ماذا يسمى -الذي يتمنى ويكون عنده يوم المنى- عندما يعلم أن الله موجود، لأن عقله لا يقتنع؟؟
أنا إنسان أصوم وأصلي وأتهجد في رمضان...، قلبي مؤمن بالله، لكن عقلي غير مقتنع لكثير من الأسباب، منها:
- أنه على أي أساس نحن محاسبون إذا كان الكون بكل مكوناته، هو خلق الله، أليس كذلك؟؟ وأنا -الإنسان المحاسب- أيضًا كل ما بداخلي هو خلق الله، وكل شي في الإنسان بشكل عام، الله هو الذي أراد أن يكون فيه وأن يكون من خواصه (كبر، زهد، طمع، قناعة، حب، كره، إيمان، كفر، وسوسة شيطان، وسوسة نفس، شهوات، قدرات،علم،جهل....) وأي كلمة من الكلمات يكون ’معناها’ الله هو الذي قد خلقه، فكيف يقال: إن الله قد أعطانا "الخيار"، و"الخيار" الله هو الذي خلقه، ويستطيع التحكم فيه؟؟
- كيف يعقل أن هناك أحدًا يكون بكامل قواه العقلية وقد اقتنع بوجود الله وبالآخرة والحساب ويكفر بعد ذلك (إذا لم يكن لديه عقل غير محاسب، وإذا لم يقتنع لا يجب أن يسمى كافر لأن الكفر هو تغطية الحقيقة، فماذا إذا لم يكن مقتنعًا أن هذه (حقيقة)؟...)
- هل يجب إذا قيل لي: "اعبد صنم" أن اعبده حتى لو لم أكن مقتنعًا بذلك؟...
- كيف يمكن للإنسان أن يكفر بالحقيقة وهو مقتنع بها؟(مثل: "جحدوا بها واستيقنتها أنفسهم")؟
أنا مؤمن لكن كل شيء أراه في نفسي وفي الكون يكرهني بالحياة ويقوي في عقلي فكرة عدم وجود الله، يقولون: أن الله ليس منه إرادة الشر، "الخير من الله والشر من نفسي"، طيب السفاح الذي بسببه يقتل الآلاف ويعذبون ويهانون ويستعبدون، هذا الإنسان، من خلقه؟؟ من الذي لا يوقفه؟؟ الذي يفعله، أليس بِشَرّ؟؟.
عندما يصنع البشر سلاحًا مدمرًا ويستعملونه للخراب، أو يحدث كارثة طبيعية والإنسان قادر أن يوقفها لكنه لا يفعل، من المسؤول الأساسي؟؟ أليس الإنسان؟ (المسبب أو القادر) ومن مبدأ أن (البعر يدل على البعير) وأن الذي لا يصدق بشيء ما، يمكن أن لا يصدق بأي شيء.
- عندما يقول الله أن من صفاته وأسمائه "رحيم" و"كريم" و"عادل" و"رزاق" و"إني قريب أجيب دعوة الداعي إذا دعان" وأنه يتنزل كل يوم بالثلث الأخير من الليل ويقول هل من ذي حاجة فأقضيها له، وثم بعد كل هذا لا أجد إجابة دعاء ولا أجد شيئًا من هذا القبيل ألا أكون محقا بشكي؟
- ثم: إن الله قادر على كل شيء وإذا أراد لشيء أن يكون أنما يقول له كن فيكون، فلماذا علينا في كل شيء نريد حدوثه في الحياة أن نستوفي أسبابه..؟؟ أنا كيف سأؤمن بقدرة الله اللامحدودة، وبنفس الوقت بالأسباب؟ إما أن أؤمن بالله وقدرته، فإذا عبدته تمام العبادة أعطاني ما يرضيني، وإما أن أؤمن بمبادئ وقواعد الحياة، وبالفعل وبرد الفعل مع عدم وجود إرادة عليا...، بما أن الكافر الذي يحقق الأسباب يأخذ ما يريده من حياته والمؤمن الذي لم يحقق أسباب لم يأخذ شيء...، يعني كيف يمكن أن أؤمن بالشيئين معًا؟ إما أن يكون الله قادرًا، وإما أن تكون الأسباب قادرة!!
من أنا؟ أنا لم أعد أعرف...، عمري عشرون سنة، لكن لا أعرف ما معنى الحياة. يقولون: انظر لنصف الكأس الممتلئ. هه، طيب كيف إذا كان النصف الممتلئ من الكأس فيها سم لا يشرب؟ هذا إذا كان هناك كأس من الأساس! وعلى مبدأ "السيارة" –مثلا- لنعتبر أن عندي سيارة، وأنا في الصحراء بدون وقود، يا ترى أتفيدني بشيء؟؟
لا أعلم عن أي شيء في حياتي يجب علي التكلم فيه، تعودت النسيان، لا يوجد شيء جميل ليذكر، سأحكي ما يخطر في بالي وأتذكره:
أذكر أنا وصغير كنت دائمًا بالقرب من أمي أينما ذهبت، بالبيت دائمًا معها، هي كانت تحبني كثيرًا وتجدني منفذًا للراحة من مشاكلها، لا أعرف أن ألعب لوحدي إلا معها، لا أنام إلا معها...، أبي لا أذكر أني كنت أراه، إما خارج البيت من عدم التفاهم بينه وبين أمي، وإما نائمًا بغرفة النوم، وأنا مع أمي في الصالون، هاربة من "الشخير"، نادرًا ما كنت أراهم سوية، أمي تقول: أني كنت أحب أن أراهم سوية وأتمنى ذلك....، أول يوم ذهبت للمدرسة "التحضيري" بكيت لأنني سأترك أمي...(أمي مرت بتجربة مع الاكتئاب وكانت دائمًا منفعلة أثناء حملها بي لا أدري إذا كان هذا يؤثر علي).
بدأت أعي عندما كنا في بيت أهل أمي ريثما يجهز البيت الجديد، وهنا كانت بداية رحلات "ابن بطوطة" وعيت وأمي وأبي يريدان أن يتركا بعضهما، إما أن أغلق الباب بالكرتون من أجل أن تظل أمي، وإما استيقظ وأجدها ذاهبة، وهكذا، في عمر السبع سنين انفصلوا، وبما أني كنت دائمًا أعيش مع أمي "كطفيلي" يعني حامل بي لكن خارج جسمها، كانت هذه كارثة بالنسبة لي، خاصة أن أهلها كانوا معقدين، وحقودين، وبالأخص "جدي" يقول: هؤلاء أولاد عائلة الأب، لا دخل لنا بهم!! ،حاولت أمي كثير أن تبقيني عندها لكن لم تستطع.
ذات مرة بنصف الليل كنت في الصف الثاني ركبت الباصات ورحت من عند عماتي لعند أمي إلى بيت جدي، لكنه طردني وأوصى خالي بإعادتي. الطرد والتوبيخ صار عادة: "اذهب ولا تعود"... مكثت أنا وأخي وأختي عند عماتنا وطبعًا مع منعنا من رؤية أمنا، كانت تأتي أحيانًا إلى المدرسة تراني، لكن طبعًا كانت رؤيتها ممنوعة وبالتالي كان عمي وعماتي يوبخونني ويضربونني عقابًا على ذلك، لا أذكر أن أبي كان يفعل هذا لأني في الأصل لا أتذكر شيء عنه... بعد فترة علمت أمي بشيء يسمى "إراءة" في القانون، لكي يرى أولاد المطلقين أهلهم، فصرت أراها كل خميس وجمعة، وصرت أنتظر هذين اليومين في الأسبوع بفارغ الصبر، وأحسب الأيام لحين قدومهما.
في ذلك الوقت كان أبي تزوج، وذهبت من عند عماتي إلى عند أبي، إلى ذاك الحين أنا كنت أحب أمي، لكن صار الأمر ليس مقتصرًا على القلب، صار هناك عقل يفكر، فصرت بعقلي لا أحب وضع أمي لأشياء فيها لست بصدد ذكرها، يعني بشكل عام الدكتور النفسي قال: "مريضة في التعامل الاجتماعي". ثم ذهبت أختي لعند أمي هاربة، فاشترت أمي غرفة ومكثتا فيها، بعد فترة ذهبت أختي وسكنت لوحدها، وأنا انتقلت إلى غرفة أمي، ومكثت معها، وفي إثر تأخري ذات مرة بالعودة لعند عماتي وأبي، بعد اليومين المخصصين للزيارة، -أذكر حينها كنت في الصف الخامس- حجزوا لي الكتب وأغراضي.
أمي تقول أني لم أكن مثل الأولاد العاديين (يعيشون للعب ولا يهتمون بشيء)، كنت في صغري أتحسب لمشيتي وتصرفاتي، يعني ما لا أعمل شيئًا عفويًا، حتى البكاء لا أحب أن أريه لأحد، وعائلتي كانت تقول عني أني أكبر من عمري وكأن عمري ستين سنة، ما كنت أعمل شيئًا في حياتي غير المدرسة والبيت، في الصفوف الأولى كنت شاطرًا، ومتفوقًا، لذلك كان الرفاق هم الذين يلحقونني، لكن في بداية الإعدادي تراجعت بدرجة كبيرة (في ذلك الحين ذهبت إلى غرفة أمي)، وبالتالي لم يعد هناك رفاق جدد، لم يعد هناك سوى واحد أو اثنين من الذين كانوا معي، وبما أني لست اجتماعيًا ولا أعرف كيفية الاختلاط مع الناس، صارت المدرسة عقوبة من العقوبات أكثر ما كانت هي هكذا بالأساس.
