وسواس النظافة والطهارة
السلام عليكم،
أولا أشكركم على الموقع الرائع الذي استفدت منه كثيرًا، ولكن الضعف في التطبيق هو ما يتملكني أحيانًا. مشكلتي في الطهارة، أصبحت أجلس في مكان محدد بالبيت لا يجلس أحد غيري فيه، لخوفي من عباءات أهلي وأقاربي وإحساسي أنها متسخة، أصبحت أمسك مقابض الأبواب بمناديل، ثم أغسل يدي بالصابون، ثم أصبحت أغسل الذراع كلها.
ِ
مشكلتي أيضًا عند الاستحمام، أطيله لمدة ساعتين، يعني الحمد لله أصبح هناك تحسن من بعد خمس ساعات، أكبر معاناتي عند استخدام الحمام، وعند الدورة الشهرية، فأصبحت لا آكل جيدًا، ولا أشرب حتى لا أدخل الحمام إلا مرتين، عند الاستيقاظ، وقبل النوم.
عندما أكون عارية بدون ملابس وأقترب من أي شيء مثل الجدار وأنا في الحمام أو الغرفة أرى أني وسخته ويجب غسله أيضًا، روب الحمام يوميًا يغسل لأنه عند لبسه في الحمام قد اتسخ، ولا أستطيع وضعه على علاقة الملابس في الغرفة، لا أستطيع النوم أو الجلوس في غرفتي إلا بعدما أستحم.
كنت في بداية مرضي -عند استخدام الحمام- يجب غسل رجليّ بالماء والصابون أما الآن -ولله الحمد- أغسلهم بالماء فقط.
أثناء الدورة الشهرية أكبر معاناة، أجد نفسي دائمًا وسخة، فلا أتحرك في البيت، ولا يقترب مني أحد حتى لا أوسخه، وإذا رأيت الدم قرفت، وعند التغيير في الحمام أحس أن وجهي وشعري اتسخوا. وعندما أنتهي من الدورة أغسل المكان الذي كنت أجلس فيه، والموكيت وغرفتي أغسل كل شي فيها بالماء والصابون حتى العطور وفرشاة الشعر رغم أني لا أستخدمهم وقت الدورة، وكنت أغسل التسريحة والدولاب بالماء والصابون، أما الآن -ولله الحمد- أستخدم فقط الديتول. أصبحت غرفتي بيضاء من كثرة استخدامي لبخاخ الديتول إلى أن أشعر أنها أصبحت نظيفة، ثم أغسل الموكيت بالماء والشامبو.
للدورة ملابسها الخاصة، لا أستطيع الخروج من البيت أيام الدورة أو الأيام التي تسبقها خوفًا من أن تأتي وأنا في الخارج. لي مصلى خاص وأنا نظيفة، وآخر خاص وأنا متسخة. لا أقترب من القمامة، وإذا حملت الخادمة القمامة سواء من الحمام أو المطبخ، أشعر أنها اتسخت، ويجب أن تغير ملابسها قبل أن تتحرك في البيت وخصوصًا وقت الدورة. قرأت كثيرًا أن الوسوسة تقل وقت الدورة، ولكن أنا تزيد! أصبحت لا آكل جيدًا، ولا أخرج من البيت إلا ما ندر، وإذا خرجت عندما أعود أغير جميع ملابسي، وأغسل قدمي، لأن جزمتي متسخة، والعباءة أيضًا تغسل، والشنطة لا أدخلها الغرفة إلا بعد ما أبخها بالديتول إلى أن أشعر أنها أصبحت نظيفة.
