ستار أكاديمي
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته؛ الإخوة القائمين على هذا الموقع المتميز أشكركم جدا عليه وأتمنى بصدق من كل قلبي وأدعو الله عز وجل أن يزيدكم علما وحكمة وثباتا ويرزقكم الجنة ان شاء الله.
المشكلة هي إدمان إخوتي على البرامج الواقعية أو البرامج التي تقوم بعرض حياة الأشخاص الآخرين على مدار الساعة على التلفاز التي انتشرت مؤخرا على الفضائيات العربية.
فمن الصباح حتى المساء تجد الوجوه محدقة بالشاشة بشكل مذهل وكان سحرا ما ينبعث من الشاشة ليبقى هذه الوجوه ملتصقة فيه لو تكلمت لأعظهم لا فائدة وكأني أتكلم مع ناس بلا أحاسيس أو حتى إني اشك أصلا أنهم يفهمون ماذا أقول.
أحيانا أجد أخواتي يحدقن بلا شي في برنامج معين (ستار أكاديمي) مثلا فقط يحدقن بمنظر حديقة الأكاديمية الخالية من أي شي! وعندما أسالهن ماذا تستفدن تجيبني أختي الصغيرة لا شي تسلية فقط.
أصبحت ألاحظ أن أخواتي بدان يتأثرن ببطلات هذه البرامج فأصبحت أختي تقلد المشية وتسريحة الشعر حتى أنني بدأت اشعر برغبتها بتقليد شرب الدخان كما تفعل إحدى الفتيات بالبرنامج.
عندما تتجمع أخواتي ببنات عمي ألاحظ من الأحاديث التي تدور بينهن كلها حول ذلك الشاب وماذا فعل وكيف أحب تلك الفتاة في البرنامج وأصبح الأمر يتعدى إغلاق الغرفة عليهن وتقليد كيفية الغناء التي يقومون بها بشكل مضحك بصراحة وتقليد رقصهم.
أختي الصغرى بدأت تتذمر من الحياة التي نعيشها ولماذا لأتكون مثلهم وترى بان الحرية بان نختلط بالشباب ونتفتح على العالم اللي حولنا أخبرتها أن الحرية الفتاة ليست بمعانقتها لذلك الشاب أو تقبيله كما تفعل تلك الفتيات على شاشات التلفزيون وليست بطريقة لبسها أو تسريحة شعرها بل بأخلاقها وأخبرتها أن ما تراه هو تمثيل لا أكثر وان الذين تراهم لا يمثلون العالم الواقع.
حسنا بما أنني الفتاة الكبرى حاولت أن انصح أخواتي بكل أسلوب بالكلمة الطيبة حينا لأني لا أريد أن اخسرهن وأريد أن يكن أكثر إدراكا للعالم الذي من حولهم وأريد أن أكون لهن صديقة لم ينفع هذا الأسلوب بشكل كبير.
لجأت إلى والدي ورأيت بان يتدخل فمنعهم من مشاهدة هذا البرنامج وغيره ولكن النتيجة كانت تسلل أخواتي 3 وأخي إلى بيت عمي كل يوم لحضور ما يحصل من يوميات لهؤلاء الطلاب في التلفاز فرأيت أن يبقوا بالبيت أفضل ويشاهدون البرنامج من البيت وأحيانا يذهب أخي إلى أصدقاءه لمتابعة البرنامج عندهم.
بدأت المشاكل تتسلل إلى بيتنا فكل يوم مشكلة مع أخواتي وإخوتي من هذا البرنامج ولكنها لم تتعدى مسالة النقاش إلى أن جاء يوم كنت مارة على غرفة التلفاز حتى وجدت مشهد مخزي على الشاشة فتاة تجلس في حضن شاب وهو يقبلها حزنا لأنها ستفارقهم من الأكاديمية طلبت منهم أن يغيروا المحطة ولكن لم يستجيبوا حتى بدأت المعركة أغلقت التلفاز ولكن أخي غضب جدا وبدأت الكلمات تنهار من فمه متهما إياي بالمريضة والمعتوهة الخ من قاموس الشتائم التي تدور عادة مابين الأخ وأخته.
