بطريقة مطلقاتنا: حب الخير، وكراهية أبي!!
أكتب إليكم لأخرج صرخة مكتومة في صدري ولا أجد من يسمعها أو ربما لا أستطيع أنا أن أخرجها لأني حاليا لا أجد أحد يفهمني ويحس بي وأرجو أن يتسع لي صدرك وتفهمني فأنا فتاة عمري21 سنة وحيدة لأمي التي انفصلت عن أبي منذ كان عمري عامين ومنذ بدأت أدرك الحياة والأشخاص وأنا أرى أمي تكره أبي بشدة وتعبر عن ذلك في كل وقت وقد حاولت منذ صغري أن تزرع كراهية أبي داخلي وقد ساعدها أبي على ذلك بما كان يفعله وعندما كبرت بدأت أتفهم أن هذا أمر طبيعي من الممكن حدوثه رغم أني قررت أني لن أكون مثل أمي حتى إذا واجهتني مثل ما واجهتها من ظروف ورغم أني أعذرها لأنها تفعل ذلك دون قصد أو علم.
أعود لأحدثكم عما حدث طوال السنين الماضية كما سمعتها وكما تساعدني ذاكرتي أحيانا فبعد انفصال أبي عن أمي (والتي أعلم أنها لم يكن لها يد فيها ولم تطلبها كما أنها تخبرني دائما وأن أبي قد ظلمها كثيرا (ولكن من الممكن أن يختلف أي اثنين ولا يمكنهما إكمال الحياة معا) ولا يهمني إن كان أحدهما ظلم الآخر فربنا هو عالم كل شيء وسيحاسب كل على عمله) كان أبي يأتي ليراني في بيت جدي ويعطي أمي نفقتي الضئيلة جدا ولكن ربما لم يكن أبي وقتها يملك شيئا ولكن على أي حال فقد قطع أبي نفقتي بعدها بشهرين كما تقول أمي فلجئوا إلى المحكمة ولم يمنعوه من رؤيتي ولكن يقول أبي أنه تأخر قليلا في النفقة فقال جدي أنهم سيلجئون للمحكمة ولم يعذروه وأنه حينما كان يأتي ليراني لم يكن استقباله جيدا ومن هنا بدأ الخلاف والمحاكم وكان أبي يراني في مكان عام يذهب بي خالي إليه وأمي تأخذ نفقتي من المحكمة وتشتكي بزيادة ويقوم أبي باستئناف الحكم لتخفيض النفقة وهكذا إلى أن فتح الله على أبي كثيرا وسافر إلى إحدى الدول العربية وكان قد تزوج بعد انفصاله عن أمي بسنة ولكن لم ينجب.
وبعد عودته من الخارج طلب خالي منه المصالحة الودية بلا محاكم وكان خالي يذهب بي إلى بيته عند زوجته الأخرى فوافق أبي واستمر الحال هكذا قليلا ثم طلبت أمي زيادة نفقة وكانت القضايا ما زالت في المحكمة ولكنها معطلة فطلب أبي أن تسحب أمي القضايا من المحكمة فرفضت ورفض أبي زيادة نفقتي أو سمح بزيادة ضئيلة لم توافق عليها أمي ومن هنا عدنا للخلاف مرة أخرى وفي هذه المرة رفض أبي أن يراني في مكان عام لأنه شخصية معروفة في بلدنا الصغير وطلب أن أذهب أنا إليه ويحضر لي ما أطلبه من لبس ومصاريف دراسة فرفضت أمي وكان عمري وقتها10 سنين؛
ومنذ ذلك الوقت إلى فترة قريبة ويحاول أبي الوصول إلى حل وسط بأن يرسل إلينا أحد المعارف أو الأصدقاء ولكن لا يقبل بما تطلبه أمي رغم قدرته عليه وأحيانا كان يأتي إلى مدرستي ولكني كنت أخاف منه وأعامله بشدة وغلظة وقسوة ولا أعلم لما كنت أتصرف هكذا أهو بسبب ما كانت تقوله أمي عنه أم أنه هو ما دفعني لأفعل ما كنت أفعل. وقد قامت أمي بتربيتي أحسن تربية وزرعت في حب الخير والحق والجمال (بغض النظر عما زرعته في من كراهية لأبي) وأن أسعي دائما لإرضاء الله وحرصت على تعليمي وتثقيفي بكل ما تقدر عليه وكانت تأتيني بالكتب والمجلات منذ صغري (رغم سوء أحوالنا المادية في ذلك الوقت ولكن كانت تفضل ألا ترتدي اللبس الجديد لسنوات لأرتدي أنا كل عيد لبس جديد ولأتعلم انأ أحسن تعليم ولآكل أنا أحسن أكل) وضحت بكل شيء من أجلي ولا يمكنني أن أنسى فضلها علي...
