الإجابة بالدليل العقلي
الأستاذ الدكتور وائل أبو هندي
تحية طيبة وبعد؛
أنا طالب بالدراسات العليا للبحوث الطبية. مجال بحثي الأساسي في الكيمياء الحيوية وكيمياء السرطان، ومن هذا المجال واستنادا إلى مجال دراستي وخبرتي العملية تنامي إلى ذهني سؤال مهم له علاقة بين الدين والعلم من مساحة للتلاقي أو التنافر وواقع في صلب العقيدة. فأرجو التوضيح والإجابة.
إذا كان الدين واقعا بين الأمر الإلهي والمشيئة الإلهية، الأمر الإلهي يمكن مخالفته، إنما المشيئة الإلهية لا يمكن مخالفتها لأنها واقعة في كل شيء. من ذلك ما فائدة الحساب على الذنوب إذا كانت واقعة في المشيئة؟
ومن مجال دراستي العلمية أعرف أنه من مقومات الإنسان الصفة الوراثية التي ليست محددة للصفات المادية والجسدية فقط وإنما للصفات المعنوية كالضمير وأسلوب التفكير والقابلية النفسية. كذلك أن الصفات الوراثية من ضمن المشيئة الإلهية، لا لأحد الدخل فيها. فما هي حدود إلزام المسؤولية في الوراثة؟
أليس بالدليل العقلي والمنطقي أنه لا طائل من الثواب والعقاب؟!!
ولا يوجد ما يبرر الشر سوى أنه مراد لنا أن نكون كذلك؟!!
أرجو بأن لا تكون الإجابة سوى أنه امتحان من الله وابتلاء ليفرز الطيب من الخبيث وما إلى ذلك من ديباجات وأجوبة جاهزة.
فأرجو الإجابة بالدليل العقلي.
أنا لم أجد إجابة في هذا لصعوبة السؤال، لهذا أتوجه به إليكم لثقتي في غزير علمكم، وشكرا.
عمرو جمال
16/5/2011
رد المستشار
أهلا بك يا عمرو وباستشاراتك على صفحتنا مجانين...
تسأل: ما فائدة الحساب على الذنوب إذا كانت واقعة في المشيئة؟ أو بعبارة أخرى: إذا كان كل شيء في الكون –بما فيه أفعال الإنسان- يجري بإرادة الله تعالى ومشيئته، فلماذا يؤاخذ المذنب والله مريد لذنوبه؟
إن الإشكال –يا عمرو- نابع من عدم وضوح معنى كون أعمال الإنسان تجري وفق مشيئة الله تعالى لديك...
لقد شاء الله تعالى أن يكون الإنسان مريدًا مختارًا، يختار أفعاله بملء إرادته، وألا يكون مجبرًا على إيمان ولا كفر...، وبهذه الإرادة ميّزه عن الحيوان، وشرفه على المخلوقات، وكلفه وحاسبه...، وكلنا يحس من نفسه هذه الإرادة، ويعلم أنه ليس آلة أو لعبة تحركها الأيدي كيف تشاء، بل هو يفكر ويقرر ويختار ما يريده وما لا يريده...
ولما شاء الله لك أن تكون مختارًا، كان اختيارك الطاعة واقعًا تحت مشيئته، ولولا أنه شاءك مختارًا لما استطعت اختيار الطاعة...، وكذلك كان اختيارك المعصية واقعًا تحت مشيئته، ولولا أنه شاءك مختارًا، لما استطعت اختيار المعصية...
فمعنى أن أفعالك تقع تحت مشيئته وإرادته: أنك لا تفعل شيئًا وإلا وقد أراد الله تعالى صدوره منك بما منحك من اختيار... وهذا لا يلغي إرادتك ومسؤوليتك عن أفعالك، فأنت الذي قمت بها دون أن يجبرك أحد عليها مستخدمًا ما منحك الله من اختيار... وهذا معنى قوله تعالى: ((وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ)) [الإنسان:30]، أي لا يمكنكم أن تكونوا متمتعين بإرادة تستطيعون من خلالها اختيار ما تشاءون من الأفعال، لو لم يشأ الله تعالى أن يغرس فيكم هذه الإرادة...، وليس معناها إلغاء اختيار الإنسان ومشيئته.
