القلب الطاهر ينبض : حبا وطهرا
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته؛
أتقدم بخالص الشكر لحملة الرسالة في هذا الموقع وآمل أن يجعلها الله لكم ذخراً في ميزان أعمالكم، بعدما قرأت مشكلة صاحبة رسالة القلب الطاهر ينبض : حبا وطهرا فإن لي تعليقاً قد يكون عاماً ولكنني ألح في ذكره هاهنا...
كلنا نذكر حادثة الأصمعي الشهيرة مع الشاب العاشق الذي تسائل... أيا معشر العشاق بالله خبروا... إذا حل عشق بالفتى كيف يصنع فكان رد الأصمعي:
يداري هواه ثم يكتم سره... ويخشع في كل الأمور ويخضع فالحل الأبدي والأكثر طهراً... بل الحل الذي يضمن الطهارة التامة ونقاء العواطف وبعدها عن الشيطان هو ذاك... الكتمان وعدم الإظهار والتوكل على الله في تصريف هذا الأمر... فأول طرق خطيئة العواطف هي المصارحة والتي ما أرى غيرها يفض بكارة الفتاة الروحية ونقاء وطهر روحها، حتى أن العاشق أعاد السؤال:
وكيف يداري والهوى قاتل الفتى... وفي كل يوم قلبه يتقطع فكان رد الأصمعي:
إذا لم يجد صبراً لكتمان سره... فليس له شيء سوى الموت ينفع
فمهما كانت قوة العاطفة وصدقها لا يجب المصارحة بها قبل أوان القدرة على الزواج واستئذان الولي، وأحب أن أذكر أن من عادة العرب التي لم ينكرها الإسلام بل عززها وكرم بها العرب أنهم كانوا إذا صرح أحدهم بمشاعره للفتاة الحرة (لا الأمة) دون إذن وليها حرمت عليه زوجة كظهر أمه، وللعلم هذا ما ارتكن له أهل ليلى في تحريمها على قيس بن الملوح، ولكن بسماحة الإسلام وتقدمية المجتمع المسلم لم يخفف من هول واقع المصارحة دون الولي وحرمها شرعاً غير أن جاء أسلوب المعالجة مختلفاً حيث أتت بعض السبل لمعالجة هذه القضية تمثلت في الآتي:
1) سرعة الجمع بين المتحابين وتيسير زواجهما.
2) إن لم يكن هناك وسيلة لذلك قبل أوان وميعاد، فحتى ذلك الوقت تراعى بعض الأمور:
- إعادة توثيق صلات الطرفين بربهما والحرص على تزكية النفس والتقرب لله بالصيام وقيام الليل
- ما أختلف فيه مع الدكتور محمد المهدي وهو المفارقة بينهما حتى في أبسط الأمور وإن وصل الأمر لهجر أحدهما لبلد الآخر اتقاءاً لفتنة إبليس من تهوين أي فعل أو قول في اتصالهما.
- مصارحة كل منهما لوليه (أو لمن يعينه) وتكتم الأمر بصورة تامة اجتماعياً.
- مراقبة الله واستشعار وجود الله في كل حين.
وأحسب أننا إذا تطرقنا للحديث عما قد يحمله التهاون في مثل تلك المسألة على كل الجوانب والفروض فإننا سنمر بطرق عديدة سوداء نعاني منها في مجتمعنا اليوم، أشكركم لحرصكم الدائم على إصلاح وترميم ما تبقى من جوانب إنسانية في مجتمعنا اليوم
وجزاكم الله خيراً.
هشام البنا
13/02/2004
رد المستشار
أشكر لصاحب التعليق اجتهاده وأرجو أن يكون رأيه متاحا لصاحبة الرسالة كخيار بجانب الخيارات التي ذكرناها في الرد السابق، ففي تعدد الرؤى والاجتهادات رحمة وسعة.
ويضيف الدكتور وائل أبو هندي، الأخ العزيز هشام أهلا وسهلا بك، أولا نعتذر عن تأخرنا في الرد عليك، فما كان إلا لتعرض موقعنا مجانين على مستضيفنا العربي السويدي القديم من هجمة شرسة من الصهاينة لأنه كان يضع بعض مواقع لمنتظمات تدعم حماس (وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ) (آل عمران:54) وقمنا بنقله إلى مستضيف آخر في أمريكا لكي نتمكن من الوصول إليكم وتتمكنوا من الوصول إلينا، والحقيقة أنني عندما قرأت مشاركتك ورد أخي الأكبر وزميلي الدكتور محمد المهدي أنشط المستشارين الكبار لصفحتنا استشارات مجانين، عندما قرأت ما قلته أنت لم أستطع إخفاء اعتراضي،
ولم يرحني امتعاضي من تجاهلك لأوضاع المجتمع المسلم المعاصر وهي الأوضاع التي لم تعد مناسبة لأنها ليست من الإسلام فأنت تتكلم عن حلول غير صالحة للتطبيق في هذه الأوضاع، وبالتالي لم أستطع الاكتفاء بدبلوماسية أخي الدكتور المهدي المقتضبة جدا في الرد على مشاركتك هذي، وتداعت إلى ذهني مشاركاتك السابقة على مجانين، وهم:
أحبه جدا لكني أكرهه جدا مشاركة
أحبه جدا لكني أكرهه جدا مشاركة ورد مستشار
أحبه جدا لكني أكرهه جدا م. مشاركة
ثم عندما قرأت آخر متابعة لصاحبة المشكلة شاركت أيضًا بـأحبه جدا لكني أكرهه جدا مشاركة م1، ولم يحدث في واحدة من تلك المشاركات إلا أن رأيت فيك بعض القسوة، وبعض الغيرة على بنات المسلمين، وحمدنا لك ذلك كله.
