لماذا أضيع مستقبلي؟ بين شبح الماضي وقيود الحاضر..
اسمحوا لي أن أوجه لكم بعض العتاب الرقيق؛ لأنكم تجاهلتم رسالتي أو بالأحرى لم تجدوا الوقت لتردوا عليها في ظرف أنا أحوج فيه إلى المساعدة أكثر من حاجتي للهواء الذي أستنشقه...
منذ نعومة أظافري وأنا طفلة متحمسة ومتعطشة للعلم والمعرفة. قرأت مسرحيات شكسبير وأنا في السابعة من عمري، وكنت ألتهم الكتب التهاما، ورغم ذلك كنت اجتماعية وأحب اللعب مع صديقاتي... لكن والدي -رحمه الله- كان ينتهرني دائمًا، ويحرمني من ذلك، ويصر على أن أحتل الصفوف الأولى دون نقاش أو جدال! وكنت أبذل كل ما في وسعي لإرضائه، ولكن اللامبالاة التي كان يتسم بها كانت تغرقني في دوامة من الحزن العميق ناهيك عن شكه الغريب في كل صغيرة وكبيرة.. لدرجة أنني كنت أستشعر أني مذنبة...
وما زاد الطين بلة أنني حين التحقت بالمدرسة الإعدادية التقيت صديقات الطفولة, وابتهجت لذلك فزاد حماسي وازدادت درجاتي، فكن يحسدنني ودبرن لي مكيدة لم تخطر على بال!!!
استغللن علاقتي بصبي في الطفولة كنت أحبه بشغف حبًا بريئًا نقيًا كالثلج... وهددنني بإخبار والدي بل تعدين الأمر إلى شائعات لم تكن على الحسبان.. لاكتها الألسن وتركت في نفسي أثرا عميقًا... بل الأسوأ من ذلك أنهن قمن بضربي واحتدمت بيني وبينهن المشاكل!
وفي آخر السنة الدراسية لم أحصل على الرتبة الأولى على صعيد المؤسسة فغضب والدي، ولكنني في قرارة نفسي لم أحزن لذلك لأن الأمرين سيان ما دام لا يكترث ولا يجلب لي أية هدية تشجيعية.. فهو لا يفكر إلا في نفسه، ويجعلنا ندخل دائمًا في ضائقات مالية ليسافر خارج المنزل مع أصدقائه، وحين أطلب منه شيئًا بسيطًا يصرخ في وجهي، لدرجة أن قبل موته بأيام قليلة كان يقول -سامحه الله- (من لا يحب المكوث معي فليتفضل ويغادر البيت)؛ وحلت الفاجعة الكبرى... توفي والدي في بداية السنة الدراسية وعمري 13سنة وحزنت لذلك كثيرًا، وشعرت بثقل المسؤولية الملقاة على عاتقي من العناية بإخوتي إلى جانب أمي، واجتهدت في دراستي...
ورغم أنني انتقلت من مدرسة إلى أخرى بسبب المشاكل الآنفة الذكر إلا أنني قررت أن لا أعقد صداقة مع أحد، وانعزلت عن الجميع وحيدة لا أعرف شيئًا سوى الدراسة، لا ألهو ولا ألعب، أقسو على نفسي كل القسوة... ثم دخل أقارب أمي حياتي محاولين تقديم الدعم تارة، وتحقيق مصالحهم تارة أخرى إلا أنني فوجئت بانتقادهم الشديد لي، وسخريتهم اللاذعة من أخطائي، فاهتزت ثقتي بنفسي.
وفي ذلك الصيف انهمكت في الأعمال المنزلية، وتصادف ذلك مع بلوغي، فشعرت أنني مسئولة عن أعمالي، وأخذت أقلق وأراقب نفسي في الشاردة والواردة خوفًا من الوقوع في المعاصي. فواظبت على الصلاة إلا أنني لم أحتجب، وكنت أهمل مظهري، وحين الدراسة شعرت بضغط كبير، وقررت ألّا أحدث الصبيان... ووقعت في حب شاب متفوق ولكنني لم أنبس ببنت شفة، ولقد انعكس ذلك إيجابًا على درجاتي. وكان يصفني الجميع بأنني (معقدة ومتزمتة) في حين كانوا يتصرفون كمراهقين بحكم أن المجتمع المغربي متفتح بطبيعته... أما أنا فكانت وجنتاي تحمران لأدنى سبب، والخجل يعقد لساني، إضافة إلى أنني أصبحت أعاني من الوسواس الذي تسلط عليّ منذ وفاة أبي إذ كنت أفكر أن أمي أو أحد إخوتي قد وقع له مكروه بمجرد أن يتأخر أحدهم.
