حالة مستعصية
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته؛بعد تحية عطرة ملؤها الاحترام.. في البداية مشكلتي هي مع الجنس الأخر وأود أن أسرد جزءاً مهما ألا وهو من أنا..
أنا شاب عربي عمري 29 سنه، تربيت في أسرة حالها متوسط، محافظة، متدينة، بدأت مراهقتي بالتطلع للمشاعر الجديدة واستعجال ما يسمى بالحب، وكان الحب في نظري هو حب أيام زمان، حب النظرة، والسهر، والعذاب، والتفكير المستمر.
الأولى كانت جارتي، التي كانت بدايتي معها تبشر بخبرة قادمة معهن، أرسلت لها رسائل كثيرة كلها حب وإخلاص، لكن عندما حان اللقاء صرت كمفرمة الكلام التي تخرج كلاما مقطعا لا معنى له، المهم نسيتها وأقفلت بابي عليها لمدى الإحراج الذي حل بي من ذالك الموقف.
الثانية كانت قريبتي وهي تعيش في دولة مصر لظروف معينه، وكنا نزورهم، ولم أكن أنظر أليها بأي نظرة مختلفة، ولكنها جرتني لميدانها عن طرق المزاح كأن مثلا متى سنتزوج وكيف حال الأولاد وما إلى هنالك من هذه الأمور، من هنا بدأت أقع وبدأت تغزو مخي وحياتي كلها ولكني لم أصارحها بشيء لأني لم أملك القدرة (شخصيتها قوية).
وعندما عدت لبلدي تركت قلبي معها، كل يوم أفكر فيها لمدة 4سنوات صدقني كل ما أستيقظ يأتي هاتف في صدري ويظل يردد أسمها حتى أنام، وحتى عندما أنام أحلم بها المهم زرناهم مرة أخرى وكنت فرحا بلقائي بها، ولكني ظللت صامتا لا أعلق سوى ببعض الابتسامات وخلاص، وطغى على تفكيري شيء بأني لابد أن أنساها، لأن حالي لا تسمح لا بلقائها (بعد المسافة)، أما زواجي بها فهو كما تعلم صعب جدا جدا على شاب لا يملك شيئا،
اخترت أن أبقى في صمتي، وكانت تلمح بأن صبرها نفذ معي، أما أنا فسكوتي مطبق لقد صار الأمر وكأنها هي الشاب وأنا الفتاة فهي من تخطي دائما الخطوة الأولى، حتى مرة خرجنا معا (العائلة كلها) وذهبت أنا وهي لأحد المحلات وأمسكت يدي بيدها ولكني أبعدت يدي.
مع أني أفكر في تلك اللحظة بأني سألتهمها التهاما، المهم عدنا من زيارتهم وأنا كلي حزن عليها، ودخلت مرحلة جديدة في حياتي بالالتزام الديني الكامل، ونسيت كل شيء عن البنات وأنا أقنع نفسي بأنني لا أصلح لمثل تلك العلاقات مع الجنس الأخر، وكانت لي زميلة أعجبت بها جدا طبعا لم أتحرك خطوة وقد قامت بالاتصال بي أكثر من مرة بالتلفون أوقات الامتحانات لكني لم أكن موجودا.
ولم أجرؤ حتى على سؤالها عن سبب مكالمتي، وقد ظللت أكتم إعجابي حتى قال صديقي تحرك، أتدري ماذا قلت لها لقد قلت لها بكل عصبية أني أود أن أقيم معها علاقة! طبعا البنت خافت وقالت لي أنها ليست من ذلك النوع، المهم قلت لها أنا أيضا لست من ذلك النوع (قصدي أنني لست لعوبا) وتركتها وذهبت.
ومن ذلك اليوم نسيتها.. المهم عدت الأيام وتخرجت وقررنا زيارة مصر أنا والوالدة وبدأ شوقي القديم يحن لما مضى وكان اللقاء لكن كالعادة لم أتحرك ساكنا كالتمثال والبنت تلمح بالزواج والأولاد وأنا سااااااااااااكت.
حتى جاء يوم استجمعت قواي وبعثت لها إيميلا قلت فيه كل شيء وهو أني أحبها حبا شديدا، ولم أنسها يوما كما وتطرقت لموضوع يومياتي وكيف أني أعجبت بها، أتدري ماذا كان ردها أنها مستغربة من كلامي وأني مثل أخوها وما إلى ذلك... هذه التي كنت أظن أنها أقرب الناس لي.
أنا أفكر أحيانا بالانتحار (أستغفر الله العظيم)، وأحيانا أقول أني لن يقدر لي الزواج أو بالأصح لا أصلح للزواج، فأنا لا أعرف كيف أتعامل مع الجنس الآخر بالتأكيد.