مكثت مع أمي سنة أو اثنتين بعدها عدت لعند أبي، ثم مكثت عند عماتي فترة بعدها، وفي الصف التاسع ذهبت لعند أختي التي تزوجت ومكثت في بيت زوجها فترة شهرين، بعدها -في وقت الامتحان- زادت المضايقة بيني وبين أختي، (ولأن الوضع أصلًا غير طبيعي). مرة أخرى رجعت لعند أمي بعد ما صار عندها بيت وليس غرفة، وصرت أذهب إلى الامتحان وأنا لا آكل ولا أشرب من أجل أن أموت –كما يقولون-، نجحت وكانت درجتي 186، ومن وقتها وأنا عند أمي، ذهبت إلى المدرسة في الصف العاشر، أيضًا كانت عقوبة، وكنت وحيدًا أيضًا، لكن في هذا الوقت قد أضيف شيء جديد: أنه بعد ما عقلي رأى سوء محيطي المصغر "عائلتي" أصبحت أرى سوء المحيط كله... البلد المتخلف من جميع النواحي لا البشر بشر، ولا المدارس مدارس، ولا الشوارع شوارع....
ديني الإسلام المنبوذ بكل البلاد المتقدمة، أرى حياة البشر في الأفلام والبرامج "الأجنبية"، وأرى بلدي وحياتي، أقول لنفسي لماذا الإنسان هناك هكذا وأنا هكذا؟ هل لأنه ولد هناك وأنا ولدت هنا؟؟ إلى أن رفضت هويتي بأنني أنا سوري وابن أمي وأبي، أصبحت أعتبر نفسي أنني مخلوق أتيت على هذه المجرة أين ما كنت أكون، وبالتالي ما عندي انتماء ولا 1% لشيء اسمه "وطن".
في الصف العاشر رسبت وجلست في البيت، في الصف الحادي عشر سجلت في معهد لكن أيضًا ذات المبدأ: عقوبة، بكرهي لنفسي وشكلي وطولي وبلدي ولا أتكلم مع أحد...، إما أحس أن الشخص غير جدير للتكلم معه، أو أنا لست جديرًا للتكلم معه. صرت أروح وأجيء كأني لا أفعل شيئًا، أتى وقت البكالوريا، فقررت أن لا أكمل لأنني أراها عقوبة وصعبة، وأيضًا الدافع لها ليس بوزن الصعوبة في هذا البلد، والتعليم المتخلف، وإذا أردت أن أفكر في الحياة أفكر فيها خارج هذا البلد، والدراسة هنا غير معترف عليها في الدول الأجنبية، والدافع عامل مهم كثيرًا ولم يكن موجودًا...
أحب إذا عملت أي شيء أن أتقنه، وأحب أن يكون perfect لكن رأيت أنه لا يوجد شيء كامل في حياتي وفي الحياة بشكل عام. هه استسخفت أن أعمل أي شيء في هذا البلد، فوصلت إلى أسوأ وضع يمكن أن أصل إليه لو عملت أي شيء. أحب الكمبيوتر وأعلم قليلًا عنه، وباللغة الانكليزية، عملت في محل شهرًا ونصف، ولم أكمل، نفس الشيء لا أتكلم مع أحد وأكره البلد، وليس هناك شيء يريح ويسعد مقابل المضايقة...
بقيت جالسًا في البيت، ذهبت فترة لعند أبي الذي اشترى ميني ماركت، ولكن ليس لمدة طويلة، ولم أعد أذهب. أغلب الوقت وحيدًا في غرفتي في بيت أمي...، حاولت مرتين أن أنتحر، كذا مرة أمتنع عن الطعام والشراب، مرة بقيت 3 أيام، لكن فكرة الجنة والنار هي التي توقفني......
فجأة بعد رمضان الذي ذهبت فيه على التراويح والتهجد...، وبعد فترة الإحباط التي تأتيني بعد كل عبادة مكثفة ودعاء لأنني لا أجد شيئا قد تغير...، أتت "my cousins" من بلاد أجنبية بعيدة، أنا كنت قد رأيت "my cousin" عندما كنت في الصف التاسع لمحة، يعني أعجبتني أكثر واحدة من عائلتي ومن الناس الذين أعرفهم، لكن ذهبت، وعادي...، لكن عندما عادت هذه المرة من أول ما رأيتها وسلمت عليها، أحببتها، قبل ذلك بيوم كنت قد جرحت رقبتي من أجل أن أنتحر، لكن لم يكن هناك غير شفرة حلاقة وليست حادة، ولأن في بالي الآخرة، فلم يتم الأمر، رأيتها وأحببتها وأحسست أن الحياة يمكن أن تصبح حلوة بوجودها معي، مع العلم أني أحس أن التفكير في الأقرباء، حب وزواج ومثل هذا، غريب، وللمتخلفين ولأنني أعرف وضعي، وكم أنظر لنفسي نظرة دونية، لكن بالرغم من ذلك أحببتها، لأن ذلك ليس بيدي ولا عقلي وإنما بقلبي، ولأني لم أرها على أنها "أقارب" خاصة أنني لم أرها من قبل، ودائما كانت في تلك البلد.
صرت أخرج معها وأختها وأمي من البيت في بعض الأحيان، وإلى عند الأقرباء، مع أنني كنت أعزل نفسي عن الكل ولا أذهب لعند أحد، حتى لو أتى أحد ليزورنا أغلق على نفسي الباب ولا أرى أحدًا، (وأنا الآن هكذا)، كنت أراها وأتمنى أن نكون معًا ونظل معًا، مع علمي أن هذا الشيء "مستحيل" لوضعي، ولبعد البلاد... قبل أن تسافر ببضعة أيام، قعدنا سوية لمشاهدة فيلم وأمسكت يديها بعدما لمستها، ولاحظت أنها تريد أن أمسكها وأدفئها، بقينا لل4 صباحًا تقريبًا ثم ذهبت، ثاني يوم تمنيت أن أكون معها لكن لم يكن عندي أفلام جديدة، ولا أحب أن أدعها تشاهد فيلمًا قد شاهدته من قبل (لأنها لم تقل أنها تشعر اتجاهي بشيء، أو أنها تحب أن تكون معي، فكانت الحجة هي مشاهدة الفيلم)، وقد مت من شوقي إليها لأنني لم أستطع أن أكون معها في ذلك اليوم، في اليوم الذي يليه سهرنا سويًا أمسكت يدها وصرت أقترب قليلًا منها وهي تقترب قليلًا إلى أن عانقتها وكأني أعانق روحي، اقتربت منها to kiss her (طبعًا عن حب وليس عن جنس)، أدرت وجهي، فإذا بها هي التي تبدأ قبلي، وصارت تمسك بيدي وتضعها على جسمها من أجل أن ألمسها أكثر من الkissing من حبي لها ولأجل عدة أسباب أخرى منها الدين، لم أقم بعمل أكثر من هذا، كنت فقط أحب hugs and kissing، هي كانت تحاول وضع يدها على أماكن ثانية، لكن أنا لم أسمح لها، وأمسكت بيدها، وبقينا هكذا لل7 صباحًا، ثم ذهبت...
لا أعرف لماذا أحكي هذه التفاصيل، ربما لأني أريد أحدًا يشهد على هذا الحلم، أو أحدًا يشهد على خيبة الأمل أو لأن هذا الشيء هو الوحيد الجميل في حياتي...، سافرت، وسافرت روحي معها، بقيت أسهر وأبكي للمرة الثانية، بعد بكائي على بعدي عن أمي، حاولت أن أتكلم معها على messenger مع أني أعرف أن هناك عوائق أكبر من قضية هل أحبتني أم لا، لكن لم تقل لي أنها أحبتني ولا شيًا من هذا، بالرغم من بعض العلامات، وسألتها عن الليلتين قالت لي "get over it"، ثم سافرت أنا على دبي لعند أختي من أجل أن أعمل لكن كنت في وضع مزري وقتها، مشاكلي وحبي الذي ضاع، وجلوسي عند أختي "أنثى" ببيتها وطعامها وهكذا، هذا غير علاقاتها التي أضطر أن أسكت عنها، وغير عصبيتها ومعاملتها السيئة، لم أستطع أن أعمل ولا هم يحزنون، رجعت وما زلت لا أستطيع نسيان التي أحببتها ولا ليوم واحد..(وإلى الآن) تكلمت معها أكثر وفهمت أن الذي جعلها أن توقف تفكيرها بي أني her cousin "أقرباء" ولأنها كانت مضطربة عندما كانت في بلدي، هذا غير ما قالته: أنها تريد أحدًا يحب كل شيء في الحياة ليحبِّبُّها بها وليس واحدًا مثلي يزيد مضايقتها واكتئابها.
اشتغلت أيضًا في محل كمبيوتر لمدة شهرين أو أكثر قليلًا، ثم تركت مع أن صاحب المحل كان قد أعجبه عملي وكان يعاملني معاملة خاصة، لكني كنت أتعب جسديًا ونفسيًا وخاصة كنت أذهب إلى معهد كمبيوتر، وإلى نادي ال3 في نفس الوقت، لأني –كما يقولون- قررت أن أحسن حياتي، وأعوض ما فات من الوقت (هكذا أحيانا أقرر أن أتحمل الحياة وأعلي همتي لأغير حياتي، لكن أرى سلبيات الحياة في كل مكان، فأعود وأنتكس).
