حالة اكتئاب كالتي في الكتاب
شكرا وبارك الله فيكم على الرد، وددت أن أزيد بعض النقاط التي لاحظتها ودونتها في القراءات التي نصحتموني أن أطلع عليها، وبالإمكان أضافتها إلى استشارتي، الاكتئاب المضاعف اسم مخيف شيئا ما، فهل هو اكتئاب مركب في مراحل؟ ما هي أخطر درجات الاكتئاب؟، هل إذا تناولت دواء الكآبة سأصير نشيطا وذا نوم طبيعي؟ وهل هناك مرض عضوي قد يكون السبب في الإرهاق وثقل النوم؟ ومتى تظهر آثار العلاج؟
حقيقة المسائل العملية (النشاط القوة والنوم المعتدل، سمات الرجال يعني) أهم من الأحاسيس وان كانت الراحة جميلة. لدي شيء من انعدام طول النفس، وتأخير الأعمال بلا حاجة حتى أحتك مع الوقت احتكاكا. النظرة إلى أيام التفوق نظرة للأمجاد والإحساس بفقدان شيء ثمين وعاكسٍ لشخصيتي في ما يتعلق بالدراسة والأوساط العلمية، أحب الأوساط العلمية، حتى إنني لا آسف إن رأيت غنيا أو مترفا وأعتبر ذلك تافها نوعا ما (بالرغم من أهمية المال عندي، ولكن ليس بالطريقة التي ينظر إليها أرباب الأموال، حتى إنهم لا يمارسون هوايات جميلة ورائعة، مجرد سيارات وبيوت وأكل وشرب، عقلية سطحية في نظري)، ولكن أشعر بالغبن إذا قرأت بحثا أكاديميا لدكتور أو باحث متخصص في مجاله، شخص يعتمد الناس عليه في تخصصه ونال دراسته بشكل رسمي، هل هذا حب الكمال؟
وأذكر موقفا من الرهاب وقع لي في الإمامة ذات يوم، تقدمت كإمام فتغير صوتي وفقدت التحكم به ولم تتوقف ركبتاي عن الارتجاف، أثبّت نفسي وأقنعها أني إمام فقط وأن الموقف لا يستحق فلا جدوى، مع أني أحسن القراءة. لا أعتزل الناس نهائيا ولا أخالطهم بأريحية تـامة، لست انطوائيا حقيقة، ما إن يفتح نقاش هادف وعلمي تجدني أشارك بدون وعي، وكأن المشكلة عندي فقط هي ذاك النوع التافه أو المتعالي أو المريض بأنانيته وتعالمه، ومع الأسف أغلب الناس هكذا، لا يحبون إلا من يدغدغهم ويمازحهم (بسبب كآبتهم ربما)، حتى يسطو على مالهم، ربما لا أعرف كيف أخلق جو المرح في أول مرة مع الغرباء فقط؛
أما مع من ألفتهم فالمزاح الرفيع الجميل، ومع ذلك فإني أتفهم فعلهم، لأن الكئيب شخص سلبي والناس لا يحبون السلبية، ولكن في نفس الوقت يجب ضبط عواطفهم اتجاه من ليسوا أمثالهم في التعامل وليس رفضه والنفور عنه لا لشيء إلا أنه ليس مثلهم، فلعله في من الخير الكثير، بعد الناس عني ربما لأنني ملتح، وتعلم الانطباع اليوم عن المتدينين حيث يحس الناس تجاههم بغربة وخوف غالبا، ولكن نفس الشيء كان قبل التدين، إلا أن الإيمان يغير كثيـــــــــرا من قوة الشخصية ورجاحة العقل ولله الحمد.
وأحيانا أبهر أصحابي بتدخلي في موقف مع غرباء بكل سلاسة ومنطقية تلبسني ثوب الحكيم، وحقيقة لما أخالط الناس لا أجد منهم إلا الاحترام والحب حتى إنني قد أترك أثرا بالغا عليهم (بأدبي وحجة إقناعي ونقاشي الجاد) ولكن للأسف لا يوصلون لي مشاعر التقدير، ولأنني أرى أن الناس هم مصدر التقييم لذاتي ولست أنا أو الأهم من ذلك ميزان الخطأ والصواب (مع أنني أعلم أن أكثر الناس جاهلون ليس لديهم حس مرهف)، فربما أخطئ فيمدحونني ويؤيدونني فأرتاح، وأصيب فينتقدونني لجهلهم أو عدم وعيهم فيضيق صدري، وهذا من جهة عاطفية فقط لا سلوكية فنحن لدينا شرع نتبعه ورب نعبده وحسب رضاه وسخطه يجب أن نقيم أعمالنا لا على ناس يدسون في التراب.
