الوساوس حولت حياتي إلى جحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته؛ أرجوكم أفيدوني في علاج دوائي لهذا المرض، لقد تحولت حياتي إلى جحيم بسبب الوسواس الذي يلازمني طوال اليوم. أنا شعرت بهذا المرض منذ حوالي شهرين، ولا أستطيع التركيز أو العمل. فالوساوس التي تراودني بسبب خطيبتي وهى بنت خالي حكايتها كالآتي:
هي مثل أي بني آدم خطاء وليست معصومة من الخطأ، وقبل خطبتي لها، وقبل أن أنوى أن أخطبها كانت لها علاقة بشاب على أمل الزواج وحدث بينهم ملامسات وليس زنا. وعندما ذهبت لأخطبها أرادت أن تعترف لي لأنها اعتبرت أنه من حقي معرفة ماضيها كي لا تكون خانتني وحكت لي قصتها وسامحتها لأنني أحبها، ولأنني إنسان أيضًا وخطاء، وقلت لنفسي خير الخطائين التوابون. وهى تصلى وتعرف الله جيدًا والحمد لله، وأنا كذلك.
لكن المشكلة أن الوساوس تصور لي أشياءً مريبة ومخيفة تجاه علاقتها القديمة وتجاه ماضيها، لدرجة أني واجهتها وتحدثت إليها وسألتها: هل قابلت هذا الشخص مرة أخرى؟ قالت: لا. وحلفت لي وظلت تبكي لأنني أشك بها وأظن بها السوء. وقالت لي: أنا أخطأت مرة وليس معنى هذا أنني سوف أستمر في خطئي. وهدأت حالتي بالفعل لمدة أسبوع فقط.
وفجأة عادت الوساوس تراودني مرة أخرى ولا أدري ماذا أفعل؟ فحياتي تتدمر. وحتى عندما فكرت في الانفصال عنها وجدت نفسي في نفس الحالة، أشك بها وأخاف عليها، لأنها من دمي كما ذكرت -فهي بنت خالي- ومثل أختي، ولأنني أحبها ولا أريد أن أتخلى عنها،
أرجوكم أريد علاجًا لحالتي.
وبارك الله فيكم وجعله الله في ميزان حسناتكم.
25/11/2010
رد المستشار
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته يا أخ "عبد الله"؛
طلبت العلاج الدوائي، وعلاجك معرفي وسلوكي أكثر منه دوائي، عدا أن العلاج الدوائي لا يعطى عن طريق الشبكة، فلا بد فيه من زيارة الطبيب. هذه الوساوس التي تأتيك وجدت طريقها سهلًا إليك بسبب جهلك بما يجب عليك تجاه خطيبتك، ولو كنت تعلمه لاستطعت طرد الأفكار فور ورودها ولما استمرت معك هذه المدة....
أما هي فخالفت ما يسنُّ لها باعترافها لك، وكان الأولى لها أن لا تذكر شيئًا طالما أنها تابت إلى الله تعالى، صيانة لنفسها ولك من الوقوع في شباك الشيطان. ولكن يشفع لها أنها كانت من الصدق والصفاء معك بحيث اعترفت بهذا كله رغبة منها في ألا تخفي عنك شيئًا. ولكنك –للأسف- لم تقدر صدقها وأمانتها، وذهبت تخَوِّنها بدل أن تقدر موقفها...
أولًا: أنت لا يحل لك شرعًا أن تسأل عن ماضيها، ولا أن تظن بها سوءًا، إذ يحرم ظن السوء بمن ظاهره الصلاح، والأصل أنها بريئة عن كل ذنب. ولا دخل لأحد أيًا كان بماضي شخص آخر...، يا "عبد الله" لا دخل لك بما فعلته فلا تفكر كثيرًا به.
ثانيًا: لو فكرت أدنى تفكير لتيقنت أنها صادقة، وأسألك: لو كانت اقترفت ذنبًا كبيرًا فعلًا، لماذا تعترف بنصف الحقيقة فقط، وتوقع نفسها في اتهاماتك؟ التائب الصادق نوعان: إما ساكت عن كل ما اقترف، يستر نفسه كما أمره الله تعالى. وإما إنسان تلهب سياط الندم ظهره فلا يرتاح حتى يعترف بكل ما فعل، أما أن يعترف بنصف الحقيقة فهذا لا يكون....
