الفرق بين الطبيب النفسي والدكتور..!؟
السلام عليكم،
أود معرفة الفرق بين الطبيب النفسي والدكتور في علم النفس الإكلينيكي من حيث طريقة العمل والصلاحيات،
وهل يحق لحامل شهادة الدكتوراه في علم النفس الإكلينيكي أن يعمل في مشفى أو يفتح عيادة لعلاج الأمراض النفسية؟
وهل يحق له أن يصف الدواء للمريض النفسي؟.
أنمنى الإجابة على ذلك.
شكراً
8/9/2010
رد المستشار
الأخ والزميل العزيز "أحمد", عليكم السلام ورحمة الله وبركاته وأهلا وسهلاً بك في موقع الشبكة العربية للصحة النفسية الاجتماعية.
إن الموضوع الذي طرحته, زميل أحمد يكتب فيه عادة فصول, وقد أحتاج بالفعل إلى كتابة فصل كامل للإجابة على تساؤلاتك المتعلقة بالفروق بين هاتين المهنتين من حيث الصلاحيات وأسلوب العمل وموقعه, إلا أنه يهمني أن تتوضح في ذهنك بعض النقاط الأساسية التي تفصل بين عمل الأخصائي النفسي الإكلينيكي والطبيب النفسي, والتي أتوقع أنك سوف تدرسها في الجامعة خلال السنوات القادمة.
يهمني بالدرجة الأولى أن تفصل فصلاً تاماً بين هاتين المهنتين, فعلى الرغم من أنهما قد تتداخلان في بعض الجوانب كما سوف نرى لاحقاً, تعد كل من هاتين المهنتين مهنة مستقلة بحد ذاتها, وتخضع كل منها لقوانين ونظم خاصة ومستقلة وتتحدد مسؤولية كل من الطبيب النفساني والأخصائي الإكلينيكي بحدود مجال التخصص, ولكل من هذين التخصصين برامج التأهيل والتدريب المختلفة.
فالطبيب النفساني يتخرج أساساً من كلية الطب البشري, ويتلقى بعدها تدريباً في تخصص الطب النفسي لمدة ثلاث أو أربع سنوات حتى يحصل على الدبلوم الخاص به, ويستند تدريبه على تنمية مهاراته في عملية التشخيص الدقيق وعلاج مختلف الاضطرابات العقلية, وقد يشتمل هذا التدريب على بعض أشكال العلاج النفسي (وهذا غالباً ما يكون عمل الأخصائي النفسي الإكلينيكي)، إلا أنه ينصب أساساً على مختلف أشكال العلاج الطبي مثل العلاج الطبي الدوائي والعلاج بالتخليج الكهربائي.
والتعليم في كليات الطب يحتوي على قدر ضئيل جداً من مفردات علم النفس، ويتم تأهيل الطبيب النفسي وتدريبه وفقاً لدبلوم الأمراض النفسية والعصبية وداخل المستشفى لمدة عامين, وتحت إشراف طبيب نفساني أكثر خبرة. ولذلك فإن الطبيب النفساني في الواقع ممارس وذو خبرة ميدانية, إلا أن دراساته الأكاديمية عن السلوك الإنساني ومشكلاته ومناهج البحث في هذا الميدان محدودة إلى حد كبير.
ويتلقى الأخصائي النفسي الإكلينيكي تعليمه أساساً في أقسام علم النفس العام الأكاديمية، لمدة أربع سنوات (خمس سنوات في جامعة دمشق) في مرحلة البكالوريوس وخمسة سنوات أخرى في مرحلة الدراسات العليا حتى مستوى الدكتوراه، ويشتمل تعليمه على مختلف ميادين علم النفس النظرية والتطبيقية وهذا يشتمل على الأسس الفسيولوجية والانفعالية والاجتماعية للسلوك الإنساني ونظريات الشخصية ونظريات العلاج النفسي, ثم يرتكز تدريبه في مرحلة الدراسات العليا على محاور أكثر تخصصاً وعمقاً بهدف تأهيله في مجال التقييم والتشخيص الإكلينيكي وتطبيقات مختلف طرق العلاج النفسي والتعامل الأمراض النفسية والعقلية والاضطرابات السلوكية المختلفة في مستويات متقدمة, إلى جانب تدريبه المكثف في مجال استخدام الاختبارات التشخيصية وتفسيرها, وتأهيله في مجال تصميم البحوث الإكلينيكية وأساليبها الإحصائية.
ويٌلزم الأخصائي النفسي الإكلينيكي بالخضوع للتدريب الميداني بنصاب محدد وفق المعايير المعتمدة عالمياً على أن لا يقل عن مدة عام دراسي كامل وبمعدل (750) ساعة تدريبية معتمدة في مرحلة الماجستير, ولنفس المدة في مرحلة الدكتوراه كما أعتقد, ويشترط أن يتم هذا التدريب تحت إشراف بروفيسور في علم النفس الإكلينيكي, ويتم التدريب في مراكز ومشافي الطب النفسي المتخصصة والمعتمدة من هيئة البورد كمشافي تدريبية تعليمية.
