مواضيع متعددة أساسها واحد
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته؛
أعزائي الأطباء المشاركين في هذا الموقع الأكثر من رائع، جزيتم خيراً وتقبّل الله منكم.
أبدأ استشارتي بالتعريف أكثر عن شخصي؛ أنا مهندس أعمل في السعودية، دخلي المادي جيد بفضل الله، والحمد لله على قدر من الثقافة لا بأس به. ببطبعي لا أحب الاختلاط كثيراً بالناس، فقد كنت منذ صغري من البيت للمدرسة أو من البيت للجامعة أو من البيت للعمل والعكس، أي أني لست ذاك النوع من الشباب الذي احتك مع الكثير من الناس وعنده الخبرة والحكمة اللازمة للتعامل معهم.
كنت من صغري منطوٍ ولي مجتمعي الخاص، أي صحبة أختارها وأكتفي بها فلا أختلط مع شباب تافه أو صايع، وكنت أحب المكوث في البيت وكانت فيه راحتي. لست من النوع الذي يحب الشجار وأعتبره سلوك غير آدمي، ولكن لشيء لا أستطيع تعريفه أو تحديده فإنه إن صرخ أحدهم في وجهي وكان غاضباً فإن تفكيري يضطرب أو يحدث شيء من الشلل لي فلا أستطيع أن أدافع عن نفسي أو أن أردّ الرد المناسب، وكأن الدنيا قد توقفت فألتزم الصمت، ودائماً أسأل نفسي: أين الردّ؟ أين دفاعك؟ فلا أجد!!.
كذلك أجد من الصعب عليّ أن أؤذي أحداً حتى لو آذاني، وهو من أهم الأسباب التي تمنعني من اتخاذ مواقف عنيفة في بعض الأحيان (عنيفة بالقول أو الفعل). تربيت على أن أحب الهدوء ولا أكره الصوت العالي، ولكني أريد أن أكتسب شيئاً من القدرة على الردّ المناسب في حال أن تجاوز أحدهم حدوده معي، فأنا فعلاً أعجز كثيراً عن ذلك عند حدوث الموقف ولكن بعد مروره أقول لنفسي: لِمَ لم تردّ بكذا أو تفعل هكذا؟ وقد يصل الأمر بي إلى أني أتمنى أن أضربه أو سأضربه لو رأيته؟.
أريد أن أعرف كيف أدرب نفسي على التصرف المناسب والسليم، وألا أترك لمشاعري أن تتحكم في تصرفاتي وتطغى على عقلي وتؤثّر فيه، سواء احتاج الموقف إلى سرعة رد فعل أو تأنٍ، هل لهذا علاقة بعدم خبرتي الكافية بالحياة؟ هل الحل هو اقتحام تلك الدنيا وفقط؟ هل من أشياء أخرى مساعدة؟.
من صفاتي أني أحب العمل بدقة وإتقان عاليين (قد تكون النزوع للكمالية كما قرأت عنها)، كما أن أجد الأمر صعباً جداً عليّ إن قام أحدهم بانتقاد عملي، خاصة لو كان الانتقاد شديداً لأني أكون قد بذلت جهداً كبيراً فيه، فيكون من ينتقد عملي كأنه ارتكب في حقي جريمة خاصة لو كان الانتقاد يهدم جزءاً كبيراً من عملي. في الواقع لا تعجبني تلك الصفة في نفسي لأني كشخص يحاول أو يستقيم على كتاب الله وسنة نبيه يجب أن يتقبّل النقد فلست معصوماً عن الخطأ! وسألت نفسي هل أنا مغرور ومتكبر لا يقبل النقد؟ لكنها والحمد لله كانت البحث عن الكمال في العمل، وإن كان ليس بالقدر المبالغ فيه الذي قرأت عنه والحمد لله. كما أن تقبّل النقد سيجعلني أتحسن للأفضل، أما رفض النقد تماماً فإنه سيجعلني كما أنا ثابت في مكاني لا أتطور، وهذا ليس من طبعي.
