الوسواس والقرف ورعاية المسنين
السلام عليكم؛
الأستاذة الفاضلة رفيف الصباغ، تحية ودعاء خالص من القلب بالتوفيق وأن يكون جهدك لتخفيف معاناة الموسوسين في ميزان حسناتك وحسنات الدكتور وائل بإذن الله.
أنا موسوسة من العيار الثقيل كما يسميني طبيبي المعالج، أعاني من الوسوسة منذ ما يزيد عن 15 سنة، حتى وفقني الله لطبيب يعتمد أسلوب العلاج المعرفي السلوكي كأساس في علاج الوسواس وكانت النتائج طيبة بفضل الله، لكنني أردت استشارتك كمستشارة شرعية عن بعض الأمور، فمثلًا عمتي الكبيرة في السن والتي لديها ضعف شديد في البصر والسمع وصعوبة في الحركة انتقلت للعيش معنا منذ فترة، ورأيتها يومًا وهي تسير في طريقها إلى الحمام تفقد السيطرة على التحكم في البول فخرجت منها قطرات دون أن تشعر، ثم تكرر الأمر عدة مرات أن نجد رائحة نجاسة بعد مغادرتها الحمام في أرضية الحمام، وكذلك في ملابسها، فقمنا بتخصيص مقعد خاص بها لكيلا تنتشر النجاسة في المنزل كله.
ولكنني كموسوسة أصبحت أتفادى دخول الحمام بعدها مباشرة، ولا ألمس الكرسي الذي تجلس عليه، ولأنني أعلم أنها تستخدم يدها في الاستنجاء فصرت لا ألمس ما تمسكه بيدها رغم تأكيد والدتي أنها تغسل يديها جيدًا لكن الأمر عندي ليس فقط من فكرة النجاسة بل أشعر أيضًا بحالة من القرف لا أستطيع تجاوزها.
وحينما تحدثت مع طبيبي في الأمر قال: إن هذه وسوسة. وضرب لي مثالًا بمريض سلس البول هل يجوز منعه من دخول المسجد خوفا على طهارة المسجد؟ ولأنني لا أرتاح إلا حينما أعرف الحكم الشرعي في هذه الحالات فأرجو منك الإفادة وإن كانت هذه وسوسة فماذا علي أن أفعل؟ مع خالص الشكر والتقدير.
23/9/2011
رد المستشار
وعليكم السلام ورحمة الله تعالى وبركاته، أهلًا بك أختي الكريمة، وشكرًا على كلامك الطيب...
قبل أن أبدأ بإجابتك، أحببت أن أشاركك هذا الموقف الطريف الذي سببته رسالتك!
أحيانًا، عندما أنقل نص الاستشارة إلى الملف الخاص بالاستشارات، تصبح كلمات الاستشارة فوضوية في ترتيبها، ربما لاختلاف التنسيق بين البريد والملف...، ورسالتك كانت من هذا النوع، لكنني لم أنتبه في البداية، وبدأت أقرأ الاستشارة، وكان أول سطر منها: (تحية ودعاء خالص من القلب بالتوفيق وأن يكون جهدك في ميزان حسناتك ولتخفيف معاناة الدكتور وائل)!!!
وصرت أتأمل، وأفكر وأحك رأسي.....، ترى، كيف يكون جهدي تخفيفًا لمعاناة الدكتور وائل؟ من ماذا يعاني؟ وهل أخبرها بمعاناته؟ أم لعله كان يعاني ريثما عثر على الأحكام الفقهية للوسواس؟!! وعندما زادت حيرتي، قلت في نفسي: سأرسل له مع الإجابة سؤالًا أستفسر فيه عن هذا الكلام، وأسأله إن كان يعاني بالفعل.....، وتجاوزت هذا السطر لأنتقل إلى ما بعده، وإذ بالعبارات المضحكة غير المفهومة بدأت تتوالى وتكثر، فأعدت تنسيق الاستشارة، فحُلَّت المعضلة، وانتظمت العبارة، وضحكت كثيرًا....، والحمد لله الدكتور وائل لا يعاني!!
