الوسواس منذ الصغر
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته: أنا أعاني من الوسواس القهري وأظن الشخصية الوسواسية من الطفولة، تقريبًا سبع سنين وإلى الآن، لكن مقارنة بأيام الطفولة فهو الآن خف كثيييييرًا. أشياء كثيرة استطعت -بفضل الله- التخلص منها، وبعضها تخلصت منه بمعرفة بعض الأحكام الشرعية، وذهبت إلى طبيب نفسي وأعطاني السيبراليكس، واستمررت عليه تقريبًا شهرين. وقال لي: إن العلاج ليس الدواء، هو فقط يساعد على العلاج، العلاج هو التجاهل. وكرر لي هذه الجملة عدة مرات هل كلامه صحيح؟
طيب في كثير من الناس تحسنوا على الأدوية!!؟ قال لي: عودي بعد شهر وأنا لم أعد واستمررت على الدواء ورفعت الجرعة بعد شهر إلى حبتين ولكن بعد ما رفعتها شعرت بتهور في تصرفاتي كثيرًا، ولم أستطع الصبر. لاحظت ذلك بعد رفع الجرعة وشعرت أنني لا يهمني أحد وكنت أريد أهرب من المنزل، ولم يكن هناك شعور بالخوف على أهلي ولم يهمني أحد. ولكن ربي ستر ولم أفعل ذلك وأوقفتها بعد ذلك لأني شعرت نفسي متهورة جدًا، وخفت أن أفعل شيئًا، فأوقفتها، وعند بداية استخدامها كنت أنام عن الصلاة ولا أشعر بالذنب بتاتاً!!
المهم وعدت بعد فترة طويلة للدواء من نفسي ولكن بمجرد نصف حبة تعببببببببت كثيرًا وأحسست أني لا أستطيع الصلاة وأنا واقفة، وشعرت بمعاناة كبيرة غير عن المرة السابقة عند استخدامه غريبة!! لماذا هذا يحدث؟؟ رغم أنه نفس الدواء؟؟ فأنا أريد أن أعود للدواء ولكن أقول لنفسي ما الفائدة منه إذا كان المرض سيعود؟ وإذا لم يعالجني فالعلاج هو التجاهل فما رأي حضرتكم ونصيحتكم لي؟
أريد أن أعرف بصراحة فأنا أوسوس في هذا الشيء كثيرًا من سنين طويلة ولم ألقَ الجواب الشافي، أريد أن أعرف:
-هل الوسواس القهري من الشيطان أم هو مرض من اختلال بعض المواد في المخ؟؟ وإذا كان شيطان لماذا يوسوس للكفار وغرض الشيطان فقط إدخال الناس النار؟ فالكفار أصلًا في النار لماذا يتعب نفسه معهم؟؟ وإذا كان بسب نقص بعض المواد ما سبب نقصها؟؟ ولماذا عندما أتعوذ بالله من الشيطان لا يخنس؟؟ يخنس للحظة ويعود سريعا!!
-السؤال الثاني: أنا المتبقي لي من الوساوس التي لم أستطع التغلب عليها -وأرجو أن تعينوني بالتغلب عليها بالفتاوى أو أي شيء- أنا أوسوس في نطق الحروف بشكل كبييييير لدرجة أن الصلاة صارت ثقيلة علي، وتركت الكثير من الأذكار، أنا كنت سابقًا أرفع صوتي جدًا في الصلاة، وأهلي يخاصموني إلى أن خفضته تمامًا، ولكن المشكلة التي حدثت بعدها الوسواس أني كنت مرتين أصلي في المسجد واشتكت مني امرأتين بسبب تشويشي عليهما، رغم أنه لم يكن هناك صوت، فقط صوت مثل صوت انطباق الشفتين أو عندما يضرب اللسان الحنك الأعلى مثل صوت البغبغة، ما أدري هل فهمتم علي؟ المهم صوت اللسان عندما يصطدم في الحنك الأعلى، ومن بعدها وأنا همي في كل صلاة فقط كيف أتخلص من هذا الصوت، وأكون مثل باقي الناس يصلون من دون صوت أبدًا. ولم أستطع! صلواتي تذهب هباء منثورًا لا خشوع ولا شيء، فقط حركات وقلق فظيع وشد أعصاب كله، أريد أن أقرأ مثل الناس لأني حرام أزعجهم، فكيف أتخلص من هذا الشيء؟؟ أنا أستغرب كيف ينطقون الحروف ولا يخرجون صوت مثل صوتي ولو خفيفًا!! أصلي بجوار ناس لا أسمع لهم صوت بتاتًا رغم أنهم يحركون شفتيهم. وتصوروا كنت أسأل بنت أختي عمرها 8 سنين كيف تقرئين في سرك؟ فتقرأ، فأقول لها: أنت تنطقين الحروف؟ قالت: نعم. ولكن شفتاها لا تنفتح كثيرًا مثلي! كيف تنطق أنا لا أدري؟! وأشعر أني خارج الصلاة ومن دون قلق أستطيع تقريبًا القراءة من دون صوت، لكن في الصلاة لا أستطيع!! حاولت مراراً...
