الزواج والاختيار العاطفي والعقلاني مشاركة 3
أرجو أن تتقبلي مني نقدي على رأيك في هاتين المشكلتين، حيث إني قبل ذلك قد اتفقت بخصوص أن الاختيار العقلي شيء مهم وأساسي في الزواج، ولكن يجب ألا نهمل أن العاطفة شيء حيوي في حياتنا، وأنه مذكور في السنة، وأن المشاعر والأحاسيس ليست جهاز كمبيوتر يتم برمجته، لمن يكون معه مال أكثر ومستقبله أكثر ضمانًا ويوافق عليه الأهل. سيدتي إن هذه المشكلة في رأيي هي وصية جيل آبائنا وأمهاتنا علينا واعتقادهم أننا أغبياء ولا نستطيع اتخاذ قرار سليم.
لا أستطيع أن أنكر أن مرآة الحب عمياء وأن المحب لا يري عيوب حبيبه، ولكن ما فعله أهل الأستاذة رانيا كما ورد في الاستشارة " الزواج والاختيار العاطفي والعقلاني مشاركة " مختلف تمامًا عن العقل، فلماذا أردتم رؤية هذا الشاب ثلاث مرات دون فائدة؟ لماذا لم تقطعوا الطريق من البداية؟ ما دام هذا الإنسان لا يصلح؟ لماذا لم تدرسوا الإنسان من جميع الجوانب حتى تتخذوا القرار السليم من أول مرة دون جرح له ولا لابنتكم التي تعلقت به؟ وهذه هي النتيجة.
ثانيًا: ألخص لك تجربة عشتها مع الأهل، كنت أعيش قصة حب مع فتاة يرفضها الأهل، وبإصرار الأهل أنهيت الموضوع، وبإصرار الأهل ذهبت لرؤية فتاة ولم أشعر بأي شيء ناحيتها، ولن أتخيل في يوم من الأيام أن تكون زوجتي، وأنهيت الموضوع. وبعد فترة من الزمان عاد موضوع هذه الفتاة مرة أخرى، وبمنطقك يا سيدتي: إن قلبك كان مشغول بأخرى، فإنك لم تر هذه الفتاة وأنت الآن أصبحت خاليًا فستراها بالحق دون أي تأثير. وللأسف بعد زيارة واثنين وثلاثة واتفاق بيننا، اكتشفت أن رأيي عنها في أول مرة لم يختلف عن الثانية مع احترامي وتقديري لهذه الفتاة وأنها زوجة ممتازة وأنها أفضل نساء الدنيا عند أي شخص آخر غيري.
ولذلك إني أختلف معك في الرأي في أن الإحساس به لا يحتاج إلا إلى ذهن صافي، وإن احتاج يجب أن يكون هناك ذهن، فهذا زاوج وليس شراء حذاء جديد لكي أجرب إن كان يصلح أو لا يصلح.
فيا أستاذة رانيا إن كانت موافقة الأهل شيء أساسي، فموافقتك شيء أساسي أيضًا. فكري في الأصلح لك وهذه حياتك وأنت من سيعيش مرارتها إن كانت مرة، وحلاوتها إن كانت حلوة.
23/10/2010
رد المستشار
أهلًا وسهلًا بك دائمًا يا حسام؛
أخي الكريم، في مثل هذه الاستشارات لا يوجد قانون موحد، ولا يمكن للتراسل عبر الشبكة أن يعطي الحل الأفضل للمشكلة، إنما هي إرشادات حسب المعلومات الواردة، والحل الأفضل والأول يكون دائمًا بيد صاحب العلاقة، وقد يعين في الإرشاد إليه شخص قريب عاين الوضع من جميع جوانبه، أما طرح الحلول عن بعد فغير ممكن.
إلا أنه يوجد أطر عامة يستطيع الإنسان أن يتحرك ضمنها بالشكل المناسب له، وسأعددها لك:
1- بالنسبة للاختيار العاطفي والعقلاني: كلاهما مطلوب وضروري، لكن الاختيار العقلاني هو الذي يجب أن يحكم الاختيار العاطفي ويسبقه في الوجود. بمعنى: أنه لو أراد إنسان خطبة امرأة ما (أو أراد امرأة أن تقبل خاطبًا)، فعليه أن ينظر أولًا في صفاتها ووضعها من ناحية عقلية مجردة، فإن وجدها مناسبة له من جميع النواحي، انتقل للاختيار العاطفي، فذهب إليها ورآها، فإذا جاء قراره العاطفي موافقًا لقراره العقلي أقدم، وإلا أحجم لأن الزواج لا يقوم على العقل وحده، وهذا أمر معروف، بل أحيانًا طغيان التعقل يعرقل الزواج!!! وعلى سبيل الدعابة، أذكر قول أحد مدرسي مادة أصول الفقه في أحد المعاهد الشرعية، كان يقول للطالبات: (لو أن الزوجين تعاملا مع بعضهما على طريقة أصول الفقه لما أنجبا ولدًا قط).
