الإتيان في الدبر : بدلا من مجرد القرف م
الإتيان في الدبر: إعادة الاعتبار لفرويد
أفضل من كتب عن موضوع الإتيان من الدبر في الأدبيات النفسية هو العالم سيجموند فرويد. وبالنسبة له فإن هذه الممارسة ناجمة عن حالة تثبيت Fixation على المرحلة الفمية (Oral Stage (Oral Phase والتثبيت بالنسبة إلى فرويد إما أن يحصل بسبب حصول إشباع مفرط للطفل في أثناء المرحلة اللبيدوية التي يمر بها –وهي هنا المرحلة الفمية– أو أنها ناجمة وعلى النقيض من ذلك عن حالة عدم إشباع وحرمان في هذه المرحلة كما في حالة الفطام المبكر مثلا.
عليه يحصل التثبيت في كلا الحالتين. هذا الكلام يحصل في مرحلة الطفولة المبكرة. ولكن آثار هذا التثبيت تبقى مخزونة في اللاشعور. وبحسب طبيعة نمط التنشئة الاجتماعية التي يتلقاها الطفل لاحقا، ومواقف الحياة المختلفة التي يواجهها فمن الممكن في حال تعرض هذا الطفل لاحقا في مراحل الحياة المتقدمة إلى مواقف رضية Traumatic أن تحصل حالة نكوص نفسي Regression لهذا الإنسان إلى المرحلة التي حصل لديه فيها حالة التثبيت.
وفي حالتنا هذه يكون النكوص إلى المرحلة الفمية. وتشير المرحلة الفمية في مرحلة الطفولة إلى العلاقة بين فم الطفل باعتباره الواسطة التي يتلقى فيها الطفل غذاءه، وثدي الأم باعتباره الوسيلة التي يتلقى منها الطفل هذا الغذاء الذي يبقيه على قيد الحياة. ويمكن تمثيل المرحلة الفمية بهذا المخطط البسيط:
ثدي الأم ـــــــ فم الطفل
في حالة الإتيان من الدبر تتحول العلاقة الثنائية أعلاه إلى العلاقة التالية:
ثدي الأم يتحول بشكل رمزي لاشعوري إلى القضيب
وفم الطفل يتحول بشكل رمزي لاشعوري إلى الدبر
فيكون الوضع الجديد كالآتي:
القضيب ــــــــ الدبر
بهذا الشكل فإن الذي يرغب في أن يكون مفعولا به من دبره إنما هو يشبع رغبة لاشعورية قديمة لديه حيث يصبح القضيب هو بمثابة ثدي أمه ودبره بمثابة فمه.
مع ملاحظة مهمة فليس كل من لديه تثبيت يعني أنه بالضرورة سيكون في المستقبل من قوم لوط. لأن هذا يعتمد على بعض الشروط التي ذكرناها أعلاه والمتعلقة بالتنشئة الاجتماعية والحوادث الرضية التي يتعرض لها الإنسان في حياته.
ولكن فرويد لم يميز في تحليله هذا بين سيكلوجية الفاعل والمفعول به، على الرغم من أنه أشار إلى أن كل مفعول به لابد أن يتحول إلى فاعل والعكس صحيح أيضا.
ولكن المشكلة الحقيقية في التشريح الفرويدي لسيكلوجية الإتيان من الدبر هي في عدم التمييز بين سيكلوجية المرأة والرجل. فهل أن التشريح أعلاه ينطبق على الجنسين معا، أم هناك فروق بين الجنسين.
أما بالنسبة إلى رأيي الشخصي المتواضع والله العالم فإن العلاقة من خلال الدبر إنما تعبر عن حالة من العدوانية أو السادية من الفاعل وحالة من المازوشية من المفعول به. وعلى هذا الأساس ففيما يتعلق بالعلاقة بين الجنسين إذا كان هناك علاقة من هذا النوع بين رجل وامرأة وبغض النظر عن طبيعة العلاقة بينهما فإنما يعكس الإتيان من الدبر علاقة عاطفية غير سوية ومنافية للحب الحقيقي. وبالتالي فلا ينخدع أي أثنين يمارسان هكذا نوع من العلاقة، أي الإتيان من الدبر بأن هناك علاقة حب تجمعهما سوية والحق أن بينهما علاقة كره لاشعورية تبقى تتنامى تجاه بعضهما الآخر كلما استمرا في هذه الممارسة وتماديا بها. ما عدا الشاذين جنسيا لأن هؤلاء لا يوجد لديهم أي معنى لكلمة حب أو عاطفة سامية في قاموس حياتهم.