أيضاً عندي شيء من الوسواس القهري؛ فمثلاً لو قام أحد بفعل شيء أغضبني فإني أظل أتذكر الحدث لفترة طويلة قد تستمر شهورأً، ويستمر إحساسي بالغضب أو الحزن وقد يتضخم أحياناً، ويكون من الصعب نسيان ما حدث بسبب تكرار تذكره في ذهني، وهو أمر لا يجب عليّ تركه يمر بسلام، لأنه يكون كالطفيلي الذي يستنزف عقلي وأعصابي فيما لا نفع فيه، فلا الموقف تم حلّه ولا أنا نسيت! فأظل أدور في حلقة مفرغة لا تنتهي إلا أن يشاء الله. وبسبب ذلك الوسواس قد يعتبر بعضهم أني أغضب وأحزن لأسباب تافهة، لكن المشكلة أن الأمر التافه يتضخم معي مع مرور الوقت. أرى أيضاً أثر الوسواس في الوضوء، وسببه أني أثناء الوضوء أفكر في العمل مثلاً، فأنسى أغسلت يدي أو وجهي ثلاث أم لا؟ وكذلك الأمر في الصلاة فإني أستغرق في التفكير حتى أسهو فلا أذكر كم ركعة صليت أو أتذكر بصعوبة.
أريد أن أتفوق على نفسي فأطور نفسي في اللغة، وأحضّر للماجستير ومن ثم الدكتوراه، لكن وقتي لا يسمح بذلك بسبب العمل، ولأني أيضاً أرغب في البحث عن الزوجة الصالحة فلدي شعور أني بطيء والوقت سيمضي دون أن أتمكن من تحقيق ما أريد.
هل ترون أني أحتاج لعلاج والذهاب إلى طبيب نفسي؟ وهل يمكن أن يكون العلاج سببا ًللنعاس والخمول؟
علماً بأن ظروفي الحالية لا تسمح لي بالذهاب لطبيب نفسي إن احتجت ذلك.
أرجو ألا أكون قد أطلت عليكم،
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
14/04/2011
رد المستشار
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته؛
حيّاك الله، وجعلنا -كموقع- عند حسن ظنكم بنا.
أشعورك بالبطء جديد عليك؟ هل هذا التقييم العام لنفسك قديم؟ أعتقد أن هذه الأفكار كانت لديك دائماً ولكن بدرجات متفاوتة وزادت مؤخراً بحكم غربتك التي تسبب نوعاً من انحراف المزاج والكآبة لدى كثر.
أعتقد يا "بشمهندس" أنك تعاني من اكتئاب خفيف لكنه مزمن، جلبه عليك تراكم استجاباتك الانسحابية والتي بدورها مع اكتئابك تسبب لك شكلا من أشكال الوسواس القهري. ليست ظروفك هي من يحكم ذهابك من عدمه بل مدى حاجتك ورغبتك في التخلص من معاناتك، ونظراً لترتيب تفكيرك ومنطقيته قد لا تحتاج لجلسات معرفية وسلوكية بقدر ما تحتاج لنوع من مثبتات المزاج أو مضادات الاكتئاب، استمر في القراءة من فضلك.
يتعلم الفرد منا كيفية التعامل مع مشكلاته منذ طفولته ونادراً ما يقف أحدنا ليجددها ما لم يطرأ على حياته ما يدفعه لمثل هذا التجديد، طرق التعامل مع المشكلات تتراوح ما بين التعامل المعرفي أي التفكير بكيفية حل المشكلة بطريقة مباشرة، والتصرف دون تفكير أو العدوان، والتجنب والذي هو مفيد في بعض الأحيان. هذه الأشكال المختلفة ضرورية بحسب طبيعة الموقف الذي يتفاعل معه الفرد، لكن المبالغة في الاعتماد على أي نمط يؤدي لخلل في تكامل بناء استجابات الفرد مما يؤثر على شخصيته بصفة عامة.