المهم أني قرأت في موقعكم أن أقرأ من دون تحريك الشفتين، فقط أمرر على قلبي ولكن قرأت أكثر من فتوى أنها هكذا لا تعتبر قراءة ولا يجوز فماذا أفعل؟ أخاف أن أفعل هذا وأقول لنفسي: أنا مريضة. ولكن أقول لكنك تستطيعين القراءة، فأنا غير معذورة! فأنا لا أعلم ماذا أفعل؟ وأريد الحكم الشرعي لأرتاح؟؟
-السؤال الثالث: في الغسل الواجب لابد من أن أقص أظافري تمامًا، وفي النادر ينزل دم لكي يصل الماء لأنه بالأظافر لا يصل الماء، ولو كانت قليلة الطول، وأيضًا أنظف أذني من الداخل كي لا يكون هناك مادة أو قشرة تمنع من وصول الماء هل صحيح فعلي؟ وإذا أنا مخطئة طيب كيف يصل الماء والأظافر والشمع؟ وفي الغسل أشك بأن الماء لا يصل لجميع جسمي، لابد من دلك جميع المناطق والشعر؟؟
-السؤال الرابع: النية: كيف أعرف أنها القصد؟ ولكن مرة قرأت في موقع إسلام ويب أن أستحضر النية في القلب، ما معنى كلمة استحضار؟ أنا لا أنطقها ولكن أنطقها داخل نفسي من دون تحريك الشفتين أو اللسان ولكن أنطقها بداخلي بقوة وعناء لكي أنوي فعلًا في قلبي. قالت لي زميلة أن ادخل اغتسل من دون أن أقول شيء لا في داخلي ولا جهرًا ولكن لا أستطيع، فقرأت لابد من استحضار النية بالقلب هل كلامي صحيح؟
وقرأت في إسلام ويب أنه عند نية الغسل من الجنابة أنوي الغسل من الجنابة أو الطهارة من الحدث الأكبر.. الخ فعندما قرأت هذا الكلام احترت أكثر، قلت في نفسي: كيف تقول لي صديقتي لا تقولي شيئًا، والآن أقرأ صفة النية في الغسل بنية مخصوصة بكلام مخصوص؟؟ وهل عندما أحتلم وأستمني يكفي أن أنوي الغسل من الجنابة أم يجب أن أحدد كل حدث؟ وهل إذا تكرر الاستمناء أكثر من يوم أثناء الدورة يجب أن أنوي جميع الاستمناءات، جميع الأيام أنويها أم يكفي أن أنوي الغسل من الجنابة؟ أم من الجنابات يجب أن انوي؟؟ نوروني الله ينور عليكم.
