السلام عليكم ورحمة الله وبركاته؛
والله لم أكتب إليكم إلا بعد أن تأكدت عمليا أن المشاكل النفسية في المجتمع صاحبة الجزء الأعظم من ما يحدث لنا من ضعف ووهن حينما نغطى عليها بغطاء (المرور عليها مرور الكرام) وتأجيلها وعدم احتسابها مشكلة أصلا وشيء إن تغاضينا عنه فلن يعود مرة أخرى، ولكنها تعود للأسف وبأعنف من قبل وفى منزل غير منزلها الذي نزلت فيه أول الأمر.....
أساتذتي ومحل احترام وتقدير الناس كلهم إن عرفوا غايتكم...
ووالله إني لأحبكم في الله وكم تحزن نفسي حين أرى غيري يغار على أمته أما أنا فيكفيني النواح على حالنا... لقد تركتم في نفسي الأمل القريب وأحييتم نفسي بعد موات.... وجزاكم الله خيرا على كل حال.. أما بعد...
فأنا تتلخص المشكلة كلها عندي أنا أحب التملك بطريقة جنونية أي تملك قلوب الناس نحوى أو عقولهم أو نظراتهم المهم أن يتجهوا لي لا لغيري (فمثلا أنا إن قابلت شخصا من الأشخاص أستميت في جعله (تابعا لي) ولا أعرف تعبيرا آخر... بنظراته أم بقلبه أم بعقله... وإن رأيته زاهدا في أقتل نفسي في سبيل استمالته وإن استملته, أبدأ الإعجاب بنفسي أنى (شيء) وأتجه إلى غيره، وأجد هذا في معاملتي مع أمي مثلا فإذا خاصمتني يوما (لتربيتي خلقيا) سلكت كل السبل لإرضائها حتى ترضى.. فأعود لما كنت عليه حتى اعتقدت نفسي منافقا يوما من الأيام ولكني اكتشفت أن هذا الأمر مع كل الناس.........
وأنا لا أعتقد أن هذا الأمر مشكلة الآن ولكني أخشى على نفسي في المستقبل أن يكون لهذا الأمر تأثيره الأكبر بحكم مواقعي في المستقبل... ولكوني أحب الله وأحب أن أدعو إلى سبيله..... وأريد أن أسلك طريقه بدون أن يكون لي مشاكل نفسية مطلقا. ولأني أعتقد أن المشكلة الرئيسية عند أصدقائي على الطريق هي مشاكل نفسية و (مرورهم عليها مرور الكرام)
فأرجوكم ساعدوا... محبا لله ولدعوته...
وجزاكم الله الفردوس والخير الكثير إن شاء الله...
04/03/2004
رد المستشار
عزيزي، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته؛
أنت تريد دائما أن تكون في بؤرة اهتمام الآخرين ومحل إعجابهم (أي تتملك عقولهم وقلوبهم) ولا تستريح إلا إذا حققت هذا الهدف الحيوي جدا بالنسبة لك وحين يتحقق ذلك الهدف تشعر بالإعجاب بنفسك وتترك الشخص الذي حزت اهتمامه وملكت قلبه أو عقله (أو هكذا يخيل إليك) وتتجه إلى غيره.
وهذه الطريقة كما قلت اتبعتها مع والدتك كثيرا قبل ذلك، وهى من موروثات مرحلة الطفولة حين يحاول أي طفل أن يجذب انتباه الأم ناحيته طول الوقت لو استطاع، ومع النضج في الشخصية نتوقع أن تخف هذه الصفة ويصبح الشخص أكثر قدرة على التقدير الذاتي لنفسه دون الحاجة لاهتمام الأم أو من يمثلها في أهميتها.
أرجوك لا تنزعج حين أقول لك أن هذه إحدى السمات الهستيرية في الشخصية وهى سمة تجعل صاحبها يميل للسلوك الاستعراضي والمبالغة لجذب انتباه الآخرين أو إبهارهم بمظهره أو بكلامه، وصاحب هذه الشخصية يميل لأن يكون سطحيا فالمهم لديه الأشكال البراقة والأفعال المبهرة بصرف النظر عن عمقها أو أصالتها أو نفعها.