لكنني هذه المرة رأيت أن أنبهك إلى ما لا يصح تجاهله، لكي لا يقال لنا إذا أردت أن تطاع فمر بما يستطاع، وسأبدأ معك بالإشارة إلى الأبيات الرائعة للأصمعي، وأشكرك على تقديمها لنا، مع الإشارة إلى أنك لم تكن تحفظ الأبيات جيدا لذلك ضاعت منك بعض الحروف أو استبدلتها بغيرها فكان هناك أكثر من كسر عروضي رأينا أن نصححه (فالأبيات من بحر الطويل: فعولن مفاعيلن فعولن مفاعلن أو نعم لا نعم لا لا نعم لا نعم لا لا)،
وإذا قارنت الأبيات التي بعثتها لنا بما ننشره هنا ضمن مشاركتك فستعرف أين كان الخطأ، ونكمل بعد ذلك الحكاية لأنك لم تكملها واكتفيت بما كتب على الصخرة ، فقد كان التحاور يتم من خلال كتابة الفتى ثم الأصمعي على صخرة ، يمر عليها كل منهما يوميا بحسب ما جاء في الرواية ، ويكمل الأصمعي : فعدت في اليوم الثالث إلى الصخرة، فوجدت شابا ملقً تحت ذلك وقد فارق الحياة، وقد كتب في رقعة من الجلد هذين البيتين:
سمعنا.. أطعنا ثم مِتْنا فبلغوا سلامي إلى من كان للوصل يمنعُ
هنيئًا لأرباب النعيم نعيمَهم وللعاشق المسكين ما يتجرعُ
فهذه هي تتمة الحكاية يا صديقي، والمفارقة هنا هي أن العشق أمرٌ يختلف عن الحب الطبيعي، فنستطيع اعتبار العشق حبا واصلا إلى درجة الاضطراب النفسي أو ما سميناه وسواس الحب، وهو ما تعامل معه علماؤنا المسلمون بالفعل على أنه مرض، لأنه يجعل العاشق عاجزا عن القيام بدوره في الحياة كمسلم، ولك أن تقرأ على موقعنا مجانين مقالة: في علاج العشق تلخيص ابن القيم، فالمقصود هنا هو العشق الذي يقلب حال الفتى والذي يحتاج فيه إلى علاج نفسي وديني، وأما ما تحكيه لنا ابنتنا صاحبة الرسالة القلب الطاهر ينبض : حبا وطهرا، فأمر مختلف تماما فهي تحدثنا عن حبٍّ ذكرها بالله عز وجل وجعلها هي ومن أحبت يعزمان على تقويم سلوكهما بما يتفق مع الشرع.
فكيف نواجهها بمثل ما تقول؟؟؟
هل ترى من المناسب اليوم أن نطلب منها أو من الشاب الذي مال قلبه إليها أن يهاجر؟
هل أنت مقتنع في ظل ما نعيش بصلاحية ذلك للتطبيق؟
ألا فرق عندك بين حكاية هذه الفتاة الرائعة، وبين من وقعن في الخطيئة باسم الحب وإن كان بدرجات مختلفة؟
إن هذا يقودني إلى الحديث عن أوضاع العفة (أي الأوضاع التي ينبغي توافرها في المجتمع المسلم الصحيح المفترض) في مقابل أحكام العفة في الإسلام الصحيح المنشود تطبيقها، فقبل أن نقوم بإنزال الأحكام الإسلامية المتعلقة بالعفة على مجتمع ما يجبُ علينا أن نفلح في تطبيق الأوضاع الاجتماعية التي تسمح بالعفة، فهل تراها أنت مطبقة في أي مكان على ظهر أمتنا المتآكلة الأطراف؟؟؟
أنت تقول في مشاركتك: (أول طرق خطيئة العواطف هي المصارحة والتي ما أرى غيرها يفض بكارة الفتاة الروحية ونقاء وطهر روحها)، فهل ترى أن العواطف خطيئة؟ ألا تعرف يا أخي أن أحكام الشرع تتعلق بأفعال المكلفين الإرادية وأن الميل القلبي ليس فعلا إراديا؟ وعليه فلا يصح اعتباره داخلا ضمن دائرة الحرام والحلال، وذلك الكلام ينطبق فقط على العواطف وليس على الأفعال لأن الأفعال حتى المبنية عليه ستكونُ إرادية ويجب أن تضبط في إطار الشريعة الصحيح، وأما حدود ذلك الانضباط فتقودنا إلى الحديث مرةً أخرى عن الأوضاع قبل الأحكام!