-السؤال الخامس والأهم: لست متأكدة من إيماني بالله وكيف أكون مؤمنة بماذا يجب أن أعتقد؟ وهل يجب أن يكون يقين بلا شك؟ وأيضًا القدر؟ ولا أعلم هل هو وسواس أو حقيقة؟؟ فأنا عندما أقرأ عن الإيمان بالله معناه يزداد إيماني ولكن أرجع أشك. ولا أثق في الكلام المكتوب في النت تقريبًا. أتمنى أن أسمع من شيخ موثوق عن الإيمان كيف أكون مؤمنة؟ أخاف أن أموت وأنا في شك؟ وأنا علمت أنه يجب أن يكون الإيمان يقين بلا شك؟ وهل عندما نطقت بهذا الكلام أنا آثمة؟ هل المفروض يكون بداخلي فقط؟
وأيضًا في القدر: هل المعاصي والطاعات مكتوبة مقدرة؟؟ هل المصيبة الذي أتت لي بسببي أنا وبمعاصيَّ؟ هل هي من عند الله؟ وهل هي مقدرة أصلًا وهذه مجرد أسباب لا تؤثر؟ هل في النجاح في الدراسة لا يعتمد على المذاكرة وإنما على الله إذا أراد نجاحي؟ هل فعلًا الأسباب ليس لها أي تأثير إلا إذا ربي أن أراد لها أن تؤثر ولكن هي لا تفعل شيئا؟ وكيف أحقق التوكل على الله بحق ولا أعتمد على الأسباب؟ أحس التوكل صعبًا؟؟
-السؤال السادس والأخير: هل يمحى الذنب عندما أستغفر، ولا يجب التوبة؟ وكيف أشعر بالندم لأنها من شروط التوبة؟ وهل عندما أستغفر يجب أن أتذكر الذنب في بالي؟ وهل يجب أن أكرره ثلاث مرات؟ أم من مرة واحدة يغفر الذنب؟؟ وكيف أجعل أعمالي خالصة لوجه الله؟ وأنا أعتذر على الإزعاج جدًا بإطالة الرسالة ولكن غصبًا عني لكي أعرف كل صغيرة، لكي لا يأتيني الوسواس في شيء ثاني، فأنا أعتذر مجددًا وأرجو كل الرجااااااء أن تجاوبوني على كل سؤال، أرجو الدقة في جواب كل سؤال صغير أو كبير لأني لو عرفت جواب الأول يأتيني الوسواس في الثاني. بارك الله فيكم أنا في حاجتكم للتخلص من الوسواس لأني الحمد لله أقتنع بالأحكام الشرعية والفتاوى إذا تأكدت من صحتها، فورًا أقتنع وأطمئن وأترك الوسوسة، وأرجو أن تجيبني الدكتورة رفيف الصباغ بما أنها متخصصة في الأمور الشرعية، وذلك من غير إنقاص في حق أي من المستشارين، فجميعكم ممتازين وتبذلون جهد بارك الله فيكم، ولكن لأن الدكتورة رفيف تخصصها في الفتاوى الشرعية. ولكن لا مانع من أي إضافات من علم باقي المستشارين الكرام والدكتور وائل أبو هندي، أتمنى أيضًا أن يكرمني ببعض معلوماته
جزاكم الله كل خير على عظيم ما تبذلون وجعله في موازين حسناتكم، فأنتم تنقذون المحتاجين،
ربي يبارك فيكم ويرزقكم من نعيمه، وشكرًا
14/04/2011
رد المستشار
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته يا ريم، أعانك الله وخفف عنك هذه الوساوس
أولًا أنا ألومك بشدة على تركك للطبيب وتصرفك في الأدوية بدون الرجوع إليه، الأدوية النفسية تحتاج إلى كثير من المراقبة والمتابعة، وتحديد الجرعات فيها، والاستمرار عليها ضمن المدة التي يحدها الطبيب في غاية الأهمية، وليست هي حبة مسكن تأخذينها عند اللزوم!!! عودي إلى طبيبك وكوني واثقة مما يقوله لك دون الشك والوسوسة في كل صغيرة وكبيرة يأمرك بها.
أما بالنسبة لأسئلتك الشرعية:
1-بالنسبة لسؤالك عن الوسواس هل هو من الشيطان أم لا؟ عودي إلى مقالات منهج الفقهاء في التعامل مع الوسواس القهري المقال الثالث و الرابع، وإلى مقال: لماذا الوسواس القهري: أسباب الوسوسة القهرية. وستجدين كل ما تريدينه فلا داعي للتكرار.
