الأمل
كنت أرغب في كلية الطب ولم أدخلها، رغم أني أجلت دراستي سنة أخرى على أمل أن أدخلها، ودخلت كلية أخرى لم أحبها يومًا من الأيام. وفى السنة الأولى رسبت فيها لأني لم أكن راغبة فيها، ولكن سرت فيها بعد ذلك على كره مني، ولم أنس حلمي في دخول كلية الطب يومًا إلى الآن، وكنت أدخل إلى المواقع الطبية وأقرأ فيها عن هذا العلم العظيم، وفي جميع التخصصات، وعندما كنت أمر من أمام هذه الكلية كنت أحزن حزنًا شديدًا، وتنتابني حالة غريبة، وكنت غير قادرة على الجلوس مع أقاربي لأنهم جميعًا أطباء ومهندسون، كنت أجلس معهم على مضض، وفي بداية هذه السنة أصيب أخي الأصغر بمرض السرطان في الدم، لم أفق وقتها وكنت أراعيه بجانب أمي وعندما كنت أرى الدكاترة وهم يكشفون عليه، وأناقشهم تنتابني حالة غريبة من الزهق، على الرغم أني أنا التي اكتشفت مرض أخي وأقول لأمي وألح عليها أن تدخلني نفس هذه الكلية خاصة، ولكن أمي لا تسمع لي، وتستهتر بكلامي هي وأبي، فكرت بعد إنهائي لكليتي أن ألتحق بمعهد التمريض، ولكنه لا يرضيني من داخلي، فكرت في الذهاب إلى أمريكا لكي أدرس ما أحببته وما حلمت به، ولكني أعلم أن أبي يستطيع دفع سنة واحدة فقط، ولن يدفع أخرى ولن يبع أي شيء يمتلكه من أجلي.
لا أدرى ماذا أفعل. شغلت نفسي بكل شيء لكي لا أفكر في هذه الكلية، ودرست بعضًا من الطب من خلال النت ولكني لم أحس بالرضا يومًا عن نفسي. لا أصدق أن ما حلمت به، والتخصص الذي كنت أريده وأساعد المحتاجين من أجله لا أعمل به يومًا. أحس أني أمية على الرغم من كليتي ومن معرفتي بمعظم الأشياء التي من حولي، وما زالت هذه المشكلة تعذبني. لا أعرف ماذا أفعل؟
14/04/2011
رد المستشار
أهلًا وسهلًا بك يا نور وباستشارتك على صفحة مجانين؛
أريدك يا نور أن تختلي بنفسك في مكان هادئ وتكوني صريحة معها، واسأليها: لماذا كنت تحلمين بدراسة الطب وأنت صغيرة؟
لا بد وأنك كنت تتخيلين نفسك وقد أصبحت طبيبة، ما هي الصور التي كانت تتداعى إلى ذهنك حينها؟ كيف كنت تتخيلين الناس وهم ينظرون إليك بعد أن أصبحت طبيبة؟
كيف كنت –وما زلت- تنظرين إلى أقربائك من الأطباء؟ كيف كنت –وما زلت- تنظرين إلى غير الأطباء من الناس؟
هل تشعرين أن الناس كانوا سينظرون إليك نظرة مختلفة لو كنت طبيبة؟
هل تعتقدين أن نور +شهادة الطب= إنسان محترم، وأن نور –شهادة الطب= لاشيء؟ إذا أجبت بنعم ألا ترين أن النتيجة ستكون غريبة جدًا: الإنسان المحترم = شهادة الطب!! هل يعقل أن الإنسان = ورقة؟
وبعد أن تجيبي، هل ترين أنك تعطين شهادة الطب أكثر من قيمتها؟ وأنك تختزلين نفسك وقيمتك بها؟
انظري يا نور، كل الناس لهم أحلام يعلقون آمالهم بها لكن قدر الله تعالى يشاء ألا يتحقق جزء منها، ومن الطبيعي أن يحزن المرء في البداية، وأن يشعر بشيء من الإحباط، وبشيء من الخيبة...، لكن ينقذه من هذا أمران:
أولهما: أن يعلم أن ما جرى قدر من الله تعالى اختاره له، والله لا يختار للعبد إلا ما فيه خير له، فحينها يسلم لله، ويرضى ويسعد لأن الله تعالى يحبه ويوجهه لخير كان هو يجهله.
