عدنا والعود أحمد: ثمن الحرية، وأصواتها
السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته؛
أنا فتاة أبلغ من العمر 14سنة. لا أريد شيئا إلا أن تستمعوا لي وإن استطعتم أن تجيبوا عن أسئلتي. يمكنكم القول أنني مقيّدة، ليس لدي الحريّة في طريقة تكلمي، ولا في تصرفاتي، ليس لدي الحرية في مظهري الخارجي (my style)، ليس لدي الحرية في حياتي!! أظن أن المشكلة "والدي"(الذي يريد مصلحتي كما يقول)، ليس هو المشكلة لأنني مررت بمشاكل عاطفية (قصّة حب فاشلة).
نبدأ بوالدي، والدي هو في الحقيقة شخص حنون، يعمل من أجلنا ليل نهار، لكنني لا أستطيع تحمّل ضغوطاته عليّ، لا يسمح لي بالخروج (إلا للذهاب للمدرسة)، لا يسمح لي بالذهاب لصديقاتي أو لقدومه إلي (في الحقيقة لدي 3 صديقات فقط،1 منهن تهتم لأمري وتستمع لي)، لا يسمح لي بالقيام بأبسط الأشياء التي تفعلها جميع الفتيات. لذلك عزلت نفسي عن العالم الواقعي، واتخذت الإنترنت عالمي الخاص، لكن حتى في عالمي "الخاص" لم أجد الراحة والحريّة (حتى الصور التي كنت أجمعها من أجل التصميم كان ينتقدها ويقول لي: دعيكي من هذه التفاهات، إن الغرب يريدون أن يملئوا رأسك بهذه التفاهات حتى ينسوك دينك!!)، هذا كمثال فقط إنّه دائما يبحث عن أسباب لكي يثبت لي أن ما أقوم به خطأ.
لقد كنت مؤدبة، لكن بسببه انحرفت عن الطريق الصحيح. أصبحت لا أعود إلى المنزل حين لا ندرس أصبحت أجول خفية. الحمد لله أنني وجدت ملجأ لي ألجأ إليه عند الحزن أو الغضب "بيت صديقتي" التي تحثني على التكلم معها عن الأشياء التي تزعجني وتؤلمني، وتدعوني إلى عدم الإصغاء إلى انتقادات وتعليقات زملائي في المدرسة (جميع التلاميذ يسخرون مني ومن مظهري "الغريب"، لكني فخورة بمظهر لي لأني تحديت أبي ولأول مرة أثبت وهجة نظري، واخترت شيئا يعجبني بدون إلحاح عليه) لقد ساعدتني صديقتي كثيرا وخففت عني كثيرا.
مشكلتي الثانية التي لا أحب وأتجنب التكلم عنها, أول شاب أحببته، كان يدرس في نفس المدرسة التي أدرس فيها. لقد كانت فيه كل مواصفات الشاب الذي حلمت به "فارس الأحلام". لقد كان معظم أصدقائي شباب (لأنني أكره مصاحبة البنات أظنهن ضعيفات وأشمئز منهن) فلم يكن صعبا التقرب منه، لأن أحد أصدقائي كان من أصدقاءه المقربين فأخبرته بأنني معجبة به. فطلب مني عدم الاهتمام بالأمر وبأنه سوف يهتم بالأمر.
مرت الأيام وأصبح فارس أحلامي ينظر إلي كثيرا ويبتسم حين يراني، ومنذ ذلك الحين بدأت علاقتنا وأصبحنا نلتقي خفية وأصبح حبي يزداد له يوما بعد يوم، وكنت أبذل جهدي لكي لا يفسد أي شيء علاقتنا. لكن جاء ذلك اليوم المشؤوم، فلقد كنت أنتظره كالعادة في ساحة المدرسة فجاءني صديقي بدلا منه وكانت علامات القلق بادية على وجهه.فضحكت وقلت: ماذا تفعل هنا؟ أليس من المفروض أن يأتي حبيبي ليس أنت؟.
فنظر إلي وقال: لا أعلم كيف أخبرك بهذا، لكن عليك تقبل الأمر بصدر رحب. صحت مرة أخرى وقلت: أعلم أن هذه واحد من ألاعيبك لن تستطيع خداعي هذه المرة. فرد علي: أنا آسف أنت أعز صديقة لدي لكن يجب أن تعرفي لقد أوصاني (..) بأن أخبرك بأنه لا يريد أن تكون له صلة به بعد الآن وبأنه يريد أن يهتم بدراسته فقط. ابتسمت وسقطت من عيني دمعة بدون شعور وقلت: معه حق يجب عليه الاهتمام بدراسته فمستقبله أهم وذهبت.