ويوجد اختلاف جوهري بين مهنة الطبيب النفساني وعلم النفس الإكلينيكي, من جهة التصور العام للمريض، فالطبيب يرى المريض كياناً فسيولوجياً كيميائياً، بينما يفترض أن يراه الأخصائي الإكلينيكي كائناً اجتماعياً يعيش وسط مجموعة من العلاقات الانفعالية مع الآخرين.
وبالنظر إلى أن معظم المرضى النفسيين قد يحتاجون إلى وصفات لعقاقير طبية أو إلى علاجات طبية أخرى, فإن الطبيب النفساني, بحكم التدريب الذي خضع له, هو المرخص له قانوناً وصف العقاقير وإعطاء الصدمات الكهربائية وإيداع المريض بالمستشفى، ومثل هذه التدخلات العلاجية تقع خارج إطار تخصص عالم النفس الإكلينيكي, الذي يتم تدريبه على تقديم تدخلات علاجية من نوع آخر (سلوكية, معرفية, بين-شخصية, علاج بالمحادثة. إلخ..) حيث تتم إحالة المريض إلى الطبيب النفساني وفق معايير معينة وبحسب شدة الأعراض إلى الطبيب النفساني من أجل وصف الدواء المناسب وقد تتم الإحالة إلى أطباء غير النفسانيين وذلك عندما تظهر لدى المريض أية أعراض جسدية تستوجب الفحص والتشخيص.
وأصولاً, عندما يجد الطبيب النفساني أنه يحتاج إلى معلومات أكثر حول الحالة تستلزم تطبيق عمليات القياس والتقييم الإكلينيكي من أجل البت في تشخيص الحالة - أو عندما يجد الطبيب أن الأعراض مستقرة وأن الحالة تستوجب أو أصبحت مهيأة للعلاج النفسي الإكلينيكي, تتم إحالة الحالة إلى الأخصائي النفسي من أجل تطبيق الاختبارات اللازمة – أو من أجل وضع الخطة العلاجية ومتابعة العمل مع الحالة من قبل الأخصائي النفسي الإكلينيكي.
وقد يخضع الطبيب النفساني لتدريب إضافي في مجال التحليل النفسي أو العلاج النفسي السلوكي المعرفي أو غيره من الأساليب العلاجية التي يعنى بها الأخصائي النفسي الإكلينيكي, فيؤهله هذا التدريب لعضوية الجمعيات الدولية الخاصة بهذه الأساليب العلاجية, ويحصل بموجب هذه العضوية على ترخيص بممارسة هذه الأساليب العلاجية النفسية إلى جانب عمله كطبيب نفساني. وقد يخضع الأخصائي النفسي الإكلينيكي لتدريب إضافي في مجال العلاج النفسي الدوائي من جهة أخرى, فيحصل بموجب هذا التدريب على الترخيص لصرف الوصفات الطبية من قبل وزارة الصحة, حيث يعمل بهذا النظام في الولايات المتحدة, ومدة هذا التدريب (40) ساعة – في حدود معلوماتي.
إلا أنني أريدك أن تعلم زميلي العزيز, أن قوة تخصص علم النفس الإكلينيكي وسبب المكانة المرموقة التي يحتلها على مستوى مهنة الطب النفسي في العالم تكمن في قدرة هذا التخصص الفريد على علاج الاضطرابات النفسية بدون دواء, في الوقت الذي قد يعاني فيه المريض النفسي أشد المعاناة من الآثار السلبية للدواء (أعراض سلبية, خمول وانعدام النشاط عجز جنسي, مشكلات أسرية وزواجية إلخ...), سيما وأن ميدان الطب الدوائي ما يزال في مرحلة التطور وأن شركات الأدوية أساساً هي عبارة عن شركات تسعى إلى الربح غالباً وتحاول خداع الطبيب النفساني أحياناً.
بل أن قوة تخصص علم النفس الإكلينيكي تبرز بشكل أكبر عندما ينجح الأخصائي الإكلينيكي في تخفيض جرعات الدواء التي يحتاجها المريض (بالتنسيق مع الطبيب النفساني) مع تخليصه من الأعراض الجانبية والحفاظ على مخرجات العملية العلاجية. وقد أصبح لعلم النفس الإكلينيكي تخصصات فرعية مثل علم النفس الإكلينيكي العصبي, وعلم النفس الإكلينيكي للأطفال وما يزال هذا التخصص يشهد ثورة حقيقية على مستوى الممارسة والبحث العلمي.