انتبه لنفسك جيدًا يا "عبد الله"، إنك إن صدقت ما يلقى في قلبك، وسعيت في التحقق منه، وأثر على تصرفاتك، فإنك تقترف كبيرة من الكبائر، بينما هي لم تقترف إلا صغيرة يمكن أن يقع فيها كل مسلم، وقد تابت منها.
إن أحب الأعمال إلى إبليس التفريق بين الأزواج، وها هو يتسلط عليك لتفارقها من بداية الطريق، فاستعذ بالله، ولا تجعل له سلطانًا عليك. وسبيلك إلى هذا:
1- أن تقطع الوساوس فور ورودها وتستعذ بالله، وتذكر نفسك أنه ليس من حقك الاستمرار في هذا التفكير، فإن فعلت وبقي شيء فلا تؤاخذ عليه، لأن ما يلقى في الفكر دون اختيار لا يحاسب عليه المرء لأنه يكون بغير اختياره. لكن تيقن أنك لو قطعت وساوسك وأنت موقن بأنها غير صحيحة، وأن التفكير بها ليس من حقك، وينبغي أن تكف عنه...، تيقن أنك لو فعلت هذا لزالت الأفكار في غضون أيام إلى غير رجعة.
2- امنع نفسك من التحقق مما يخطر في بالك نهائيًا، فلا تسألها، ولا تحُم حول الموضوع، ولا تختبرها بأشياء تفتعلها لهذه الغاية، بالمختصر: اعتبر كأن شيئًا لم يكن.
3- استمر في خطبتك وزواجك المبارك، وأضف نية صالحة أخرى إلى زواجك وهي: جبر خاطر فتاة أذنبت، وسترها عن الناس، والتقرب إلى الله تعالى بذلك. افرض يا عبد الله أنك مكانها، هل كان يسرك أن تنظر إليك شريكة حياتك هذه النظرة؟ هناك عدد سمعت بهم، تزوجوا من اقترفت الخطيئة فعلًا، وستروها أمام الناس، ونالوا الأجر العظيم على هذا، ((ومن ستر مسلمًا ستره الله في الدنيا والآخرة)) كما قال صلى الله عليه وسلم. فكيف وابنة خالك لم تقترف كبيرة؟ بَدَل أن تتقرب إلى الله تعالى بستر ذنبها، تعصيه بأن تظن بها سوءًا؟ الرجل الشهم هو الذي يعامل مثل هذه الفتاة وكأنها لم تتكلم بشيء أصلًا، أما ما تفعله فليس من صفات الرجولة، قد يكون من صفات الذكر الذي يغار، أما الرجل الشهم فلا يفعل هذا.
وأخيرًا: إن اقتنعت نفسك بما قلته لك، وقمت بالتطبيق، ولكن ظلت الأفكار تحوم في ذهنك وتقلقك، وأطالت بقاءها، فأنصحك بزيارة الطبيب النفساني، لينظر في أمرك، ويقدر حالتك ووساوسك، ثم عليك أن تخبرها بأنك إنسان موسوس وتكون أمينًا معها كما كانت أمينة معك. هداك الله وعافاك وشفاك.
* ويضيف أ.د وائل أبو هندي الأستاذ الفاضل "عبد الله" أهلا وسهلا بك على مجانين وشكرا على ثقتك، ليست لدي إضافة بعد ما تفضلت به مجيبتك النجيبة أ. رفيف الصباغ فقد أصابت وأفاضت في التوضيح المعرفي والشرعي ثم وضعت لك استراتيجية لو وفقت فيها نجوت دون حاجة حتى إلى عقاقير.... إلا أن من المهم وما أضيف من أجله هو أن أبين لك ولكل متصفحي مجانين شكلين مرضيين من أشكال الشك من أحد الطرفين في الآخر فهناك الشكل الوسواسي Obsessive Jealousy وهم من يكونون مثلك –كما أخمن- حيث تمثل الغيرة والشكوك محتوى الأحداث العقلية التسلطية أو الوساوس والقهورات، وهناك الشكل الوهامي Delusional Jealousy وفيه تمثل الغيرة والشكوك أو الظنون محتوى الأفكار الوهامية وتصاحبها أفعال التحقق وأحسب أن الرابطين التاليين سيوضحان الفرق:
أشك في خطيبتي: وسواس أم وهام؟
أشك في زوجتي وسواس أم وهام؟
وبصورة أخرى فإنه الفرق بين الفكرة الوسواسية والفكرة الوهامية كما يتضح من إجابة:
الـزَّوَرُ (البارانويا) أنواع، فأيّ الأنواع أنت؟
وأهلا وسهلا بك دائما على مجانين فتابعنا بأخبارك.