أتى وقت الخدمة العسكرية (وأقول لنفسي لماذا ابتلاني الله أن أكون في هذا البلد الذي فيه مثل هذا القانون الإجباري؟ وكيف من المنطق أن يكون إجباريًا؟ مع العلم أنني لن أعترض على ذهابي لولا علمي بالاختراقات والانتهاكات و التعذيب غير المبرر الذي يطبقونه)، وصرت أذهب وأجيء لعلهم يعفوني لأن عندي مشكلة في ظهري، وكانت هي القشة التي قسمت ظهر البعير تركت العمل، رأيت تخلف المعهد وتعليمه، والزملاء (خفاف الدم)، مع العلم أنه يعد أحسن معهد في البلد فتركته أيضًا، والنادي كنت دائمًا ألعب وأنا متضايق، لكن أجبر نفسي وألعب من أجل أن أعوض النقص في طولي، وبما أنه كله مضايقة في مضايقة تركته أيضًا... سنتان ولم أستطع أن أنساها لأنه الحب الذي في القلب (وليس الإعجاب الذي في القلب) لا ينسى أو لأنه كان الشيء الوحيد الجميل في حياتي، أو لأنني بقيت مقتنعًا أنها أحبتني في وقت من الأوقات، لكن كان هناك عوائق أكبر منا.
بقيت أنام وأعانق ال blanket تركته لي ذكرى منها، وأعانق الوسادة متخيل أني أعانقها، متجاهلًا ما قالته وما حدث...، الآن في الآونة الأخيرة، أحبس نفسي في البيت مع أمي التي دائما متشاجر أنا وهي، أعرف أن هناك "غضب ورضا"، لكن أنا الآن مثل الكأس الممتلئ إذا أضيف إليه نقطة يفيض، أذهب بعض الأيام إلى عند أبي ثم أعود فلا أذهب إليه، لأنه لا يفهم عليّ شيئًا، ولم يعد في حياته شيء غير المحل وترتيبه وتنظيفه، خاصة أصبح لديه من زوجته ولدين ويريد تأمين طعامهما، ولأني أحس أن تفكيره سخيف مثل غالب الشعب والحمد لله، وتقتير وعقد من أجمل ما يكون، وشخصيته ضعيفة ووضعه مأساوي، وأنا لا ينقصني أسى فوق الأسى، مع أنه يحبني لكنني لست الله حتى أحاسب على النوايا.
أرجع إلى غرفتي أجدها أحسن شيء...، الشيئان الوحيدين اللذين كنت أعتبرهما جميلين في هذه الحياة بالنسبة لي ولحياتي الsex وال love، اللذان هم في حياتي (شم ولا تدوق) ال sex بس بالأفلام، والlove بالخيال والأحلام، هما عندي شيء ينسي شيئًا آخر. عندما أكون تائبًا، لا أرى الأفلام، تسيطر عليّ ذكرى الحب، وعندما تسيطر عليّ، أرى الأفلام من أجل أن أنسى وأخرج من الجو القاتل من الكآبة والوحدة. أقول "ال sex المحض هو الطعام والlove الماء، الطعام إجباري كل يوم تحتاج طعامًا جديدًا من أجل أن تشتهيه، أما الماء نفسه كل يوم ولا نمل منه ونظل بحاجة إليه، وهو الأهم".
أضحي بالsex كله مقابل الLOVE، أقبل كل يوم ذات الطعام حتى بدونه أيضًا، فقط أن يكون هناك مياه، لكن أي شيء يستكثر علي...، لا أخرج من المنزل، ولا أقدر على رؤية الناس، ولا على فعل أي شيء، أحس نفسي ميتًا من العطش وفي منتصف الطريق، ليس عندي قدرة على النهوض ولا على البحث عن شيء يساعدني، لا أجد غير الدعاء...، عندما أكون وحيدًا أكون مكتئبًا وهادئًا، لكن عندما تتكلم أمي معي، أو أجبر على الاحتكاك مع الناس ينقلب هدوئي إلى عصبية، لست قادرًا على عمل أي شيْء للتغيير، أحس كل شيء صعبًا ومضايقة، وأنه لا يوجد شيء جميل يصبر، أو دافع أو هدف يساوي هذه الصعوبة....
الآن في الفترة الأخيرة، لم أعد أحب شيئًا على الإطلاق. أحيانًا أرى البشر على أننا "CREATURES" مثلنا مثل أي حيوان ثاني لكن أذكى بقليل، كلنا نحتاج الدخول إلى التواليت، ونحتاج أن ننام ونأكل، وكلنا نأكل بعضنا، وهناك نقاط كثيرة مشتركة، لكن المظاهر تخدعنا وتنسينا من نحن.
الذي يجري معي أنني أكره التعامل مع الناس، وفي نفس الوقت عندي خوف، لأن عندي مبدأ: أن الشخصية القوية يجب أن تكون مبنية على إنجازات على شيء ما، ليس على وهم وفراغ، لا أحب أن يرى الناس أي شيء يظهرني ناقصًا، ليس من أجل التكبر عليهم ولكن لكي لا يتكبروا هم علي، أصبحت أكره الناس، وأكره نفسي معهم، حتى الحب لم أعد أثق أنه سيحييني بعد كل هذا العطش والموت الداخلي، يعني أعرف أن في الحياة ابتلاءات لكن أن تكون كلها ابتلاء؟
لا أتمنى على الله غير أن أنام فلا أصحو في اليوم الثاني، لكن حتى هذا لا أحصل عليه!!!
ما يحز في النفس عدم وجود "منام"، أو شيء،.. يقول: أنت غلطان بكذا، ويجب أن تعمل كذا، (يعني شيء يبدر عن غير البشر)، عن شيء يحس بي ويعرف وضعي على حقيقته، وليس عن ناس تحكم على المظاهر....، أعتذر أكيد ملَّ قلبك من قراءة هذا الكلام الفارغ، لكن هكذا هي حياتي فارغة، وكأني لا شيء، فما العمل؟
لكن شكرًا على كل حال وجزاك الله خيرًا سواء وصلتك صورة عني أو لم تصل، وسواء ساعدتني أو لم تقدر (وأنا هذا ما أتصوره، لأنني لا أظن أن الحل سيكون بتغيير شيء بداخلي، ولكن بتغيير شيء من حولي، شيء مادي، شيء ملموس، لكن ماذا أفعل؟ هذا هو الشيء الوحيد الذي أقدر على فعله).
لكن أرجو الرد على كل حال ...<الأهم> هو الأسئلة المتعلقة بالله لأنه إذا كان "الله" موجودًا لا يوجد مشكلة.
10/11/2011
رد المستشار
أهلًا وسهلًا بك ياsomeone وبeveryone على مجانين؛
لفتت استشارتك نظري كثيرًا، فهي متميزة وتبرز صفات إيجابية كثيرة فيك، وسأبدأ بذكره هذه الإيجابيات قبل الكلام على غيرها:
- رسالتك محورها البحث عن الحقيقة، وهذا يدل على نفسك الطموحة الراقية التي لا ترضى بالتفاهات، وإنما تتطلع دائمًا إلى الأعلى...
- تظهر كذلك ضميرك اليقظ الحيّ، وحسك السليم بالصواب والخطأ: (عدم قبولك بجميع تصرفات أمك وأختك، ورفضك للبقاء عند أختك "الأنثى" لوحدكما، ورفضك لتمادي cousins your في أفعالها -غفر الله لكما-).
- قوة إيمانك ظاهرة أيضًا رغم ظنك المعاكس بنفسك! (غلبة خوفك من عقاب الله تعالى على رغبتك في الانتحار رغم الاكتئاب الشديد الذي تعاني منه، خوفك من عاقبة شجارك مع أمك...).
- التزامك بالطاعة واستمرارك على الصوم والصلاة، بل والتهجد في رمضان رغم كل ظروفك وتنقلك بين البيوت والأسر، وتفكك أسرتك، وكرهك لنفسك والناس، الخ....
- التجاؤك إلى الدعاء والوقوف بين يدي الله تعالى، وهذا كنز لا يحظى به، ولا يقدر عليه إلا من سكن الإيمان قلبه.
- الوفاء لمن حولك، ولأبويك رغم ما عانيت منهما، فغيرك –من أولاد المطلقين- يبدأ أول ما يبدأ بذكر مساوئهما ووضع اللوم عليهما، لكننا نراك لم تذكر عنهما شيئًا من هذا، إلا تلميحًا سريعًا، ثم تضع لهما الأعذار بعده...
- حياؤك وأدبك الظاهر، فلا تصرح بما يصرح به غيرك عادة عند كلامهم على علاقاتهم العاطفية، أو مغامراتهم الجنسية...
- ذكي ووعيك مبكر، وتفكيرك أكبر من سنك كما يقول عنك من حولك.
- حساس وعاطفي وشاعري ورقيق، تحتاج لمن يقدر هذا ويحسن التعامل معه، لكن للأسف قليل من يفهم على أمثالك.
- لغتك جميلة سلسة ولا تُمِلُّ القارئ، وتعابيرك رقيقة، وتشبيهاتك بليغة، رغم استخدامك للكلمات العامية أحيانًا كثيرة.
أنت باختصار: إبداع سوري متميِّز!!
ستقول لي الآن: كفى مبالغة وكلامًا لا أساس له و(حاجتك كَشّ)!!
وأجيبك أنْ هذه هي الحقيقة ولكنك لا تراها، لماذا؟ باختصار لأنك تعاني من اكتئاب حادّ!! ولا أعني بالاكتئاب ما نطلقه على حالنا عندما نكون في تعاسة وسآمة، ولكن أعني به حالة مرضية لها أعراضها وتأثيرها، وعلاجها الدوائي والنفسي... هذه الحالة تغير شخصيتك الأصلية وتغرقها في السلبية والعجز النفسي والفكري والجسدي...