وقد اعتنى الشرع بهذه الناحية، إذ جعل شرط جواز النظر إلى المخطوبة أن يكون غلب على ظن الخاطب أن الأهل (والمخطوبة طبعًا) سيوافقون عليه، أي أن الاختيار العقلاني تم من جهته، والقبول العقلاني تم من جهتهم، ولم يبقً إلا قرار العاطفة ليتم الأمر.
أما أن يطلق الشاب نظرة في هذه وتلك، فإذا تعلق قلبه بواحدة ذهب ليخطبها، فهذا قد ينجح أحيانًا، لكن ماذا يفعل لو أنه اكتشف بعض العيوب بعد أن تعرف على أحوال من يريدها؟ أما هو فطبعًا سيرى هذه العيوب أدنى من أن تذكر مقارنة بالحب الذي اشتعل في قلبه. وأما الأهل فهم لن يروا إلا العيوب، ولن يعيشوا حرقة الحب التي أقضت مضجع ولدهم.... وحينها تبدأ الحرب بين الولد وأهله...
والكلام ينطبق على الفتاة كما ينطبق على الشاب، بل الوضع في حقها أشد إذ عاطفتها أشد.
ما معنى أن أفسح المجال لشخص كي يدخل في قلبي وحياتي وعائلتي قبل أن أعلم بالحكم العقلي البحت أن هذا الشخص مناسب لهم جميعًا (أقصد القلب والحياة والعائلة)؟ أليس هذا قلة نضج تتطلب تدخلًا عاجلًا من عقلاء العائلة؟؟ وضع تحت كلمة "عقلاء" خطًا.
2- إنه ليس من البر الواجب أن يتزوج الولد (ذكرًا كان أو أنثى) بمن لم ينسجم معها عاطفيًا إذا قال الوالدان: (الله يرضى عليك يا ابني تزوج فلانة! أو: أغضب عليكِ إن لم تتزوجي فلان!). فليس من العقوق أن يقول الولد: أنا لا أريد من تختارونه أو تختارانها لي. إذ هي حياته وليست حياتهما...
وليس من العقوق أن يتزوج الولد -دون رضا الوالدين- بمن وجدها مناسبة له عقلًا وعاطفة، وكذلك البنت. بشرط أن يكون الوضع كذلك فعلًا لا بنظره هو فقط. أي لو عرض الأمر على العقلاء من حوله لأقروه على اختياره، ولوصفوا الوالدين بالظلم. ولهذا جاء الحكم أنه لو أرادت الفتاة الزواج من رجل ما، وكان مناسبًا لها ولعائلتها، ثم رفض الأهل والحال أنه ليس لهم عذر مقبول شرعًا، فإن لها أن ترفع أمرها إلى القاضي ليزوجها بغير رضاهم.
3- سلطة الأهل مقيدة بالعقل والشرع، ورأي الولد مقيد بالعقل والشرع، وكلاهما يجب عليه أن يخضع للحقيقة، وليس لأي منهما السلطة المطلقة في التصرف. بل ليس لأي أحد في هذا الكون السلطة المطلقة في التصرف، لا بد له أن يلتزم بقوانين العقل والشرع في جميع شؤون حياته، والزواج واحد منها...
بعض الآباء يسمع الكلام عن البر فيظن أن له سلطة التحكم الكاملة في الولد، وأنها ممنوحة له من الله تعالى، فإذا تم تعريفه بأن الشرع لم يعطك هذا الحق في كل الأمور تحيّر وتعجب وفتح فاه وحملق مندهشًا!!!
وبعض الأبناء يرى نفسه كبر واشتد ساعده، واتَّقد عقله، وأصبح أعرف بزمانه من والديه اللذان عاشا زمانهما من قبل وهم أعلم به من والدِيهم...، بعد أن يرى نفسه هكذا يظن أنه حرّ في كل شيء، وأنه لا سلطان لأحد أن يتدخل في قراراته مهما كانت فهو أدرى بمصلحته!!