لكن المفاجأة أنه لم يتركني لأجل الدراسة بل لأجل فتاة أخرى!!!!! انتابني غضب شديد ولكنني لم أنطق بكلمة واحد. عدت للبيت وكلي خيبة أمل، دخلت غرفتي وأخذت أبكي بدون توقف ثم أخذت "سكين حلاقة" وأخذت أجرح يدي وأجمع الدماء، وكتبت له بها رسالة عبرت بها عن خيبة الأمل التي انتابتني، وأرسلتها له مع صديقي ولكنه لم يحس بأي شيء فقد كان قاسي القلب وكان ذلك هو الشيء الذي جذبني له المرة الأولى.
منذ أول مرة آذيت فيها نفسي أصبحت أتلذذ بالألم والدماء، وأصبحت مدمنة على هذه الحالة لأنني أشعر بتحسن كبير وأنسى كل همومي وينتابني شعور رائع. أصبح هذا هو دوائي الوحيد وبالنسبة لي لم أكن أحتاج أي شيء عداه. لكن المفاجأة أن "فارس أحلامي" كان قد توسله صديقي لكي يكون على علاقة بي، لقد صدمت حيت علمت بهذا الخبر وأصبحت أشمئز من نفسي. ولكن المفاجأة الأخرى أن صديقي يحبني!!! وهذا هو السبب الذي جعله يتوسله لكي نكون على علاقة.
عندها تحدثت إلى صديقتي وأخبرتني بأن صديقي يحبني وأنه يريد أن يكون بجانبي الآن وأن نكون على علاقة. لم أواقف على الفكرة في المرة الأول، لكن شيء أجبرني على الموافقة "الانتقام" نعم كان هذا هو هدفي كنت أريد أن اشعر حبيبي الأول بالغيرة. أصبحت أنا وصديقي على علاقة أصبحت أحبه، لكن لم تمرّ أيّام قليلة حتى أصبحت أشمئز منه وأكرهه، فكلما قال لي-حبيبتي- أو أحبك. صرخت بوجهه قائلة: لست حبيبتك كفاك كذبا، جميعكم متشابهون جميعكم كاذبون وخائنون. لم أكن أعي ما أقوله شعرت أن شخصا آخر كان يتكلم في مكاني، فقدت السيطرة على نفسي. لقد كنت أجرح صديقي المقرب. لذلك قررت الابتعاد عنه لأني لم أكن أريد إيذاءه.
تحسنت حياتي قليلا، لكن الجو في المنزل لم يكن مناسبا بل زاد الأمر سوءا. فقد كان أبي يعود من العمل أحيانا غاضبا، وكان يتخاصم مع أمي و لم أكن استطع تحمل رؤية هذا. فكنت أتهرب من هذا بالجلوس في الظلام والاستماع إلى الموسيقى، أو بإيذاء نفسي للشعور بحال أفضل. لطالما أردت الموت وتمنيته.
حاولت عدة مرات الانتحار لكن جميع محاولاتي باءت بالفشل، لطالما شعرت بأن هنالك شخصا ينقذني. ففي يوم من الأيام فقدت الأمل نهائيا وعندما فتحت علبة العقاقير، دق باب غرفة نومنا (أنا وأخي الصغير)، فأسرعت بتخبئة العلبة. وعندما فتحت الباب وجدت أمي، فتفاجأت وسألتها عن سبب قدومها، فأخبرتني بأنها تريد النوم معنا. ألححت عليها لتعود إلى غرفتها وأخبرتها بأننا ننام دائما وحدنا. لمنها قالت بأنها هنالك شيء جعلها تريد النوم هنا وهي لا تعرفه وطلبت مني أن أتركها. سبحان الله شعرت بأنها أحست بما كنت سأقدم على فعله. هدفي في المستقبل الذهاب إلى usa ذلك هو حلمي الوحيد، فأحيانا امنّي نفسي بمستقبل زاهر وبأني سأعيش هناك أفضل حياة، لكنني أخاف أن يخيب أملي في المستقبل، فأقنع نفسي بأني مجرد فاشلة حالمة لن يتحقق حلمها أبدا.