وأعراض الاكتئاب:
- شعور بالحزن الشديد الملازم، والتعاسة، وانخفاض الهمة (لا أخرج من المنزل، ولا أقدر على رؤية الناس، ولا على فعل أي شيء, أحس نفسي ميتًا من العطش وفي منتصف الطريق، ليس عندي قدرة على النهوض ولا على البحث عن شيء).. ويشتد الحزن في أوقات من اليوم دون غيرها، وغالبًا في الصباح الباكر.
- عدم القدرة على الاستمتاع بأي شيء: (لا أعرف ما معنى الحياة، لا يوجد شيء جميل ليذكر، لم أعد أحب شيئًا على الإطلاق).
- عدم القدرة على التركيز والشعور بالتعب: (لكن في بداية الإعدادي تراجعت بدرجة كبيرة، لكني كنت أتعب جسديًا ونفسيًا وخاصة كنت أذهب إلى معهد كمبيوتر، ليس عندي قدرة على النهوض ولا على البحث عن شيء يساعدني، لست قادرًا على عمل أي شيْء للتغيير، أحس كل شيء صعبًا ومضايقة، وأنه لا يوجد شيء جميل يصبر، أو دافع أو هدف يساوي هذه الصعوبة....).
- اليأس والتشاؤم والرغبة في الانتحار: (هذا إذا كان هناك كأس من الأساس!، البلد المتخلف من جميع النواحي لا البشر بشر، ولا المدارس مدارس، ولا الشوارع شوارع، أتى وقت البكالوريا، فقررت أن لا أكمل لأنني أراها عقوبة وصعبة،... وإذا أردت أن أفكر في الحياة أفكر فيها خارج هذا البلد, والدراسة هنا غير معترف عليها في الدول الأجنبية, وبعد فترة الإحباط التي تأتيني بعد كل عبادة مكثفة ودعاء لأنني لا أجد شيئا قد تغير، حتى الحب لم أعد أثق أنه سيحييني بعد كل هذا العطش والموت الداخلي, حاولت مرتين أن أنتحر).
- أداء أقل في العمل: (لكن في بداية الإعدادي تراجعت بدرجة كبيرة).
- هادئ وقليل الرغبة في الكلام: (عندما أكون وحيدًا أكون مكتئبًا وهادئًا).
- سهولة الاستثارة والغضب: (لكن عندما تتكلم أمي معي، أو أجبر على الاحتكاك مع الناس ينقلب هدوئي إلى عصبية).
- الشعور بالذنب لأشياء لا دخل لك بها، والشعور بالدونية: (ديني الإسلام المنبوذ بكل البلاد المتقدمة.., أرى حياة البشر في الأفلام والبرامج "الأجنبية"، وأرى بلدي وحياتي، أقول لنفسي لماذا الإنسان هناك هكذا وأنا هكذا؟ هل لأنه ولد هناك وأنا ولدت هنا؟؟ إلى أن رفضت هويتي بأنني أنا سوري وابن أمي وأبي، أصبحت أعتبر نفسي أنني مخلوق أتيت على هذه المجرة أين ما كنت أكون, وبالتالي ما عندي انتماء ولا 1% لشيء اسمه "وطن"..).
- الاضطراب في النوم والطعام، بزيادة أو نقصان.
- الشكوى من مشكلات جسدية غير واضحة.
- عدم الاهتمام بالنفس والمظهر.
- قلة الرغبة الجنسية.
- التهور والعدوان.
وإضافة إلى الاكتئاب ذكرت ما يشير إلى وجود أحد سمات الشخصية القسرية، أو ربما الوسواس القهري، وهو السعي الدائم نحو الكمال، كذلك التفكير القطبي (كل شيء أو لا شيء) ويظهر في قولك: (أحب إذا عملت أي شيء أن أتقنه، وأحب أن يكون perfect لكن رأيت أنه لا يوجد شيء كامل في حياتي وفي الحياة بشكل عام. هه استسخفت أن أعمل أي شيء في هذا البلد, فوصلت إلى أسوأ وضع يمكن أن أصل إليه لو عملت أي شيء).
كل هذا التفصيل فصلته لك ليتضح لك ما تعاني منه، وأنه مرض كسائر الأمراض يعيق عن متابعة الحياة بشكل سليم كما يعيقها أي مرض جسدي آخر، بل هذا المرض أصعب لأن الناس لا تشعر بك ولا تفهمك، بل على العكس، هم دائمو اللوم لك، يكثرون من مطالبتك بأشياء لا تستطيع القيام بها وأنت على هذه الحال... ولهذا المرض علاج يتكون من شقين: دوائي، ومعرفي سلوكي..، فلا بدّ لك من الذهاب إلى الطبيب للعلاج، وإن كان من يحسن العلاج المعرفي السلوكي (الذي يصحح الأفكار والتصرفات) أندر من الكبريت الأحمر في بلادنا العربية، لكن لا أقل من أن تتناول الأدوية.
أنت ذكرتَ رأي الطبيب النفسي بأمك، لكنك لم تبين هل ذهبت أنت أم لا؟ وهل تلقيت علاجًا أم لا؟
وأرجو ألا تيئس سلفًا من التحسن، وأنا كفيلة لك بأنك ستحس بفرق واضح بعد شهر من بدئ العلاج، فلا تحرم نفسك من الشعور الطبيعي المريح المتزن. لكن لابدّ من التأني وعدم اليأس، فأنت الآن بعد طول معاناتك وعزلتك الاجتماعية، كمحبوس في غرفة مظلمة لمدة طويلة، أراد أن يخرج إلى ضوء الشمس، فإذا استعجل ستتضرر عيناه حتمًا...
وقد تسألني: وكيف يصحح الدواء ألمًا نفسيًا شعوريًا؟ وأجيبك: لأن سبب هذا الألم والشعور ليس إلا وجود اضطراب في الناقلات العصبية في دماغ الإنسان، والدواء يعيد هذه الناقلات إلى طبيعتها، فتعود المشاعر طبيعية... طبعًا سأجيبك على باقي أسئلتك الآن، ولكن وطّن نفسك أنك لن تنال فائدتها المرجوة إلا بعد البدء بالأدوية والشعور بالتحسن، فالاكتئاب –كما أخبرتك- يضعك في حالة من اليأس والعجز ترفض معها أي خطوة للأمام، وتكره أي كلام يدفعك إلى الحركة والعمل الإيجابي!!! لهذا عليك أن تعدني بأن تذهب إلى الطبيب ثم تعاود قراءة هذه الكلمات بعد تحسن مزاجك...
سؤالك عن كيف نحاسب وكل ما فينا من خلق الله:
فهناك مغالطة ظاهرة فيه، سأبينها لك وعندئذ تتبين إجابته: المغالطة في قولك: (فكيف يقال: إن الله قد أعطانا "الخيار", و"الخيار" الله هو الذي خلقه، ويستطيع التحكم فيه؟؟)...
تعال نتفق بداية على معنى: (خلق الله تعالى لخيارك، وتحكمه فيه):
إن الله تعالى إما أن يوجد الخيار فيك بخلقه وقدرته، أي يوجد فيك القابلية على ترجيح أمر ما على آخر أو على عدة أمور...، واختياره بقرارك الحرّ، ودون أن يقوم أحد بإجبارك عليه... فأنت حينئذ مختار مسؤول عن ترجيحك واختياراتك. وإما أن لا يخلقه أصلًا أو يخلقه ناقصًا: كما في المجانين والمعتوهين، وهؤلاء لا يحاسبهم الله تعالى لأنه لم يمنحهم الخصيصة التي تجعلهم قادرين على الترجيح والاختيار بين الأمور المختلفة.
إذن فالله تعالى يتحكم في الخيار بأن يعطيه زيدًا من الناس أو لا، لكنه متى وهبه إياه، فإنه يطلق للإنسان حرية استخدامه ولا يجبره على أي فعل يريده، ليس لعجزٍ في قدرة الله عن التحكم بالعباد بعد منح الاختيار، ولكن لأن التحكم والإجبار، نقيض الحرية والاختيار، وإذا لم يطلق الله تعالى الحرية للإنسان، فلا يمكن أن يقال إن الله تعالى أعطاه الاختيار بحال من الأحوال. وهذا معنى قوله تعالى: ((وما تشاؤون إلا أن يشاء الله رب العالمين))، فليس معناها أن الله تعالى يتحكم فيما يختاره الناس، وإنما المعنى: أنهم لا يمكن أن يكونوا أحرارًا مختارين، لو لم يشأ الله تعالى أن يمنحهم قابلية الاختيار ويثبتها في نفوسهم، ولعلك تسألني: إذن لماذا يحاسبنا وهو قد قال لنا: افعلوا ما تشاؤون؟
والجواب في المثال التالي:
شخص أعطاك كأسين أحدهما فيه ماء والآخر فيه عصير برتقال، وقال: لك كامل الحرية في أن تختار أي كأس لتشربه، ولكن أقول لك منذ البداية: إن الكأس الذي فيه عصير البرتقال، قد وقع فيه سمٌّ زعاف، ولا بدّ لمن يشربه بأن يموت، وأنا قد أخبرتك، والأمر لرأيك أولًا وأخيرًا.... فهل يكون قد تحكم بنهايتك، وهل تكون مظلومًا إذا اخترت كأس البرتقال، لأنك لم تصدق الرجل ولا تريد أن تكلف نفسك عناء البحث عن حقيقة ما يقوله؟ أو إذا اخترته لأنك تحب البرتقال جدًا وتريد أن تشربه مهما كلف الأمر؟ وهل يكون هناك معنًى لقولك: لماذا أموت وقد أعطاني الحرية في أن أشرب أي الكأسين شئت؟
إن الله تعالى عندما يحاسبنا، إنما يوفينا نتائج أعمالنا التي اخترناها بكامل إرادتنا، بعد أن وصَلَنَا بيان الله تعالى الذي يشرح لنا نتائج كل عمل، ويبين لنا النافع من الضارّ... أظن أن الأمر أصبح واضحًا، وأننا اتفقنا على أن الله تعالى خلق الاختيار فينا، لكنه ترك لنا حرية استخدامه كيف شئنا بعد أن بين لنا نتيجة كل اختيار نختاره، وسوف نحصل على نتائج ما اخترناه كاملة يوم القيامة.
