أعتقد أن إرادة التغيير تتوفر لديك، وأنك واعٍ لهذه الأمور بدليل طلبك للاستشارة في هذا الموضوع، يبقى أن أضيف جواباً على هذا السؤال الهام أن هناك العديد من الأدلة العلمية أكدت على إمكانية التغيير في مراحل عمرية أكثر تقدماً (أعمار ما بين 70 إلى 90 عاماً)، ولدى حالات كانت تعاني من اضطرابات سايكياترية بالغة الحدة أيضاً.
انتقل إلى الشكوى الأساسية: إن الإنسان المتردد وضعيف الثقة بالنفس هو إنسان غير ناجح لا على مستوى عمله أو دراسته أو حياته الأسرية والزوجية، وأعتقد أن صفتي التردد وضعف الثقة بالنفس لا تنطبقان عليك بدقة لكن... قد يتهيأ لمعظم الناس بشكل تلقائي أن كافة المشكلات التي يختبرونها يجب أن يكون لها حلاً، وأنه يجب اتخاذ القرار القاطع والقرار الصحيح في شأنها، وأنه يفترض أن يتم ذلك على نحو سريع، وهذا غير صحيح! بل هو تفكير غير عقلاني وغير علمي ويؤثر في السلوك وفي الحالة النفسية والانفعالية.
فمعظم المشكلات التي قد يختبرها الإنسان في مراحل معينة قد تكون مستحيلة الحل ويصعب اتخاذ القرار فيها، فكافة الخيارات المتوفرة قد تكون مؤلمة وقد يترتب عليها حالة من الصراع يعيشها تربكه وتجعله يتردد في السياق المباشر للموقف، وقد يتمثل الحل الأنسب في تأجيل النظر في الموقف\المشكلة في ضوء الأولويات التي يضعها الفرد في حياته، إلى مرحلة لاحقة قد يكون اتخاذ القرار الصائب فيها ممكناً.
إن ما يفصل بين القرار السريع والقرار المتسرع هو خط رفيع جداً، وأنت إنسان مثقف درست الهندسة، وتدرك مدى خطورة اتخاذ قرار متسرع، ولا شك أن الإنسان قد يضطر إلى اتخاذ العديد من القرارات بشكل سريع في الحياة والعمل (سيما في المهن الطبية والبحث العلمي) إلا أنه ينبغي تحديد ماذا تقصد بالقرار السريع بشكل دقيق، سيما وأن عملية اتخاذ القرار هي عملية محددة بإجراءات وتتم وفق مراحل وخطوات منهجية قد تتم بشكل سريع إذا توفرت لدى الفرد الاستراتيجيات الفعالة لحل المشكلات ومهارات اتخاذ القرار، وأعتقد أن هذا ما يلزمك.
فعند التعامل مع مشكلة ما تستوجب اتخاذ القرار بشكل سريع، لا بد في مرحلة أولى من التعبير عن المشكلة وتحديدها بدقة، والقيام في مرحلة ثانية بتحديد الأهداف والقيام بعصف ذهني للخيارات المتعددة للتعامل مع هذه المشكلة إذا كانت تحت سيطرتك، ومن ثم وفي مرحلة ثالثة يمكنك اتخاذ القرار في ضوء الخيارات المتوفرة والمتابعة دون توقف، مع الإبقاء على خطة بديلة في الضوء البدائل المتوفرة، ومن ثم استعراض النتائج وتقييم تم تحقيقه من الأهداف وهكذا.
يمكنك أن تبدأ بتمرين نفسك بالتفكير ببعض المشكلات التي فشلت في اتخاذ القرار فيها سابقاُ وفق هذه المراحل (ابدأ بالأبسط منها..) وتذكر، أن الكثير من المشكلات أو المواقف قد تكون خارج سيطرتك، لذلك من الضروري أن تتجاوزها وألا تسمح لها بالتأثير على حياتك اليومية، تعلم أن تتعامل معها بوصفها تحديات وبكونها فرصة وتجربة ستقودك إلى النمو، وأعتقد أنك تفعل ذلك من تلقاء نفسك.
بعض كتب التعليم الذاتي التي تهدف إلى تزويد الفرد بمهارات التعامل Coping skills واستراتيجيات حل المشكلات Problem solving strategies قد تكون مفيدة جداُ بالنسبة لك، كما أقترح أن تقرأ حول الأفكار اللاعقلانية وفق ألبرت أليس Albert Alice، يمكنني إرسالها إليك في حال وجدت صعوبة في الحصول عليها.
أهلاً وسهلاً بك, ولا تتردد في الكتابة إلينا في حال أردت الاستفسار حول أي أمر آخر.
واقرأ على مجانين:
التردد وعلاقته بالكروب الحياتية
الإهمال والتردد؛ أريد حلاً
التردد إلى متى
التردد معناه عدم التأكد
فرط التذكر والتردد : أم هي الوسوسة؟
التردد متى يكونُ مرضيا؟؟