2-بالنسبة للأصوات عند القراءة، سببها هو كثرة شد العضلات لديك والتوتر عند القراءة في الصلاة خوفًا من أن تبطل إذا لم تأتِ بالأحرف، وعندما تكون العضلات مشدودة تصبح قاسية فتخرج الأصوات العالية عند ملاقاة اللسان المشدود لمكان سائر المخارج...، بينما عندما تكونين خارج الصلاة يخف هذا لأنك لا تخافين على صحة الصلاة فتسترخي أعصابك وعضلات فمك...، وخير دواء أن تتعلمي الاسترخاء، وأن تهدّئي نفسك أثناء القراءة، وتقنعيها أن أمر القراءة سهل ولا يحتاج لعصر الكلمات عصرًا...، وأمامك الناس مثالًا فانظري إليهم كيف أنهم يقرؤون بسهولة لأنهم لا يخافون من الغلط...، تدربي على الاسترخاء خارج الصلاة وحاولي شيئًا فشيئًا تطبيقه في الصلاة. فإن عجزت نهائيًا: فالمذهب المالكي يصحح القراءة بمجرد تحريك الشفتين ودون أن يسمع المرء نفسه على عكس سائر المذاهب الذين يشترطون لصحة القراءة أن تكون بحيث يسمع الإنسان نفسه، والمقصود "بحيث يسمع الإنسان نفسه" أي يقرأ بحيث عادة يسمع نفسه إذا كان المكان هادئًا، أما لو كان هناك أصوات مرتفعة حوله فلا يشترط السماع الحقيقي، وتصح قراءته حتى لو لم يسمع الحروف تخرج منه في هذه الحالة. والأولى للموسوس أن يأخذ بالرخص ريثما يزول وسواسه كما يقول الفقهاء.
3-بالنسبة للغسل المطلوب إيصال الماء إلى جميع البشرة والشعر نعم، لكن لا يشترط الدلك، ولا يشترط اليقين، أي لا يشترط أن تكوني متيقنة 100% من وصول الماء إلى كل ذرة في جسدك، ولكن يكفي غلبة الظن (وغلبة الظن هنا المراد بها ما بين 51-99%)، وهذه قد تكون يسيرة على غير الموسوس، لكن بالنسبة للموسوس أقول: إذا صببت الماء بمقدار لو صبه غير الموسوس لقال إنه عمم جسده فإنك في هذه الحالة تكونين قد بلغت جسدك وإن لم تشعري بأنك فعلت هذا حقًا، الموسوس بطبيعته لا يشعر باكتمال الفعل، فلا يعول على مشاعره، وإنما نقيس على أفعال الآخرين...
بالنسبة للأظافر، ما كان ملتحمًا من الظفر باللحم -طبعًا ومن والواضح- أنه لا يجب إيصال الماء إلى ما هو أسفل منه!!! أما ما طال وانفصل عن اللحم فالماء بطبيعته سيّال يدخل إلى الأماكن الدقيقة، ويمكنه الدخول بسهولة إلى تحت الظفر، ولم يتضح لي سبب قصك لأظفارك إلى درجة نزول الدم!! ألا ترين أن ما تفعلينه تنطع مذموم لم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا أصحابه؟ أيعقل أن الناس كلهم أغسالهم باطلة حيث لا يفعلون مثلك؟
وأما الأذن فالمطلوب إيصال الماء إلى ما يظهر للناظر من الأذن ولا يجب إدخال الماء إلى الثقب حيث يعد من داخل الجسد...
وأكرر لك في كل مرة: لا يجب اليقين، فقط إن كنت تعلمين وجود بعض الأوساخ أو المواد التي لها جرم (حجم) ولا ينفذ الماء منها إلى الجسد (كالشمع وطلاء الأظافر)، فالمطلوب إزالتها دون مبالغة...
أختي الكريمة، سؤالك هذا ليس فيه خطأ من الناحية الفقهية، ولكن الخطأ عندك من الناحية العملية التطبيقية، راقبي غير الموسوسين ماذا يفعلون؟ ثم افعلي مثلهم وقاومي الزيادة مهما قلقت وشعرت بأنك لم تحسني الفعل، فالموسوس لا يشعر بهذا بسبب مرضه.
4-النية ببساطة أن يخطر في بالك عند اغتسالك أنك تغتسلين لفرض الطهارة، فإذا كنت تصبين الماء لأجل التنظف، أو للعب، أو للتبرد، فهذا ليس بنية لأنك باختصار لا تريدين الغسل!! ولا تحتاج لكثير تركيز ولا عصر لتخرج، فأي فعل تقومين به لا يخلو عن نية، ومن المستحيل أن يخلو، فإذا دخلت إلى الحمام فسألك أحدهم: لماذا دخلت: فإذا قلت لأتنظف. فنيتك التنظف، وإذا قلت لأغتسل وأتطهر. فنيتك التطهر...، وهكذا..
