أشعر بأني صفر على الشمال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد؛
فإني شاب عمري 25 سنة أشعر بحاجة كبيرة لاستشارتكم في حالتي. أنا كنت طوال حياتي طالبًا مميزًا في المدرسة نبيهًا، الأول دائمًا على زملائي في المدرسة، وبقيت على تلك الحال حتى الثانوية العامة حيث تخرجت من القسم العلمي بامتياز مرتفع، وعلى الرغم من ذلك لم تكن عندي أية ميول لأي تخصص معين فقد كنت منذ دراستي في المدرسة ليست عندي الرغبة الجارفة للقراءة بشكل عام ولأي كتاب كان حتى للكتب المدرسية، ولكني كنت -وكما ذكرت آنفًا- ولله الحمد نبيهًا أقرأ قبل الاختبار بيوم غالبًا وأتفوق (وقراءتي هذه ليست إلا لأني لا أحب أن أخفق في أي شيء كان ومن ذلك الدراسة حتى أني لا أطيق أن أراجع بعد إنهائي للمادة بل إني لا أذكر أني قد ذهبت لأي اختبار وقد أنهيت دراسة كتابه).
المشكلة ليست هنا، فقد تجاوزت تلك المرحلة وكما ذكرت بتفوق وبعد إنهائي للثانوية وبمعدلي العالي احترت أي الكليات أدخل فلم تكن عندي مشكلة في القبول بأيهن، فقررت الدخول إلى أميز الكليات لأني أحب التميز ألا وهي كلية الطب البشري والتحقت بها فعلًا دون أن أعلم هل لي فيها رغبة أم أنه حب التميز فقط، ودخلت الحياة الجامعية دون أن تتغير شخصيتي أبدًا وظللت لا أدرس في الطب والذي يحتاج لدراسة ومراجعة دائمة، فكنت بذلك أخفق في كثير من المواد ولكن رغبتي الجارفة للتميز جعلتني أكابر وأظل السنة تلو الأخرى دون أن أتغير مقدار أنملة، وزملائي الذين هم دوني في الذكاء (المعذرة لهذه الكلمة)، والمعدل في جميع سنوات دراستي نضجوا وجدوا وصاروا يتعلمون من إخفاقاتهم إن أخفقوا في مادة أصلحوا بالأخرى، وأنا (مكانك سر) كالطفل الذي لا يعي مصلحته ولا يهتم سواء نجح أم رسب (على الرغم من أني أهتم بل وأهتم كثيرًا وتتعب نفسيتي ولكن اهتمام لا يترجم للواقع أبدًا)، وقد تأثرت كثيرًا بما حصل ويحصل لي من إخفاقات حتى أني ذهبت لأحد الأساتذة في الجامعة في الطب النفسي والذي تجاوب مشكورًا معي أكثر من مرة وأعطاني من وقته الكثير بالنصح ووصف لي علاج Cipralex وأخبرني أن عندي اكتئابًا متوسطًا. أكملت فترة العلاج ما يقارب ستة أشهر ثم أوقفته بمشورة الطبيب، نفسيتي تحسنت ولكن ممارستي لم تتغير.
وأثناء هذه الفترة كنت قد أكملت 5 سنوات في الطب البشري بإخفاقاتي المتكررة فخشيت أن أطرد من الكلية فسحبت ملفي حتى لا أشعر بذل الطرد. وهنا إشارة يجب أن أذكرها وهي أن والدي حفظهما الله كانا لينين معي كثيرًا فعلى الرغم من استيائهما مما يحصل لي كانا لا يضغطان علي بترك الكلية ولكنهما دائمًا ما يشيران لذلك وينصحانني. وكنت أقطع الحديث مباشرة وأقول لهما: كل الكليات تحتاج إلى دراسة وأنا ليست لي أية ميول لأي تخصص بالإضافة إلى أني قد تعايشت مع الطب البشري لسنوات وأصبح الناس ينادونني بالدكتور من أقاربي ومعارفي فإن كنت سأتغير فلأتغير في الطب وإلا فإني لن أتغير أبدًا.
بعد أن سحبت ملفي صرت حائرًا لا أدري ما أفعل، يائسًا خجولًا من والدي لتخييب آماله ومن جميع من يعرفني (أضف إلى أنني شخصية حساسة لا أتحمل نظرات الناس لي بالإخفاق بعد التفوق والتميز الذي كنت عليه). وأعطيت ملفي لوالدي وقلت له اعمل به ما تريد، ولكن إن أردت تسجيلي فسجلني بكلية لا تحتاج لشخص يقرأ لأكثر من ساعتين أو ثلاث قبل الاختبار فسجلني في القانون (لأنه تخصصه ويرى أن له مستقبلًا وقد أوفق فيه) وكنت مترددًا كثيرًا حيث أن نظرتي للقانون أنه دون مستواي (وترى هنا يا دكتور أن لدي نظرة لنفسي مرتفعة قليلًا ولو كنت كثيرًا ما أتساءل لم هذه النظرة يا عبد الله؟ فأنت عبارة عن لاشيء ولم تنجز أي شيء يحسب لك ولا تعني للمجتمع أي شيء فلو مت فلن ينقص المجتمع إنسانًا نافعًا بل سيرتاح من عالة لا أكثر فأنا صفر على الشمال ولن يفقدني سوى أهلي الذين يحبونني على ما أنا عليه لأنني ابنهم).