بالله عليك دلني سدد الله خطاك، وشكرا (آسف للإطالة).
7/2/2004
رد المستشار
عزيزي........ "حمال القهر"، السلام عليك ورحمة الله وبركاته؛
من الطبيعي أن يميل الرجل نحو المرأة والعكس، وهذا ميل فطري خلقه الله فينا ليؤدي وظيفة هامة تتصل بعمران الكون واستمرار الحياة، يقول تعالى بسم الله الرحمن الرحيم (زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ) صدق الله العظيم (آل عمران:14)، وهذا الميل هو القوة الدافعة لاقتراب الذكر من الأنثى (أو العكس) لتكوين نواة أسرة جديدة يتحملان مسئولية رعايتها واستمرارها لسنوات طويلة.
وكلا من المرأة والرجل يتعلمان مهارات الاقتراب من بعضهما بشكل مقبول نفسيا واجتماعيا من خلال التعاملات اليومية، وهذا الشكل يختلف من بيئة لأخرى ولكنه يتفق في مراعاته لدوافع الاقتراب لدى الطرفين ولغة الاقتراب السائدة في مجتمع بعينه.
وهذه المهارات لا تقتصر على الإنسان وإنما تمتد إلى عالم الطيور والحيوان، فذكر الحمام -على سبيل المثال- يقوم بألوان شتى من الغزل لأنثى الحمام حتى تسمح له بالاقتراب ثم التزاوج، ومثل هذا يحدث في الحيوانات. ولما كان الإنسان أكثر تعقيدا من الناحية النفسية والعاطفية فإننا نتوقع احتياجه (ذكرا وأنثى) إلى فنون شتى من مهارات الاقتراب التي تتسم بالتدرج ومراعاة احتياجات وظروف الطرف المقابل واستخدام اللغة المقبولة والمفهومة في التواصل سواء كانت هذه اللغة لفظية أو غير لفظية.
وأنت كما هو واضح من الرسالة لديك رغبة هائلة في الاقتراب بدأت منذ المراهقة المبكرة وكنت كما قلت "تستعجل الحب"، وهذه الرغبة الهائلة التي دفعتك للاستعجال وضعتك في موقف صعب وخبرة مؤلمة في أول تجربة لك مع جارتك، فحين التقيت بها اضطربت اضطرابا شديدا وخرجت كلماتك كما قلت "مفرومة ومتقطعة"، وقد أحدث لك هذا حرجا شديدا وكانت تجربة صادمة بالنسبة لك جعلتك ترتعد من التفكير في تكرارها مرة أخرى، ولذلك ترددت لسنوات طويلة في مصارحة قريبتك التي أحببتها،
وحتى حين حاولت مغالبة هذا الرعب ومصارحتها فإنك قد فعلت ذلك بشكل متوتر ومفاجئ مما جعلها تعلن أنك مثل أخيها لأنك لم تلتزم بمبدأ التدرج الطبيعي في الاقتراب ولم تراع مشاعر الطرف الآخر واحتياجاته من العلاقة فأنت طول الوقت مشغول باحتياجاتك ومخاوفك وظروفك وهذا بالتالي يجعل مصارحاتك غريبة على الطرف الآخر بالإضافة أنك لا تحسن توقيتها فإما أنها (أي مصارحاتك) تأتي مبكرة جدا (كما حدث مع جارتك) فتنزعج منها جارتك، أو تأتي متأخرة جدا فترفضها قريبتك (ولو ظاهريا) عقابا لك على تأخرك، أو تأتي فجة في كلمة مسكونة بمعان غير مقبولة (كما قلت لفتاة أريد أن أعمل علاقة معك).
يضاف إلى ذلك أنك تعطي اهتماما كبيرا للغة اللفظية وتهمل وسائل أخرى للتواصل ربما تكون أكثر تعبيرا وأقل حرجا للطرفين مثل تقديم مساعدة أو تقديم هدية في مناسبة معينة أو إبداء الاستعداد لذلك.
كان هذا هو الجانب الاجتماعي الظاهر في المشكلة، أما الجانب النفسي الذي يكمن خلف هذا الرعب من الإناث فإنه يتمثل في أحد احتمالين وهما:
1- تقديس المرأة.
2- تدنيس المرأة (أو تجنيسها).
فهناك بعض الرجال يرتبطون بشدة بأمهاتهم لدرجة التقديس، وبالتالي تصبح أي أنثى مقدسة مثل الأم، وهنا يصبح الاقتراب العاطفي أو الجنسي من أي أنثى مصحوبا بمشاعر خوف وقلق لأن الاقتراب هنا يعني انتهاك كيان مقدس.