واشتراط النية في الطهارة ما عليه سائر الفقهاء غير الحنفية، أما ما قالته صديقتك فهو صحيح على مذهب الحنفية، فعندهم مجرد سيلان الماء على الجسد ولو للتنظف يطهر الجسد ويرفع الحدث، فلو أن الحيض انقطع، فدخلت إلى الحمام للتنظف ولم يخطر في بالك أنك تريدين الاغتسال كلية، ارتفع حدثك، وأمكنك الصلاة بهذا الغسل.
وإذا اجتمع على المرأة حدث بسبب الحيض، وبسبب الجنابة فنية التطهر من أحدهما تغني عن الآخر قطعًا، ولا يشترط طبعًا أن تنوي التطهر عن كل مرة أجنبت فيها، بل يكفي أن تنوي "التطهر من الجنابة" أو "التطهر من الحيض" فيشمل كل شيء، والأفضل من هذا كله: أن تنوي فرض الغسل، أو الغسل المفروض، فهو يرفع كل شيء ولا يكلفك عناء التفكير: ماذا كان حدثي؟ وهل شمل الجميع؟ وماذا أفعل؟... وكما قلت لك: المقصود: أن تدخلي الحمام، وتصبي الماء وأنت تعلمين أنك إنما دخلت، وصببت، وقصدك من هذا: الغسل المفروض من أجل صحة الصلاة، وليس التنظف فقط أو التبرد فقط (لأنه يصح أن تكون نيتك الغسل والتبرد أو الغسل والتنظف معًا، أي: أنا أغتسل للتطهر وفي نفس الوقت أنظف جسدي)...
5-أما كيف تكونين مؤمنة، فالأمر بسيط قد بينه النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: ((أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وتؤمن بالقدر خيره وشره)). وهل أنت متيقنة أم لا؟ أسألك: هل تخافين أن تكوني شاكة؟ إذن أنت موقنة!! لأن الذي يشك لا يخاف من الشك ولا يخاف أن يموت وهو شاكّ، فكيف يخاف من عقوبة الله وهو يشك في الله -والعياذ بالله-؟ فما يخطر في بالك عن صحة إيمانك وسواس صريح، اصرفي تفكيرك عنه أول وروده ولا تسترسلي أبدًا في التفكير: هل أنا مؤمنة أم لا؟ لأن هذا إذا ازداد سيجعل حياتك جحيمًا، ودواؤه الإهمال والإعراض...، ولست آثمة للنطق بهذا لأنك تريدين الاستفسار، لكنك من الآن فصاعدًا لا يجوز لك أن تسترسلي في وسواسك هذا، ولا أن تسألي عنه، أهمليه وفقط...
بالنسبة لسؤالك عن القدر: عندما نقول: إن المعاصي والطاعات مكتوبة ومقدرة، لا نعني أن الله تعالى حكم على عبد من عباده أن يكون عاصيًا أو مطيعًا، وألغى اختياره، ثم بعد ذلك سيحاسبه على ما قدره عليه دون إرادة منه...، وإنما حقيقة الأمر هي: أن الله تعالى منح العبد حرية الاختيار والقصد، فكل إنسان له الحرية الكاملة في أن يتجه قصده واختياره للطاعة أو المعصية، فإذا توجه اختياره لشيء، أمده الله تعالى بالقوة شيئًا فشيئًا ليحقق ما أراده...، وبما أن الله تعالى يعلم كل شيء ويعلم ما كان وما سيكون، فهو يعلم من عبده فلان أن قصده سيتجه نحو الطاعة –أو المعصية- وسيفعلها...، فإذا كتب عليه المعصية ليس معناه أنه أجبره عليها، وإنما معناه أنه علم أنه ستكون واقعة من عبده باختياره، والله تعالى علمه لا يخطئ، فلا بد أن يقع الفعل من ذلك الشخص كما علمه...
أما ارتباط الأفعال بالنتائج (العقوبات بالمعاصي، النجاح بالمذاكرة..الخ): ففعل الإنسان بحد ذاته ليس له قدرة على إيجاد النتيجة، وإنما النتيجة من خلق الله تعالى، يخلقها عند قيام الإنسان بالفعل...
الإنسان يختار الفعل ويقصده بكامل إرادته: فيمده الله تعالى شيئًا فشيئًا بالقوة التي تمكنه من القيام بما قصده، ثم يخلق نتيجة فعله في النهاية. وقد يشاء الله تعالى ألا يمده بالقوة، فترين هناك من يريد أن يدرس فلا يستطيع ولا يفهم، وقد يشاء ألا يخلق النتيجة، فترين من يدرس ويدرس ثم عند الامتحان تعييه الإجابة فيرسب!! وكل هذا لحكمة يعلمها الله، ويكون الأجر كاملًا على الاختيار وبذل الجهد للدراسة والنجاح، لا على النتيجة...