أعود وأقول أني كنت مترددًا في القانون فذهبت إلى الجامعة وكان الموظف في القبول والتسجيل زميلًا سابقًا لي في المدرسة كنت معه في نفس الفصل وكان دوني بمراحل، وجدته وقد تخرج من كلية الكمبيوتر واستغرب عندما قال لي من تريد أن تسجل؟ أخوك الصغير؟ فقلت بل زميلك القديم، وبعد حوار طويل نصحني بتخصص الكمبيوتر فهو تخصص المستقبل وهو سهل نسبيًا ولا يحتاج لكثير جهد ومن معرفته بي رأى أني قد أتفوق فيه دون أي مشاكل فأخبرت والدي ولم يعارض وسجلت في الكمبيوتر وأنا الآن أدرس فيه (ولا أزال على حالي) ولكني أنجح ولله الحمد في جميع المواد منها ما أنا متفوق فيه قليلًا ومنها ما أنا متوسط فيه (وأنا أعلم يقينا أن لدي القدرة على التفوق في جميع المواد لو أردت ذلك أو بمعنى أصح لو عملت على ذلك).
المشكلة ليست في الدراسة فحسب بل في كل حياتي فمثلا أنا كسول في كل شيء لا يستفاد مني أبدًا بأي عمل، بل حتى نفسي لا أفيدها فأنا صحيًا مهمل لنفسي لا أمارس الرياضة، ولا أقرأ نهائيًا أي كتاب ولا حتى الصحف، بل والأدهى والأمر أني قد سبق وتعرضت لحادث سيارة سبب لي كسرًا مضاعفًا في فخذي منذ 4 سنوات تضاعفت حالتي لأني لا أمارس العلاج الطبيعي وأنا الآن أصلي على الكرسي بسبب ذلك وعلى الرغم من أن الأطباء ينصحونني بالاستمرار على العلاج الطبيعي إلا أني لا أفعل بل أفكر كثيرًا بعمل عملية جراحية (رغم خطورتها) على أن أذهب لممارسة العلاج الطبيعي والذي يعتبر رياضة فضلا عن أنه علاج فأنا لست صاحب التزام أبدًا بأي شيء يلزم فقد أذهب يومًا وأتغيب عشرة لذا رأيت أن أتوقف من أولها وألا أتعب نفسي، ومن منطلق عدم التزامي جعلت محاضراتي مسائية لأني سأتغيب عنها بداعي النوم لو كانت صباحية.
أعتذر عن الاستفاضة وألخص مشكلاتي في عدة نقاط:
- الكسل
- الإهمال
- التسويف (في جميع الأمور)
- كره القراءة (حتى في الإنترنت لا أدخل لأقرأ أي موضوع وإنما هو للعب أو لمشاهدة الفيديو)
- كثرة النسيان (وهذا يحصل معي بشكل فظيع وبشكل مزعج وكثير حتى أني أنسى أبسط الأشياء كغسل رأسي أثناء الاستحمام وقد أنسى الموضوع الذي جئت بسببه لمكان ما بمجرد أن أتكلم مع أحد في الطريق لثواني وما أشبه ذلك)
- كثرة السرحان (وهذا له علاقة كبيرة بالنسيان)
- لا أحب إشغال عقلي بأي شيء يحتاج لجهد ذهني، فمجرد أن أبدأ بذلك يضيق صدري وأتركه (مثال لذلك أني كنت ألعب الشطرنج لما كنت صغيرًا مع أصحابي أما الآن فلا، لأنها تحتاج لجهد ذهني)، وهذا في كل أموري الحياتية.
- أمشي دائمًا وأنا أنظر للأسفل، فقد يحصل أي شيء أمامي ولا أشعر به وقد أمر من مكان بشكل دائم ولا أعلم ما يحيط به ولذا فأنا ضعيف في الاتجاهات والأماكن بشكل عام فقد آتي إلى مكان ولا أستطيع أن أعود له بعد أسبوع، وقد يسألني أحدهم عن مكان الجامعة وما يحيط بها فلا أستطيع أن أخبره أسماء المحلات القريبة، فذهابي إنما هو روتين يومي كأني مبرمج عليه لا أكثر، وقد يلاحقني أحدهم بالسيارة وبشكل قريب (وهذا قد حصل) لأسبوع كامل ولا أنتبه لذلك إلى أن أخبرني أحدهم واستغرب عدم انتباهي مع وضوحه!