إذا اختلف الولد والأهل، كان الحاكم عليهما الشرع، والشرع وضع أسسًا واضحة لهذا تخضع للعقل والمنطق، وتبتعد عن التشهي والعاطفة.
فليست وصية الآباء والأمهات على الأولاد مذمومة دائمًا، وليست ممدوحة دائمًا...، وليس حكمهم على ولدهم بأنه غبي لا يحسن التصرف صوابًا دائمًا، ولا خطأً دائمًا!!!
إذن فليست المشكلة تكمن في وصية الآباء على الأبناء، أو حكمهم عليهم، ولكن المشكلة تكمن في المستند الذي يستندون إليه أثناء قيامهم بتلك الوصية، أو عند إطلاقهم لحكمهم على الأولاد...
وبعد أن بينت لك هذه النقاط، أعلق على أمرين:
أولهما: ما ذكرته أن نظرتك للفتاة لم تتغير لا أول مرة ولا ثالث مرة، وأن السبب إذن ليس تعلق قلبك بالأولى...،
أولًا: الأنثى ليست كالرجل في هذا، فقلبها فعلًا لا يتسع لاثنين...، أما الرجل فيمكن لقلبه أن يتسع لأربع، ولو سمح له الشرع لاتسع لعشرة!! فيمكنه إذن أن يحكم حكمًا صحيحًا على فتاة ما أنه لا يحبها وإن كان متعلقًا بغيرها.
وثانيًا: أنت ذكرت حالة واحدة، لكن رانيا ماذا قالت؟ ألم تقل: (وقاربت سنتان على الانتهاء على هذا الحال وأنا أرفض كل عريس، وكنت أرفض لأنني بالفعل لم أجد ميلاً لأي أحد سواه). لماذا برأيك لم تجد ميلًا لأحد سواه؟ أرجح –ولا أجزم- أنه بسبب تعلقها بالأول لا غير، إذ من النادر أن تأتي مجموعة من العرسان، ولا تجد ميلًا لأي منهم فيما لو كان القلب خاليًا...
ثم ألم تلاحظ ما ذكرته عن تخيلها لحبيبها عندما تكون مع خطيبها وكلما قال لها كلامًا عذبًا تتخيله من حبيبها؟... إلى آخر هذا الكلام؟ إذن هي عندما تجلس مع خطيبها لا تراه هو، وإنما ترى أمامها شخصًا حرمها من حبيبها، فكيف تنسجم معه؟
لهذا رأيي الشخصي في مثل هذه الحالة، أنه إذا كان الخاطب الجديد مقبولًا عقلًا، والبنت لا تنفر منه نفورًا شديدًا، فأنصحها بالمتابعة وإكمال الزواج، لأن حبها له سيوجد وينمو مع الأيام...
وثاني الأمرين: اعتراضك على أهل رانيا:
كلامك سليم يا حسام فيما لو كان ذلك الشاب لا يعمل مع ابنتهم، إذن فالخَطْب يسير، يرفضونه من أول مرة، ويختفي من حياة ابنتهم، وانتهى الموضوع...
لكن أما والحال أنه يعمل مع ابنتهم في نفس المكان، وعلاقته تزيد بها يومًا بعد يوم، فإن الأمر لا بد أن يجري بهذا الشكل...
جاء أول مرة، فدرسوه ورفضوه...
ثم وجدوا ابنتهم ما زالت متعلقة به، فعادوا مرة أخرى يقلبون النظر، علهم يغيرون رأيهم، ويسعدون ابنتهم...، لكن وجهة نظرهم لم تتغير، ولم يستطيعوا أن يتقبلوا الأمر رغم محاولتهم تقبله...
ثم مرة أخرى حاولوا إرضاء ابنتهم لأنها تحبه ويحبها، لكنهم أيضًا لم يستطيعوا تقبل الوضع، ولم يرضوه لها ولهم...
ألا ترى أن تصرفهم في هذه الحالة يدل على تفهم لابنتهم ومصلحتها، أكثر من أن يدل على ظلم وتحكم؟ ما الذي اضطرهم أن يعيدوا النظر ثلاث مرات؟ أليس إلحاح ابنتهم؟ لو أنها قنعت برفضهم من أول مرة، هل كانوا سيقولون له: غيرنا رأينا تعال!! لا أعتقد...
هذا ما لدي من كلام، وأسأل الله تعالى أن يكرمك، ويكرم رانيا، وكل مقبل على الزواج بشريك يسعده في الدارين، ويكون له عونًا على الخير..
وأهلًا بك دائمًا.