بعد هذا: كل ما يدخل تحت اختيارك من ألأفعال والأقوال، فأنت محاسب عليه، وكل ما لا يدخل تحت الاختيار فلا تحاسب عليه... فلا تحاسب على وزنك، ولا طولك، ولا على قدراتك الجسدية والذهنية، ولا على من هم والداك، ولا أين ولدتَ، لأن وجود هذه واختياره ليس داخلًا تحت قدرتك واختيارك، والله لا يكلف نفسًا إلا وسعها...، لكنك تحاسب على شكرك على ما أعطاك الله -من هذه الأشياء- واستعماله في مرضاته، وعلى رضاك به وبما اختاره تعالى لك بحكمته، أو عدم رضاك لأن هذا داخل في وسعك.
ولا تحاسب على شعورك بالجوع، أو الخوف، أو الحب، أو الكره، فهذه المشاعر مركبة في الإنسان بغير اختياره، ولكنك تحاسب عن استجابتك الإرادية لهذه المشاعر: عندما جعت، هل أحضرت الطعام من حلال أم من حرام؟ وعندما خفت زيدًا من الناس، هل دفعك هذا لتكذب عليه، أو لا؟ وعندما أحببت فتاة ما، هل دفعك حبك هذا للتقرب إليها بالزواج، أم بفعلٍ حرام؟ وعندما كرهت شخصًا ما، هل بادرت بطرد هذا الشعور والدعاء لمن كرهته، أم أنك استرسلت مع شعورك، وقمت بأذية من تكره؟ عندما شعرت بالكبر تسلل إلى نفسك وكيانك، هل أنكرت هذا من نفسك، وجاهدتها وذكرتها بقيمتها وأنها لا يحق لها هذا، أم أنك استرسلت مع الكبر ونفخت نفسك كالمنطاد وصرت تستعلي على فلان وفلان؟ وهكذا... والأمثلة على هذا لا تدخل في الحصر...
سؤالك عن الكفر مع تمام العقل ووجود القناعة:
ما تسأل عنه أمر معقول الحصول وموجود فعلًا! بل إن أكثر حالات الكفر تكون مع القناعة، وذلك بسبب اتباع هوى النفس، والتكبر على الحق، وهو ما تبينه الآية التي ذكرتَها: ((وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ)) [النمل:14]. فالجحود والكفر كان لسببين: ظلم اتصفوا به في أنفسهم، ظلموا به غيرهم وأنفسهم، وعُلُوٌّ أي تكبرٌ عن اتباع الحق والخضوع لله ولأوامره... وليس بالضرورة أن يكون الكفر على هذه الصورة دائمًا، فما ذكرته أنت من أن الكفر تغطية الحقيقة، يتعلق بالمعنى اللغوي، إذ الكفر في اللغة هي: التغطية. ومناسبة تسمية الكفر بهذا الاسم: أن الكفر فيه تغطية للحقيقة. لكن تعريف الكفر في اصطلاح الشريعة، (أي ما يعتبره الشرع كفرًا): هو مخالفة مقتضيات الإيمان وإنكار الأمور الواضحة المعلومة من الدين بالضرورة، كوجوب الصلاة، أو الصوم، وحرمة الزنا، والخمر، وهكذا...، إذن: لا يشترط أن يكون عالمًا وموقنًا بالحقيقة، بل يكفي إنكارها على أي حال سواء مع وجود القناعة السابقة أم مع عدمها...
وأما قضية هل يجب عليك إن قيل لك: اعبد الصنم أن تعبده بغير قناعة. فلعلك تريد أن تسألني: هل يجب عليَّ أن أعبد الله تعالى إذا قيل لي: افعل ذلك، دون أن أكون مقتنعًا به قناعة عقلية؟
إنك إنسان مسلم، ولدت لأب وأم مسلمين، وأكرمك الله تعالى بمعرفته، والوقوف بين يديه، فإذا عصفت بذهنك رياح الشبهات، وجب عليك أن تهرع إلى إزالة هذه الشبهة التي هزت إيمانك، إذ لا يليق بك أن ترتد إلى منزلة دون المنزلة الراقية التي كنت عليها، ووجب عليك أن تعيد الاطمئنان إلى قلبك.
إذن يجب عليك أن تسأل عما يدور في خاطرك ويزعجك، أي كما فعلت الآن –بارك الله بك- إلى أن يطمئن قلبك وتزول عنك الشبهة، ومهما وجدت الشبهة قائمة، وجب عليك أن تسأل وتسأل إلى أن تعود إلى منزلتك الإيمانية العظيمة التي تستحقها وتسمو عن الحيوان بها.
هذا ما يتعلق بك، لكن لو سأل كافر هذا السؤال، فنقول: تعرّف على الأدلة أولًا، ثم حسب ردّة فعله (قبولًا ورفضًا أو عدم وضوح الأدلة له) حسب هذا يكون حكمه، وحكم التعامل معه، وليس هنا مكان لبيان هذا...
سؤالك عن أن الله تعالى لا تكون منه إرادة الشرّ، ومن الذي يقدر على إيقاف الشر؟
دعني أولًا أصحح لك عبارتك، فأنت قلت: (أن الله ليس منه إرادة الشر)، والصواب: (أن الله تعالى لا يرضى عن الشر، ولكنه يريده)!!!..، ودعني أبين لك الفرق بين الإرادة والرضا: أما إرادة الله تعالى للشر: فهي فرعٌ عن إرادته لكون الإنسان مختارًا، فالله عندما خلقك مختارًا وأراد هذا، وأراد أن تكون بحيث يصدر منك أفعالًا شتى تختارها أنت، فإنه بذلك أراد جميع أفعالك سواء كانت خيرًا أم شرًا، كفرًا أم إيمانًا، ظلمًا أم عدلًا.....،
وأما رضاه: فلا يكون عن الشر والكفر، وإنما يرضى عن الإيمان وسائر الطاعات فحسب...
وضربت مرة مثلًا لأحد السائلين عن هذا وقلت له: (الأب حينما يعطي ولده بعض المال ليختبر قدرته على البيع والشراء، ثم يرسله إلى البائع دون قيد ولا شرط، ويتركه لاختياره وقدرته على التصرف، لا بد أنه يكون قد شاء وأراد النتيجة التي يجيء بها سواء كان راضيًا عنها أم لا، لأنه لم يرسله إلا وهو يريد ويشاء إظهار نتيجة تصرف ولده الذي قام به بكامل حريته، وبعد أن تظهر نتيجة تصرف الولد إما أن تكون جيدة فيكافئه الأب، أو تكون غير ذلك فيعامله بما يلزمه... فالله إذن مريد لطاعة الطائع ولمعصية العاصي، لكنه يرضى الطاعة ولا يرضى المعصية...، فالرضا مختلف عن الإرادة، قال تعالى: ((إِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنْكُمْ وَلَا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ وَإِنْ تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ)) [الزمر:7]. فالله تعالى يريد كفر الكافر بالمعنى الذي تم شرحه، أي لأنه أراد منحه حرية الاختيار، لكنه لا يرضى عن فعله، وسوف يحاسبه على كفره هذا ومخالفة أمره، وليس معنى أنه مريد للمعصية أنه راضٍ عنها، وأظن هذا قد وضح من مثال الأب وولده، فالأب مريد لإظهار تصرف ولده، لكنه لن يرضى عنه في حال أساء التصرف وسيحاسبه عليه).
آتي الآن إلى اعتراضك: لماذا لا يوقف الله تعالى الظالمين عن ظلمهم، ويحمي الناس منهم ومن شرِّهم؟
إن الله تعالى إذا حجز الإنسان عن فعل ما –سواء كان خيرًا أم شرًا- فهذا يعني أنه سلبه شيئًا من حرية الاختيار التي منحه إياها، إذ المفروض أنه يختار ما يشاء، فالشر إذن ناجم عن الإنسان وليس عن الله تعالى، والله يترك الظالم ليظهر قبح أفعاله فيحاسبه عليها الحساب العادل، في الوقت الذي يشاء، ونحن نؤمن بحكمته في التأخير والتقديم...، وطبعًا ستسألني: وما ذنب المظلومين؟!!
الدنيا ابتلاء وامتحان يا Someone ولا يوجد إنسان –مهما بدا لك أنه منعَّم مسرور- لا يوجد إنسان بلا ابتلاء، وبلا معاناة، قد تختلف الابتلاءات شدة، ولكن هذا ليس بمذمة ((إِنَّ مِنْ أَشَدِّ النَّاسِ بَلاَءً الأَنْبِيَاءَ ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ))، فشدة البلاء مع الصبر تدل على عظم منزلة الإنسان عند الله تعالى، وعلى قدر أهل العزم تأتي العزائم!
