أكره السفر (الوداع)
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته؛
أنا شاب عمري19عاما، مشكلتي هي أنني أكره السفر وأخاف منه وذلك لأنني أخاف من ساعة الوداع، حيث أنني مضطر للسفر والدراسة في الخارج ولقد سافرت من قبل إلى بلدي الأصلي ولكن الدراسة فيها مكلفة جدا وخاصة لأبناء المغتربين حيث يفرض عليهم مصاريف إضافية ولذلك رجعت، وأنا الآن من أسبوعين مسافر إلى الهند للدراسة هناك. وذلك حسب قانون دول الخليج والتي منها دولة الإمارات التي أعيش فيها حيث أنهم لا يسمحون بالدراسة الجامعية هنا بالنسبة للوافدين، أنا عندما أكون مع أهلي وأمامي سفر فإنني أعد الأيام من قبل شهر على موعد سفري وأتمنى دائما أن يكون ذلك اليوم بعيدا، ولكن بمجرد دخولي المطار وصعودي إلى الطائرة فإنني أنسى كل شيء وأبدأ في التفكير في حياتي الجديدة التي سأعيشها في الغربة بعيدا عن أهلي.
أما عن تفاصيل حياتي فانا نشأت في قرية في أقصى شمال السودان المتاخمة لحدود مصر أبي تركنا هناك وسافر إلى بلاد الغربة وأنا عمري سنتان أو ثلاثة وأختي كانت صغيرة جدا (ربما كانت عمرها سنة)، المهم سافر ولم نره إلا بعد ست سنين أو سبع سنين تقريبا وذلك عندما طلب منا الحضور مع والده (جدي) إلى مصر ليجري جدي عملية جراحية هناك، المهم قضينا شهرين هناك ورجعنا إلى قريتنا بالسودان، ولم نره بعد ذلك إلا بعد ثلاث سنوات عندما حضر إلى البلد مع والديه وذلك عن طريق مصر حيث كان قد طلبهما مرة ثانية إلى هناك لا أذكر السبب.
عاش بيننا ستة أشهر تقريبا ولم يكن هناك أية محاورة بيني وبينه وأيضا بينه وبين أختي حيث كان يقضي معظم أوقاته مع رجال القرية، ثم سافر وعاد بعد سنتين في عرس عمي الذي أنفق فيه كل ماله تقريبا، وكان عرسا مكلفا فيه جدا وبذخا رغم أن عمي كان يتزوج للمرة الثانية بعد أن طلق الأولى-ولكن أجازته في هذه المرة لم تكن عاديه حيث أثار الناس شكوكا وكلاما سار بين المجتمع الصغير بأنه قد تزوج من امرأة تعرف عليها في عرس عمي وهي تقرب للعروس وقد جاءت لإحياء المناسبة المهم هو أنكر ذلك بشده وسافر مرة أخرى...
وطلبنا إلى هنا الإمارات بعد سنة من سفره من البلد، وعشت أنا وأختي حياة كئيبة جدا لأنه لم يكن هناك اية لغة حوار بيننا وبين الوالد، وأدخلنا الوالدة كواسطة بعد فشلنا نحن لتحدث أبي بخصوص علاقته بنا ولكي يتحدث معنا ويعرف همومنا أو حتى عن حياتنا الدراسية، ولكنه اكتفي بالرد على أمي بأن والده كان يعامله هكذا وكان لا يتحدث معه، فصرنا إحنا بحالنا وهو بحاله واستمرت المعاناة، إلى أن كانت المفاجأة بعد أن أنهيت دراستي الثانوية السنة الماضية عندما إتصل أحد من البلد وأخبر أمي بأن أبي قد تزوج من تلك التي تعرف عليها في عرس عمي وقد اعترف بعد أن ضغطت أمي عليه، فانفجرت أمي بالبكاء وكذلك أختي، أما أختي الصغرى التي ولدت بعد سنة من قدومنا إلى الإمارات فلم تفهم شيئا لصغرها.