ثانيهما: أن يحترم نفسه لما بذلته من جهد مشروع، لا للنتيجة التي حصل عليها. إن كنت تعلمين أنك بذلت جهدك للوصول إلى الطب لكن الله لم يكتبه لك، فاحترمي نفسك واجلسي بين الأطباء وسائر المتعلمين بفخر، فلست أقل شأنًا منهم إذ اجتهدت وبذلت، ولكن الله تعالى خبأ لك جهدك ليثمر في مكان آخر يكون عطاؤك فيه أنفع لك وللآخرين...
وبعد هذا، عدم دخولك الطب لا يعني أن السبل لتحقيق هوايتك قد سدت في وجهك، فها أنت قد قمت بتثقيف نفسك، وبإمكانك أن تعملي في المجال الذي تحبينه من خلال الانتساب إلى معهد التمريض، الذي سيجعل منك إنسانة مبدعة في هذا المجال لمحبتك له ولاهتمامك بتوسيع ثقافتك فيه...
يا نور إن لم ترضي الآن فليس من المضمون أن ترضي حتى لو دخلت كلية الطب...، ففي كل مرحلة هناك خيارات أمامك، تريدين واحدًا منها لكن أملك قد يخيب فماذا أنت فاعلة؟ ليس أمامك إلا الرضى بالقضاء واحترام ذاتك لما بذلت من جهد!
أضرب لك مثالًا واقعيًا طريفًا: أختي طبيبة مجتهدة وهاوية لدراستها، وصلت للاختصاص فاختارت الطب الباطني (الداخلية) وعندها أحلام وطموحات تطاول الجبال، وفي أول السنة الأولى احتاجت لإجازة صحية لمدة شهر، فوافقت المستشفى التي تدرس بها على ذلك، وفي آخر أيام إجازتها وصلها خبر من رئاسة الجامعة أن الجامعة لا تسمح بغياب أكثر من خمسة عشر يومًا!!! وبين هؤلاء وهؤلاء فصلت عن الاختصاص!!
بكت كثيرًا كثيرًا...، وفي عامها المقبل أتيح لها أن تتخصص في الأمراض الجلدية، فبكت أكثر وأكثر وأكثر....، وكانت تقول: أضعت عمري في دراسة الطب حتى أكون في النهاية (كوافيرة)!!!
لكنها رضيت بعد هذا، وكل من حولها سعيد باختصاصها ويشهد ببراعتها، ووجدنا نفسنا نحتاج لها كثيرًا، وكنا نحن أسعد الجميع إذ كان هذا أيسر لها من أجل أطفالها، ولو بقيت على اختصاصها القديم ربما لم تستطع إعطاءه حقه ولا العمل به لمشقته فيضيع تعبها، أو لفتحنا الآن في منزلنا روضة، ولكنت الآن جليسة أطفال، لرعاية أولادها ريثما تكمل الاختصاص تلو الاختصاص، ثم تنشغل بعدها بالعمل في اختصاص صعب يحتاج إلى تفرغ!! (وزوجها طبعًا سيشد شعره في الحالين)
فاحمدي الله تعالى، وكوني فخورة بنفسك، وتوجهي إلى معهد التمريض فالمجتمع بحاجة لهاوية مثقفة مثلك، وفقك الله...
ولتعرفي بعضا من معاناة من أصابوا الطب اقرئي على مجانين:
حيرة متفوق، بين الطب والسعادة!
طالب الطب متى عن نفسه يرضى؟
طالب كلية الطب والإحساس بالذنب
طالب الطب، ورحلة الأهوال!
طالبة الطب وحدوتة التركيز
طول الطريق ضياء والطب
لا أريد الطب!! مشاركة