ويحق للأخصائي النفسي الإكلينيكي العمل في مشافي الطب النفسي أو في إطار المراكز النفسية التخصصية بعد حصوله على درجة الماجستير, إلا أنه يمنح غالباً الترخيص لفتح عيادة مستقلة لعلاج الأمراض النفسية بعد حصوله على درجة الدكتوراه بحسب النظام العالمي المعمول به.
ويعمل الأخصائي النفسي الإكلينيكي Clinical Psychologist وفق النظام العالمي المعتمد ضمن إطار الفريق النفسي الإكلينيكي (الفريق الذي يشرف على علاج الحالة الواحدة على مستوى مؤسسة الطب النفسي) وهو عضو رسمي في هذا الفريق الذي يشتمل في عضويته أيضاً الطبيب النفسي Psychiatrist والممرض النفسي Psychiatric Nurse والأخصائي الاجتماعي الإكلينيكي Clinical social worker وأحياناً أخصائي العلاج الوظيفي Occupational Therapist, ولكل عضو من هؤلاء الأعضاء مهامه الخاصة التي تختلف عن مهام الآخر, ويتناوب الأعضاء على رئاسة الفريق بحسب الاضطراب (راجع الدليل التشخيصي الإحصائي الرابع المراجع DSM-IV-TR) وطبيعة الحالة والمرحلة التي يسير فيها العلاج.
والملفت أن هذا المسار السوي لسير العملية العلاجية تنظمه القوانين الصحية العالمية ويعمل به على المستوى العالمي, اللهم... إلا في عالمنا العربي! حيث ما تزال ملامح عقدة الطبيب موجودة في مجتمعاتنا, ويضاف إليها ما درج البعض على تسميته بــ (عداوة الكار) بين الطبيب النفساني والأخصائي الإكلينيكي, وغياب القوانين الناظمة لمهنة الأخصائي النفسي في بعض البلدان العربية, إلى جانب عدم القدرة على احترام الاختصاص والخلط على المستوى الفردي والرسمي - اعتباطاً - تارة وعمداً (تارات) أخرى, ليس فقط على مستوى مهنة الطبيب النفسي ومهنة الأخصائي النفسي الإكلينيكي فقط, وإنما على امتداد تخصصات علم النفس الفرعية, حيث ترى المرشد النفسي يقفز إلى مقعد الأخصائي الإكلينيكي, وترى أخصائيي التربية الخاصة يعملون في علاج الاضطرابات السيكياترية, وترى الأخصائي الإكلينيكي أحياناُ يقدم نفسه بأنه طبيب نفساني!!
ويحصل الأخصائي النفسي الإكلينيكي على ترخيص مزاولة المهنة من قبل وزارات الصحة في معظم بلدان العالم كالولايات المتحدة والاتحاد الأوربي والكيان الصهيوني في فلسطين المحتلة, اللهم.. إلا في عالمنا العربي!! فقد لا تجد في معظم وزارات الصحة العربية, مكتباً لمنح الترخيص للأخصائي النفسي الإكلينيكي, بل يمكن أن ترى ملامح الدهشة على وجه موظفي الوزارة عند سؤالك عن ترخيص لمهنة علم النفسي السريري, وكأنها مهنة يعمل بها في الفضاء الخارجي أو في مجرة أخرى. وترى الأخصائيين النفسانيين (الإكلينيكيين) يعانون مع وزارات العمل والشؤون الاجتماعية من أجل الحصول على ترخيص لفتح مركز يقدمون من خلاله خدماتهم النفسية.
من المؤسف, زميلي العزيز, أن مهنة الأخصائي النفسي الإكلينيكي في عالمنا العربي ما تزال غير واضحة المعالم, ومن المؤسف أكثر أن معظم الجامعات العربية تخلو من تخصص علم النفس الإكلينيكي في مرحلة الدراسات العليا, بسبب تغييبه المتعمد على المستوى الرسمي بعد أن أحكمت أقسام الإرشاد النفسي والصحة النفسية قبضتها على برامج الدراسات العليا في بعض الجامعات, لكي تقدم نفسها كبديل عن هذا القسم الهام (ولن تستطيع), إلا أن البركة بك وبالأخصائيين النفسيين الواعيين على امتداد العالم العربي, والحريصين دوماً على تطوير أنفسهم والنهوض بهذا الميدان الهام.
أعتقد أنني أجبت على كافة تساؤلاتك, أشكرك للكتابة إلى الموقع, وفي حال أردت الاستفسار حول أي جوانب أخرى, لا تتردد في الكتابة إلينا وأهلاً وسهلا بك دائماً في مجانين.
أقرأ:
ترول, ج. تيموثي (2007) علم النفس الإكلينيكي, ترجمة د.فوزي طعيمة داود وحنان زين الدين, الطبعة الأولى, دار الشروق, عمان, الأردن.