"نحن نحب ونحترم بصمت ولكن نبغض ونشمئز بالعلانية والمواجهة"، كثرة الانتقادات وقلة التشجيع، أنا لا أكره الانتقاد البناء بالطريقة الأدبية الرفيعة، كقصة هارون الرشيد مع الأعرابي الذي قال له "يا أمير المؤمنين إني منكر عليك ومشدد فهل تقبل، قال الرشيد لا، فقد بعث الله من هو خير منك إلى من هو شر مني وأمره باللين: (اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى (43) فَقُولَا لَهُ قَوْلاً لَّيِّناً لَّعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى) (طه: 43،44)، فهذا الرد أدبي مقنع جميل أضحك منه إذا قاله أحد لي ولن أغضب بل سأفرح للأدب الجميل وهكذا، والمرارة التي يعيش فيها الشباب خصوصا المراهقين منهم، من انتقاد دون تشجيع، أراها في أعينهم والله، وأذكر أن أختي يوما ما وهي مهتمة بالتربية النفسية قالت لبنت صغيرة -12 سنة تقريبا- أنتِ ذكية فدهشت الطفلة فسألتها أختي: ألم يقل أحد لك ذلك قط؟ قالت لا، مأساة والله.
ليس عندي ملل جنسي، لأني قرأت أن أصحاب الاكتئاب يعانون منه، فهل هو المقياس في شدة الاكتئاب؟ لست متزوجا لكن أعلم هذا لأنني أضطر لكبح شهوتي فقد أتعبت أعصابي والله المستعان، فأنا أميل للنساء ولكن أمنع نفسي منهن ولا يظهر ميولي في سلوكي والله أعلم.
لا أعلم أحدا من عائلتي أو أصدقائي أحبه حبا يجعلني أفكر فيه دائما أو أخاف عليه إن اغترب أو أفكر أنني سأضحي من أجله، أقول أنه بخير لا شك -عقلانية كما ذكرت- وأنا هنا أتكلم عن العاطفة، أما حب الجلوس معهم والتحدث إليهم وقضاء الأوقات معهم فهذا أفعله دائما وأحبه، وأقول لنفسي يجب أن أكون أكثر عاطفية وأحب أمي مثلا كما يحب كثير من الناس أمهاتهم بدون هذا "التقييم" للحب لماذا وكيف، أحبها لأنها أمي فقط، أتوق إليها وأشتاق لها وهكذا، بالرغم من أن الموقف الحقيقي سيخرج مني أكثر مما أتوقع من المشاعر والتأييد كما يقع لي دائما فأنا أظن أني لن أكثرت لشيء أو لإنسان فإذا فقدته شعرت حزن الفراق؛
والجدير بالذكر أن أمي لديها اكتئاب اعتقد، ثقل النوم، المشاكل مع أبي منذ القدم، المشاكل مع الجيران وإقفالهم النوافذ ببنائهم دونها، مع ما كان من السب والشتم والعراك والنكد الذي لا يفارق أمي كأنه كابوسها، وتريد بأي ثمن بيع الدار والرحيل منها بدون تفكير في العواقب علما أن الثمن لن يأتي بمثلها في الاتساع والرحابة مع الغلاء الموجود في الساحة، مجرد فسحة لها في منازل للبيع تترك فيها أثر السعادة، كأنها تمني نفسها.
والحمد لله مقارنة بما قرأت فأنا في عافية ههههها، أنا لا ألوم من حولي على حالتي أبدا وأظن أن الدكتور قاسم جزاه الله خيرا فهم من سردي لوقائع من حياتي أني ألوم الناس، فأنا أعلم تماما أن طريقة تفكيري تجاه نفسي والحياة هي الملامة، وإن كان بعض الإهمال من قِبَل الأسرة يؤاخذ عليهم ولكن إذا تمعنت ستجدهم أيضا ضحايا، فالرحمة...، أما الناس وحسهم الجلَف، فالعبرة بقوة المخالِط لهم كقصة الملك والنعل، أراد أن يعبّد البلاد كلها فأشار عليه أحد رجاله بأن يجعل قدمه في نعل ليتقي وُعورة الأرض، فلأن تقي قدمك أسهل من أن تعبّد الأرض، وهكذا مع الناس، تقوية نفسك وتقويم اعوجاجها أسهل من تقويم سلوك الناس، حفظ وجهك بمرهم مضاد للشمس أسهل من حجب الشمس، وأعتقد أنني سأصول وأجول إن شاء الله مكسرا كل الحواجز بقوة الله إذا ذهب عني الأرق والضعف والملل.
تبقى مشاكل سلوكية مثل تنظيم الوقت وعدم تضييعه، وأستسمح جدا على الإطالة، أردت أن أكتب لكم أعزائي لمبادلتكم الحديث وتعميق الفكرة أكثر وأشكر الدكتور قاسم جدا والدكتور وائل كذلك، وأتعجب كثيرا من بعض الناس هنا في الموقع يتأففون ويقرّعون أسماع الدكاترة، حتى إني قرأت لأحد قال أن "مستشاري الموقع" سبب في ثلثي حالات انتحار أمثالي، لماذا لأنهم تأخروا في الرد!!!
سبحان الله كأن عقدا يجمعهم، هذا العمل يفعلونه لله ويتكبدون عناءه، فلله دركم في جنات النعيم، وأقول لمن يتصفحون مجانين أن يلجئوا إلى الله فهو سبحانه لا يعجزه شيء، وأخطأ من ظن أن الأمراض النفسية تعجز خالقها، ألم يقل الله في كتابه (..... وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعْجِزَهُ مِن شَيْءٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ إِنَّهُ كَانَ عَلِيماً قَدِيراً) (فاطر:44)، وما الأمراض النفسية إلا شيء فوق أرضه، لكن المشكلة أن الناس يريدون أن يعيشوا على هواهم معرضين عن ربهم وتكون لهم الحظوة عند ربهم، اعرف الله في الرخاء يعرفك في الشدة، ومع ذلك الله يدعوهم ويقبلهم في كل حين، إنما هو الصدق في التوجه إليه سبحانه ملك الملوك، لو كان الناس يلجئون لله بنفس اليقين الذي يلجئون به إلى الأطباء لكان كافيا، ولكن تعلقهم بالأسباب أكثر من تعلقهم بخالقها، فلله در العابدين،
والسلام عليكم ورحمة الله،
دمتم في رعاية الله القيوم.
13/05/2011
رد المستشار
حضرة الأخ "ابن آدم" حفظك الله، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته؛
لقد اعتدنا أن تأتي الاستشارة من المريض إلى المستشار الطبيب، أما في هذه الاستشارة فقد أحسست أنها آتية من المستشير إلى الطبيب. وذلك لسعتها بالمعلومات ودقة الملاحظة وجمال القصص الواردة فيها.
لربما طول الرسالة كان يدفعني في كل مرة أن أقرأ سواها مما هو قصير وسهل الرد. أما اليوم وبعد إصرار د.وائل على تقصيري في الرد فقرأتها وندمت على تأخيري لقراءتها حتى اليوم.
جواباً على العوارض التي ذكرت، فكلها عوارض الكآبة النفسية والتي تنعكس في الغالب على الجسد بشكل تشنجات وأرق، دقات قلب، مشاكل في الهضم، آلام رأس، وضعف في الطاقة والقوة في إنجاز الأعمال، مشاكل في الأكل زيادة أو نقصاناً... نعم كل هذه العوارض الجسدية يمكن أن يكون سببها نفسي مما يبعث بالكثير من المرضى إلى الذهاب إلى طبيب الأعضاء، والمعدة... حتى يصلوا أخيراً إلى طبيب الأعصاب الذي يحل المشكلة من جذورها.
واقرأ أيضًا:
مرض الاكتئاب
الدواء: دواء الاكتئاب يمكن أن يغير الحياة، كما وأن العلاج النفسي قادر على أن يغير الأفكار التي قد توقعنا بالكآبة. أعجبتني قصة النعل لحماية القدم وعدم تنعيل الطرقات. كما فكرة كريم الحماية من الشمس وعدم إطفاء نور الشمس.
أحسنت يا صديقنا وأعتقد أنك لست بحاجة للكثير لكي تصير مستشاراً معنا ولكن إن جاز لي أن أضيف شيئاً على ما ذكرت فهو باتجاه الموضوع الديني، حيث أننا نجد في هذا العصر الكثير من المتدينين باتجاهات مختلفة وكل يعتقد أنه على خير وأن ما عداه على خطأ، لا بل قد يكفر بعضهم بعضا.
R03;المختصر هو أن الدين ما يقربنا من الآخرين، وما يجعل ثقتنا بهم أكبر وثقتنا بتقصيرنا أكبر وأكبر.
لك كامل تحياتنا وأفضل تمنياتنا، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.