أما الاحتمال الثاني وهو تدنيس (أو تجنيس) المرأة فيعني أن الرجل ينظر إلى المرأة على أنها موضوع جنسي فقط وتتركز العواطف كلها أو معظمها حول هذه الفكرة، ولذلك حين يقترب منها يرتعد خوفا ويرتبك بسبب ثورة الجنس بداخله، ورعبه من انطلاق رغباته الكامنة في اللا شعور وخروج هذه الرغبات عن السيطرة أو اكتشاف الآخرين لها وافتضاح نواياه غير البريئة.
وفي بعض الحالات يقترن التقديس بالتدنيس، حيث يحمل الشخص الشعورين معا تجاه المرأة، ووجود هذه المشاعر المتناقضة يجعله في حالة ارتباك وحيرة.
وحين يوضع الشخص في تجربة حقيقية يقترب فيها من امرأة وتثور مخاوفه وترتعد أوصاله وتتقطع كلماته ويتصبب عرقه، فإنه يتأكد بما لا يدع مجالا للشك أن هذا الاقتراب غير آمن، وتتعزز تلك المخاوف كلما تكررت التجربة بهذا الشكل المرعب وتتحول عند بعض الناس إلى حالة رهاب تدفعهم إلى تجنب الاقتراب من أي امرأة، ولكن يدفعهم الحنين الفطري إلى أعادة المحاولة أو التفكير فيها.
ويمكن أن يساعد الشخص نفسه بنوع من العلاج الذاتي يبدأ بقبول فكرة أن المرأة مخلوق مثل الرجل لها دوافعها واحتياجاتها، ولكي ينجح الرجل في الاقتراب المقبول منها عليه أن يتخلى عن أنانيته ونرجسيته، وأن يفكر في تلبية احتياجاتها هي دون اعتبارها مقدسة أو مدنسة، عندئذ يراها بشكل واقعي لا يحمل ذلك التهديد المرعب، وهذا هو الجزء المعرفي في البرنامج، ويليه الجزء السلوكي والذي يتمثل في برنامج ذاتي لتعلم مهارات الاقتراب ويبدأ بالاقتراب ممن لا يثيرون في نفسه مشاعر حادة والتعود على التعامل معهن مثل زميلات العمل أو القريبات، فهذا التعامل اليومي الذي يخلو من المشاعر العاطفية الحادة يكسر مع الوقت حاجز الخوف ويجعلك ترى المرأة مخلوقا عاديا مثل الرجل لا يحمل رهبة التقديس ولا رعب التدنيس فلاهي مقدسة ولاهي مجنسة، وبالتدريج يصبح الاقتراب من المرأة ممكنا.
وإذا كانت هناك فرصة لخطبة تتم عن طريق الأسرة فلا مانع من ذلك فإنه يرفع عن كاهلك حرج عدم شرعية العلاقة ويعطيك فرصة لكسر حواجز الخوف المتدرج مع خطيبتك، وهذا الحل يكسر أيضا حواجز ترددك فمن الواضح من رسالتك أنك شديد التردد ولا تأخذ قرارا بسهولة خاصة في مثل هذه الأمور، و قد ثبت أن الزواج الذي يتم عن طريق الأهل يكون أكثر نجاحا من الزواج القائم على تجارب حب عنيفة ربما لأن الأول يكون قائما على اعتبارات أكثر موضوعية من الثاني.
أما إذا فشل برنامج العلاج الذاتي فيمكنك طلب المساعدة من أحد المعالجين النفسانيين في البلد الذي تقيم فيه حيث يساعدك من خلال جلسات للعلاج النفساني الفردي والعلاج المعرفي السلوكي وربما العلاج النفسي الجمعي (خاصة إذا كان يضم أعضاءً من الجنسين)، وربما تحتاج في المراحل الأولى من العلاج إلى بعض مضادات القلق البسيطة لتخفف من استجابات القلق التي تحدث عند مواجهة الجنس الآخر.
ويضيف الدكتور وائل أبو هندي، الأخ العزيز أهلا وسهلا بك، ليس لدي من إضافة بعد إجابة أخي الأكبر وزميلي الدكتور محمد المهدي، سوى إحالتك إلى ردٍّ من الردود السابقة لمستشاري صفحتنا استشارات مجانين، كان فيه موقف يشبه موقفا حدث معك وعنوانه هو: طلب الزواج للمرة الثانية : تحليل الرفض أولاَ وأيضًا راجع ردنا السابق: رهاب الجنس الآخر
وفقك الله وأهلا وسهلا بك دائما على موقعنا مجانين، فتابعنا بالتطورات الطيبة إن شاء الله.