أنا لم أكن كذلك، كنت أعيش حياتي براحة، وكنت أشغل نفسي بالرياضة يوميًا، ولكن حصلت لي بعض المشكلات فأصبت بالاكتئاب، ثم حدثت لي مواقف: وهي أن ابنة أختي تبولت على نفسها، ولم تغير لها أختي جيدًا. وأيضًا إحدى قريباتي أتتها الدورة دون أن تحتاط، ولم تغسل عباءتها بعد ذلك لقولها: إن ملابسها الخارجية لم تتسخ. ومنها أصبحت أشك بنظافة كل شيء، حتى العباءات. وأيضًا خادمتي عند تنظيف الحمام تلبس قفازات، وعندما تنتهي من تنظيفه لا تخلعها، وتغلق باب الحمام أو أي باب آخر وهي ترتديها، وممكن تتحرك في البيت وهي ترتديها، وأكثر من مرة أقول لها: اخلعيها عند غلق الباب، أو أثناء التنقل من حمام لآخر، ولا تستجيب. يعني ما حدث لي من وسواس نتيجة لأحداث جرت لي في نفس الوقت، وأصبحت تزيد مع الأيام.
لي الآن سنتان، تلقيت علاجًا دوائيًا، الأول: انفيجا وأنفرانيل مع بعض، ولكن ظهرت لدي أعراض جانبية شديدة أدت إلى إيقاف الدواء، ثم أخذت السبراليكس مع الأنفرانيل، وبعد فترة أصبحت أشعر بضعف في المثانة، وعدم السيطرة على البول، فأوقفت الأنفرانيل واستمررت على السبراليكس 20 لمدة 4 أو 6 أشهر، ثم زادت الطبيبة الجرعة إلى 30 فأصبت بالتورم الشديد في الجسم، والآم في الرجلين من شده التورم، فأوقفت الدواء وبعد أن ذهب التورم رجعت على السبراليكس 10، وتحسن مزاجي ونفسيتي كثيرًا، ولكن الوساوس كما هي. ثم عاد التورم فأوقفت الطبيبة الدواء وكتبت لي اللوسترال 100 ثم بعد شهر عاد التورم للجسم، فأجريت فحوصات وتأكدت الطبيبة أنه لا يوجد سبب عضوي لهذه التورمات وأنها ردات فعل من الدواء، فطلبت إيقافه. والآن لم يبق لي من الأدوية إلا دواء واحد سوف أبدأ به يوم السبت ونرى ماذا يحدث؟ لأن جسمي يتحسس كثيرًا من الأدوية، وطوال هذه الفترة لم أحصل على علاج سلوكي، ولكن استطعت بتمارين أنا أجريتها لنفسي أن أتخلص من بعض الأشياء ولكنها جدًا قليلة.
أريد أن اسأل: هل يحدث تخيلات مع الوسواس كأن أرى عند التبول على كرسي الحمام أنه اتسخ بنقط من البول على الغطاء الذي نجلس عليه؟ وأهلي يقولون: مستحيل يحدث لك ذلك لأنك بنت! فكنت بعد الحمام أغسل رجليّ بالماء والصابون لأنها اتسخت من البول، أما الآن فأغسلها بالماء فقط. فهل هذا يخيل لي؟ وأني أرى الشيء غير نظيف خصوصًا ملابسي الداخلية وقت الدورة، ولكن أقول أكيد أنها اتسخت أثناء التغيير.
أنا في هم كبير، حياتي توقفت، أتمنى الموت، أحيانًا أتمنى انقطاع الدورة، وألا تأتي مرة أخرى، لا أرغب في الزواج، أهملت صحتي وحياتي، لم أعد أهتم بشكلي، وأنظر لكل شيء بشك، وأحيانًا أكره أهلي. أتمنى أن أعود فأسلم على أمي، فأنا لا أستطيع السلام على أحد! أحس أن بيتنا دائمًا متسخ وغير نظيف، ساعدوني بالنصح والرد على كل النقاط التي كتبتها من ناحية دينية وطبية. وشكرًا لكم.