أختي الكريمة، الحكم الشرعي هو: طالما أنك لم تتأكدي من وجود النجاسة في مكان ما أو شيء ما 100%، فالأصل أنه طاهر، حتى لو كان احتمال التنجس قويًا، فمثلًا: أنت في المرة الأولى تأكدت من نزول القطرات، والحل هو أن تطهري مكان نزولها وانتهى الموضوع، حتى لو تكرر، فأنت لست مطالبة بتطهير شيء في المرات التي لم تتيقني فيها من خروج النجاسة منها، سواء كان التيقن عن طريق النظر أو الرائحة أو اللمس...، وقضية الرائحة المنبعثة من أرضية الحمام، إذا لم تكن تورثكم يقينًا بوجود النجاسة فلا نحكم بالتنجيس، كما إذا احتمل أن تكون الرائحة منبعثة من مقعد الحمام، ويحتاج إلى صب بعض الماء فيه فقط، أو كان الحمام يحتاج إلى تهوية، وهكذا الأمر في كل شيء دائمًا: إذا لم تتأكدي من وجود النجاسة فعلًا فالأصل أن المكان طاهر وإن كان من دخل يكثر منه التنجيس عادة، كالأطفال مثلًا...
ثم لو أنك رأيت النجاسة في مكان ما، لا تستطيعين أن تحكمي بانتقالها إلى مكان آخر ما لم تتيقني أيضًا، ولنفس السبب، وهو أن الأصل في الأشياء الطهارة ولا نعلم هل انتقلت النجاسة التي رأيناها إلى مكان آخر أم لا؟ ولو تيقنتِ أن النجاسة أصابت البساط -مثلًا- لكنك لم تعرفي في أي موضع منه، فلا تتنجس يدك بإمساكه وإن كانت مبلله، ولا قدمك بالسير عليه، لأننا لم نتأكد أن الموضع الذي أمسكت به أو سرت عليه هو مكان النجاسة، ولا تنجيس بالشك...، لكن لو أراد أحد أن يصلي عليه، حينها فقط يجب غسل بساط بكامله...، وكذلك الأمر بالنسبة للأثاث أو الجدران...، إذا تيقنا النجاسة ولم نعرف موضعها...
هذه هي الإجابة بالنسبة للتعامل مع النجاسة، ولكن النقطة الأهم هي مشكلة القرف من تصرفات بعض الناس...
بالنسبة لي شخصيًا كان عندي شيء من القرف من تصرفات الآخرين المقززة، ليس يمنعني من شيء من مخالطة الناس أو لمسهم، لكنني كنت أخالطهم بشيء من الانزعاج، وعدم الارتياح، وكنت أتعجَّب وأُعْجَبُ –بضم الهمزة- في آن واحد بالذين لا يقرفون من تصرفات الآخرين البعيدة عن الذوق والنظافة، ويعاملونهم بكل طيبة نفس!!!
كثيرًا ما حدثت نفسي، أن القرف من الناس فيه نوع احتقار لهم، وفيه نوع من التعالي على الآخرين، وكنت أجاهد نفسي كثيرًا لإزالة القرف لهذه العلة، أي خوفًا من التعالي على الناس...، بداية كان يسهل علي مقاومة هذا مع من يعرفون بالصلاح، حيث تعرفت على امرأة مسنة ممن اشتهروا بالولاية، وكانت شبه مشلولة، وتحتاج إلى من يخدمها، ويذهب بها إلى الحمام، الخ...، ولابدّ أن يصدر منها ما يجانب الطهارة والنظافة...، وإذ بها تطلب مني عند أول زيارة لها أن أمسح لها الغرفة، مع أني لم آتِ لخدمتها بل للزيارة فقط! طبعًا حبي لخدمة مثل هذه المرأة الصالحة خفف عني كثيرًا من القرف، وخاصة عندما وجدت -يومها- صرصارًا ميتًا تحت السرير، وكان عليّ أن أمسكه بيدي لأرميه مع القمامة!!!.... المهم شعوري بأني أتقرب إلى الله تعالى بهذا كان يدفعني للعمل بطيب نفس رغم جميع المنغصات...، ثم صرت أطبق هذا بالنسبة لسائر المسنين وخاصة من القريبات، حيث أنوي بها صلة الرحم، وبرّ الوالدين بخدمة أقاربهما، ثم غير المسنين...