- تجاهل مشكلاتي وعدم الرغبة بالحديث عنها أبدًا حتى أن هذه الاستشارة كنت أرغب بكتابتها منذ فترة طويلة جدًا ولكني أؤخر بدون أي سبب سوى الكسل حتى أني وضعت مرة ملف وورد على سطح المكتب ولما حاولت أن أبدأ أحسست بضيق فأغلقته وفتحت اليوتيوب، وأنا الآن وبعد شهور عديدة من وضع هذا الملف فارغًا ها أنا أكتب استشارتي فيه ولا أعلم لماذا أخرتها!
- أنا أضيع وقتي فيما لا نفع فيه أبدًا فقط لمجرد إضاعة الوقت حتى أنه (وهذا كثير) يكون في أشياء ليس فيها حتى المتعة لي وإنما هو قتل الوقت حتى أني أدخل الإنترنت ولا أدري ما الذي أرغب به وقد أشاهد ملفات فيديو قد رأيتها مرارًا وتكرارًا. ليس لي أي أصحاب حاليًا فأصحابي القدامى كل منهم في مكان لا أعلم عنهم شيئًا فقد تخرجوا ومنهم من تزوج ومنهم من رزق بالأولاد وأنا لا أزال أعزب لا أرى أني سأتزوج قبل الثلاثين، وأما زملائي في الجامعة فأقربهم سنًا لي يصغرني بخمس سنين أي بعمري أخي الصغير ولست أرى أي توافق فكري معهم وأعتبرهم زملاء فقط.
أنا أكبر إخواني وكنت في يوم من الأيام أفضلهم وأذكاهم وكان يري في والدي أني سأكون إنسانًا مهمًا في يوم ما ولكن لا أزال أخيب أمله يوما تلو الآخر، أما الآن فاثنان من إخوتي- وأقول ما شاء الله- الذين يصغرونني أحدهم تخرج والآخر يكاد وأنا لا أزال بأول الجامعة دون آمال أو أهداف أو طموحات سوى أن أعيش يومي، كنت أرغب أن أكون أول من يسعد والدي به ولكن هذا أمر الله.
المعذرة على الاستشارة الطويلة والمشتتة وغير المرتبة فهي إخراج لما في داخلي ولا أزال أحس بأن لدي الكثير ولكن لعل في ما قلته وضوحًا للصورة.
أرجو إيجاد حلول لما أمر به قبل أن يفوت الأوان ويضيع عمري وأنا على حالتي هذه. وشكرًا
31/03/2011
رد المستشار
وعليكم السلام ورحمة الله تعالى وبركاته يا أخ عبد الله؛
لا بد أنك حاليًا تعاني من الاكتئاب الذي حاولت علاجه من قبل لكنك لم تكمل، ولم تذكر لنا مدى استفادتك، وأنصحك فورًا بالذهاب للطبيب ومعاودة العلاج... فمن الواضح أنك عانيت طويلا من اكتئاب خفيف مزمن نسميه عسر المزاج دام معك سنوات ثم تفاقم الأمر في الفترة الأخيرة وزاد الاكتئاب حتى أصبحت مصابا باكتئاب جسيم إضافة إلى عسر المزاج.
لقد كونت عن نفسك فكرة سلبية جدًا طوال السنين الماضية، ولكنك لست كما تظن، أنت شخص متميز فعلًا ويشهد لهذا نجاحك الدراسي رغم قلة دراستك وعدم حبك للقراءة، لكنك لم تحسن معرفة مواهبك وتطويرها منذ البداية، ولا وضعها في المكان المناسب، مما جعلك تشعر بالفشل..، ألم ترَ يومًا معاناة هرِّ وهو في الماء؟ لقد كنت كالهر الذي يلقونه في الماء ليتعلم السباحة وهو لم يخلق ليسبح...، ولو طلب منه تسلق الأشجار لرأيت منه العجب العجاب...
ليس من الضروري أن يصبح الهر سمكة كي يكون ناجحًا، ولا الأرنب حصانًا كي يتميز...
عدم حبك للقراءة لا يعني أنك فاشل، وعدم نجاحك في الطب لا يعني أنك لا شيء، ولكن يعني أن لك مواهباً أخرى عملية منحها الله لك كي تقوم بدور لا يحسنه كثير ممن يعشقون القراءة والدراسة، وها أنت تنجح في الكمبيوتر لكونه أقرب للعلوم العملية، ولا يحتاج لكثير من الحفظ والقراءة...
ابحث دائمًا عن الشيء الذي تحبه وتميل إليه فافعله، وركز على نجاحك فيه، لكن ابدأ أولًا بالعلاج لأنك قد لا تشعر بشيء تحبه الآن...
عافاك الله وأخذ بيدك لكل خير