وتوالت السنوات الدراسية بنفس الروتين، اجتهاد وكد شتاءًا، وأعمال منزلية مرهقة صيفًا.... وأنا أواصل الضغط على نفسي دون رحمة ولا شفقة، وتعرفت على أحد الأساتذة والذي استغرب لعزلتي ونصحني بأن أتغير.
ولا أخفيكم فقد تأثرت نسبيًا بأقواله، وصرت أطلب منه المشورة والنصيحة. وتصادف ذلك في السنة التي تسبق البكالوريا والتي تُوجت بمعدل استثنائي غدا حديث الجميع. وفي العطلة الصيفية مباشرة بعد الامتحان تعرضت لحالة عصبية لم أعد أستطيع النوم وأجهل السبب، لم يغمض لي جفن مدة ثلاثة شهور عانيت خلالها من الأرق!
شكوت فيها حالتي إلى أستاذة فلسفة فقالت لي بأنني لا أعيش سني وأن ذلك انعكس على توازني النفسي. وابتدأت المعاناة الحقيقية، فوجئت بنفسي عاجزة تمامًا عن التركيز، كأنني في عالم آخر، ولم أعد أستطيع التمييز بين الواقع والحلم، وانحدرت معدلاتي، وصرت على حافة الجنون!!! ولأنني كنت أتأثر سلبا من القرآن من جهة، ولأن خالتي كانت تعاني من المس أو من الهلاوس أخبرتني أن ما أعاني منه بسبب السحر....!
وحل أهم يوم في حياتي يوم الامتحان كان تفكيري بطيئًا جدًا وحصدت ثمار سنوات من الكفاح التي راحت سدى!!! حصلت على معدل متوسط لا يكفي لولوج المدارس التي كنت أحلم بها وحتى المباريات التي اجتزتها كان تلاحقني وساوس غريبة فما إن أشرع في الانشغال بحل المسائل حتى أتذكر أنني أخطأت في حق شخص أو أنني نسيت القيام بمهمة معينة فيتشتت تركيزي... فاضطررت إلى ولوج أقسام تقنية وهي شعبة دون المستوى، وأعطتني مؤسستي هدية رمزية، وكان حفل توزيع الجوائز بمثابة كابوس، واغرورقت عيناي بالدمع، واستطرد أحدهم قائلًا (لكل إمبراطورية مرحلة انهيار...).
لم أتحمل كل ذلك فقطعت دراستي بالمؤسسة، وظللت في البيت على أمل أن أنجح في المباراة، ولكنني لم أفلح! فزرت طبيبًا نفسيًا ووصف لي مضادات اكتئاب... رأت والدتي أن مستقبلي غير مؤمن، فأدخلتني مدرسة خاصة على أمل أن ألتحق بالمدارس الكبرى للمهندسين. واجتهدت رغم شعوري الدائم بالاكتئاب وتركيزي الضعيف ولم أجد سندًا يدعمني أو يقف إلى جانبي. وفي هذه الفترة تحجبت وبدأت أتحدث مع الذكور في حدود الدراسة... وضقت ذرعا بجديتي المفرطة وبحياتي الروتينية... وكان عليّ أن أبذل مجهودًا مضاعفًا لأن الشعبة التي اخترتها صعبة وكثيرة المواد بل إن الكثير من المتفوقين يتجنبونها لذلك. وأصبحت أتعرض لنوبات إغماء بين الفينة والأخرى. وحين المباراة فقدت تركيزي بسبب ضجيج الأساتذة المراقبين، وقبعت في المنزل صيفًا ولم أسافر. بعد ذلك التحقت بالجامعة، ولم أرغب في متابعة الدراسة فيها.