إلى أن رأيت مشهدًا لا أنساه في أحد المساجد، ذهبت للوضوء، فرأيت امرأة بدينة جدًا وكبيرة في السن، توضأت وانتهت، لكنها جلست على كرسي لترتاح قليلًا، وقد عجزت عن الانحناء للبس جوربيها... وإذ بامرأة أخرى شابة تنبري إليها وتقول: هل تريدين شيئًا يا خالة؟ هاتِ لألبسك جوربيك!! وأمسكت بالجوربين بكل طيبة نفسك، وجلست القرفصاء تلبسها إياهما بكل حنان!! وكانت العجوز محرجة وتعتذر كثيرًا، وهي تجيبها: لا يا خالة أنت مثل أمي، كلنا نحتاج للمساعدة. وقفت أنظر، وقد بهرني المنظر وهزَّني، حيث كنت أقرف جدًا من جوارب الآخرين المتسخة، فما بالك إذا كانت مبللة أيضًا؟!!
المهم من حينها، وأنا كلما صدر من أحد شيء مقزز، تخيلت هذا المنظر، وتذكرت عظيم الأجر الذي نالته تلك الشابة بجبر خاطر المسنة البدينة، وتخيلت موقفي وشعوري بالاشمئزاز، وكم سيكون كسر خاطرها عظيمًا إذا علمت بشعوري...، وتخيلت شعوري إذا كبرت وقرف الناس مني، وخجلت من نفسي، وأجبرتها على مخالطة من أقرف منه وخدمته، ومع تذكري الدائم لعظيم الأجر -عند الله تعالى- بخدمة الآخرين والتواضع لهم، أصبح الاشمئزاز قليلًا جدًا، فلا أجد ضيرًا أن أساعد إحدى المسنات وأقوم بإلباسها الحذاء الذي تدخل به إلى الحمام بيدي، أو خلعه من رجلها، أو غسيل ثيابها الداخلية المتنجسة بيدي أيضًا...، فبمجرد أن يأتي خاطر بالقرف أطرده فورًا بفكرة أنني أكسب الأجر بجبر الخواطر، وخدمة المسنين والمرضى، وأحتسب هذا عند الله تعالى، إلى أن صار القيام بالأعمال التي يشمئز منها الآخرون من اختصاصي في المنزل!!!...
هذه تجربتي مع (القرف) ومقاومته، فأرجو أن تستفيدي منها...، وأعانك الله تعالى على كل خير.
واقرئي أيضًا على مجانين:
القرف أو الاشمئزاز في الموسوسين مقدمة
القرف أو الاشمئزاز في الموسوسين تفصيل
التعليق: أنا أعاني تقريبا من نفس المشكلة...
لاحظت كثيرا أن أغلب الأطفال إن لم يكن كلهم لا يستبرئون من البول وهو ما يسبب لي مشكلة كبيرة عندما يدخلون الحمام فى منزلنا مثلا.... هل يمكن القول أنه يجب أن أطبق مثل هذه القاعدة أنه لم يتأكد عندي وصول النجاسة إلى مكان آخر فى بيتي؟
لا أدري ماذا كنت سأفعل لو كنت مكان الأخت نادية... أنا أرى أن الأمر غير بسيط ومتعب أن يوجد أحد كبير السن يفعل ذلك.
كانت جدتي في نهاية حياتها قد أصيبت بكسر في الحوض وتم تركيب شريحة ومسامير لها فكانت لا تمشي... ذات مرة أرادت تغيير حفاضة لبنت خالتي الضغيرة فأخذت الحفاضة القديمة ووضععتها جانبا ثم وضعت غيرها نظيفة دون غسل يدها ثم أمسكت التليفون بعدها وكان ذلك بمثابة مأساة عندي.
كنت أيضا الوحيدة في بنات عائلتي التي لا تستطيع أن تساعدها على دخول الحمام خوفا من أن تصيبني نجاسة وكذلك قرفا من الأمر.... هذه الأمور منذ ما يقرب على ست سنوات لكني لا أنساها وأتمنى ألا تتكرر.
كنت لا أقترب من سريرها ولو اقتربت غسلت كل ملابسي..
أنا الآن أفضل كثيرا لكن ما زلت أتتبع النجاسات وأقرف منها خصوصا مسألة الأطفال هذه.