والدي بروفسير بجامعة الخرطوم وأمي تعمل كمحاسبة بوزارة الري ولدى أخت واحدة تدرس معي في نفس الكلية وهى أصغر منى...
كنت أحب الرسم والعزف والموسيقى قبل أن ألتزم ولكني توقفت نسبة لالتزامي....
سأبدأ معكم من الأول منذ أن كنت طفلة كنت تلميذة متفوقة جداً يعنى أحرز الترتيب الأول على مستوى مدرستي ومحبوبة من جميع أساتذتي وزميلاتي في المدرسة، درست بالسودان مرحلة الروضة والمرحلة الابتدائية حتى بداية الصف الخامس حيث تلقى والدي بعثة إلى ليبيا ليعمل بأحد الجامعات هناك المهم طبعاً سافرنا والتحقت بمدرسة في ليبيا وكنت محافظة على تفوقي حتى امتحان الشهادة المتوسطة وأحرزت المركز الثاني 96%على مستوى ليبيا ولكنهم لم يعطوني المركز لأن جنسيتي ليست ليبية..
المهم عدنا إلى السودان في سنة ثانية ثانوي وفى سنة ثالثة بالرغم من الشعور بعدم الاستقرار في البداية ولكن تأقلمت وأحرزت شهادة ممتازة 86.3%ولكنها لا تكفى لدخول كلية الطب فاضطر والدي لإدخالي الجامعة على نفقته الخاصة ودخلت الجامعة ولكني صدمت بأن مستواي الأكاديمي تدهور جداً من القمة إلى الحضيض أنا في حياتي لم يسبق لي أن أرسب في مادة ولكني رسبت في الفيزياء في سنة أولى وامتحنت الملحق وصدم الأستاذ بالدرجة العالية التي أحرزتها في الملحق..
في سنة ثانية كنت إنسانة غير مبالية لا أذاكر ولا أحضر المحاضرات بالرغم من أن قلبي كان ينقبض من هذه الأفعال ولكني كنت لا أكترث ولكن مفيش امتحانات في سنة ثانية... وفى سنة ثالثة كان عندي ملحق فسيولوجي برضه نفس الحكاية امتحنت الملحق وتفوقت فيه.. وفى سنة رابعة بدأت سنة جادة وبدأت أذاكر لكن لقيت نفسي مش قادرة لما أمسك الكتاب بحس بخوف ورجفة في قلبي وقلق وبهرب من الإحساس ده بأني أجلس في التلفزيون أو أعمل أي حاجة ثانية إلا المذاكرة....
نهاية سنة رابعة كان عندي ملحقين pathology and microbiology أحسست بحزن رهيب وبكيت وصرخت وكانت دي نقطة تحول بالنسبة لي من فتاة عادية إلى فتاة ترغب في أن تهتدي وتصبح ملتزمة وفعلا بقيت أغطي شعري وألبس واسع... وفى الآخر امتحنت الملاحق وتفوقت بصورة غير متوقعة... ولكن بعد نجاحي بفترة قصيرة تلقيت خبراً من الهند حيث كان يدرس ابن خالتي وهو في الوقت نفسه بمنزلة خطيبي لقد تلقيت خبر وفاته المفاجئ والذي كان فاجعة لكل العائلة وخصوصاً أنا..
كنت في البداية ضائعة جداً وكنت أعانى من كآبة دامت نحو الشهرين لا أخرج لا أضحك لا أتكلم كثيراً وأحياناً كثيرة أبكى بعيداً عن الناس.... المهم انتهت الأجازة ونزلنا سنة خامسة وأنا عازمة على فعل الآتي:
1-لازم أنجح كطالبة وطبيبة من أجل خطيبي المرحوم.
2-لن أفكر في ارتباط بعد الآن وللأبد.. لأني لا أريد أحد غيره.
3-أريد أن أصبح ملتزمة أكثر وقريبة من الله سبحانه وتعالى.
المهم زال الاكتئاب تدريجياً دون علاج ولا طبيب نفسي وفعلا نجحت في سنة خامسة بدون ملاحق، ارتديت حجاباً كاملاً والتزمت والحمد لله.. ولكني أعانى من مشكلة وأنا أخجل أن أقول هذا وهو أنى أجادل والديي وقد يعلو صوتي عليهما وقد نتشاجر وبالأخص والدي وفى كل مرة أعزم فيها على ترك هذا أرجع وألاقى الموضوع زاد سوء علماً بأن والدي كثيراً ما يجادل ويتشاجر كمالك للمال يعنى كأن يضيقها علينا أو مثلاً يماطلك ويذلك عشان تأخذ منه ما تريد لكن في الآخر تلاقى نفسك قلت كلام وعلقت تعليق ليس من الصحيح أن تقوله على أبيك أو مثلاً في الأوقات الصعبة كفترة الملاحق هو لا يواسيني بل بالعكس يعاملني ولا كأني كنت متفوقة في يوم من الأيام.. والآن أنا في سنة سادسة وأعانى من نفس مشكلة عدم المذاكرة والخوف والقلق وأخشى أن يحدث معي مثل ما صار في السنين السابقة وامتحاناتي يوم 5/6/2004 أفيدوني أفادكم الله وأرشدوني ماذا أفعل؟؟؟؟ وجزاكم الله عنى كل خير...