وكذلك بالنسبة لعقوبة المعاصي: فلان من الناس يقصد المعصية بكامل اختياره، فيمده الله تعالى بالقدرة التي تمكنه من تحقيق اختياره، ويخلق نتيجة فعله...، وقد أوعد الله تعالى العاصي بالعقوبة –ويعفو عن كثير- فإذا عمل المعاصي أنزل به العقوبة، وإن أقلع وتاب رفعها عنه...، فمصائبنا بسبب سوء أفعالنا، ولكن أفعالنا ليس لها قوة ذاتية على إحداث المصيبة، وإنما الله تعالى ينزل المصائب والعقوبات بالعبد عند اقترافه للمعاصي، وكثيرًا ما يتخلف هذا ويعفو الله عنا برحمته... قال تعالى: ((وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ)) [الشورى:30]
وبهذا تعلمين ما هو التوكل: التوكل أن تقومي بالفعل وتأخذي بالأسباب لأن الله تعالى أمرك بالأخذ بها وثوابك على اتباع أمره هذا، ومع أخذك بالأسباب لا تعلقين أملك بها، فأنت تعلمين وتوقنين أن عملك وأخذك بالأسباب ليس له قوة على إيجاد الفعل، وإنما الله تعالى هو الذي يخلق النتائج عند أخذك بالأسباب، ولو شاء لجعلها تتخلف مع وجود الفعل، ولو شاء لخلقها من غير فعل!!
تتناولين الدواء لأن الله أمرك بالتداوي والله يثيبك على طاعتك له بالتداوي، ثم الله تعالى يخلق الشفاء عند تناولك له، ولو شاء لما خلق الشفاء، ولما أفاد الدواء، ولو شاء لشفاك بغير دواء، فالتوكل أن تعلمي عند أخذك للدواء أن الشافي هو الله وحده لا ذلك الدواء وإنما تتناولينه طاعة لله بالأخذ بالأسباب...، وأرجو أن تكون الصورة اتضحت لك.
6-الاستغفار يا ريم أن تطلبي من الله تعالى المغفرة على ذنب اقترفته، وهذا يستلزم الندم على فعل ذلك الذنب، والندم توبة!! لكن هذا يصح عندما يستشعر المذنب معنى الاستغفار في قلبه، أما الاستغفار باللسان مع غفلة القلب فهو توبة الكذابين، كما يقولون. وكذلك التوبة تستلزم تذكر الذنب، فمن لا يعرف ما هو ذنبه كيف يتوب منه؟! فهذا يجري آليًا في التوبة... وليس من شرط التوبة تكرار تذكر الذنب، إن تاب المذنب توبة صادقة من المرة الأولى كفته...، إلا أن المذنب –عادة- عندما يشتد ندمه يكرر توبته عشرات المرات وجلًا من ذنبه فهذا الأمر ليس له قانون ولا ضابط...
أما سؤالك عن الإخلاص، ذلك الكنز العظيم الذي يمنحه الله تعالى لأحبائه، فهو أن يكون الدافع على القول أو الفعل هو رضى الله تعالى فحسب، دون من سواه من الخلق...، فحاولي التحقق بذلك (دون وسوسة)، وأكثري الدعاء والالتجاء إلى الله تعالى أن يرزقك الإخلاص في جميع أقوالك وأفعالك...
وأخيرًا: فأسئلتك يا ريم على درجة عالية من الوسوسة، جعلتني أحتار في كيفية الإجابة عليها...، ونصيحتي ألا تسترسلي كثيرًا في تحليل الأمور والتدقيق فيها، وتقليب النظر في تفاصيلها، خذي عمومات الأمور، وتدربي على قطع التفكير فورًا إذا حاول الاسترسال في التفاصيل...أعانك الله وشفاك...
واقرئي على مجانين:
ما هو مصدر الفكرة التسلطية (الوسواسية) الأولى؟(2)
المادة المسببة للوسواس: سلامتك من الصدمة
الوسواس القهري بينَ عالم الغيب الشهادة
ويتبع>>>>>>>>: وسواس منذ الصغر عيار ثقيل م