وبما أني عصبية جدا قررت الانسحاب حتى لا اسمح للشيطان بالتدخل أكثر والحق يقال أني بكيت قهرا لأني لم استطع أن افهم أخي بان هذا الأمر يدمره وان متابعة هذه البرامج يجعله شخص وشاب تافه أعدت العلاقة مع أخي حتى لا اخسره بسبب برنامج وبدأت مرة أخرى بالنصح وتوعيتهم بان هذا لا يجوز فكان إن استجابوا قليلا واقتصرت مشاهدة البرنامج ساعتين وأحيانا أجد أختي الصغرى تستغل فترة نومي لتفتح التلفاز على البرنامج لتشاهد هؤلاء الأشخاص.
قررت أن انصح فقط ولن أتدخل أكثر وأخبرتهم إن بامكانهم عمل ما يشاءون وأنا مدركة بان لكل شخص في هذه الحياة عقل يفكر فيه ويختار الطريق الصواب من والخطأ وان مهمتي هي إقامة الحجة عليهم وهم أحرار ولكن اشعر بالألم الداخلي لأني إخوتي يمشون كالمسحورين لمتابعة هكذا تفاهات ومشاهدة أمور تحدث في هذه البرامج لا يحق أن تدخل على بيوت محافظة عربية مسلمة.
لم اترك فرصة وحاولت التحدث والنصح مجددا بدون مبالغة حتى لا يمل من كلامي من قبلهم، لا ادري ماذا افعل ربما تفيدونني بشيء ربما نصائح أو أي شيء.
على فكرة ربما تتساءلون أين الأب والأم هنا فالإجابة هي كالتالي: أبي رجل طيب يعمل ويكد ويأتي متأخرا البيت وأنا لا أريد أن أوجع رأسه بأمور كهذه بالإضافة إلى انه حسب خبرتي فيه سيتعامل مع الأمر بشكل متسلط ولا أريد أن تشتعل النيران في الأسرة بسبب برنامج ولا أريد أن يكره إخوتي الدين على اعتبار انه شيء يحرمهم من شيء يحبونه على اعتبار أن أبي سيمنعهم من مشاهدة البرنامج على اعتبار انه حرام.
أمي سيدة بسيطة جدا وطيبة جدا جدا كل اهتمامها هو الطبخ والتنظيف ولا يهمها كثيرا الأمر فكما ترون إن الأمر كله علي باعتباري البنت الكبرى في الأسرة وأنا أحاول أن أوصل لإخوتي الجانب الجيد في الإسلام بدون تعصب أو عصبية زائدة أو تكفير، قد تقولون لي أن إخوتي يعانون من الفراغ وأنا معكم بهذا الأمر والسبب يعود بأننا هنا نعيش يسجن كبير حركتنا بالمجتمع مشلولة تماما في ظل الحصار لا نوادي ولا مكتبات عامة ولا شي وخصوصا على الفتيات صعب جدا الخروج إلا للدراسة.
لا ادري قد خرجت الكلمات هنا بدون تنسيق ولكن أتمنى أن تساعدوني بأي شي ربما بالنصيحة أو بالكلمة أو كيف أتصرف مع أخواتي وإخوتي الأصغر مني وكيف أتغلب على إدمانهم على هذه البرامج لا أريدهم أن يكون تافهين لآني أدرك أن أمامهم حياة مليئة بالألم والتعب ولابد أن يكونوا مستعدين لها ولمشاكلها.
وشاكرة لكم مقدما
تحياتي
12/2/2004
رد المستشار
الابنة الكريمة: سيظل لك فضل السبق -فيما أعلم- لأنك أول من يثير هذه القضية الخطيرة سواء على موقعنا مجانين أو على غيره، فلم أقرأ لأحد من قبلك حديثا تطرق إليها، والأمر له عدة وجوه ومستويات ينبغي التأمل فيها والنقاش حولها لأنني أعتقد أننا في مرحلة حاسمة من تاريخنا.. بحيث نكون أو لا نكون، والانتباه لما نحن فيه قليل، والحلول المطروحة ضعيفة، وليست على مستوى التحديات.
كلمة "الفراغ" لا تكفي للتعبير عمتا نعيشه يا بنتي، وربما تكون كلمة "الخواء" أكثر تعبيرا، فحياتنا تبدو في أغلبها بلا خطة ولا هدف ولا طعم ولا لون ولا رائحة، ولا تتوقعي فارقا كبيرا "في هذه الناحية" بينكم في فلسطين، وبين بقية الشباب في العالم العربي: نفس "الخواء" "واللامعنى" "واللاجدوى" في مناخ من تعليم غير جاذب، ومجتمع متوتر بلا مرجعية واضحة، ولا معالم محددة، وغياب للحرية بمعناها الأشمل، وانقطاع بين الأجيال، ومؤثرات ضاغطة عبر وسائل الاتصالات، وهكذا، وفي حالتكم يزيد هذا الحصار الخانق الذي يحتاج الإنسان في ظله إلى دعم نفسي -إن لم يكن محتاجا إلى علاج- كما يحتاج إلى ترفيه أو ترويح أو تسلية كما تقول قريبتك.
الفلسطيني يفقد تدريجيا قدرته على الترويح بسبب الظروف التي يعيشها، كما أنه يكاد يفقد أشكال الترفيه التقليدية الاجتماعية حين كان الأقارب والجيران يجتمعون للغناء أو الاحتفال بمناسبة دينية أو اجتماعية، وتلك الطقوس والعادات تتآكل في عالمنا العربي كله... وينشأ عن هذا أن يكون الناس -والشباب خاصة- في وضعية الغنيمة الجاهزة، والفريسة الباردة لأشكال الترويح الاليكتروني من إنترنت وفضائيات، وما أسهل أن يجد الشاب أو الفتاة متنفسا لهما في الخروج من الحالة النفسية القاتمة إلى حالة أخرى من الترفيه "المتاح"، ولو كان على البرامج الواقعية التي تعرض خطا سهلا ولامعا للحياة الرغدة السعيدة، والفرصة التي يمكن أن تنقل أحدهم أو إحداهم إلى مصاف النجوم، والموجة عالية، والتحدي خطير.
ولا أريد أن أضاعف من ضيقك لاستعراض أساليبنا البدائية، وأفكارنا البائسة في مواجهة هذا الوضع، فالبعض يصرخ "لا للغرب"، وكأن صرخته ستوقف ما يحدث، وآخرون يقاطعون هذه البرامج ويدعون لمقاطعتها، وكأن المقاطعة قد صارت سلاحا يمكن استخدامه في كل المعارك، وفي أحسن الأحوال فإن البعض يحاول مثلك أن ينصح ويخاطب العقل أو الضمير، وكلاهما غائب أو مغيب.
وأكرر أن هذه المشكلة موجودة في عالمنا العربي كله، ولكنها أخطر في فلسطين بسبب ظروف أهلنا هناك، وليس لدي مبدئيا سوى بعض المقترحات، ويمكن للإجهاد والإبداع أن يضيف أكثر وأكثر من طرفكم.
- يلزم عودة أشكال ممكنة ومعقولة من الترويح الاجتماعي مثل تبادل الزيارات المنزلية، وإقامة الحفلات التي يجتمع فيها الناس على فقرات مثل إنشاء المدائح النبوية أو السير الشعبية أو حتى الحكايات عن قصص الشهداء وغيرهم، وإبداع أشكال أخرى للتواصل والترفيه الاجتماعي هامة للغاية.
وعندما قامت إحدى الفرق بإقامة حفل في وسط الناس لما أسموه المقاومة بالفن والغناء، والهدف هو الترويح طبعا، صرخت أصوات المتحمسين الغافلين عن مجمل الصورة: ما هذا العبث؟! هل هذه مقاومة؟! وهل هذا جهاد؟! إحنا في إيه ولا في إيه؟!
هل هذه مقاومة؟! هل هذا جهاد؟!! فهل لدى الآباء والأمهات الطيبون والطيبات، والشباب والشابات الوعي ليفهموا أن الترويح الاجتماعي هام جدا لاستمرار القدرة على المقاومة، ولمواجهة أشكال الترويح بالفضائيات والبرامج المشبوهة؟!!!!
- يلزم كسر الحصار المحيط بكم على مستويات التواصل بيننا وبينكم، لابد من برنامج للتعارف والتآخي والمساندة المعنوية، ولقد دعوت أنا لأشكال وبرامج متعددة للاتصال بين الناس داخل فلسطين وخارجها بشكل يومي ومستمر، ووضعنا خطة متكاملة لهذا أسميناها "يد بيد" ثم تضخمت الفكرة وتنوعت وتشعبت السبل، وكنت أنا من البداية ضد زيادة حجم البرامج لأنها ستحتاج إلى جهد وتمويل أكبر من المتاح، وسبب هذا توقف كل شيء، وخاصة بعد 11سبتمبر، وما تلاه من صعوبة تمويل البرامج لدعم فلسطين، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
- ولكن لا بأس من استعادة بعض فقرات وأفكار هذه الخطة، ومنها أن نتواصل عبر الهاتف والانترنت، ودعينا نفكر كيف يمكن أن يتم هذا عبر برنامج بسيط يتيح بيانات أهلنا في فلسطين للاتصال بهم من طرف من يريد.
- يلزم البدء في برنامج عمل مدني اجتماعي يعطي للشباب فرصة لخدمة الناس، وتخرجهم أيضا من حالة الإحباط والعطلة التي يعيشونها، والعمل مع الأطفال أو تبادل الخبرات أو بعض الدرجات الرياضية أو في الكمبيوتر، أو بعض عروض السينما الهادفة أو المسرح أو التعبير بالغناء باستعادة التراث الوطني الفلسطيني العريق في أغانيه عن الوطن، وعن الأرض، وعن الحياة كلها.
- هذه كلها أفكار مطروحة ومطلوبة بإلحاح، والعمل فيها واجب على كل منا لكسر حصار الصهاينة، وحصار الفضائيات والفضائحيات، ولا يظن أحد أننا يمكن أن نحارب الترفيه التافه إلا بترفيه غيره له أشكال وأهداف أكثر إنسانية وإشباعا للنفس السوية حيث يستيقظ العقل ويستمتع الوجدان، ولا مواجهة للتفاهة إلا بالقراءة والعمل معا، ولا مواجهة للفن الهابط إلا بأنواع الفنون الراقية وهي كثيرة.
- إن من متطلبات الإيمان والمقاومة أن نستعيد سيرة الصحابة الأوائل، وكانوا ورسول الله معهم يجاهدون ويرفهون، ويأكلون وينامون كما يتعبدون ويقاتلون، واختزال الإسلام إلى بعض مظاهره فقط هو تحريف للكلم عن مواضعه، وهذا ما نحن فيه للأسف، وهذا بعض ما يجعلنا فريسة سهلة لكل من يريد صيدنا في هذه المياه العكرة من حياة أمتنا.
هل نحن على استعداد للتفكير بهذه الشمولية والعمق؛؟!!! أم أن الحماسة غير المتبصرة والغضب الذي يستبد بمشاعرنا، والإحباط والاكتئاب، ونزيف الدم البريء المتدفق سيشلون عقولنا من النظر في أحوالنا.
ويضيف الدكتور وائل أبو هندي لا أجد ما أضيفة علي كلام أخي الدكتور أحمدعبد الله سوى أن أقول: لا مكنهم الله من شل عقولنا أبدًا، ثم دعوتكم لمحاولة الوصول إلى حلقتي برنامج "بلا حدود" (برنامج أحمد منصور) واللتين عرضتا على شاشة الجزيرة الحبيبة تحت عنوان استنساخ البرامج الغربية وفرضها على العرب ح1 وكذلك الجزء الثاني (الحلقة الثانية) من نفس البرنامج الرائع والذي يقدم وجهة نظرِ مختلفة.
كما ندعوكم إلى انتظار ما سنقدمه من خلال موقعنا عبر مشروع مجانين: يد بيد..فلسطين وما يستَجَـد حيث نحاول أن نساهم في مد الجسور بين إخواننا تحت الحصار في فلسطين.