07/03/2004
رد المستشار
الأخت الفاضلة..... السلام عليكم ورحمة الله وبركاته؛
واضح من الرسالة أن لديك القدرة على التفوق الدراسي حين تكون الظروف مواتية، ولكن في ظروف أخرى تتعثرين دراسيا، ثم تنهضين مرة أخرى وتفاجئين الجميع بتفوقك، وقد تكرر هذا أكثر من مرة، والمشكلة أنك لا تعرفين ما هي دوافع التفوق وما هي دوافع التعثر، وهذا يجعل الأمر غامضا ويحرمك من محاولة الإصلاح لظروفك، ويصيبك بالكآبة لأنك تشعرين أنك في كثير من الأوقات تكونين ضحية لأشياء غامضة تؤثر فيك وأنت لا تملكين لها دفعا لأنك ببساطة لا تدركينها.
ومن هنا يبدأ العلاج بعملية استبصار نساعدك عليها كي تصبح عوامل النجاح والفشل أكثر وضوحا، وبالتالي أكثر قابلية لتدخلاتك وجهودك. إن سلوكنا تحكمه بعض العوامل المنطقية الظاهرة لدينا، وتحكمه في ذات الوقت عوامل لا شعورية لها تأثير بالغ في حياتنا رغم أننا لا ندري عنها شيئا، وحتى لو نبهنا إليها أحد فإننا ربما نستغربها أو ننكرها (جهلا بها لأنها لا شعورية أو دفاعا نفسيا ضد رؤية حقيقية تؤلم جهازنا النفسي وتقلقه).
بعد هذه المقدمة تعالي نحاول قراءة الجوانب الشعورية واللا شعورية التي تحرك سلوكك:
أنت الابنة الأولى التي غالبا ما تحظى بكل الاهتمام من الأسرة بحيث تعيش كملكة متوجة يحوطها الجميع بالحب والرعاية، ويستمر هذا الوضع المميز إلى أن تجئ الطفلة الثانية (أختك) فتأخذ بالضرورة جزءا من اهتمام الوالدين، وهنا تبدأ مشاعر متناقضة في الظهور، فأنت تحبينها لأنها أختك الأصغر وفي نفس الوقت تغيرين منها لأنها زحزحتك عن عرشك السابق وحازت على جزء من اهتمام والديك.
ومن هنا أيضا تتكون مشاعر متضاربة تجاه الوالدين فأحيانا تحبينهما لأنهما والداك، وأحيانا أخرى تغضبين منهما أو من أحدهما لأسباب أخرى مثل بخل الأب (سبب شعوري) وإتيانهم بأختك (منافستك في حبهم)، وأنت تشعرين أن حبهم لأختك وإتيانهم بها من البداية خيانة لك (سبب لا شعوري).
وهنا تشكلت أولى مشاعر الهجر والإحباط والتفرقة والتمييز، ولكنك كنت قادرة على تجاوزها وأنت صغيرة لذلك كان إنجازك الدراسي رائعا. وحين انتقلت إلى قطر عربي آخر وكنت أيضا متفوقة إلا أنهم لدوافع وطنية تعصبية زحزحوك عن موقعك لأنك لا تحملين جنسية البلد، وقد أثار هذا لديك مشاعرك القديمة في النبذ والتفرقة، وحين عدت إلى بلدك مررت بفترة من عدم التوازن وصعوبة في التكيف واستطعت تجاوزها ولكنك لم تستطيعي تحقيق التفوق السابق، وهذا إما أن يكون عقابا لوالديك اللذين أنجبا أختك وأحباها (دافع لا شعوري) أو عقابا للناس جميعا على سكوتهم على التفرقة العنصرية التي حرمتك من حصولك على المركز الذي تستحقينه، وهناك رابط بين الموقفين وهو شعورك بالتفرقة والظلم والإحباط (من والديك ومن الناس).
هذه المشاعر السلبية لم تجد لها متنفسا صحيا لذلك كانت تدفعك إلى اتخاذ موقف العدوان السلبي المدمر لذاتك بهدف إيلام الآخرين وإشعارهم بخطئهم نحوك، وربما يفسر هذا حصولك على مجموع في الثانوية العامة يضطر والدك لإدخالك جامعة بمصروفات (وهو الحريص جدا على المال كما ذكرت) وهذا عقاب (لا شعوري) له، وتكرار التعثر الدراسي (مع امتلاك القدرة على التفوق) يندرج تحت هذا العدوان السلبي نحو الذات (كعرض اكتئابي) ونحو الآخرين (كتنفيس عدواني)، ومجادلتك الدائمة مع والديك هي مظهر للعدوان الموجه تجاههم.
ثم يأتي حدث موت خطيبك (حبيبك) ليكمل بانوراما الفقد والحرمان ويصيبك بحالة من الاكتئاب، ولكنك تحاولين التماسك وتلجئين إلى الله لأنه هو الوحيد الذي لا يهجر ولا يتخلى ولا يظلم، وهذا يعطيك سندا نفسيا عظيما ويجعلك أكثر قدرة على تجاوز مشاكلك النفسية مع والدك ومع نفسك، وتقبلين على الحياة على أنها رسالة عظيمة نحاول أن نزرع فيها ما استطعنا من الخير ونتعلم أن نسامح ونتجاوز ونصبر، واقرئي من على صفحتنا استشارات مجانين، بعض ما كتبه زملاء لك ستعرفينهم من خلال صفحتنا فاقرئي ما يلي:
حيرة متفوق، بين الطب والسعادة !
طالب الطب ، ورحلة الأهوال !
ضحايا الطب سابقا: خبرة المرض والتعافي مشاركة
انظري إلى الأمام وسترين أن ثمة فرص عظيمة للعطاء وستعلمين أن لذة العطاء أعظم بكثير من لذة الأخذ، وحاولي التخلص من مشاعرك السلبية دفعة واحدة وذلك بإعلان العفو العام عن كل من ظلموك (أو ظننت أنهم ظلموك)، وأسأل الله لك التوفيق.