ألاحظ في الآونة الأخيرة بأنّي كلما أعجبت بشاب وأحببته، وعندما تنجح علاقتنا أصبح أشمئز منه وأكرهه. كما لاحظت أني أصبحت كثيرة النسيان أصبحت أنسى أتفه الأشياء، كما أني عندما أخرج وأذهب عند صديقتي عندما أرى شخصا مار أصرخ وأقول لقد جاء أبي، أو أحيانا أسمع صوته. وأصبح العديد من أصدقائي يتسلون بهذا ويثيرون خوفي ويقولون لقد جاء أبوك. أبحث عن إجابات لأسئلتي إن أمكن. لماذا ليس لدي الحرية؟ لماذا الجميع يكرهني؟ لماذا أنا منبوذة؟ لماذا أحس بأني لست أنا؟ لماذا عندما أحب شابا أكرهه وأشمئز منه في لحظة؟؟؟ حقيقة لقد كنت أبحث عن موقع كهذا. فشكرا لكم على إتاحة الفرصة، وجزاكم الله خيرا. أرجو إجابتي عن أسئلتي وإطلاعي مما أعاني بالضبط.
آسفة على إطالة الحديث لكني لم أجد فرصة مثل هذه للتحدث والتكلم. لم أبلغ أحدا بما أعاني منه حتى شقيقاتي أو أمي، فأنا أخاف
03/12/2010
رد المستشار
وصلتني رسالتك منذ أشهر، وتخيلت أنني أرد عليها في خواطري وأحلام يقظتي، وقلت لك هناك كلاما كثيرا عن الحرية، وعن المسئولية، وعن أجيال الأماني المحبطة، والآمال المنكسرة، ومنها جيل والدك ووالدتك، قلت لك كلاما لا آخر له عن الحب، وعن الغرب، وعن الغرام المختلس، وعن الدماء التي سالت من جراحك قهرا على إنسان لم يكن يستحق منك، ولا حتى بصقة، وأنت لا تدركين أنه مجرد طفل يلهو، وأنت تصورت أن الحب في مرحلة المراهقة يمكن أن يكون غير ذلك، فمن المخطئ في هذه؟!
ثم أدخلت نفسك في دائرة انتقام جعلت منه معنى لحياتك، فهل ترين أن حياتك تافهة لهذه الدرجة؟!
دوامات من عدم اليقين، وضعف الخبرة، وهشاشة التكوين، وبدلا من أن تشغلي نفسك ببناء ذاتك، ذهبت تقفزين من مأزق علاقتك المتعبة بوالديك إلى التخبط في علاقات تعطلك عن أهم شيء في حياتك، أو هكذا ينبغي أن يكون، ألا وهو ممارسة حريتك الحقيقية في أن تعرفي عن نفسك، وعن العالم من حولك، وأن تدربي نفسك على إنجاز الأشياء الخاصة، والمشاركة في الشئون العامة، بقدر ما هو متاح أمامك من مساحات على الإنترنت، أو في المجتمع الذي تعيشين فيه.
إنه نفس التحدي الذي يواجه كل إنسان هنا، وهناك في الولايات المتحدة، سؤال أن يكون أو لا يكون، أن يتعلم كيف يدير شئون نفسه، ويحدد مسارات وأهداف حياته، ونحن نغرق أنفسنا في أوهام الاستسلام لضغوط الأهالي بدعوى الحماية، وبقية الحقيقة أننا مجرد كسالى نستسهل الشكوى، ولا نتحمل من مسئولية الحرية، التي نهتف بحياتها، إلا قليلا!!!
نحن المسئول الأول من أن تصبح حياتنا بلا معنى، ولا هدف، ولا طعم، ولا لون، الأمر الذي يفتح الطريق أمام الصداع والغثيان والأرق، ومشاعر اللاجدوى، نحن المسئول الأول عن أنفسنا، ونحن من يهرب من هذه البديهية إلى كلام يريحنا من عبء المسئولية إلى إلقاء التبعات، وتعليق وقائع تعثرنا على شماعة أهلنا، والظروف، والناس من حولنا.
قرأت قليلا في كتاب "السر"، ولفت نظري أن كثيرا من رفضنا لما جاء في الكتاب إنما هو ناشئ عن بديهية يلفت إليها بقوة، ألا وهي أن كل إنسان هو مسئول عن نفسه، وعن مشاعره، وعن مصيره، وعن اختياراته في الحياة بينما نحن في عالمنا العربي وثقافتنا السائدة نعيش وضع الضحية، ونحب لعبة الضياع، وأغلبنا يهتف مع الشاعر القائل:
"أضاعوني، وأي فتى أضاعوا"!!!
هل لك أصدقاء في مثل عمرك من بلدان غربية؟!