تشير سطورك تعوّدك التجنب، وذلك قد يكون عن طريق التعليم المباشر مثلما تشير ثقافتنا "امشي جنب الحيط" أو لتفادي أضرار كانت تحملها ظروف حياتك من عنف أسري... ومهما كان السبب في اختيارك، من الواضح أن هذه الطريقة في التعامل لم تعد تعجبك ولا تحقق أهدافك، فمبالغتك بالاعتماد عليها أضعف لديك باقي الخيارات.
العدوان من السمات الأساسية والضرورية للإنسان دونها تستباح الأعراض والأموال إن لم نملك القوة والشجاعة للدفاع عنها، فليس جميع أشكال العدوان والشجار غير آدمية وإن كان هذا الوصف صادقاً جداً على العنف بين المقربين كحالات العنف الأسري -الجسدي والنفسي-، وتذكّر أننا أمة وسطاً، وهناك فرق كبير ما بين قمع العدوان تماماً وبين إطلاقه بشكل تام تسمى، وهذه النقطة الوسط التوكيدية هي التعبير عن النفس والدفاع عنها دون الميل نحو العدوان أو الانسحاب.
يمكنك تطبيق إرشادات باب توكيد الذات على الموقع، ولا تكتفِ بالقراءة بل قم بتمارين فعلية، ويمكنك في البداية أن تبدأ بالتدريب على مواقف خيالية، ولكن احرص على أن تستجيب لها بصوت واضح ومرتفع، يمكنك أن تسجل صوتك وتستمع له حتى تصل إلى النبرة التي تريدها.
مع اكتسابك القدرة على التعبير ستزيد ثقتك بنفسك وزيادة تعبيرك تعني بالضرورة زيادة تفاعلك مع جميع من حولك ويمكنك أن تقسم الناس الذين تجد نفسك منسحباً أمامهم إلى فئات، وابدأ بمن تراهم أقرب لك وأسهل في التواصل، هذا سيكسبك بالتالي الخبرات التي ترى أنك بحاجة إليها، وعندما تصبح الحياة حولك مستهلكة لكامل طاقتك سيقل انشغال بالك بالأفكار الدائرة.
تنفيذ الخطوات لن يكون بسهولة قراءتها، لكن اتباعها سيزيد كفاءتك ويقربك من تحقيق باقي أهدافك.
التعليق: السلام عليكم "وعندما تصبح الحياة حولك مستهلكة لكامل طاقتك سيقل انشغال بالك بالأفكار الدائرة" هذا هو مفتاح الحل برأيي للتدريب على التوكيدية فمن خلال تجربتي عندما تستهلك كل طاقتك في برنامج منظم أو حتى غير منظم فإن هذه الأفكار التي تراودك يا مهندسنا وتراود الكثير منا ستكون وطأتها وتأثيرها عليها أقل مما نتوقع حتى إن لم تزل تماما .... بالنسبة لقضية الدفاع - لا شك أن التربية في الصغر لها تأثير كبير على كل واحد منا لكن هذا لا يمنع من تصحيح بعض الأخطاء التربوية غير المقصودة .... في حالتك مثلا التربية على البعد عن المشاكل بدل من مواجهتها وبرأي المتواضع هي تربية على الجبن من دون وعي من الأهل إلى ذلك..... صراحة عانيت كثيرا من تربية شبيهة لتلك التي عشتها حتى حصلت نقطة تحول التي قررت فيها أن أغير مساري المعوج ... لن أكذب عليك أخي فهذا استغرق معي ما لا يقل عن 7 سنين عانيت فيها الأمرين .... لكن ربما في حالتك وحالة الاخرين قد يستغرق أقل بكثير أو حتى أزيد لكن المهم العزيمة والإرادة لهذا التغيير وعدم اليأس ولنتذكر جميعا قول الله عز وجل : "إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم"