بين شبح الماضي وقيود الحاضر
التنطع والوسواس والجنس الآخر!
الانتحار طريق الخلاص..
السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته؛
أشكركم جزيل الشكر على تجاوبكم معي رغم أن ردكم جاء متأخرا, جاء بعد المباراة التي كانت تشكل كل شيء بالنسبة لحياتي ولا أخفيكم فقد مزق الوسواس اللعين تركيزي بمخالبه التي لا ترحم, وفي اليوم الأول سيطرت علي فكرة أن عائلتي ستنهب كل أموالي, وقام دماغي "المجنون" بالإجابة على الأسئلة بأقل مجهود... لما اجتزت المباراة... حلم جميل أخذ يشب في مهجتي, سأدخل مدرسة المهندسين وسأنسى كل معاناتي..
أخيرا سأعانق السعادة التي حرمت منها منذ نعومة أظافري ولكن هيهات جاء الخبر كالصاعقة وعدت أجر أذيال الخيبة كالعادة, وعدت إلى حياتي الروتينية المريرة كيف لفتاة تبذل كل مجهودها, كانت في الماضي أسوة للطالبة المتفوقة والمتميزة، أن تتجرع الألم والفشل بعد كل مباراة, وهي تجيب على الأسئلة بأقل تركيز لتتحاشى الظروف المترتبة عن نجاحها, ألا يجب عليها أن تفكر في الانتحار, ثمرة مجهود سهر ليال في ظروف مادية ومعنوية صعبة, تتوج بفشل مرير بسبب فكرة؟ جربت أن أحب نفسي ولكنني فشلت في ذلك, بسبب نموذج الكمال الذي أتصوره لنفسي, أتخيل نفسي ملاكا, لا أميل إلى صبي, ولا أحب سوى الله ولا أرتكب أدنى معصية, ونتيجة لبعدي عن هذا النموذج, تهتز ثقتي بنفسي.
لماذا يثق الآخرون في أنفسهم ويرتقون سلم النجاح بكل ثبات, لأنهم يتقبلون أنفسهم كبشر وأنا أعجز عن ذلك, بسبب كثرة المجلات التي كنت أقرؤها في صغري, مجلات تصور الفتاة تلبس ملابس واسعة ولا تكلم الرجال, لا تستمع إلى الأغاني ولا تعيش إلا لعبادة الله, نصحتموني بالصحبة الصالحة, لا توجد سوى فتيات ملتزمات يزدن وساوسي بقولهن صوت المرأة عورة, لا تحدثي الغرباء لأن ذلك حرام.
أشعر بالذنب بمجرد جلوسي معهن، ونتيجة لتبديلي السراويل بالعباءات شعرت بالضيق, أصبحت أمشي في الشارع ويكاد يغمى علي من كثرة ضغطي على نفسي, فعدت من جديد إلى الملابس الضيقة ومشاهدة الأفلام وسماع الأغاني, بداخلي مراهقة متمردة, مراهقة لم ترى النور والاستشارة السابقة توضح لكم الجو الذي كنت أعيش فيه, أريد أن أستنشق عطر الحرية ولكن كيف لهذا الضمير أن يتركني أستشعر طعما للحياة..
أريد أن أركض جانب البحر وأشعة الشمس تداعب شعري وفستاني القصير يتوهج لرؤية الضوء, أشعر بالحزن الشديد, روحي جوفاء مظلمة, مهجتي تذوب, أشعر بعدم الأمن, أكره ما زرعته في أمي من خوف تجاه عائلتها, الذين استغلوها طوال الوقت, أكره جدتي المتسلطة التي لا تنفك تقول, "خيري هو الذي جعلكم أحياء إلى هذا الوقت" أنتم ناكروا جميل لدرجة أن تفكيري في المباراة كان منشغلا، في المستقبل كيف سيكون رد فعلها حين سأكون مهندسة ستتهمني بالتقصير بلا شك خصوصا أنني أعرف أنها لم تقف بجانبنا لحظات كثيرة, أريد أن أصرخ في وجهها "لم تفعلي شيء يذكر" حتى يرتاح ضميري, بل هي كانت تقف إلى جانب خالي بكل ما تملك من مال وحين أطلب مساعدة لا ترسل شيء وتكتفي بالتعليق.
أرجوكم ماذا سأفعل, أفكر في الانتحار كثيرا, لدي فرصة أخيرة في المباراة ولكن كيف سأنجح, بالإجابة عن الأسئلة بأسوأ طريقة وهناك المئات ممن ينافسونني يطلقون العنان لأفكارهم حتى يجيبوا بشكل مثالي, لماذا موعد المباراة هو موعد تسلط فكرة تنبني على إمكانية استغلال الآخر لي أو على مبدأ لومي على خطأ ارتكبته سابقا, هناك زملاء أعرفهم يرتكبون أخطاء تصل إلى علاقات جسدية ولكن وقت المباراة هو وقت التركيز, يستطيعون نسيان كل شيء والمضي إلى الأمام, لماذا أريد أن أكون ملاكا وأتفهم مع ذلك أخطاء غيري لأنهم بشر, أما أنا فقسوتي على نفسي تخطت كل الحدود, زرت طبيبا نفسيا ووصف لي زبام مع ليديوميل, لا أملك حتى ثمن الدواء أرجوكم ساعدوني!!! أريد الانتحار غير أنني أخاف جهنم, رغم أن نفسي تحدثني أن الرحمة الإلهية لن تلقي بيتيمة عاشت حياة بائسة في غياهب النار.
"أرجو الرد في أقرب وقت ممكن مع عدم ذكر اسمي والاكتفاء بإدراج اللقب ولكم مني أزكى التحيات"
114/07/2011
رد المستشار
الأخت الفاضلة؛
كل عام وأنت بخير، تقبل الله منك شهر رمضان وجعله رحمة ومغفرة وتغييراً إلى الأفضل إن شاء الله تعالى.
أركز ردي عليك في عدة نقاط هامة:
- من الجميل أن تزوري الطبيب النفساني، هي بداية هامة وجوهرية ولتعلمي أن اضطراب الوسواس القهري يحتاج إلى العلاج الدوائي، والعلاج النفسي (جلسات نفسية). ولو كنت من مصر لرحبنا بك لعلاجك طبنفسياً. ونسأل الله أن ييسر لك أمرك. ولكني أرجو أن يشاركك أحد من الأهل قصة ذهابك للطبيب النفساني وتبني هذا الأمر مادياً حتى يرفع عنك حرج كلفة العلاج نفسه.
- ليقر في يقينك و"معلومك" أنك لست مسئولة عن وساوسك، وأنها ناشئة عن المرض ولست أنت السبب فيها، وبالتالي فليس عليك فيها إثم، وإنما هي ابتلاء لك أجر الصبر عليه ومدافعته.
- الشعور بالذنب وتأنيب الضمير جزء من أعراض الاضطراب، وإحساسك بأن تأنيب الضمير يعوقك عن استنشاق عبير الحرية هو إحساس حقيقي لكنه ناتج عن المرض وليس ناتج من صميم مشاعرك، ولعلك لو قلت أن الاضطراب النفسي يعوقني عن بعض جوانب الحياة ستكون عبارة أكثر علمية، ولعل الحرية بمفوهم أشمل تعم حياتكم جميعاً عما قريب وتنتقل عدوى الحرية لمغربكم الحبيب قريباً إن شاء الله تعالى قادمة من تونس ومصر، ونسأل الله أن يرزقكم تنسمها دون كلفة ومشقة.
- الفكرة الوسواسية هي سيدة نفسها، تأتي وقتما تشاء، وتلح وقتما تريد، وتطلب في أي وقت مطالب يبدوا منها أنها نهاية المطاف وقرب الراحة ولكن هيهات، فإنها تعاود الظهور بكامل حريتها في أي وقت وتتلبس في أفكار متجددة. تكادين تشعرين بأنها لن تنتهي أبدا، ولا يكون التحكم فيها إلا من خلال العلاج النفسي، ومن خلال مواجهتها وتجنب تطبيق ما تأمرك به، ويكون هذا الأمر من خلال المعالج النفسي. فلا تنشغلي بالأفكار نفسها بل في مواجهتها، أو تجاهلها تماماً.
- كانت عبارتك التي وصفت حالك بأنك تتوقين إلى نموذج الكمال الذي تتصورينه لنفسك هي عبارة دقيقة وعلمية جداً، فكما أن تأنيب الضمير ملازم للوسواسي فإن الكمالية أيضاً تلازم الوسواسي في غالب الوقت، فتصورك المثالي الملائكي هو تصور مرضي ناتج عن اضطرابك فلا تلتفتي إليه، أو تقفي عنده. فمجرد الوقوف عنده هو زيادة للأعراض وتدعيمٌ للمرض فعليك بالمقاومة، والتجاهل.
- أما الانتحار الذي تفكرين فيه ويمنعك عنه الخوف من عقاب الله فأظنه هو الآخر فكرة وسواسية دعمها من تمرين به من مشكلات اجتماعية ودراسية ومرضية، وعدم تفهم الآخرين لألمك ومشاعرك وتحكم الوسواس بك. فستزول هذه الفكرة إن شاء الله مع التقدم في العلاج الذي أدعو الله أن يوفقك إلى تدبر مصاريفه أو أن تجدي مسرعاً من يكفلك خلاله من أقاربك.
وأخيراً أرجو أن تقرئي هنا عن الاضطرابات النفسية وعلاجها، وعن الأعراض الوسواسية، وعن القلق والاكتئاب، وستجدين عشرات الوسائل المعينة لك، ولعل القراءة في حد ذاتها تزيدك في التعرف على طبيعة الاضطرابات النفسية وعلى آخرين عانوا وصبروا وجاهدوا، ثم منّ الله عليهم بالأجر والشفاء.
ويتبع ..........: بين شبح الماضي وقيود الحاضر م1....
التعليق: هل أستطيع أن أتواصل معها من فضلكم ؟