والآن أحضر من جديد للمباراة، وأقارب أمي يكتفون بالتعليق دون مد يد العون. ولقد طرأ تغير كبير في سلوكي فزاد تزمتي خصوصًا بعد قراءتي للفتاوى التي تحرم التعامل مع الجنس الآخر. وأنا حاليًا لا أستطيع القيام بأي عمل أمام الآخرين، وأبدو بمنتهى البلادة، ولا أخرج إلا نادرًا.. أرجوكم ساعدوني أريد الخروج من قوقعتي.
أريد أن أركز في الامتحانات والمباريات بدل انشغالي بأمور تافهة، وهي المشكلة التي تؤرقني حاليًا. فبعد سنة من العمل المضني أصبحت نفسي تحدثني بأنني إذا نجحت في المباراة فإن أقارب أمي سيرغبون في الاستيلاء على أموالي.
أرجوكم ساعدوني. لماذا كلما سنحت لنفسي فرصة لتغيير أوضاعي أصنع لنفسي عراقيل غريبة؟؟ (هكذا يكون تصرفي خلال المباريات والامتحانات في البداية أعقد العزم على التركيز ثم أشعر بضيق في صدري... أتذكر فكرة مثبطة مثل إذا نجحت سأحقق أحلامي ولكن عائلة أمي سيطمعون في أموالي، وسيقولون إنها ناكرة الجميل ووو.... يستسلم تفكيري لهذه العوائق، ويجيب عقلي عن الأسئلة بأسوأ إجابة دون استغلال كافة إمكانياتي..).
أشكركم على ما تبذلونه من مجهود طبي. وأتمنى الرد في أسرع وقت ممكن مع التركيز على حل المشكلة الأخيرة لأنها الرئيسة، وتعجيل الرد لأنه لم يتبق على موعد المباراة سوى شهر.
14/04/2011
رد المستشار
الأخت الكريمة، سلام الله عليك ورحمته وبركاته؛
ونشكر لك ثقتك في الموقع ومستشاريه، ونعتذر عن التأخير غير المقصود في الرد على استشارتك التي تجلى فيها واضحاً حبك للكتابة، وقد استمتعت بأسلوبك الراقي في التوصيف لمشكلتك رغم ألمي على أوقات مررتِ فيها كان يمكن أن تكون أفضل.. وسيعوضك الله خيراً منها إن شاء الله تعالى..
كان محور رسالتك يدور حول علاقتك بوالدك رحمة الله عليه، ويبدو أنه لم يُجِد كيفية التعامل مع طفلة رقيقة تقرأ روايات شكسبير في هذه السن المبكرة، ولعل خيالك وقتها كان يحتاج لخيال مبدع مقابل، كانت الطفلة المتعطشة للعلم والمعرفة تحتاج لأن تروى "حب"، وعندما غاب الحب خلف لا مبالاته، وإصراره على اعتلائك منصة التفوق الأولى كل عام دون تقديم المقابل العاطفي من حب وتقبل وتشجيع؛ بالإضافة إلى أسلوبه الذي جعلت تشعري بأنك مذنبة، تجلى كل ذلك وانعكس عليك وجعل عطشك للمعرفة يتوازى مع عطشك للحب والحنان. ولعل ذلك هو ما جعلك تشعرين بهذا الشغف والحب البريء النقي كالثلج حسب تعبيرك، والذي تزامن مع صديقات السوء اللاتي تصيدن لك هذا الخطأ، وجعلوك تكفري بالصداقة لدرجة أن تقرري بعدم عقد صداقات مع أحد..
هذه الأحداث محورية ويجب أن تضعيها في عين الاعتبار عند البحث عن حلول لما تشعري به من مشكلات تراكمت عبر الأيام، فقيم الحب والصداقة، لا تقل في أهميتها عن الماء والطعام. وعليه أرجو منك أن تعيدي النظر لنفسك وأن تحبيها حباً شديداً، اشطبي كل الكلمات السلبية عن نفسك من قبيل: كذا وكذا واكتبي الصفات السلبية التي تريها في شخصيتك في ورقة وراجعيها، ثم اشطبيها تماماً من ذاكرتك؛ نعم أحبي نفسك وتسامحي معها، ويا ليت أن تسامحي والدك فقد قصر عن جهل، وعبر عن حبه لكي بأسلوب خاطئ، وكرري عبارات مثل أنا أحب نفسي، طالما أن الله قد خلقني وكرمني وأحبني وحبب في ملائكته ، فأنا أحب نفسي، وأحب الله وأنبيائه ملائكته ورسله وخلقه، ثم بعد ذلك ابحثي عن صحبة صالحة تشاركيهم في طاعة الله، وتشاركيهم في عمل الخير التطوعي، ابحثي عن جمعيات أهلية وشاركي فيها، انخرطي في عمل يسعد أناس لا تعرفيهم حتى وسينعكس ذلك عليك ولا شك؛ ثم تواصلي اجتماعياً مع أسرتك، وأرحامك، وأقربائك...... حتى لو ساورتك بعض الشكوك ناحية البعض ممن تري أنه يطمع في مالك.. فلا مانع من التواصل معهم في حدود المعقول..
