تصحيح البوصلة على مفترق
الحسد والحكمة
السلام عليكم كنتم قد طلبتم مني أن ألخص ما قرأته عن الحسد: أولًا: أسباب الحسد كثيرة، ومن أهمها (ما يخص حالتي): العجز عن الدفاع عن نفسك أمام خصمك فيتولد بسبب ذلك شعور داخلي بالتشفي والحقد وهو ما يقود إلى الحسد. ومنها: حب الجاه والصيت، فإن رأيت إنسانا آخر يفوقك في هذا تمنيت زوال نعمته حتى تنفرد بها. واكتفي بهذا القدر في بيان أسبابه (على فكرة ذكرت أنواعا عديدة للحسد لمن يهمه الأمر أن يراجع الكتاب).
أما الشفاء من الحسد فهو في أمرين:
* أن تدرك وتعي بأنك بحسدك هذا إنما تضر نفسك ولا تضر غيرك، فعندما تحسد فلانا تثور نار في صدرك تحرقك ولا تؤثر على عدوك، بل العكس تماما فانه سعيد بأنك تتعذب بحسدك له، إذ إن الأرزاق قسمت عندما كان المرء في بطن أمه، ولا تأثير للحسد عليها، وإذا أضرك أن فلانا لا يستحق النعمة أو ما شابه، فعليك أن تصبر عليه لا أن تحسده.
* التقرب والتودد إلى المحسود ومدحه وحسن معاملته حتى تربي نفسك وتدربها على التواضع والرضا. (المصدر - كتاب احياء علوم الدين. فصل - بيان حقيقة الحسد وحكمه وأقسامه ومراتبه).
هذا فيما يخص تلخيصي للحسد.... أما فيما يخص في آية الحكمة فقد وجدت أن المفسرين اختلفوا فيها اختلافا كثير فمنهم من ذهب إلى أن الحكمة: معرفة الدين، ومنهم من رآها النبوة، ومنهم من رآها الفقه في القرآن....... وهناك معنى جميل من تجليات الحكمة وهي أن تضع الأمور في المكان الصحيح والقدر المناسب، وقيل: أن للحكمة مكونات ثلاث: الذكاء، والمعرفة الواسعة، والإرادة الصلبة.
كنت قد راجعت نفسي في الأيام الفائتة في لماذا أستشيركم بهذه الكمية حتى أني أصبحت عالة على موقعكم الكريم!! فتوصلت إلى أن هناك في مكان ما في داخلي جزء يريد أن يشعر بالأهمية والحنان والتقدير ولم أفلح في إشباعي حاجاتي العاطفية والنفسية من بيئتي فلجأت إليكم ليس طمعا في الإجابة إنما طمعا في أحد يسمعني ويقدرني، وهذا ما توصلت إليه بعد حوار عميق مع عقلي الباطني، إلا أنه تبين أني أركض خلف سراب ليس نقصا فيكم لا سمح الله، إنما لاستحالة طلبي، لأن الإشباع يأتي بالواقع الذي أعيشه وليس خلف سراب النت. بالمناسبة لو قالت الأستاذة رفيف حفظها الله هذا الكلام أمامي مباشرة لشعرت أنها تكرهني وتبغضني وهو ما حدث مع أشخاص في حياتي واجهوني بأخطائي الحقيقية، إلا أنني أشكرك ليس شكر النومة العميقة إنما شكر المستفيق أن بصرتني على حقيقة نفسي الكسولة التي كانت تقضي أغلب وقتها في التفكير بأشياء كنت أحسبها عظيمة والآن أدركت أنها مضيعة للوقت فقط وللشرود وطردا للعمل.
كم أود أن يتبناني أحد من موقعكم الكريم لمتابعة حالتي في إرشادي للطريق المستقيم الذي أكاد أن أزيغ عنه، ليس في هذا الطلب عودة إلى الكسل إلا أنني عندي طاقات لا أريد أن أبددها في لا شيء، وفي السابق بحثت لوحدي فزادتني الأجوبة حيرة؛ لذلك أريد توجيها منظما ومهنيا مع أني أشعر أني أحملكم ما لا تطيقون، لكن إن وجد متطوع/ة فجزاه/ها الله كل خير. حتى لو لم تتحقق أمنيتي فلكم مني أجمل تحية والسلام.
ملاحظة: كنت قد بعثت الأسبوع الفائت استشارة عن عدة أمور جوهرية بالأساس عن الذل والشفاء منه، لكن عندي طلب صغير أن لا تردوا على تلك الرسالة إنما ترسلوها لي مرة أخرى (لا أذكرها جيدا) لأبحث بنفسي عن الإجابة وحتى أطبق ما وجدته من حلول.
22/09/2011
رد المستشار
وعليكم السلام يا محمد؛
جزاك الله خيرًا وبارك بك، فقد استفدت وأفدت، وأسأل الله تعالى أن يرزقنا جميعًا حسن التطبيق...