03/03/2011
رد المستشار
وعليكم السلام ورحمة الله؛
الأخت الغالية "م"، آلمتني رسالتك فوسواسك شديد ومعاناتك كبيرة، ولكن في نفسك الوقت ارتحت، لأن لديك عددًا من الانتصارات على الوسواس، مما يبشر بخير ويجعلني واثقة من قدرتك على تجاوز ما أنت فيه...، وهناك من وصل إلى هذه المرحلة وتخلص منها بحمد الله.
لكن عليك أن توطني نفسك على الصبر والمثابرة، فالأمر يحتاج إلى وقت، وقد لا تستطيعين الاستعانة بالأدوية...
اعلمي أختي الكريمة أن الله تعالى خلقك لتعيشي حياة طبيعية كسائر الناس، وأنت تتمنين هذا بشدة...
أقول: أما الطهارة والنجاسة فكوني مسترخية من أجلها تمامًا، لن أكرر لك ما أجبت به كثيرًا من الموسوسين من أن الأصل الطهارة في الأشياء، ومن أننا لا نحكم بنجاستها إلا إذا رأينا النجاسة بعيننا...، إلخ، وأظنك قرأت هذا على مجانين..
لكني سأفرض معك أن أهلك في البيت لا يراعون أحكام الطهارة والنجاسة، وكذلك الخادمة، وكذلك من يسير معك في الشارع...، سأفرض معك أن كل الناس لا يتورعون عن النجاسة (مع أن هذا الفرض فيه ما فيه من سوء الظن بالمسلمين)... عندما يصل الأمر إلى هذا الحد يا "م" أي إذا كنت تعيشين في مكان مليء بالنجاسات، وحصولها ليس من صنعك، ولا تستطيعين التحرز منها...، فإن الشرع يقول لك: إن النجاسة إذا وصلت إلى هذا الحد عفي عنها لما في عدم العفو من المشقة، فالمشقة تجلب التيسير.... وجود النجاسة -في هذه الحالة- وعدمها سواء بالنسبة لصحة العبادات، فمارسي حياتك كما لو كان كل شيء طاهر، ولا تقلقي.
أما بالنسبة للنظافة، -وهذا الذي أشعر أنه يسبب لك المشكلة الأكبر-، فحاوري نفسك: إذا كان الله تعالى قد خفف عنا في النجاسات -التي تؤثر على آخرتنا- إذا ما انتشرت، فكيف بالنظافة التي لا يتعدى تأثيرها هذه الحياة الدنيا؟ النظافة مكمل يشعرنا بجمال الحياة، وليس عذابًا يفسد علينا حياتنا كلها!
إن التخلص من هذا يعتمد على همتك وجديتك في طلب العلاج، لا بد لك أن توقني أن المعايير التي تضعينها للنظافة ليست سليمة، وأن النبي صلى الله عليه وسلم وسائر الصالحين من بعده لم يكونوا على هذه الشاكلة، فكلهم كان يأكل ويشرب، ويجلس مع الناس، مع وجود العالم والجاهل فيهم، ومع وجود النظيف ومن لا يهتم لهذا، ومع وجود المدني المتحضر والبدوي الذي يجالس الحيوانات وينام معها....
واقرئي هذا الحديث الذي يرويه البخاري رحمه الله: عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم جَاءَ إِلَى السِّقَايَةِ، فَاسْتَسْقَى، فَقَالَ الْعَبَّاسُ: يَا فَضْلُ اذْهَبْ إِلَى أُمِّكَ، فَأْتِ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِشَرَابٍ مِنْ عِنْدِهَا. فَقَالَ: «اسْقِنِي».
قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ: إِنَّهُمْ يَجْعَلُونَ أَيْدِيَهُمْ فِيهِ. قَالَ: «اسْقِنِي». فَشَرِبَ مِنْهُ، ثُمَّ أَتَى زَمْزَمَ، وَهُمْ يَسْقُونَ وَيَعْمَلُونَ فِيهَا، فَقَالَ: «اعْمَلُوا، فَإِنَّكُمْ عَلَى عَمَلٍ صَالِحٍ -ثُمَّ قَالَ-: لَوْلاَ أَنْ تُغْلَبُوا لَنَزَلْتُ حَتَّى أَضَعَ الْحَبْلَ عَلَى هَذِهِ».