أما أنا فقد صدمت جدا ووصلت ربما لكره والدي، واستغفر الله على ذلك لأنني رأيت أمام عيني الأذى الذي سببه لأمي والتي قد استحملت غيابه عنها في الغربة لعدة سنوات وكذلك نحن وقلت في نفسي هل هذا ما تستحقها هذه المسكينة وسعيت بشتى الطرق لكي أصبرها وكذلك صديقاتها وهي إلى الآن صابرة والحمد لله، أما الوالد فيقول انه سيطلقها فيما بعد لا نعرف متى وهو إلى الآن لم يقربها لأنها هناك في البلد ولكنه يرسل لها المصاريف فهي كالمعلقة إلى الآن، وأمي تقول إذا كنت فعلا تريد أن تطلقني فافعل ذلك وريحنا وريح بالك،،،
معذرة إن أطلت ولكني كنت أوضح حالتي الأسرية المريعة... وأقول لكل رجل إذا كنت لا تستطيع تحمل مسؤولية الزواج وما يترتب عليه فأرجو منك ألا تضيف أسرة كئيبة أخرى إلى لائحة الأسر المعذبة.
أما المشاكل الأخرى التي أواجهها فهي خوفي من مواجهة جمع غفير من الناس ومخاطبتهم مثلا وعدم المشاركة إلا قليلا في الفصل كأن أرفع يدي وأجيب على سؤال، حتى ولو كنت أعرف الجواب المشكلة وربما هي ليست مشكلة بمعنى الكلمة وهي أن قلبي رقيق جدا للغاية وحنون وأتعامل مع الجميع بحب، فمثلا إذا ألقى علي أحدهم السلام في الشارع فإنني أكون أكاد أطير من الفرح بمجرد أنه سلم على، وبعد مروره تراني أدعو له ولأهله بكل خير وكذلك للمؤمنين والمؤمنات.... وأنا أشعر أن رقة قلبي الشديد هو الذي يسبب لي الخوف من السفر.
رغم أنني غير مرتاح نفسيا مع أسرتي، ولكن ليس لي إلا أن أحب أسرتي مهما كانت المشاكل، فهم في النهاية أبي وأمي وأختاي وقد أوصاني الله بهم جميعا، ولو لا ذلك لكان لي تصرف آخر.
وفي النهاية لكم كل الشكر والتقدير والاحترام وأعتذر على الإطالة.
09/03/2004
رد المستشار
سيدي..... إن خوفك من الفراق شيء طبيعي وخصوصا في ظل ما ذكرته من رهافة أحاسيسك وهذا لأن الفراق قد يذكرك (ولو في اللاوعي) بالفراق الأول مع والدك وتركه لك.... ولكنك تقول أنك تتخطى ذلك بمجرد أن تصعد إلى الطائرة...
بالتالي ليست هناك مشكلة حقيقية في هذا.. من الواضح أنك تلقائيا تتخطى هذه الصعوبة... قد يساعدك أيضا أن تفهم أن مسألة الفراق ليست مؤلمة لهذه الدرجة... ومن ناحية أخرى، لا مناص من الفراق.. من المهد إلى اللحد نحن في حالة متكررة من الترك والفراق إلى أن نترك ونفارق الدنيا بأكملها.
أما عن خوفك من المواجهة في الجمع الغفير فهذا خوف شائع جدا وتدل الدراسات على أنه يأتي في المرتبة الثانية بعد الخوف من الموت في جملة المخاوف البشرية... ولكنه خوف يمكنك التغلب عليه بالممارسة فقط وليس هناك طريق آخر... أقول لك من خبرتي ومن خبرة الآخرين مع هذا الخوف أنه سيظل موجودا إلى أن تتغلب عليه بالممارسة وبمواجهة الخوف كالمثل الآسيوي القائل: إذا كنت تخاف من الماء فاقذف بنفسك (أو اقفز) في البحيرة.
أما عن والدك وأسلوبه مع والدتك ومع الأسرة ككل فيدل على أنه لا يعرف كيف يحب ولكنه لا يعني أنكم لا تستحقون الحب... إنك محق في قولك أنه لا يجب الإقدام على الزواج بدون المقدرة على القيام بمسئولياته.
ماذا تريد أنت من حياتك؟
أرجو المتابعة معنا
وفقك الله وإيانا لما فيه الخير والصواب.
ويضيف الدكتور وائل أبو هندي، الأخ العزيز السائل أهلا وسهلا بك، ونشكرك على ثقتك في صفحتنا استشارات مجانين، ما أود إضافته فقط بعد الإجابة الشاملة للأخ الزميل الأستاذ علاء مرسي، هو أن أحيلك إلى قراءة ما يرد تحت العناوين التالية على موقعنا مجانين:
إذا هبت أمرًا فقع فيه
مجتمعاتٌ ضد توكيد الذات
الخوف من المشاركة
الحياء الشرعي والرهاب المرضي
رهاب الساحة إلى متى؟
وأهلا وسهلا بك دائما على موقعنا مجانين، فتابعنا بالتطورات.