ذل معصية الشرف
أشكركم على هذا الموقع الرائع والمفيد جداً، سؤالي لكم هو عن كيفية التعافي من آثار الفضيحة التي تمس الشرف. فالمجتمعات العربية لا ترحم أبداً -وإن طال الزمن- من خسرت أو خسر الشرف. وبالفعل موت الفرد يكون أهون كثيراً من معاناته من آثار ذل المعصية المتعلقة بالشرف.
أتمنى إجابة عميقة لعلها تساهم في رفع بعض المعاناة عن التائبات والتائبين الذين يعانون من تعيير المجتمع لهم طيلة حياتهم بالماضي وإن تابوا وأنابوا وغيروا وبدلوا وهاجروا وأحسنوا.
وماذا يفعل هؤلاء مع الشعور الدائم بالذل وبالذنب والذي يلازمهن ويلازمهم طول العمر نتيجة ما جلبوه من عار للمحيطين بهم؟
وجزاكم الله خيراً
13/10/2011
رد المستشار
عندما كنت أخاطب مستمعي "مونت كارلو" عن الإحباط والحرمان الجنسي في العالم العربي قلت: "أن المواطنين العرب الذين خرجوا ويخرجون إلى الشوارع والميادين لا يطالبون بإسقاط القيادات الفاسدة المجرمة في حق شعوبهم فحسب، ولكن يطمحون إلى حياة أكثر إنسانية من تلك التي يعيشونها، وأنظمة علاقات اجتماعية، وتواصل بشري أكثر كفاءة من تلك التي تسود في أوطاننا!!"
نحن خارج التاريخ، بلا مستقبل طالما بقينا مصرين على الأفهام والممارسات الجاهلية التي تحكم أفكارنا وواقعنا عن الاحترام والشرف والعرض وما شابه!!
ترسانة هائلة من الركام النكد تكبلنا وتحول بيننا وبين الحرية والتقدم، أو العدالة والنهضة والعمران، ولا يتسع المجال هنا للتفصيل، والتمييز، ووقف الخلط بين ما هو أصلي معتبر، ومهم في شرع الله، وما هو ضالع وضليع ومتجذر في الجاهلية يحسبه الجاهل من أحكام الكتاب متوهما، وما هو من الكتاب، ولا من السنة الصحيحة، ولا الفقه السليم!!
ولكنها أباطيل راجت وشاعت لدى الآباء والأجداد والعشائر، ونحن على آثارهم مقتدون، أو عن فساد تراثهم ساكتون!!!
كيف نتصرف في مواجهة هذا الركام الخانق الذي توشك الأجيال الجديدة أن تلفظه كله، هو وما يختلط به من صحيح الدين؟!!
أجيال ضاقت ذرعا بهذا الخليط الجهنمي، وصارت لا تستطيع القبول به، ولا التكيف معه كما في أجيال سابقة!!
وتوشك أجيال لاحقة أن تنخلع بالجملة من خلطة الدين والتقاليد لولا بقية من إيمان، وصوت من ينهون عن الفساد في الأرض، لكن تبقى المراهنة على الصبر محض قمار ينجح ويكسب أحيانا، وأحيانا تحصل القارعة!!!
كنت أقرأ في مقال مختصر عن التغييرات المناخية التي تسود كوكبنا وقال المتخصص أن الكائنات في مواجهة هذه العواصف والمستجدات والظروف الصعبة المتصاعدة ليس أمامها سوى خيارات ثلاث:
إما التكيف، أو الانتقال، أو الانقراض... وأحسب أنها نفس خيارات البشر في مواجهة التخلف، والظلم!!
نعم البشر المهددون بالفناء المادي أو المعنوي، المحاصرون بالضغوط والأوهام، والأفكار المغلوطة، والممارسات الجاهلية ليس أمامهم سوى التكيف، أو الانتقال، أو الفناء.
وأقول هذا لأن الخيار الرابع الأكثر إنسانية والذي أدعو إليه منذ سنين هو الخيار الأصعب ألا وهو التغيير والثورة على الأوضاع الاجتماعية والذهنية، والممارسات الضارة، والأوهام المؤذية، والجاهلية السائدة.
هذه هي الاختيارات التي أمامك يا من تعيش في عالمنا العربي السعيد!!!
التعليق: عدم تسامح الناس مع معصية الشرف مرتبط ارتباطا وثيقا بالإسلام, متى تخلى المجتمع عن الدين سيتسامح البشر مع هذه المعاصي حتى تصبح الوضع السائد ولنا بالمجتمعات الغربية أسوة غير حسنة.
ليس صحيحا أن عدم التسامح ناشئ فقط عن الجهل والتخلف. أهو الجهل والتخلف الذي وضع فوارق بين ابن الحلال وابن الحرام أم هو الدين؟
وأهو الجهل والتخلف الذي وضع فرقا بين الثيب والبكر أم هو الدين؟
نعم تطبيق مجتمعاتنا للدين انتقائي ما في ذلك شك ولكن متى ما تخلى المجتمع عن كل الدين تنعدم الانتقائية وينعدم معه مفهوم الشرف الحالي.