فالأب حينما يعطي ولده بعض المال ليختبر قدرته على البيع والشراء، ثم يرسله إلى البائع دون قيد ولا شرط، ويتركه لاختياره وقدرته على التصرف، لا بد أنه يكون قد شاء وأراد النتيجة التي يجيء بها سواء كان راضيًا عنها أم لا، لأنه لم يرسله إلا وهو يريد ويشاء إظهار نتيجة تصرف ولده الذي قام به بكامل حريته، وبعد أن تظهر نتيجة تصرف الولد إما أن تكون جيدة فيكافئه الأب، أو تكون غير ذلك فيعامله بما يلزمه... فالله إذن مريد لطاعة الطائع ولمعصية العاصي، لكنه يرضى الطاعة ولا يرضى المعصية...، فالرضا مختلف عن الإرادة، قال تعالى: ((إِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنْكُمْ وَلَا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ وَإِنْ تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ)) [الزمر:7].
فالله تعالى يريد كفر الكافر بالمعنى الذي تم شرحه، أ ي لأنه أراد منحه حرية الاختيار، لكنه لا يرضى عن فعله، وسوف يحاسبه على كفره هذا ومخالفة أمره، وليس معنى أنه مريد للمعصية أنه راضٍ عنها، وأظن هذا قد وضح من مثال الأب وولده، فالأب مريد لإظهار تصرف ولده، لكنه لن يرضى عنه في حال أساء التصرف وسيحاسبه عليه.
أما سؤالك الثاني عن حدود إلزام المسؤولية في الوراثة:
أخي الكريم: التكليف والمسؤولية مرتبطان بالقدرة، فكل ما كان تحت وسعك فأنت مسئول عنه ومحاسب عليه، وكل ما خرج عن قدرتك ووسعك فلا حساب عليه، فلا يؤاخذ الإنسان على شكل جسمه، ولا على صورة وجهه الذي خلق عليها...، ولا يؤاخذ إن كان انفعاليًا أو عاطفيًا بالوراثة، ولكن يؤاخذ إن استرسل مع انفعاله أو عاطفته، فتصرف بسببه تصرفات محرمة، لأن منع الانفعال من أصله خارج عن الوسع، أما ضبط الجوارح عن ارتكاب المعاصي نتيجة هذا الانفعال داخل في وسع الإنسان السليم العاقل، ومهما كان أسلوب التفكير لا تحاسب عليه، إنما تحاسب على الأفكار الاختيارية التي تحضرها في ذهنك...، وهكذا...
أرجو أن أكون قد أجبت على سؤالك بهذا، وأهلًا بك دائمًا وباستفساراتك على مجانين...
واقرأ أيضًا:
بالسيلوجيزم إثبات وجود الله يقينا
الدمية الشقية متابعة1
التعليق: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته: أجمل تحية أرفعها لك يا أستاذتنا رفيف الصباغ لأنك تذكرينني بالقول أن وجود عالم أفضل من ألف عابد أو ما شابه ففعلا في هذه الايام العلم بات ضرورة لا غنى عنها لرد الشبهات
أتعلم في جامعة ببلاد الإسراء والمعراج وأود أن أذكرك بأني صاحب استشارة على مفترق طرق والتي نصحتني بها بالتعلم من العلماء الربانيين، وفي الفترة الأخيرة فتح لي بعض زملائي ما يبطنون من معتقدات فمنهم من لا يؤمن بمعجزات الأنبياء ويقول أنها خرافات لا يصدقها العقل ومنهم من لا يؤمن بكل القرآن أو أنه منزل من الله أو يشكك في تحريم الخمر ويقول أنه ممنوع لبعض الناس وليس كلهم أو يجب وضع حد معين يكون بعده حراما...طبعا لم أقف مكتوف الأيدي أمام هذه الافتراءات ولكني أدركت الحاجة الماسة للتعلم من العلماء الربانيين فهل تقدرين يا أستاذتي أن تعطيني بعض الإرشادات والتوجيه في مجال العقيدة للعلماء الربانيين مع ما يناسب وقتي كطالب جامعي
سئمت من تشكك بعض شباب المسلمين بدينهم وخصوصا أنهم يعيشون في أقدس البقاع وربما هذا جاء من اختلاطهم مع "أولاد عمهم"ولا حول ولا قوة الا بالله، ولك مني جزيل الشكر وبارك الله فيك