إن الإحساس بالتقدير أمر مهم جدًا للإنسان ولا ريب، وافتقاده سبب لآلام نفسية مزعجة، أنا معك في هذا، وبغض نظر عن ظروف تربيتك، إن وجودك في فلسطين –وحولك من يتعالى عليك في كل حركة منه- كافٍ أن يشعرك بهذا... وكنت أعلم أن هناك سببًا خفيًا يجعلك تكرر نفس الأسئلة، ثم تكيل عبارات الشكر للمجيب، وأنك بهذا إنما تدور وتلف حول ذلك السبب ولا تستطيع التصريح به، وها أنت صرحت به أخيرًا...، وبما أن الطبيب الذي ذهبت إليه طمأنك بأنك لا تعاني من علّة نفسية –والحمد لله- فحل مشكلتك ليس في الأدوية، وإنما بتغيير طريقة تفكيرك:
1- أنت الآن كبرت، والناس تنتظرك كي تنال منك التقدير والحنان، فلا تتحسر على الماضي فقد مضى بما فيه، وحول تفكيرك من: أريد من يعطف عليّ ويقدرني، إلى: أريد أن أعطف على الآخرين وأقدرهم. ومن: أريد من يسمعني، إلى: أريد أن أستمع إلى الآخرين. وتذكر نبيك دائمًا –عليه الصلاة والسلام- كيف فقد كل أنواع الحنان والتقدير بفقد أبويه وجده، ثم لما أصبح نبيًا آذاه المشركون بشتى أنواع الإيذاء الجسدي والنفسي وأهانوه ولم يسمعوا له، ومع ذلك كان يعطي الحنان، والعطف، والتقدير، والاهتمام لكل من كان حوله...
2- اهتم بالعمل الذي بين يديك فاشغل نفسك به، وركز تفكيرك فيه، وأهم شيء الآن أن تجتهد في دراستك، مرن نفسك شيئًا فشيئًا على عدم التحليق مع أفكار لا تتعلق بالعمل الذي بين يديك، وستفلح في هذا بسرعة إذا واظبت على قطع الأفكار الغريبة، وإعادة التركيز على عملك مرة أخرى.
3- إذا شعرت بشيء من التشويش والقلق، وبأنك محتاج إلى شيء لا تعرف ما هو، وأردت تسكين هذا بالحديث مع أحد، أو بمراسلته، فأخر هذا قليلًا، مثلًا: إذا حدثتك نفسك في الظهر أن تتصل بصديقك لتحادثه، فأخر هذا للمساء، وإن استطعت تأجيل هذا لليوم الثاني فأفضل، واشغل نفسك في فترة الانتظار بشيء بعيد عن مشاعرك التي تعيشها، فمثلًا إن كان يسيطر عليك فكرة بأنك متكبر وأن الناس يكرهونك لأجل هذا، وتحزن وتريد من تشكو له همك، ويطمئنك بأنك غير مكروه، فاشغل نفسك بإصلاح آلة ما مثلًا، أو بحل مسألة رياضية، أو بإعراب بعض العبارات.
وإذا كتبت شكوى تريد إرسالها، فأهملها أسبوعًا قبل إرسالها، ثم عد إليها بعد ذلك، وسترى كيف ستجد أغلب ما فيها لا داعي له، لأنك لا تعاني منه حقيقة!!! وإذا أردت إرسال مشكلتك إلى مجانين وحان موعد استقبال المشكلات، فأجل إرسال مشكلتك إلى الموعد الذي حدد بعده.
4- إذا اعتراك شعور بأنك ذليل، وأنك منبوذ، وأنك مبغوض ومكروه، فاعلم أن هذه فكرة غبية، وغالبًا هي فكرة وسواسية ملتصقة في دماغك، وفي رأسك أنت وحدك وليس لها وجود في الواقع، فقد تفعل أمرًا تظن أن الناس تكرهك لأجله، بينما هم لم ينتبهوا له فضلًا عن أن يكرهوك..، وهذا ما يحصل غالبًا...، ثم: إن كرهوك أو أحبوك، ما الذي سيزيد فيك وينقص؟ أنت محمد وستبقى محمدًا في الحالين، صلى الله على من شابه اسمك اسمه، هل ضره كلام الحاقدين فيه؟
وأخيرًا؛
لماذا لم تصرح بمشاعرك وأخفيتها مرة أخرى خلف: "لو قالت الأستاذة رفيف حفظها الله هذا الكلام أمامي مباشرة لشعرت أنها تكرهني وتبغضني" وخلف: "إلا أنني أشكرك ليس شكر النومة العميقة إنما شكر المستفيق أن بصرتني على حقيقة نفسي الكسولة...."
ماذا تخشى إن صارحتني بشعورك تجاه كلامي؟ قل لي بصراحة: أنا أشعر من كلامك أنك كرهتني بسبب كثرة استشاراتي!!! لأقول لك بصراحة: ليس مجانين مكان لأكرهك وأحبك! وهل نعرفك وتعرفنا حتى نكرهك وتكرهنا؟ إنما لا نرى منك إلا حالات تصفها فنقول لك: هذه سليمة، وهذه سقيمة، وهذه تدل على كذا، وهذه دواؤها كذا...
أسرة مجانين تحب كل الناس لأنهم بشر، وتقدم المساعدة للجميع بغير قيد ولا شرط وبالمجان....
جرب مرة وعبر عما بداخلك بصراحة ووضوح وبطريقة لبقة، وستشعر كم كنت ظالمًا لنفسك بسكوتك، وكم أن الأمر بسيط ومريح وصحيّ، وسيدفعك هذا للمصارحة اللبقة -التي تشعر فيها بذاتك وشخصيتك- المرة تلو الأخرى حتى تتقن هذا الفن ويصبح عندك عاديًا.