ولو تأملت فيما يجري في عالمنا الغريب، لتبيّن لك أمر مهم: تكثر هذه الأيام الزلازل، والفيضانات، والأعاصير، والحوادث المختلفة من انفجار طائرات، أو انقلاب سفن، أو تصادم سيارات، وغير ذلك مما تسمعه كل يوم مما لا يدخل تحت حصر ولا عدّ... هذا الذي قتل تحت الأنقاض في زلزال، أليس مساويًا في بلائه لمن قتله الظالم؟ وهذا الذي فقد أعضاءه في حادث، أليس بلاؤه مساويًا لمن قطع أعضاءه معتدٍ؟ وهذا الذي حبس في منزله جراء فيضان إلى أن مات دون أن ينقذه أحد، أليس بلاؤه مساويًا للذي سجنه باغٍ وتركه بلا طعام حتى فارق الحياة؟
إذن ماذا نفهم؟ نفهم أن ما قدّر على الإنسان من بلاء، -لاختباره ورفع درجته في الحياة الآخرة الباقية الأبدية التي لا ينفد نعيمها ولا ينتهي- نفهم أن ما قدر عليه من موت وتعذيب وغير ذلك واقع على كل حال، ولكن إما أن يقع هذا عن طريق من لا يحاسب، وعن طريق من لا يعقل ولا اختيار له، كالكوارث الطبيعية مثلًا، أو عن طريق الخطأ..، وإما أن يقع على يد من يعقل ويحاسب ليظهَرَ عملُه وشرُّه...، والظالم والمظلوم كلاهما يفنى في النهاية، ويفنى هذا المسرح الكبير الذي نعيش فيه، ويبقى لكل منهما –أي الظالم والمظلوم- عمله الذي سيصاحبه إلى خارج هذا المسرح فيحاسب عليه...، فتسليط الناس بعضهم على بعض إنما يظهر أفعالهم: الظالم وشره، والمظلوم وصبره أو لجاجه...
ثم هناك ناحية مهمة: إن حياتنا تبدأ على هذه الأرض، ثم ننتقل إلى منزل آخر لا يراه من يعيش على الأرض حتى يفارقها، ويبقى فيه إلى أبد لانهاية له... فعليك أن تنظر إلى حياتنا من أولها إلى آخرها (وليس لها آخر!)، وألا تقتصر على الجزء الأول الصغير الصغير منها، والذي جعله الله تعالى مكان عمل تجمع من خلاله ثمنَ دارك الحقيقة التي ستسكنها.
ونحن نستعجل، ونظن أن من الظلم ألا يحاسب الله تعالى الظالم في هذه الدنيا، ولكن الله تعالى سيحاسبه عاجلًا أم آجلًا في فترةٍ بدايتها اللحظة التي ظَلَم فيها، وتمتد إلى قيام الساعة، فإذا خرج الحكم في ذلك اليوم، وقعت العقوبة عليه حسب فعله، والكافر يخلد يعاقب لا ينقذه شيء إلى ما لا نهاية! ((وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ)) [إبراهيم:42]، أليست هذه عقوبة عادلة لإنسان كان سيستمر في ظلمه ما عاش في الدنيا؟ فعوقب ما عاش في الآخرة؟ ما قيمة ساعات من التعذيب أمام الآلاف مؤلفة من السنين التي لا تنتهي، يقضيها الظالم يتجرع أشد أنواع العذاب التي لا تخطر على بال؟ يتمنى الموت فلا يأتيه...
ويكفي أن تتأمل هذه الآيات ونداء أهل النار لخازنها: ((إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِي عَذَابِ جَهَنَّمَ خَالِدُونَ * لَا يُفَتَّرُ عَنْهُمْ وَهُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ * وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا هُمُ الظَّالِمِينَ * وَنَادَوْا يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ قَالَ إِنَّكُمْ مَاكِثُونَ * لَقَدْ جِئْنَاكُمْ بِالْحَقِّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَكُمْ لِلْحَقِّ كَارِهُونَ)) [الزخرف:74-78]، يقول المفسرون: أن أهل النار ينادُون مالكًا خازن النار بطلب الموت، وينتظرون الإجابة وهم في أشد العذاب مدة ألف عام، وبعد انتظار هذه الألف يأتيهم الجواب مخيبًا لآمالهم: ((إنكم ماكثون))!!! فأين هذا من بضع ساعات، أو أسابيع، أو أشهر، أو سنين ينتظر فيها المظلوم الفرج، ثم لا يجيبه الظالم؟
أنت تريد الجزاء الآن وحالًا، وتظن تأخيره محاباة للظالم من الله –تعالى عن ذلك علوًّا كبيرًا-، لكن هذا حال الإنسان، فقد خلق عجولًا، والجزاء سيأتي الظالمَ يومًا، وإمهاله سيزيده ظلمًا وبالتالي عذابًا ويومئذ يفرح المؤمنون ويشف الله صدورهم، وينسون كل شقاء ذاقوه... أسهبت في إجابتك على هذا النقطة، فقد وقع في فخها كثير من الناس، ولعل هذه الأسطر -التي فتح الله تعالى بها- تكون مخرجًا لهم من ذلك الفخ.
سؤالك عن وصف الله تعالى نفسه بالرحيم والعادل، وبأنه يجيب الدعوات، ثم لا يستجيب لك، ثم تقول: ألا أكون محقًا بشكي؟
لا يا أخي، لست محقًا بالمرّة!!!
لماذا؟ لأن استجابة الدعاء لا يصلح وحده للاستدلال على وجود الله تعالى، وإنما هو مكمل ومثبت للقلب بعد اقتناع الإنسان بوجود الله عن طريق الأدلة العقلية، وعدم وجود الاستجابة لا يقوى على نسف العقيدة المبنية على قناعة عقلية، فإن استطاع ذلك، فهذا يدل على أن الإيمان لم يكن مبنيًا على دليل، ولا على نظر وتفكير، ولا على قناعة، وإنما هو مجرد تقليد للآخرين... وإليك هذا المثال لتقريب الأمر –ولله المثل الأعلى-: لو أن رجلًا اشترى سيارة فاخرة، وفحصها، وقام بكتابة العقد –وهي ماثلة أمامه لم تتحرك-، وثبتت ملكيته لها، واستلمها فورًا وذهب إلى منزله...، وفي الطريق وقف عند إشارة المرور، ثم أراد أن يكمل سيره بعد رؤيته للضوء الأخضر، فلم تعمل السيارة!!! فغضب واحمرّ وجهه وصرخ: هذه ليست السيارة التي اشتريتها!!! لو كانت هي لكان يجب أن تعمل!!!
ما رأيك؟ بعد أن ثبت أنها ملكه بالدليل الذي هو العقد، واستلامه لها فورًا قبل أن يحركها أحد، هل يستطيع بعد كل هذا أن ينكر ملكيتها لأنها لم تَسِرْ؟ ألم يكن الأحرى به أن يسأل عن سبب عدم سيرها إن كان عاقلًا؟
ثبت أن الله تعالى موجود، وأن له صفات الكمال بدليل لا ريب فيه ولا شك، لكنك لا ترى تجليات هذه الصفات تنالك، هلا سألت عن السبب؟ وأين يكمن الخلل؟
فإذن عليك أن تطلع على دلائل وجود الله تعالى، فإذا اقتنع عقلك بوجوده وصفاته العلية، فاسأل بعدها: "أنا أعلم أن الله تعالى موجود، وأنه كريم رؤوف رحيم يجيب دعوة الداعي إذا دعاه، فلماذا لا يستجيب دعائي؟"
وهنا أجيبك: إن للدعاء آدابًا، ولاستجابته شروطًا، فإذا أهملت الآداب، وفقدت الشروط، كانت الإجابة بعيدة المنال، مهما تمنى المرء وتمنى...
فأولًا: هناك آداب لابدّ من التحلي بها قبل الوقوف بين يدي الله تعالى والطلب منه، وأحدنا لو أراد أن يطلب شيئًا من موظف كبير في هذه الدنيا، لحسب للقائه ألف حساب، ولأخذ يتدرب على الكلمات التي يقولها له، وكيف سيشكره إن أجابه، وماذا سيلبس، وكيف سيدخل، وفي أي وقت وووو...، فكيف ننسى أن نفكر بهذا كله قبل الوقوف بين يدي ملك الملوك، وقبل الطلب منه؟
هل يعقل أن يرجو أحدنا الإجابة وهو يقف بين يدي الله تعالى متأففًا، غاضبًا، وقلبه يصرخ ويتململ: (لماذا ما استجبت دعائي؟ إذا كنت ربًا فاستجب!!! كيف تريدني أن أطيعك وأنت لا تستجيب لي؟؟؟؟) أستغفر الله تعالى من ذلك الكلام كله، وأعوذ به أن يكون حالنا هكذا.
إن الداعي الذي يرجو الإجابة ينبغي أن يبحث عن الزمان والمكان الأفضل للدعاء، كوقت السحر، وبعد الصلاة، وفي المساجد...، ثم يتقدم بحب وأدب وذوق، فيتفقد نفسه وينظفها ظاهرًا وباطنًا، فيتوضأ، ويستغفر الله تعالى، ويسأله التوبة، وإن استطاع أن يتصدق بشيء فعل، فإن لم يستطع الصدقة، قام بأي فعل صالح، كالذكر، أو الصلاة، ونحو هذا... ثم يتوجه إلى الله تعالى بذلّ منكسرًا بين يديه، متذكرًا ضعفه البشري وقوة الله، وعجزه وقدرة الله، ثم يبدأ فيحمده ويذكر نعمه ويثني عليه، ويصلي على رسوله عليه الصلاة والسلام الذي لولا تبليغه الرسالة، لما عرفنا الله تعالى ولما استطعنا أن نقف بين يديه ولا أن ندعوه، ثم يدعو بما شاء مفوضًا أمره إلى الله تعالى راضيًا بقضائه، ويلحّ عليه بالطلب لا يملّ ولا ييئس، ويرجوه طامعًا في استجابته، ثم يختم دعاءه بالحمد والصلاة على رسوله صلى الله عليه وسلم كما بدأ بهما... ومع هذا كله عليه أن ينتبه إلى أمور:
أ- التحرز عن المال الحرام، فهو يمنع إجابة الدعاء: قال صلى الله عليه وسلم: ((أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ اللَّهَ طَيِّبٌ لاَ يَقْبَلُ إِلاَّ طَيِّبًا، وَإِنَّ اللَّهَ أَمَرَ الْمُؤْمِنِينَ بِمَا أَمَرَ بِهِ الْمُرْسَلِينَ، فَقَالَ: (يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ)، وَقَالَ: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ). ثُمَّ ذَكَرَ الرَّجُلَ يُطِيلُ السَّفَرَ أَشْعَثَ أَغْبَرَ يَمُدُّ يَدَيْهِ إِلَى السَّمَاءِ: يَا رَبِّ، يَا رَبِّ، وَمَطْعَمُهُ حَرَامٌ وَمَشْرَبُهُ حَرَامٌ وَمَلْبَسُهُ حَرَامٌ وَغُذِيَ بِالْحَرَامِ فَأَنَّى يُسْتَجَابُ لِذَلِكَ؟!)).