ومادام الأمر سطحيا ومرتبط بإثارة انتباه الآخرين لذلك نجد أن هذه الشخصية تكون متقلبة لأنها تتغير بتغير الظروف والمتطلبات الخارجية (المتقلبة بالضرورة) وهى لا تملك خطة عمل حقيقية ذاتية طويلة المدى تأخذ دوافعها من نسق عميق فى الشخصية، ولذلك نقول بأن هذه الشخصية ذات وجهة ضبط خارجى فهى تعتقد أن الناس والظروف والحظ وراء مايحدث للشخص وأنه لايملك السيطرة على هذه الأشياء الخارجة عن إرادته ولكنه يحاول أن يكتسب إعجاب الناس لأن هذه هى وسيلته للبقاء.
وصاحب الشخصية الهستيرية لديه شعور دفين بالدونية وضعف الثقة بالنفس، لذلك يحاول أن يتجمل كثيرا فنجده يهتم بمظهره أمام الناس (لكي يخفى هشاشته الداخلية بعيدا عن عيونهم وعن عينه) ويهتم جدا برأيهم فيه ولو على حساب أي شيء فالمهم هنا المظهر لا الجوهر، وبما أن الشخصية الهستيرية هشة من الداخل لذلك تحتاج من كل من يقابلها شهادة بالصلاحية أو بالتميز لكي تستريح، وهذا لا يحدث أبدا لأن صاحب هذه الشخصية معلق فى رقاب الناس، وبما أن الناس متقلبون ومختلفون ورضاهم غاية لا تدرك لذلك يعانى صاحب هذه الشخصية من تقلبات انفعالية كثيرة، ولا يتحمل الضغوط والمسئوليات.
وإذا كنت قد انزعجت رغما عنك مما سبق فإنى أطمئنك بأن هناك أمل فى أن توظف هذه السمة الشخصية توظيفا إيجابيا ببعض التعديل فيها فمثلا بدلا من أن تجذب انتباه الناس بالقميص الذى ترتديه حاول أن تستبدل ذلك بعمل نافع يجعلك تفخر به أمامهم، وهذا ربما يدفعك إلى تنمية قدراتك وملكاتك إلى مستويات مبهرة، وربما تدهش إذا عرفت أن هناك مهنا بعينها تحتاج هذه السمة فمثلا نجوم الكرة الذين ينتشون يتصفيق الجماهير فيواصلون عطاءهم فى أرض الملعب سعيا وراء هذا الإعجاب (بوعى أو بدون وعى)، والمطربون والممثلون الذين تسكرهم صيحات المعجبين وتصفيقهم، وكثير من الزعامات والخطباء والكتاب والفنانين والشخصيات الكاريزمية لديها بعض من هذه السمات الإستعراضية توظفها بشكل يهئ لها تحقيق أهدافها.
وكما قلنا لكى تروض هذه السمات وتلطفها وتجعلها تأخذ مسارا إيجابيا عليك أن تكون واعيا بها طول الوقت، وأن تحاول أن تستبدل الإعجاب السطحى المؤقت بإعجاب أكثر عمقا من خلال إنجازات حقيقية لها معنى تثرى حياتك وحياة الآخرين ويكتب لها الخلود.
وهناك مستوى أعلى ربما تستطيع أن تصل إليه بعد مزيد من النضج النفسى والروحى وهو أن تسعى لإرضاء الله بأقوالك وأفعالك (مسقطا إعجاب الناس من حساباتك)، وهنا ستجد نفسك مشدودا إلى كل ماهو عظيم ونافع وخالد لأن مستوى أعمالك فى هذه الحالة سوف يرتفع فوق ضرورات اللحظة الأرضية الواطئة متجها إلى قمم يدفع إليها التطلع إلى جمال وجلال أسماء الله وصفاته فتأتى أعمالك وأقوالك شامخة رائعة جميلة وجليلة وهكذا تكون أنت.