كثيرون هناك، ولا أقول الكل، ستجدين لحياتهم معنى، وهناك أنشطة يمارسونها، ومعارف يكتسبونها بالاحتكاك والاطلاع، ونحن ما زلنا نلعب لعبة القط والفأر، حيث الآباء والأمهات يقولون كلاما فارغا عن القيم، وعن الغرب، وعن الدين، وعن الدنيا، والأولاد والبنات متفرغون ومتفرغات للعناد، ومحاولات الإفلات من الرقابة العبيطة، القاسية أحيانا، للوالدين!! وليس هذا كله قدرا محتوما!!!
إلى هنا كانت ستنتهي إجابتي عليك ربما مع بعض التفاصيل عن معاني الحرية ومسئولياتها، وبعض التشجيع والمؤازرة والتحية لك على ثقتك فينا، ومحاولاتك للإصلاح، وبعض توجيه إلى أن المذاكرة وانتظامها سيكون منطقيا في إطار بناء حياتك كلها شخصيا ومعرفيا، وروحيا، وثقافيا، واجتماعيا، فأنت مثل كثيرات لا حياة لديك، وإن كنت تتنفسين وتأكلين وتشربين!!
ولكن لا يمكن الآن أن أنتهي من ردي المختصر عليك، ولا أن أكتفي بالتوصية أن تراجعي كلامي السابق طوال أكثر من عشر سنوات، وفيه ما يفيدك شرحا لما أقوله لك هنا، وتفصيلا فيما يمكنك عمله لإصلاح حياتك، ومن العبث أن أعتقد أو أن تعتقدي أن سطورك التي أرسلتها، وسطوري التي أرد بها عليك ستكون كافية لترشدك أو تلهمك وتدلك على خارطة الطريق الذي تحاولين سلوكه في إصلاح نفسك!!
تظل إجاباتنا مجرد إشارات تلغرافية، وشفرات كودية، يمكن أن تصنع فارقا إذا بذل المسترشد جهدا أكبر في تعميق فهمه لها من خلال متابعة أكبر للموقع، وردود نفس المستشار السابقة ليعرف أكثر عن تصوراته وتوصياته، ومن خلال بدء التدريب على طريقة أخرى في معالجة الأمور بدءا من تكوين الآراء، واتخاذ القرارات بعد تحديد الخيارات، وهكذا في بقية الخبرات والعمليات الإنسانية الرشيدة.
لا يمكن أن أنهي إجابتي قبل أن أشير إلى خبرة عشتها، ومعي الملايين في مصر والعالم، خبرة وضعت أمام أعيننا مسارا لطالما تحدثت عنه وتناولته، وتمنيته، وهو نمط مختلف من التفكير والتعبير والفعل لا أدري كيف استقبلت وتابعت مشاهد ووقائع الثورة المصرية؟! وهل تعتبرينها مثل آخرين مجرد حادثة سياسية ضخمة في بلد شقيق؟! وتتبادلين التهاني مع المصريين على الإنترنت، مثلما يفعلون من أنحاء العالم، ونرد تحيتهم بأحسن منها؟!
والحقيقة أن الثورة أكبر من مجرد عرس، وأوسع من مجرد محاولة للتغيير السياسي، إنها في جوهرها تطرح منظومة مختلفة وواعدة وصادمة للبعض في إعطاء الأمل، والسير معه باتجاه تغيير حياتنا الاجتماعية والأسرية والتعليمية، وحياتنا كلها، قبل وبعد آثارها على التغيير السياسي.
هل سبق لك أو أعطيت نفسك فرصة لتتعرفي عن قرب على فتيات في مثل عمرك، وشباب ثانوي، وأصغر من ذلك يشاركون في الثورة بنصيب، وبحسب قدراتهم ومواقعهم، والمساحات المتاحة أمامهم، وهم أثناء ذلك يتغيرون شخصيا، وتكتسب حياتهم معنى وجدوى وهدف وطعم.
وأنا أفتح هنا ملفا لم يصلني أن أحدا تطرق إليه، وأتناول بعدا مهمشا فيما جرى ويجري في مصر وبلدان عربية أخرى!!
إنها الجوانب الاجتماعية والنفسية للثورات العربية التي يمكن أن تكون مدخلا لتغيير جذري إيجابي على مستوى متقدم إن فهمنا طبيعة التركيبة النفسية للملايين التي تشارك، والآفاق التي يمكن أن تتطور إليها طاقة وروح هذه الثورات، بشيء من الحوار والتوجيه، والدعم والتطوير لا أحب أن أطيل أكثر، وسأنتظر ردك لو أردت أن يستمر حوارنا.