ب- عدم الاستعجال، وعدم اليأس من إجابة الله: فعن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((لاَ يَزَالُ يُسْتَجَابُ لِلْعَبْدِ مَا لَمْ يَدْعُ بِإِثْمٍ أَوْ قَطِيعَةِ رَحِمٍ، مَا لَمْ يَسْتَعْجِلْ. قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا الاِسْتِعْجَالُ؟ قَالَ: يَقُولُ قَدْ دَعَوْتُ، وَقَدْ دَعَوْتُ، فَلَمْ أَرَ يَسْتَجِيبُ لِي فَيَسْتَحْسِرُ عِنْدَ ذَلِكَ وَيَدَعُ الدُّعَاءَ)). ويستحسر: أي ينقطع.
ج- تعرَّف على الله في الرخاء، يعرفْك في الشدة: وفي الحديث: ((مَنْ سَرَّهُ أَنْ يَسْتَجِيبَ اللَّهُ لَهُ عِنْدَ الشَّدَائِدِ وَالْكُرَبِ فَلْيُكْثِرِ الدُّعَاءَ فِى الرَّخَاءِ))، وقد أوصى رسول الله صلى الله عليه وسلم سيدَنا ابن عباس رضي الله تعالى عنه فقال: ((احْفَظِ اللَّهَ يَحْفَظْكَ، احْفَظِ اللَّهَ تَجِدْهُ أَمَامَكَ، تَعَرَّفْ إِلَيْهِ فِي الرَّخَاءِ يَعْرِفْكَ فِي الشِّدَّةِ، وَإِذَا سَأَلْتَ فَاسْأَلِ اللَّهَ، وَإِذَا اسْتَعَنْتَ فَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ)). فإذا تحبب العبد وتقرب إلى الله تعالى بطاعته وشكره على نعمه، والصبر قضائه وقدره، وصدق الالتجاء الخالص قبل نزول المصيبة، في حالة السرور والأمن...، عرفه في الشدّة بتفريجها عنه، وبأن يجعل له من كل ضيق مخرجًا ومن كل هم فرجًا.
وأخيرًا: تذكر أن الدعاء -في نفسه- عبادة تنال عليها الأجر العظيم، فلو لم تحصل من دعائك إلا على أجره لكفاك. والله أعلم بمصلحتك، وقد تكون أنت جاهلًا بها، فتدعوه بشيء تظنه ينفعك وهو مما يضرّك، فيبدل الله تعالى طلبك بأمر آخر يكون أنفع لك، قال عليه الصلاة والسلام: ((ما من مسلم يدعو الله بدعوة ليس فيها مأثم ولا قطيعة رحم إلا أعطاه إحدى ثلاث: إما أن يستجيب له دعوته، أو يصرف عنه من السوء مثلها، أو يدخر له من الأجر مثلها. قالوا: يا رسول الله، إذا نكثر. قال: الله أكثر))، فكلما أكثرت من الدعاء، فالله أكثر منك في الإجابة ودفع السوء وإعطاء الأجر.
أجاب الله صالحَ دعائِك ودعائِنا وجميع المسلمين، وفرج عنا جميعًا ما أهمنا وأغمنا، وهو أعلم بنا...
سؤالك عن قدرة الله تعالى والأسباب:
ربما يبدو سؤالك للوهلة الأولى غريبًا وساذجًا بالنسبة للبعض، ولكن لو انتَبَهُوا إلى أن غالب الناس لا يعلمون عن عقيدة الإسلام إلا ما يفهمه الطفل الصغير من الشهادتين: الله واحد، لا اثنان ولا أكثر، ومحمد -عليه الصلاة والسلام- هو الإنسان الذي كلفه الله تعالى بحمل الرسالة إلينا!!!
أما ما هي الوحدانية؟ وأما أن الله تعالى واحد في صفاته كما هو واحد في ذاته، وأما غير ذلك...، فأغلب الناس لا يعلمون عنها شيئًا...، وفي هذه الظروف يغدو سؤالك في محله، ويعبر عن عقل سليم باحث عن الحقيقة... إن الذي يتصور أن الأسباب قادرة بذاتها على إحداث النتائج، أو أنها غير قادرة لكن النتيجة لازمة لها، بحيث لابدّ من ظهور النتيجة عند اتخاذ الأسباب وذلك كقانون طبيعي لا يتخلف...، أو أن الله تعالى وضع في الأسباب قدرة على إحداث النتائج، وتركها تعمل عملها بعيدًا عنه وعن قدرته... كل من يتصور هذا وأشباهه، ثم يعمل عقله بشكل سليم، سيصل إلى هذا التساؤل حتمًا: كيف أؤمن بوجود قوتين منفصلتين تستطيعان التحكم في الأشياء؟ أليس هذا شبيهًا بقولي: إن في الكون إلهين كلاهما يتصرف كما يشاء؟ وسيصل ليقول: إما أن يكون هناك أسباب قادرة، أو إله قادر، أما وجود الاثنين معًا فهو مستحيل!!!
أسعدني سؤالك فعلًا، لأنك أثبت به أن عقلك يعمل بطريقة منطقية، وسأخبرك بمكان اللبس عندك، وهو علاقة الأسباب بالنتائج في شريعتنا الإسلامية المطهرة... إن الله تعالى هو القادر على كل شيء، وهو الفاعل، وغيره لا حول له ولا قوة، ولا تأثير له البتة في شيء، فلا النار تقدر على الإحراق بذاتها، ولا تلازم بينها وبين احتراق الأشياء عند ملامستها...، ولا الطعام قادر على الإشباع، ولا الماء قادر على الريِّ، ولا تلازم بينهما وبين حصول الشبع والري عند تناولهما.....
وحقيقة الأمر: أن الله تعالى خلق الأسباب: النار، الطعام، الأدوية.....، وخلق النتائج: الاحتراق، الشبع، الشفاء....، وجعل العادة أن يرتبط حصول هذا بحصول ذاك مجرد ارتباط، لكن الحقيقة أن السبب ليس هو الذي أحدث النتيجة!!! وإنما النتيجة حصلت بخلق الله تعالى لحظة مباشرة السبب. فمثلًا:
- عندما تتناول الدواء، يخلق الله تعالى الشفاء في جسمك لحظة تناولك له، أما الدواء فلا يستطيع فعل شيء، ولو شاء الله تعالى لشفاك بغير دواء، ولو شاء لحجب عنك الشفاء رغم تناولك للدواء...، وهكذا يقال بالنسبة للإحراق، وللشبع، وللقتل وغير ذلك...
حتى الإنسان ليس له قدرة على شيء، ولكن إذا اتجه اختياره إلى فعل ما، كأن يقف مثلًا: أمدّ الله تعالى عضلاته بالقوة شيئًا فشيئًا حتى يقوم بما يريده ويختاره، ولو لم يمده لبقي في مكانه ساكنًا لا يتحرك مهما اشتهى وتمنى وأراد.... والدليل على ذلك: أنه يمكن للنتيجة أن تتخلف عن أسبابها، ولو كان لأسبابها قدرة ذاتية مستقلة عن قدرة الله تعالى، لما تخلفت النتيجة أبدًا، إذ المفروض أن قدرتها تعمل دائمًا، ولكن لما رأينا أن النتيجة تتخلف أحيانًا، علمنا أن هناك قدرة أخرى تتحكم في إيجاد النتائج أو تخلفها، وهذه القدرة هي قدرة الله عز وجل.
ألم ترَ كيف أن النار لم تحرق سيدنا إبراهيم عليه السلام عندما أمرها الله تعالى أن تكون بردًا وسلامًا عليه؟
ألم ترَ كيف تخلف وجود الذبح والموت عند استعمال السكين، عندما حاول سيدنا إبراهيم -أيضًا- أن يذبح ولده إسماعيل عليهما وعلى رسولنا أفضل الصلاة والسلام؟
ألم تسمع بإنسان صدمته سيارة، ورمته أرضًا، فقام يمشي ما به خدش؟!!
ألم تسمع بطالب مجدّ، درس وحفظ، ذهب إلى الامتحان فلم يستطع أن يتذكر ورسب؟ أليست الدراسة سببًا للنجاح؟ لماذا لم ينجح إذن؟
الجواب ببساطة: إن الله تعالى لم يخلق –في هذه الحالات كلها- لم يخلق النتيجة بقدرته عند حصول أسبابها، كما اعتدنا أن يحدث...، والحكمة من تخلف النتيجة في بعض الأحايين، أن ينبه الله تعالى الناس إلى قدرته، ووحدانيته، وأنه هو الفاعل القادر، لا الأسباب الظاهرة... ووجود النتائج عند العمل بالأسباب، كذلك تخلفها في بعض الأحيان ولو اتخذت الأسباب، أو وجودها دون اتخاذ السبب، جعله الله تعالى يجري على المؤمن والكافر، سواء بسواء، لكن الفرق أن عمل المؤمن عبادة يدخل بها الجنة، وعمل الكافر يأخذ نتيجته في الدنيا وما له في الآخرة من خلاق!! المؤمن عمل فكسب الدنيا والآخرة، والكافر أتعب نفسه ولم ينل إلا الدنيا التي سيفنى هو وهي!!