فهذا النبي صلى الله عليه وسلم، أصر على سيدنا العباس رضي الله عنه أن يسقيه زمزم من المكان الذي يشرب منه سائر الناس رغم أن الناس يغمسون أيديهم فيه، ورفض أن يذهب الفضل فيحضر له بماء نظيف من البيت، تواضعًا منه وليبين لنا كراهة التقذر (القرف) من الناس ومن الأكل معهم...
لا بد أن تقتنعي أولًا بأن قرفك من الناس هو الخطأ، وليس عدم مسيرهم حسب ما تحبين، ليسوا ملزمين أن يجعلوا من أنفسهم نسخة عنك، وإنما أنت التي يجب عليك أن تتكيفي، فإذا اقتنعت بهذا جيدًا، فعليك الانتقال إلى الخطوة الثانية وهي تدريب نفسك على ترك ما اعتدت عليه من تحاشي الناس، وكل شيء في أوله صعب، وقد تموتين من القلق، لكن هذا موت بعد حياة وراحة...، وأول ما أنصحك به الآن أن تمنعي نفسك من إمساك مقابض الأبواب بالمنديل ومن غسل يدك بعد ذلك...
إن استطعت أن تفعلي هذا فورًا فأمر طيب، وإن كان صعبًا فحاولي تأخير غسل يديك بعد الإمساك بالمقابض عددًا من الدقائق تزيدينها تدريجيًا يومًا بعد يوم... مثلًا في اليوم الأول أخري غسل يدك خمس دقائق، وفي الثاني عشرة وهكذا...، ثم انتقلي بعدها لإرغام نفسك على الجلوس في أماكن مختلفة في البيت، ثم للصلاة في عباءة كنت لبستها أثناء الحيض، وهكذا...
تداركي الموقف وارحمي نفسك يرحمك الله...، واعلمي أنك كلما بكرت في العلاج أكثر كلما كان الأمر أهون والنتائج أفضل...
بالنسبة للأسباب التي ذكرت حصول الوسواس بعدها، فهي قطعًا ليست المسؤولة وحدها عما حصل لك، ولكنها محرض، والوسواس عادة لا يأتي من فراغ، بل لا بد من شيء يرتبط به وإن كان غير مناسب.
زيادة وسوستك أثناء الدورة الشهرية أمر طبيعي لأن وسواسك متعلق بالنظافة والطهارة، فلا بد أن يزيد في حال يناقضهما...، وقد استفسرت من الدكتور وائل عن المعلومة التي ذكرتها بخصوص نقصان الوسواس في تلك الفترة فقال: (غير صحيح ... إلا إن كان المقصود وساوس الوضوء والصلاة لأنه لا وضوء ولا صلاة).
كذلك سألته عن إمكانية تخيل الموسوس ورؤيته أشياء غير موجودة (كنقط البول على كرسي الحمام) فقال: (لا ليس صحيحًا أن الموسوس يرى أشياء غير موجودة.... هذا لم أصادفه من قبل... وإذا كانت فعلًا ترى أشياء تختفي عندما تغمض عينيها... ولا يراها غيرها فلا بد من مراجعة طبيب نفساني لإجراء فحص للحالة العقلية).
أرجو أن أكون أجبتك بهذا، ويمكنك الاستفادة مما كتب على الموقع من استشارات مشابهة، ومما كتب في نطاق الوسواس القهري من برامج العلاج الذاتي، واستعيني بالله وابدئي التطبيق من فورك، ولا تيئسي مهما فشلت، فمحاولتك التطبيق يعد نصرًا بحد ذاته حتى إن لم يأت بنتائج، وهذا مستبعد...
أعانك الله وعافاك وفرج همك في القريب العاجل.