بينما ذهب أبي وتزوج وجمع المال وأنجب الآن بنت11سنة وولد7سنين وكان يكتفي بأن يرسل إلينا المعارف والأصدقاء فلا نصل لشيء أو يأتيني مدرستي فأقسو عليه وفقط وأحيانا كان يرسل لي ملاليم بدون محكمة إسهاما منه في مصاريف دراستي ومنذ عام ونصف تقريبا وبينما كنت أذهب المحكمة بنفسي لأباشر القضايا ضد أبي طلب مني موظف محكمة الأسرة هناك أن أتصل بأبي بنفسي لأصل معه لحل وكان قد طلب ذلك من أمي (التي لا تفارقني في أي مكان) ولكن كانت ترفض بشدة ففكرت في حالي الآن وكيف أن يستمر هذا الوضع إلى الأبد فوافقت بعد تردد وخوف وعزمت أن اتصل به مرة واحدة أشرح له موقفي وأطلب منه أن يفعل ما تطلبه أمي حتى أتمكن من إعادة علاقتي معه كأي أب وابنته وطلبات أمي الآن هي أن يرد لها كل ما أنفقت علي السنين الماضية وأن يعطيني شقة من بيته الكبير (لأني الآن اسكن في شقة لجدي ليس لأمي حق فيها بعد وفاة جدي) وأن يتكفل بمصاريفي كلها.
المهم أني اتصلت به فعاتبني على ما فعلته معه خلال السنين الماضية فاعتذرت له وطلبت منه أن نفتح صفحة جديدة وننسى ما مضى وشل لساني وقتها عما كنت أود أن أقوله له فطلب مني مقابلته فوافقت ولكن بشرط أن يكون في مكان عام في عاصمة محافظتنا التي أذهب فيها إلى الجامعة ودون أن يدري أحد فوافق وقابلته وتعاتبنا واعترفت له أني كنت مخطئة في معاملتي له ولكنه اخطأ أيضا برفضه الإنفاق علي كما ينبغي فقال أنه كان يعطيني ما تحكم به المحكمة وهذا حقي الذي كنت أطلبه منه وأنه ليس لي حق في السكن لأني أسكن في شقة وإن كان ولابد فيمكنه إعطاء شقة لي ولكن وحدي بدون أمي ولم أصل معه إلى حل ولكني تمكنت من إقناعه بأن يرسل لي مبلغ شهري دون محكمة (وكنت وقتها كبائع أجهزة كهربائية يفاصل معه زبون بايخ على السعر) وفعل وتعجبت أمي من هذا التصرف الغير معتاد وتمكنت أيضا من إقناعه من شراء جهاز كمبيوتر وإرساله لي وفعل وزاد تعجب أمي ولكني أخبرتها أنه ربما يكون أدرك خطأه وهداه الله.
وكثيرا ما كنت أحاول من قبل أن اقنع أمي بأننا لن نخسر شيء إن فعلنا له ما يريد وقابلته ولكن كانت ترفض بشدة (وقد فعلت ما فعلت دون علم أمي) وفي هذه المرة وبعد أن أرسل لي الكمبيوتر كذبت على أمي وقلت أن أبي قد اتصل بي يسأل عني وأني حدثته وحاولت إقناعها بإمكانية عودة علاقتي بأبي فثارت ثائرة أمي علي وكأني قد ارتكبت جريمة وحذرتني من الرد عليه أو الوقوف له في الشارع حتى وحاولت أن أتمسك برأيي وحقي في إعادة علاقتي بأبي ولكن بلا فائدة، ولا أخفي عليك أنه رغم علمي بما يمكن أن يحدث من أمي إذا علمت بما افعل بدون علمها ورغم علمي أيضا ببخل أبي وتجربتي معه بالنسبة للماديات ورغم ما كنت أعانيه من حيرة وقلق وخوف أن يراني أحد أو يسمعني وإنا أقابله أو اتصل به وكذلك إحساسي الداخلي بالذنب تجاه أمي وخيانتها............ إلا أني بقيت على اتصالي بأبي ومقابلته لا أعلم لماذا........
أهو أملا مني في الحصول على مال أكثر أم خوفا من عقاب الله وقطيعة الرحم (وهو السبب الذي كان يحركني دائما ويعينني على تحمل الآلام في عقلي الواعي وكثيرا ما دعوت الله أن يسترني فيما أفعل لأني أفعله لوجهه) أم أني كنت بحاجة إلى أبي والتعرف عليه زي أي بنت في الدنيا (علما أن خالي كان لي مثل الأب حتى العاشرة من عمري وكان يعيش معنا قبل أن يتزوج ويسافر أي أني لست أعاني من نقص على ما أظن).
وأغلب حواراتي مع أبي كانت تدور حول واجباتي نحوه وأهمية مواجهة أمي ورفضي واعتراضي على كلامه وكثيرا ما كنت ألح عليه في ألا يخبر أحد بعلاقته بي وألومه بشدة كلما قال أنه أخبر أحدا من أقاربه أو أصدقائه وأوقات قليلة جدا التي كنت أشعر فيها بحبه لي وحرصه علي ونادرا ما كنت آخذ رأيه في شيء يخصني حتى وإن كان شيء عادي ويعرفه الجميع وكباقي الأوقات التي نحاول أن نبحث فيها عن لحظات السعادة فتحرمنا منها الأقدار.......... مل أبي من إلحاحي الدائم عليه ألا يخبر أحدا بأنه يراني أو يحدثني وقال أني خنقته وأن علي أن أفاتح أمي وأنه أنفق علي وتحمل لأجلي وصبر أكثر مما ينبغي وأنه لن يقبل أن يراني مرة أخرى كاللصوص وأرسل لأمي أنه لن يرسل أي مبلغ آخر إلا إذا قابلته مرة كل شهر وبالطبع رفضت أمي وعدنا ثانية إلى المحكمة.
ولا أستطيع أن اصف لك ما كنت أشعر به وقتها من الم وحسرة ينهشان قلبي ورغم هذا لا أتمكن من الصراخ أو البكاء أو حتى الاعتراض وإنما أبدو على طبيعتي المرحة أمام الجميع لأنه لا يعلم بي أحد إلا الله وكتمت أحزاني داخلي وانقطعت علاقتي بأبي رغما عني إلا أني أبقيت على اتصالي به في المناسبات في حديث لا يزيد عن دقيقتين أو إذا قابلته مصادفة في الشارع أصافحه بوجه باسم وقلب متألم وهذا لوجه الله تعالى وأدعوه دائما أن يهدي أبي وأمي وإلا أكون قاطعة لرحمي. ثم من حوالي شهرين وبطريقة ما علمت أمي أني على اتصال بأبي وأني أذهب إليه فأنكرت في البداية ثم أخبرتها أني ذهبت إليه فقط يوم الحادثة ثم بعد ذلك كان هو من يتصل بي لعل ذلك يشفع لي (وكان أبي قد تعرض لحادث سيارة قبل خلافي معه وقال الجميع انه يموت ورجوت أمي أن أذهب إليه فرفضت فذهبت دون علمها وكانت المرة الأولى التي ادخل فيها بيت أبي وأرى ابناءه (أخوتي) وأحس أن لي عائلة أخرى وتتحرك داخلي مشاعر الأخوة رغم أني تربيت تقريبا مع أولاد خالتي الذكور واعتبرهم إخوتي) ولا يمكنك أن تتخيل رد فعل أمي فأظن أنها لم تكن لتفعل ما فعلت لو أنها كانت فقدتني أو حدث لي مصيبة وتجمع علي كل خالاتي وحاولت أن أتمسك بحقي في علاقتي بابي ولكن كالعادة لم أجد أحد يساندني وخيرتني أمي أن اتركها واذهب لأعيش مع أبي وزوجته وهي غاضبة مني إلى يوم القيامة وستدعو على صباحا ومساء أن ينتقم الله مني أو أني أقطع كل علاقتي به وإن قابلته لا أحدثه وإن اتصل بي لا أرد وهي ستخبر الجميع ممن كانوا طرفا بيننا وبينه خلال الفترة الماضية أنها كانت تدري كل شيء أفعله لأني لا أخفي عنها شيء....
وأمي تميل إلى تهويل الأمور كثيرا ولم أتمكن من إخبار أمي أكثر من ذلك ولا أدري إن كانت ستعلم به في يوم من الأيام أم لا وأمي الآن لم تعد تثق في تماما وتشك في كل شيء أفعله وأنا لم أعد أتمكن من التعامل معها كأمي احكي معها تفاصيل حياتي المختلفة وآخذ رأيها في شئوني أو اهزر معها واضحك زي زمان (وأنا كنت وصلت مع أمي لمرحلة عالية قوي من التفاهم في حاجات كتير كنت احسد نفسي عليها عندما أرى خلافات صديقاتي مع أمهاتهم (بغض النظر عن علاقتي بأبي)).
لقد غابت الفرحة عن قلبي الآن ولا أعلم إن كانت ستعود أم لا فلك أن تتصور كيف كانت أمي تمثل لي (فلم أكن أذهب أي مكان إلا وهي معي) ولكني الآن رغم أني أعيش مع أمي كما مضى من الزمن وأحاول ألا أغضبها في شيء كما كنت افعل سابقا.......... إلا أني بداخلي شعور ينفرني منها الآن ومن كل شيء تفعله لأني أشعر أنها السبب في قطع علاقتي بأبي وقطعي لرحمي (لأنه حتى وإن لم يكن أبي قام بدوره كاملا فله على الأقل حق البر... أن اشكر لي ولوالديك.)... ولكني لا أتمكن من البوح بما يدور في نفسي تقديرا لتضحياتها من أجلي وأيضا خوفا من غضبها علي ودايما عندي إحساس أني هيحصل لي في المستقبل زي ما حصل لامي.... يعني هتزوج وبعدين هانفصل عن زوجي لكن هيكون طلاق متحضر يعني مش هاعمل مع أولادي اللي أمي عملته معايا من غير قصد وهخلي علاقتهم جيدة بأبوهم ومش هاعيب فيه أبدا زي ما كانت أمي بتعمل دايما في أبي أنا عارفة إن ده تفكير تشاؤمي وممكن يؤثر على حياتي في المستقبل لكن مش بايدي وساعات باحس أني كئيبة وماعنديش ثقة في نفسي واني شخصيتي ضعيفة قدام أمي مما يزيد من نفوري منها وكمان أمي كتير بتتهمني بالأنانية وأشعر الآن أني شخصية نرجسية لا يهمها إلا مصلحتها واشك في كل تصرف افعله مع أصدقائي وكمان كتير باحس أني جافة في تعاملاتي مع من حولي رغم أني أحاول التعامل بلطف ومرح لأتغلب على هذه الصفة التي أراها داخلي بالإضافة كمان أني دلوقتي تعبانة ومحتاجة اصرخ.........
أنا عندي صاحبات كتير... (اللي بدأوا ينفروا مني دلوقتي لأني لم اعد مرحة كما كنت وأتجنب التواجد معهم قدر الإمكان) لكن مفيش حد أثق فيه وأحكي معه بحرية غير واحدة بس هي اللي بتفهمني وسبحان الله قويت علاقتي بيها قوي في السنة الأخيرة وكنت معاها دايما فربطت أمي علاقتي بيها بالكارثة (من وجهة نظرها) اللي انا عملتها وبعدتني عنها وكانت أمي دائما بتحاول ماتخليش ليه علاقة قوية بحد لأنها كانت بتخاف عليه لكني كنت قدرت أقنعها أني وحيدة ومش ليا أخوات وصاحبتي دي تعرفها وتعرف أهلها والإنسان لا يمكن يعيش في الدنيا وحده وأنا دايما بادعي ربنا أنه يرحمني ومتأكدة انه له حكم في كل اللي بيحصل لي وراضية لكن دايما باطلب منه يصبرني ويفرج عني وفي حاجة كمان..... الأيام دي اشعر بتقلب في المزاجmood swings يعني أحيانا أكون طبيعية وأتعامل مع من حولي كالمعتاد ومرة واحدة وبدون سبب واضح اشعر باختناق ورغبة شديدة في البكاء وأيضا أسرح كثيرا وانسي كثيرا (كنت اسرح من قبل ولكن ليست بالدرجة التي تؤثر على دراستي وحياتي) واشعر بغباء وصعوبة في الفهم منذ حدوث تلك الأزمة..... فهل وصلت لمرحلة من ظهور أعراض مرض نفسي كامن منذ زمن بسبب الظروف التي عشتها رغم إدراكي لها جيدا وفهمي ما يحدث وتعاملي معها أحيانا...
وأنا متفوقة في دراستي بفضل الله وبفضل حرص أمي على ذلك وأشارك في النشاط الجامعي أحيانا..!؟؟ لست راضية عن نفسي وأشعر إن الله غاضب علي بسبب قطعي لرحمي أو ربما بسبب معاملتي الآن لأمي بطريقة جافة رغم محاولاتها أحيانا لكسب ودي ورغبتها في عودة العلاقة بيننا كما كانت بغض النظر عن اختلافنا حول علاقتي بأبي ورفضها لها بشدة (لأني لو عدت فهذا يعني موافقتي ورضاي على ما تفعله أمي من قطع علاقتي بأبي) وأشعر أن الله لا يبارك لي في دراستي أحيانا أتعامل مع الظروف حولي واقنع نفسي أن همي وحزني بلا فائدة وأني بهذا ستضيع صحتي وأصاب بالأمراض..... ولكني اضعف واجد الظروف أقوى مني.... وآسفة أني طولت عليك لكني زي ما قلت محتاجة اصرخ وما لقيتش حد يسمعني غير الموقع الرائع ده وربنا يجازيكم كل خير.
N.B: بجد نفسي أتخصص في المجال النفسي (خاصة نفسية الأطفال والمراهقين) لأن مرض النفس قد يدمر الإنسان في لحظة وأتمنى أن اعلم الآباء والأمهات أنهم أكبر مؤثر في حياة أبنائهم.... فليحرصوا على أبنائهم.... أعلم أني احتاج كثير من الثقة بالنفس والتدريب والاجتهاد...... ولن أيأس من رحمة الله..... فهل ستساعدونني؟
28/05/2010
رد المستشار
معك يا ابنتي، ونحن نسمع صرختك، ونشكر ثقتك بنا، ونحاول فهمك ودعمك، وأنت تستحقين كل الخير والإرشاد لتحسين أدائك الذي أرى فيه بوادر واعدة يمكن البناء عليها بمشيئة الله.
تصرفات والدك ووالدتك هي النمط الشائع للحماقة التي ترتكبها الأزواج والزوجات حين يقع خلاف، والأصل أن أبناء والدين تضاربت واختلفت آراؤهما وقلوبها لا شأن لهما بهذا الخلاف من قريب، ولا من بعيد، وليس الأولاد بمسئولين عن ظلم طرف لطرف، أو خيانة أحدهما للآخر، أو سوء أخلاقه وعشرته...إلخ!!!
وما يحدث من إقحام للأبناء، وتسميم لنفوسهم، وإرباك مساراتهم بحكايات وتطورات، ونزاعات وحماقات مالية أو غير ذلك، كل هذا مما يدخل في باب الأخطاء الفادحة، والشائعة للأسف الشديد، وإن كان لا يسعني هنا أن أتهم الوالدة، أو ألوم الوالد لأنهما ليسا في متناولي، ولأن ما حصل قد وقع بالفعل، ولا طائل من البكاء على اللبن المسكوب، ونهج والدتك كان ممتازا في إيثارك بكل الإمكانيات، وتفرغها لرعايتك، ولا أريد أن أناقش تفاصيل مواقفها، واختيارات حياتها، وكل إنسان حر في اختياراته، والله يجاز بها بكل الخير.
كما لا أريد، وليس مهما، تقييم مواقف الوالد، ودوره في الخلافات الزوجية، ومحاكمة تصرفاته في نزاعه مع والدتك، وفي الخلافات الزوجية تفاصيل وتعقيدات تجعلنا نتمهل قبل إصدار أي حكم على طرف من الأطراف، وهذا أهم شيء أحب أن ألفت نظرك إليه!!! إذن أقول: قبل كل شيء عليك أن تنسحبي تماما من معمعة هذا الخلاف، ليس هذا شأنك، ولا مطلوبا منك اتخاذ قرارات، أو مواقف لصالح طرف في مواجهة الآخر، ولا من حق أي طرف أن يجرك لمساحات الخلافات وتفاصيلها، وإذا فعلا أحدهما أو كلاهما، فلو سمحت انسحبي ذهنيا وشعوريا من هذه المساحة البائسة.
لا ماما فعلت، ولا بابا قال، أنت ابنة لهذا وهذه، والأهم هو علاقاتك بكل واحد منهما، ولا يسعك، ولا تستطيعين، ولا ينبغي أن تقبلي إقحامك في مساحة ملغومة ليست لك، ولا ممكن، ولا متاح أن تتوازني فيها، أوان تصلي إلى "كل" المعلومات، أو التفاصيل، أو دقائق الأمور لتقولي أن هذا الطرف مدان أو برئ!!!
ظواهر الأمور تعطي دلالات قد تكون ناقصة أو مشوهة، وقد تصبح ظالمة إذا اندفعنا لاتخاذ مواقف غير مجبرين نحن على اتخاذها، أنت غير مضطرة.
اتصالك بأبيك ليس خيانة لأمك لأنه ليس من حقها أن تمنعك من رؤيته، وإذا كانت المسائل المالية قد أحيلت إلى المحكمة فإن الأمور النفسية والاجتماعية والإنسانية لا تقطع فيها المحاكم ولا تناقشها، ووجود أبيك في حياتك هو الأمر الصحي والطبيعي.
أقول علاقتك بأبيك ورؤيتك له، وقيام صلات طبيعية بينك وبينه هو حق لك قبل أن يكون واجبا عليك، ومنعك من مقابلته ليدفع نفقة، أو يرضخ في محكمة، أو يشعر بالحسرة في نزاع طويل أخرق، كل هذه الاختيارات هي نزق أحمق، وابتزاز رخيص تمارسه الوالدة بدون وعي منها، وربما تريد إيلام والدك، أو أن ترد له الصاع صاعين، ولو كان هذا مفهوما، فإنه لا ينبغي أن يوقفك عن التواصل مع والدك فهذا حقك وحقه، وواجبك وواجبه، ولو مع استمرار الخلاف حول: كم وكيف ومتى وماذا؟!!
وبالمقابل فإن ضجر الوالد من تصرفات والدتك، أو من حرصك على كتمان تواصلك معه، وهو أمر مفهوم، ولكنه أيضا مرفوض، وعليك أن تستمري في تذكيره بلطف أن هذا يسبب مشكلات لا داعي لها، وأن نفقتك ـ قلت أو كثرت ـ هي مسألة خارج المساومة، وأنك لو لم يدفع لك مليما واحدا ستظلين حريصة على التواصل معه حبا وبرا، واحتياجا طبيعيا للوالد، ومكانته.. في القلب، ودوره.
لابد أن يصل لأبيك أنك حريصة على تواصلكما في كل الأحوال، وأنك في طلبك لنفقة أو شقة، إنما تبحثين عن بعض الأمان لحياتك أنت ومستقبلك، كما يفكر في مستقبل أخوك وأختك الصغار، لأن والدك يخشى أن يكتب لك أو يمنحك شيئا فيذهب إلى أمك!!
وفي كل الأحوال ـ أعطي والدك أو لم يعط ـ تبقين على صلتك به، وتقصيره المالي في نفقتك هو أمر تستقل المحكمة بالفصل به، وإن لم تنصفك محكمة الأرض، فإن محكمة الآخرة أشد وأعدل، لو كانوا يعلمون!!!
وفي مسألة إنصاف والدتك لا يسعك غير لفت الانتباه لهذا، وفي مناقشات عابرة يمكنك تذكير الوالد بما فعلته من أجلك وقت أن كان هو معسرا، وأنه سيسعدك أن يكافئها على صبرها وجهدها في تربيتك ورعايتك، وبخاصة أنه مقتدر حاليا، وكلما قويت محبتك في قلب الوالد سيكون أكثر استجابة لمطالبك هذه سواء الشخصية أو من أجل الوالدة، وطريق المحبة أنجح وأنجز من طريق المحكمة.
هل تعرفين كيف تكسبين قلب أبيك؟!
وهل تعرفين كيف تديرين أمورك مع أمك؟!
القانون المصري يحاسبك في سنك هذه كراشدة، مثلا يمكنك تزويج نفسك، والتصرف في شئونك كلها دون رقيب ولا معقب، فهل أنا محتاج يا جميلة أن أشرح لك كيف يمكنك الكذب على أمك أحيانا، أو مداراة تواصلك مع أبيك، وما يمكنك فعله لمراضاة وتطييب خاطرها بشكل مستمر، وتنمية المحبة بينكما؟!
أنا أبتسم الآن وأنا أتخيلك مثل كل فتاة طيبة، وقليلة الخبرة في الحياة ـ رغم ما مر بك من ظروف صعبة ـ ولا أدري كيف أختصر لك تجارب السنون، وحكمة الأيام في كلمات، وهو ما يواجهني كثيرا في إجاباتي على القراء!!!
تحببي إلى أمك، وأغدقي عليها مشاعر الود والحنان، والوفاء لصنيعها معك مما يعوضها، ويطيب خاطرها في وصول رسالة ضمنية لها مؤداها أنك لها ابنه محبة، وبارة، وأنك ستظلين كذلك، قطعة منها أفنت فيك زهرة شبابها، واستثمرت فيك أصل وجودها وطاقتها، وأنك معها، وتحت رعايتها وتصرفها إلا مساحة صغيرة، هي جزء منك شاركت هي فيه يوم أن اختارت رجلا ما ليكون بينهما ما أتى بك إلى الدنيا!!
علاقتك بأبيك هي شيء خارج التفاوض، وخارج العراك مع الوالدة، وهي مساحة محررة، وخاصة، وينبغي عليك النضال لتظل كذلك أبد الدهر، ومساحة احترامك لأمك، وحبتك، وإيثارك، ووفاءك لها هي مساحة خارج النقاش والنزاع والأخذ والرد مع أبيك، وأنت وحك حارسة هذه المساحات بهدوء، وثقة، وقوة ناعمة وحاسمة.
هكذا تنضجين يا آنستي، ويشتد عودك، وتنمو ذاتك وشخصيتك، ولا تصقلنا غير التجارب، ولا ننمو وننضج إلا في أفران الحياة.
وازني أمورك، وأنت قادرة على ذلك، مستعينة بمن لا يغفل ولا ينام، العادل الرحمن الرحيم، القاهر فوق عبادة، رب القلوب ومليكها، بين أصابعه يقلبها كيف يشاء، سبحانه وتعالى عما يصفون.
ابذلي الجهد، وأخلصي النية، وتوجهي إلى جنابه جل وعلا فهو يعطف عليك قلب أمك، ويحنن عليك قلب أبيك، ويمدك بالقوة التي تحتاجين.
ونحن حولك، ولا يتغنى الإنسان عن طلب العون والدعم من أصدقاء أو أقارب، أو حتى مستشارين، وقد فعلت، وأرجو أن تواصلي نسج شبكة علاقاتك بدأب وحسن تنظيم واختيار.
وطبيعي أنك تشعرين يتقلب في المزاج، وأعراض قلق واكتئاب، ومنها صعوبة الفهم والتركيز، ولا أحسب أنك وصلت في هذا لدرجة الاحتياج لتناول العقاقير المعالجة، ولا بأس من مناظرة حالتك للتأكد من هذا.
وعلى خلفية حكينا هذا أقول لك لا داعي أن تشعري بكل هذا الرعب، والقلق، وعدم التوفيق، وأن وضوح المسائل على نحو ما حاولت رسمه سيكون مدخلا هاما لاستقرارك النفسي، والمستقبل في علم الله سبحانه، وربما تعيشين حتى يتجاوز عمرك المائة عام، وتتذكرين يوما أنك صرخت واستمع أحدا لصرختك، تجاوب معها، وعندئذ، ومن الآن أرجو أن يكون لي نصيب في صالح دعائك، وتابعينا بأخبارك.