د. رفعت عبدالله
رئيس قسم التربية وعلم النفس
كلية التربية / جامعة البصرة
26/4/2010
رد المستشار
لا أدري لماذا أحال لي أخي وصديقي د. وائل أبو هندي رسالة أخينا د. رفعت وأقول ربما فعل لمعرفته بمدى حبي للعراق وأهله، واحتفائي بكل ما هو عراقي أصيل يؤكد ما أعتنقه من تجذر هذا البلد الجميل في الحضارة والتمدن، مع احتياجه وأهله، مثلنا جميعا، إلى علاج نفسي واجتماعي، فردي وجماعي طويل وعميق حتى يبرأ من أوجاعه، وعلله الظاهرة والباطنة، ويعود إلينا، ونعود إليه، نريد عراقنا، ونطمح ونحاول أن نكون معه وبه "يدا بيد".
أخونا د. رفعت يعرض علينا التفسير التحليلي للإتيان في الدبر نقلا عن نظرية "فرويد" في التطور النفسجني، وهي نظرية استدعت الكثير من المديح والنقد منذ أن صدرت عن فرويد في بدايات القرن العشرين، وحتى الآن!!
ويرى د. رفعت بعد استعراض الآراء الفرويدية أن الإتيان في الدبر يعبر عن حالة عدوانية سادية أصابت الفاعل مع حالة من المازوكية (وتسمى الماسوشية) أصابت المفعول به، ويرى أنها بالجملة علاقة كراهية غير شعورية تنمو وتتدعم بتكرار الممارسة، كما يرى أنه لا توجد علاقة حب عاطفية بين الشواذ جنسيا.
وعندي نقطتان بمناسبة كلام د. رفعت، الأولى تتعلق بمدرسة التحليل النفسي التي أستغرب تغيير أطروحاتها في العالم العربي، وفي مصر خاصة، رغم أن المصريين كانوا من أول من احتفى بهذه المدرسة، وعكف بعضهم على ترجمة كتابات "فرويد" بشكل مبكر فضلا عن أن يتتلمذ على يديه، وما زال د. مصطفى صفوان، وربما أيضا د. عبد السلام القفاش يعيشان، ولكن في أوروبا، ويبدو أن التضييق المبكر على مدرسة التحليل النفسي كان مدفوعا بأسباب سياسية، ثم لحقه تضييق لأسباب مهنية، وربما ثقافية!!
على كل حال، يأتي تعليق د. رفعت ليذكرنا بأطروحات هذه المدرسة التي كنا من رواد نقل أدبياتها، وممارسة أدواتها حتى انحسرت واندثرت، وربما يجدر بنا إنعاشها في مواجهة مدارس ووجهات نظر علمية، ومدارس أخرى صارت ترى الإنسان وتختصره إلى مكونه البيولوجي تفسيرا للعلل، وعلاجا لها!!
النقطة الثانية هي إمكانية متاحة حاليا في عصر الطب المبرهن أو المسند (كما يسميه أخواننا الشوام) Evidence Based Medicine ، وهذه الإمكانية تتمثل في إجراء أبحاث ميدانية تتبعية أو عادية لنفي أو إثبات الأطروحات الفرويدية فنبحث مثلا: هل من يشتهون الإتيان في الدبر حصل لديهم نوع من القصور التطوري، أو التثبيت الناتج بحيث لم يحدث لهم إشباع معتدل ومتوازن لرغباتهم الجنسية في المراحل المبكرة، وهكذا.
أحسب أن الوقت قد حان، والفرصة متاحة لاختبار مثل هذه الأطروحات مما يسهم في بلورتها أكثر، وربما تعديلها.
إلى ذلك ولست من تلاميذ هذه المدرسة، ولا تعمقت في دراسة أطروحاتها، وما نمر عليها في دراستنا للطب النفسي إلا بوصفها تاريخا لا علاقة له غالبا بتفسير العلل، ولا علاج الأعراض، وأحسب أن من يمارسون العلاج بالتحليل النفسي في مصر والعالم العربي هم نفر قليل، وهو صوت خافت وسط ضجيج صاخب يصدع الرؤوس وعائده قليل!!!
ويتبع:>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>> تغيير وجهة الذكر: الإتيان في الدبر مشاركات