ثم أسألك بصدق كيف ترى في ما فعلته ابنتنا فضا لبكارتها الروحية؟ وما هي البكارة الروحية التي تتحدث عنها في هذا الزمان؟ وأتساءل معك عن المفهوم نفسه؟ وعن كيفية فض البكارة الروحية؟ فأما البكارة المادية فنعرفها ونعرف كيفية فضها! وكيفية ترقيعها أيضًا مع الأسف! لكنني أريدك أن تحدد لي ما هي البكارة الروحية؟ وهل هي أيضًا مطلوبة فقط من الفتاة؟؟؟ فيجبُ ألا تصرح بعاطفتها لكي لا تخسر بكارتها الروحية!، إن الفتاة العربية مسكينة والله يا أخي العزيز، وتحتاج إلى شيء من العدل الذي علمه لنا الإسلام الذي حرم الوأد، لا جسديا فقط وإنما وأد الروح أيضًا، فإلى متى سنظل نئدُ بناتنا روحا بعد أن منعنا الإسلام من وأدهن؟ يا ترى وصلت الرسالة؟؟ واقرأ على موقعنا مجانين أيضًا مقالة سيكولوجية الفتاة العربية.
فأما أن العرب كانوا قبل الإسلام يحرمون من يصرح بحبه للحرة من الارتباط الشرعي بها، فهذا ما لم يقره الإسلام، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في الحديث النبوي الشريف الذي رواه ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "لم يُرَ للمتحابين مثلُ النكاح". (الحديث رواه ابن ماجة (1847)، والحاكم 2/160 وصححه على شرط مسلم، ووافقه الذهبي، والبيهقي في السنن 7/78 والطبراني وابن أبي شيبة وغيرهم، من أكثر من طريق. وذكره الألباني في الصحيحة برقم (624) وروي في سبب وروده: أن رجلاً جاء إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: إن عندنا يتيمة وقد خطبها رجل معدم، ورجل موسر، وهي تهوى المعدم، ونحن نهوى الموسر، فقال: "لم ير للمتحابين مثل النكاح" صدق صلى الله عليه وسلم ولكن القصة في سندها راوٍ مجهول. فالمدار على المرفوع
وأنقل لك هنا جزءًا من فتوى شيخنا الجليل يوسف القرضاوي إذ يقول ردا على سائلة: (ومع هذا كله أرى أنه إذا "دخلت الفأس في الرأس" كما يقال، أي "وقع الحب" بالفعل، وتعلق كل من الشاب والشابة أحدهما بالآخر، وكان من نوع الحب الطاهر الشريف، الذي تحدثت عنه ابنتنا السائلة، واستمر مدة طويلة دلت على أنه لم يكن نزوة طارئة، أو "لعب عيال" هنا ينبغي للأهل أن ينظروا في الأمر بعين البصيرة والحكمة، ولا يستبدوا بالرأي، ويرفضوا الخاطب بأدنى سبب، أو بلا سبب)
وتعرف يا أخي كما نعرف أن الزواج في مثل سن صاحبة المشكلة وحبيبها لن يكون ممكنا من نواح عديدة قبل فترة من الزمن نسأل الله أن تكونَ قصيرة، ونسأل بعد ذلك عن ما الذي قصرت فيه ابنتنا؟ لقد تحسنت علاقتها بالله بعد ذلك الحب ونفس الشيء حدث مع حبيبها، وهما متفقان على ضرورة قطع كل أشكال الاتصال بينهما كي لا يغضبا ربهما وهذا كلام صاحبة المشكلة وليس كلام المستشار الذي تختلف معه في سماحه لها بأن تقابل حبيبها داخل نطاق الأسرة،
وترى أنت أن على البنت وعلى الولد أن يذهب كل منهما إلى وليه ويخبره بالجريمة العظيمة (الخطيئة العاطفية) لكي يتصرف الولي في الأمر، فعلى البنت إذن أن تذهب إلى أبيها لتقول لها (وقد اقتنعت بكلامك) أبتاه لقد فضت بكارتي الروحية ووقعت في خطيئة العشق فانظر ما ترى بأمري، فاحبسني أو غربني أو افعل ما ترى!، هل أنت موافق على ذلك يا أخي؟ ثم هل أنت واثق من حسن تصرف الولي؟ ألا ترى معي أننا نحتاج إلى أن نجعل من بنتنا هذه قدوةً للأخريات، لا مخطئة مثل معظمهن؟ لأنها بالفعل لم تخطئ؟؟؟ راجع نفسك إذن وتابعنا!