مع بداية الالتزام تبدأ الوسوسة....!
السلام عليكم ورحمة الله؛
بدأت مشكلتي وأنا في السنة الثانية من دراستي في الجامعة، بعد شهور من رمضان الذي قررت فيه أن أرتدي الحجاب كانت مجرد نية لارتداء الحجاب فقط في ذلك الشهر، ولكن ولله الحمد حياتي كلها تغيرت بارتداء قطعة من القماش على رأسي.
هداني الله للطريق الصحيح بعد ما قضيت زهرة أيامي ومراهقتي فيما يغضب الله، لم أترك كبيرة من الكبائر ولا صغيرة إلا فعلتها، دون الخوض في التفاصيل لأنها فترة أتمنى محوها من ذاكرتي.... المهم تغيرت حياتي وحمدت الله أن هداني، واستشعرت حلاوة الإيمان، وكنت في غاية السعادة بعد توبتي، أستمتع بصلاتي وقربي من الله، وبقيام الليل، وقراءتي للقرآن، وبري بوالدتي، ودعوت الله أن يغنيني بحلاله عن حرامه.....
هذه المتعة استمرت شهورًا قليلة لا أذكر عددها، وبدا المنغص الكبير والأول في حياتي من شدة حرصي في العبادات، وعلى طاعتي لربي، بدأ الوسواس فصرت أشك في طهارتي ووضوئي، أقضي أوقات طويلة في الحمام الذي استأثرت به لنفسي، ولا أسمح لأحد بمشاركتي فيه...، جلست أعاني لوحدي ولم أعلم أنه مرض لأن تصرفاتي كانت مألوفة حيث كنت أرى أختي تفعل نفس الطقوس، وكانت ردة فعل الأهل بالاستهزاء. كنت أظن أني مجرد حريصة على عباداتي وطالبة للكمال، وكنت أظن أنه وسواس شيطان يريد أن ينغص علي توبتي.
ورغم وجود المعاناة وتأثير الطقوس على حياتي لم أشعر باليأس أو عدم قدرتي على التحكم في حياتي، إلى أن استجاب الله دعائي ورزقني بزوج صالح فيه أكثر مما أستحق وأتمنى، يحبني بجنون...
في فترة الخطبة صارحته بمعاناتي ولأنه كان طالبًا في كلية الطب، وضح لي وشرح لي أن ما أعاني منه هو مرض الوسواس القهري، ومنذ ذلك الوقت إلى الآن وهو يساندني ويقف بجانبي للتغلب على هذا المرض باختلاف أسلوبه طبعًا على حسب شدة الوضع وتوقيته.
مرت الأيام وتزوجنا -بوجود الوسواس- وأصبح جزءًا من حياتنا مع الزيادة في الوسوسة في الأمور المتعلقة بالعلاقة الحميمة ولكن دائًما وساوس طهارة وعبادات. حملت حملي الأول وكان له تأثير كبير على مرضي لا أعرف من المحتمل أن يكون له علاقة بالهرمونات، زادت درجة الوسوسة للضعف، لم أكن أستطيع الوضوء أو الصلاة من كثرة الإعادة، كنت أجلس ساعات حتى أتوضأ، أصلي الفرض مرتين أو ثلاثة، أغسل جسمي من أسفل كلما أقضي حاجتي، أغتسل يوميًا من الجنابة وإن لم يحدث جماع....
تعبت وكنت أبكي بالساعات إلى ما بعد الولادة، دخلت في اكتئاب ولم أستمتع بمولودي الأول وفرحتي الأولى.....، كنت أسكن في أمريكا، ولم أجد طبيبًا نفسيًا مسلمًا يتفهم وسواسي إلا بصعوبة ووصف لي دواء اسمه "زاناكس، رسبيردول، زولوفت".... هذه الأسماء التجارية لا أعلم اسمها العلمي.... استخدمت هذه الأدوية فترة ستة أشهر حتى أثناء إرضاعي لولدي، لا أذكر أي استفادة ملحوظة كل ما أذكره هو: لا مبالاة، عدم القدرة على الإحساس بالفرح أو الحزن، مع الضعف وعدم الرغبة من الناحية الجنسية، والزيادة في الوزن.
كانت فترة صعبة اضطررنا فيها مغادرة أمريكا في أحداث سبتمبر ورجعنا للوطن والشيء الوحيد الذي تغير علاقتي بزوجي...، كانت الظروف المادية صعبة وتأثرت علاقتنا الحميمة، لم يكن لديه الطاقة أو الوقت لمداواة وسواسي...، قررت أن أترك الدواء، وجربت أيضًا دواء اسمه: "ايفيكسور" فترة وجودنا في الوطن، ولكني حملت مرة أخرى، وتركته. وسقط الحمل الثاني ولم أحزن لشدة ما بي من وسواس واكتئاب وتعاسة...
مرت تقريبًا سنتان وقدر لنا السفر لكندا...، هناك تحسنت علاقتي بزوجي وتعايشت مع الوسواس كجزء من حياتي اليومية، وتفهمت محفزاته ومحبطاته، فكان بالنسبة لي كركوب الرولر كوستر، يصعد ويهبط في لحظات تأقلمت وأصبح جزءًا من شخصيتي....
مرت السنين وحملت بابني الثاني وكان حملًا وفترة ولادة ورضاعة -لمدة سنتين- غريبة، فكنت ظننت أني شفيت من هذا الوسواس اللعين، وكانت أحلى مراحل عمري....، إلى أن انتكست مره أخرى..، أمي مرضت، وزوجي كان يحضر لامتحان الزمالة، وكل الضغوطات من حولي في الغربة في نفس الفترة التي فطمت فيها ابني....، ولكن كان الوسواس بشكل مختلف ومزعج...، بدأ عندما نويت أن أقضي ما أفطرته في رمضان كعادتي فصرت أوسوس وأقلب في الماضي ماذا فعلت من ذنوب؟ ماذا تركت من صلاة وصيام؟ هل علي كفارات؟ هل علي قضاء؟ ودخلت في دوامة الماضي الذي لا أريد أن أتذكر منه شيء.
وبدأت المنغصات وإحساسي بالذنب كلما أنظر لزوجي وأولادي..، ماذا فعل هذا الزوج المسكين حتى يتزوج واحدة مثلي؟ تذكرت كل ذنوبي وما اقترفته في حق نفسي وحق أهلي وحق ربي، تذكرت التفاصيل التي تقشعر لها الأبدان وحيرتي ماذا علي أن أفعل بعد ما مرت 15 سنة على توبتي ورجوعي إلى الله....، ذاكرتي خانتني أو هو الوسواس الذي يلبس علي أحداث لم تحدث، وعقلي أوجدها من العدم...، أعرف أني عصيت ربي وضيعت كثيرًا من حقوقه ولكني تبت، وماذا عن حقوق الناس؟ كنت أسرق في المحلات لمجرد المغامرة في مراهقتي!.... كلما أبحث في فتوى عما فعلته في الماضي تزيد الوساوس ويكثر التفكير....
ساءت حالتي مع حملي الثالث صرت كتلة من الوساوس قديمها وجديدها، وسواس طهارة، اغتسال يومي بحجة الجنابة بدون سبب حتى صرت أتجنب زوجي خوفًا من الإثارة...، لا أستطيع سماع أي فتوى لأني سأحولها لنفسي، أحجب كل ذاكرتي حتى لا أتذكر الجانب المظلم من ماضيي، أفكر في إعادة صلوات وصيام أيام مرت من سنين....، أفكر في أيام إسقاطي، اعتبرتها نفاس فتركت الصلاة والصيام لثلاثة أسابيع، قضيت الصوم وأشك الآن أنه يجب علي قضاء الصلاة....، أفكر فيما حصل عند ولادتي لأبنائي، نزل مني دم قبل الوضع اعتبرته دم نفاس وتركت الصلاة والآن لا أدري ما حكم هذا كله؟ لا أريد البحث في فتوى لأنه سيزيد الوسواس وأخاف من الإجابة...، أنا أعيش في جحيم لا أستطيع أن أستمتع بحياتي، كلها عبارة عن وساوس، أهملت زوجي وأولادي، أصرخ، أنام لأهرب...، حاولت الذهاب لطبيب مسلم لم أجد في كندا....، لا أريد اخذ دواء في حملي مع العلم أني في آخر شهر، وأيضًا سأرجع لوطني بعد أربعة أشهر...، هل أنتظر فتره ركود الوسواس وأتعايش معه كما فعلت في الماضي؟ أنا في فترة تأقلم الآن ولا أعلم إلى متى؟
أخاف عقاب ربي...، أخاف علي حب زوجي...، أخاف على أولادي. نسيت أن اذكر أنه كانت تأتيني نوبات هلع وأنا في عمر 13، كنت أخاف الليل والنوم خوفًا من الموت، والآن ابني الأكبر عنده بوادر نوبات هلع وهو في سن 8.
الرجاء الرد علي وعدم تحويلي لأسئلة مكررة، فقد قرأتها كلها، هل أستطيع التواصل عبر التليفون مع أحد الأطباء المختصين؟
ولكم جزيل الشكر
17/03/2011
رد المستشار
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته يا أم محمد، وأهلا بك معنا على مجانين
هناك فعلا من يبتدئ معه الوسواس عند الالتزام، فالشيطان لا بد له أن يغزو الإنسان في نقطة ضعفه ليصده عن التزامه، ويبدو أن نقطة الضعف عندك هي القابلية للوسوسة، فأختك كما تقولين موسوسة أيضًا، هذا عدا عن حرصك الشديد على التمسك بدينك، والحفاظ على توبتك...، وقد يكون هناك أسباب أخرى، وقد يكون السبب غير ذلك، وليس المهم معرفة السبب بقدر ما يهمنا كيفية العلاج.
لقد انتهجت الطريق السليم في العلاج، فسعيت إلى الأطباء رغم صعوبة هذا عليك، ولا بد لك من المتابعة الطبية حين يتيسر لك ذلك بعد عودتك قريبًا إلى وطنك، وقد منّ الله تعالى عليك بزوج يساندك ويعينك على تجاوز ما أنت فيه، بقي عليك أن تلزمي نفسك بعلاج معرفي سلوكي، وهو عظيم النفع في علاج الوسواس.
أختي أم محمد: إن الالتزام ليس بالشيء الصعب الذي يحتاج إلى كل هذا التوتر، ولو كان كذلك لما كلفنا الله تعالى به، لأن الله تعالى لا يكلف الإنسان بما يشق عليه...، إن أحكام الشريعة ليست حبلًا دقيقًا ينبغي أن تسيري عليه وتتوازني فوقه، وإنما هو مثل طريق واسع محدد بطرفين، يمكنك السير داخله كما شئت شريطة ألا تخرجي عنه يمنة ولا يسرة، أي من غير إفراط ولا تفريط.
هذا أمر، والأمر الآخر: إن الإنسان إذا تاب لا يطالب أن يأتي بالأعمال التي قصر فيها دفعة واحدة، لأن هذا لا يستطيعه بشر، وإنما هو صعود متأنٍ وترق درجة فدرجة، فمن التزم وصدقت توبته، يبدأ فيتعلم وكلما تعلم أمرًا طبقه، ولا يكلفه الله تعالى أكثر من ذلك، أما ما مضى فبعض الأمور تحتاج إلى تدارك وإصلاح على حسب وسع الشخص، وبعض الأمور يعفو الله تعالى عنها بسبب جهل صاحبها، وكل شيء له حلّ...
أسألك الآن: ألست قد تبت توبة صادقة؟ أحسب جوابك: بلى. ألست تثقين بوعد الله تعالى أنه يغفر للتائبين مهما عظمت ذنوبهم؟ ينبغي أن يكون جوابك: بلى أيضًا. لماذا تعودين للماضي إذن؟ ألا تعلمين أن الله تعالى أرحم بك من نفسك؟ ألا تعلمين أنه يحبك إذ دعاك إليه؟ لماذا اليأس إذن؟ اتركي التفكير بالذنوب، واعلمي أن الله تعالى قد محا لك كل ما بدر منك فلا تنغصي حياتك باسترجاع ما ذهب إلى غير رجعة...، وإذا ألح عليك الوسواس بهذه الأفكار فسارعي إلى طردها وذكري نفسك أن هذا مجرد وسواس لا أكثر، وأن الله تعالى غفر لك، وتجاهلي الموضوع واشتغلي بأشياء أخرى، مرني نفسك على ذلك مهما اشتد قلقك في البداية، وستجدين أن هذه الأفكار ستخفت وتزول شيئًا فشيئًا، ولن تقلقي منها بعد ذلك...
تسألين عن أخطاء ارتكبتها، وتخافين من الإجابة، لا بأس، كما قلت لك من قبل: هدئي من روعك، وابدئي خطوة خطوة، وتعلمي مسألة فمسألة، ونفذي حسب استطاعتك...، ولا تخافي من السؤال لأنك ستجدين الإجابة أخف وأيسر بكثير مما كنت تتوقعين، وحينها تندمين على الأيام التي أمضيتها في القلق والذعر...
- سألت عن سرقتك من المحلات، وينبغي فيها أمران: الأول: الندم والتوبة وقد فعلتهما بحمد الله تعالى. والثاني: إعادة الحق إلى أصحابه، ويكون بأن تتذكري من أخذت منهم وكذلك المقدار وتحاولي إرجاعه بطريقة لا تحرجك، كأن تشتري من المحل وتعطي البائع زيادة، ولا داعي لإخباره أنك سرقت منه يومًا بهذا المقدار...، فإن كان من المتعذر معرفة البائع ورد المسروق إليه، فتصدقي بما أخذته منه على الفقراء مع عزمك ونيتك بأن تردي على صاحب الحق حقه إذا التقيت به، هذا هو المطلوب وانتهى الأمر، وتكون ذمتك قدر برئت بذلك. وأوضح لك ناحية: ليس المطلوب منك أن تتيقني تمامًا تمامًا ما أخذته من مال، وإنما تقدرين الأمر تقديرًا حتى يحصل لديك ظن بمقدار (51 إلى99%)، بأن المقدار المسروق هو كذا...
- بالنسبة للإسقاط: إذا كان الإسقاط قبل مرور أربعين يومًا على الحمل فالدم الذي ترينه حيض وليس نفاسا، فيطبق عليه أحكام الحيض. وإن كان بعد الأربعين، فمن الفقهاء من قال: هو نفاس، ومنهم من اشترط بداية تخلق الولد وتشكله كهيئة إنسان، أي إن لم يتخلق فهو حيض...، وعلى هذا: إن وجدت حكم الدم نفاسًا فما فعلته صحيح، وإن وجدته حيضًا فتتركين الصلاة بمقدار عادتك في الحيض، وتقضين ما زاد على هذا، فإذا كان حيضك 7 أيام تقضين ما زاد على السبعة وهكذا...، وينتهي الموضوع.
- أما الدم الذي ينزل قبل الولادة، ففيه خلاف بين الفقهاء، وما فعلته صحيح عند بعضهم فلا مشكلة، فقد ذهب بعضهم إلى اعتبار الدم الذي تراه الحامل قبل الوضع بيومين أو ثلاثة، ذهبوا إلى أنه نفاس، وذهب آخرون إلى أنه حيض، وقال قوم هو استحاضة، فعلى القولين الأولين ما فعلته من ترك الصلاة صحيح ولا إثم عليك...
أما بالنسبة لوسواس الطهارة والصلاة، فعليك إهمال الاستجابة لوسواسك ما استطعت إلى ذلك سبيلًا، ويمكنك الرجوع إلى تصفح المشكلات بالتصنيف والقراءة عن هذا في: علاج الوسواس OCDSD فقهي معرفي إسلامي Religious CT. كما يمكنك الرجوع إلى مقالات منهج الفقهاء في التعامل مع الوسواس القهري، وإلى برامج العلاج الذاتي من الوسواس وكلها موجودة في نطاق الوسواس القهري.
فكل شيء كما رأيت له حل، وأمامك متسع في العمل بالأيسر من الأقوال في حال المشقة، بل الأولى لك أن تتبعي الرخص بما أنك موسوسة، وقد نص الفقهاء على أن الأولى للموسوس تتبع الرخص ريثما يذهب وسواسه.
فلا ترهقي نفسك بما لم يكلفك الله تعالى به، وكوني هادئة، وتعلمي وطبقي رويدًا رويدًا، ولا يكلفك الله تعالى إلا وسعك.
أعانك الله تعالى وشفاك، وأخذ بيدك لكل خير.
واقرئي على مجانين:
الالتزام الديني والوسوسة هل من علاقة؟