اطلبي النجاح ممن بيده النجاح جل وعلا، واسأليه سبحانه وتعالى أن يوفقك وأن يشرح صدرك، وأن ييسر أمرك، والجئي إليه واستغيثي به، قال تعالى: وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلاً..
بعد أن تجدي الحب في نفسك لنفسك، وللآخرين؛ ثم تجدي صحبة صالحة تعينك على طريق الدنيا والآخرة، وتشاركي في أنشطة هادفة، بعدها حددي لنفسك أهداف تسعين للحصول عليها، وأن تكون هذه الأهداف قابلة للتحقيق فعلاً، منها الدراسة، ومباراتك على سبيل المثال..
أنت قلت أن معوقاتك تكمن في أفكارك، وأفكارك هذه يمكن أن تتغير لصالحك، ولصالح تحقيق أهدافك ولنجاحك مستقبلاً، فقط إذا أنصتي لها جيداً وتخلصت من السلبي منها بعدم الاكتراث له، وبالتقليل من شانه ووصف هذه الأفكار بأنها عديمة القيمة وأنها تعطل مستقبلك، ثم في المقابل أن تتبني الأفكار البناءة والإيجابية..
لا تخشي الفشل، بل استغليه ليكون معبرا لك نحو النجاح، فلم ينجح أحد من دون أن يتعلم في مدرسة الفشل، وتذكري أن الوحيد الذي لا يفشل هو من لا يعمل، وإذا لم تفشلي فلن تجدّي الفشل فرص وتجارب، لا تخافي من الفشل ولا تتركي محاولة فاشلة تصيبك بالإحباط.. وما الفشل إلا هزيمة مؤقتة تخلق لك فرصا للنجاح..
وفي النهاية الاستشارة لا تغنيك عن طلب المساعدة الفعلية، فلا مانع أن تتواصلي مع أخصائية نفسية قديرة تساعدك في عبور هذه المرحلة، وتأخذ بيدك عبر ضباب الماضي إلى مستقبل مشرق بإذن الله، تتذكري فيه هذه الماضي وأنت مبتسمة، وتخبريها لأحفادك كعبر، ومواقف يستفيدوا منها في المستقبل..
يسر الله أمرك، ووفقك، وتابعينا بأخبارك..
ويتبع .......: بين شبح الماضي وقيود الحاضر م..
التعليق: أختي الكريمة
أرى نفسي في الكثير مما أسلفت ذكره. لقد مررت بنفس الأحداث لكن الظروف تختلف لا أقول أفضل أو أسوأ لأنه في حالات مماثلة لا يتعلق إلا بمدى رغبتنا و استعدادنا لمواجهة يومنا لذلك أرجو منك ان تكفي عن تعذيب نفسك و دفن طاقاتك بسبب ماض انتهى .
أعرف أناسا تمنوا لو حثهم آباءهم ولو بالضرب على الدراسة وأنت محظوظة جدا لدخولك الأقسام التحضيىرية الخاصة
أرجو أن تستغلي الفرصة وتتطلعي للمستقبل فلا الحديث مع الأولاد ولا تعليقات الأقارب تحدد مصيرنا اهتمي أولا بمباراتك أمني مقعدك وسترين أن كل شيء آخر باستطاعتك إصلاحه في لحظة لو أردت . أتمنى لك كل التوفيق ولا تنسي أبدا فضل والدك رحمة الله عليه وسامحي الكل بدءا بنفسك وأتمنى أن تفتحي عينيك على الإيجابيات.