بعد هذه المقدمة الطويلة، أرجع إلى قولك: (ثم: إن الله قادر على كل شيء وإذا أراد لشيء أن يكون أنما يقول له كن فيكون, فلماذا علينا في كل شيء نريد حدوثه في الحياة أن نستوفي أسبابه..؟؟) لسبب بسيط! وهو أن الله تعالى كما أمرنا أن نصلي ونصوم، أمرنا أن نأخذ بالأسباب ونحن مطيعون له بهذا الأخذ، فالطاعة ليست مقتصرة على العبادات، إنما كل حركة تتحركها، يمكن لك أن تجعلها طاعة باتباع ما شرعه الله تعالى فيها، ويمكن أن تجعلها معصية، ويمكن أن تبقيها في حيِّز اللهو والعبث إن لم تكن في أصلها معصية...
لكن لماذا شاء الله تعالى هذا الارتباط؟ ألم يكن كافيًا أن تحصل هذه الأمور دون أن يتحرك الإنسان؟ بلى، فالله قادر على كل شيء، ولكن لو كانت الأشياء تحدث وحدها دون أن تتحرك، كيف سيظهر الله تعالى نواياك لك وللآخرين؟ أما الله فهو عالم بخلقه سواء تحركوا أم لا، ولكن لابدّ من إقامة الحجة على الإنسان.
لو أن قتل الإنسان لأخيه كان يحصل بمجرد تمنيه لذلك، ودون أن يتحرك ويمدَّ يده إلى المقتول، كيف سنعلم من القاتل؟ وكيف نحاكمه؟ سيقول كل متهم: أنا لم أشأ قتله، اسألوا غيري!!!
إذن لكل شيء أوجده الله تعالى في هذه الدنيا حكمة بديعة، والسعيد من عرف كيف يقرأها من صفحات الحياة، وكيف يسعد بها..
وبعد سرد إجابات تساؤلاتك، أحبّ أن أعلق على ما ذكرته من علاقتك العاطفية...، لا شك ولا ريب أننا جميعًا بحاجة إلى لمسة حنان، وإلى كلمة رقيقة، وإلى جلسة حالمة تعيد الروح إلى عروقنا، والنبض إلى قلوبنا...، لا شكّ أننا جميعًا وقد أحاط بنا شؤم المعاصي في كل مكان، ودخل إلى بيوتنا عبر الشاشات والمواقع، وأذهب بهجة أيامنا وحلاوة أحلامنا، لا شك بعد هذا أننا بحاجة إلى الحب يسقي ما جفّ وتشقق من أرض قلوبنا... وميلك لأنثى تحبها وتحبك، وتعطف عليها وتعطف عليك، حقك المشروع، وحق كل إنسان...، ولكن يا someone ائت البيوت من أبوابها! ربما تظن أنه لا مفتاح لديك تفتح به الباب فقفزت من الشباك!!
أخي الغالي: من يتقِ الله تعالى يجعل له مخرجًا، ويرزقه مالًا وزوجة، وعيشة هانئة من حيث لا يحتسب...، والصبر مفتاح الفرج، واليوم قد فتح الله لك بابًا عظيمًا من الصبر فلا تضيِّع هذه الفرصة، وإنما يوفّى الصابرون أجرهم بغير حساب، ولعل هذه الأيام –إذا صبرت فيها ورجعت إلى الله تعالى- لعلها تكون أفضل أيام عمرك يوم القيامة، ولعل لحظات ظننتها أسعد أيام حياتك، تكون عليك شؤمًا وحسرة وندامة يوم القيامة...، نفسك طموحة، وعقلك وقاد فلا تضيعهما بالنظر إلى هذه الدنيا فحسب...، ارحل بروحك إلى المعالي، إلى الله تعالى، وانظر إلى ما بعد حياتنا هذه... لكن أعود فأذكرك: اذهب إلى الطبيب للعلاج أولًا!! لأنك قد تتأثر بكلامي فتهب لتغير وتعمل (وتهد الماضي)، وإذ بك يعيقك التعب الجسدي والنفسي، فتعود يائسًا حزينًا محبطًا!! اذهب إلى الطبيب، ثم اقرأ كلامي بعد أن تبدأ علامات التحسن..
وبالنسبة ل cousins your، رغم أن قلبك أحبها، وهفا إليها كأنثى –وإن ظننت أنه مجرد حب وإعجاب- وربما رأيت في صفاتها ما يعوض صفاتك التي لا تحبها من نفسك...، ولكني –وأنا أختك الناصحة لك- لا أراها مناسبة لك، أتريد أن تعيد سيرة أبيك وأمك؟ أتريد أن يعيش أبناؤك ما عشته أنت وتمنيت أن لم يكن؟
هذه فتاة تشربت عادات المجتمع الغربي، فلا ترى بأسًا من أن تروي شهواتها مع أيَّ إنسان، ثم تمضي الأمور كأن شيئًا لم يكن، وتقول بعدها: " get over it"!! وهكذا كلما سنحت لها الفرصة إلى أن تجد زوجًا، ربما كان لها من الصعوبة بمكان أن تعيش تحت جناحه بعد أن اعتادت الحرية!! كانت هي التي تبادر لتأخذ منك ما تريد من متع جسدية لا تدل على وجود حبّ، فلما جاء دور العطاء قالت: أنها تريد أحدًا يحب كل شيء في الحياة ليحبِّبُّها بها وليس واحدًا مثلك يزيد مضايقتها واكتئابها!!! هذه هي طبيعة الحياة الغربية النفعية المادية، لا ينجو منها إلا من رحم الله، أنت تبحث عن الحب والحنان، ولن تجدهما عند إنسانة كهذه...
الحب في المجتمع الغربي شيء، والزواج شيء، والجنس شيء آخر!! ويمكن أن يمارس كل واحد منهما على حدة منفصلًا عن الآخر!! أما نحن فالحب –بين الذكر والأنثى- والزواج والجنس، تجتمع تتلاحم ليسكن تحت ظلها الزوجان...
بلادك التي لا تعجبك خير آلاف المرات من بلاد جفاف الروح وخواء القلب، أحيانًا أستغرب الطلاب الأجانب عندما يأتون للدراسة إلينا، أحدهم يملك منزلًا كالأحلام، وعملًا يدر عليه المال الوفير، ثم يضحي بهذا كله ويسكن في الأحياء الشعبية البسيطة قرب جامعاتهم ومعاهدهم، في حارات يفارقها النظافة والرقي!! وتراهم في غاية السعادة، تغلبهم العبرات في كل مرة يضطرون للسفر فيها إلى بلادهم!!!!!!!!!
تسألهم فيجيبون: هناك هدوء ونظافة، لكن هنا يوجد روح! هناك مال وكل شيء متوفر، لكننا نضطر أن نعمل طوال النهار مثل العبيد!! إحداهن كانت تقول لي: عندما أرجع أريد أن أجلس في المنزل وأتفرغ لتربية الأطفال، وليدبر زوجي نفسه وأموره!! قلت: إنك مستعد للتضحية بالطعام مقابل الماء (الحب) وهذا ما فعلوه هم، ضحوا بكل شيء مقابل الروح التي يفتقدونها هناك!!
أخيرًا: صحيح أن ما حولنا (يجنن العاقل)، ولابد من تغيير كثير من الأشياء، ولكن ما بداخلنا يحتاج إلى تغيير أيضًا، غير أنك إذا غيرت ما بداخلك استطعت أن تخفف كثيرًا من آثار ما حولك عليك، ولا يكلف الله نفسًا إلا وسعها، حاول بذل ما تستطيعه مهما كان قليلًا وناقصًا لإصلاح نفسك وما حولك، ولا تقل أريده كاملًا، لأن الله تعالى يعطيك الثواب، والجزاء في الدنيا والآخرة على بذل ما تستطيع، وليس على كمية ما بذلت... فإن لم يتغير ما حولك، تجاهله ما استطعت، وارمه وراء ظهرك، ولا تجعله أمامك تصطدم به ويعرقل مسيرك كلما أردت أن تخطو إلى الأمام...
ولا تنتظر المنام، فقد جاءك من غير البشر وحيٌ من الله تعالى، أرسله إليك مع نبيه صلى الله عليه وسلم يقول لك: الصواب كذا، والخطأ كذا، فاذهب واطلع على هذا الوحي واعرف ما به، وحينها تعرف وحدك ما الصواب وما الخطأ في أفعالك، وتعرف الدواء والعلاج... لا تنتظر المنام، وإن كنتُ أسأل الله تعالى أن يمنحك ما يثبت به فؤادك ويسعدك ويؤنسك في النوم واليقظة... عافاك الله، وأزال همك، وثبت قلبك، ونفع الأمة بك، ورزقك الزوجة الصالحة الحانية، واصطفاك للقرب منه في الدنيا والآخرة..
واقرأ على مجانين:
الاكتئاب الجسيم لا الأعظم!
الاكتئاب المتبقي أم العلاج المنقوص؟ م
الرجال والاكتئاب
الدمية الشقية والانحياز للذكور
متابعات الدمية الشقية
خرافة العصر الحديث
كل شيء أو لا شيء: التفكير القطبي
التعليق: "من أنا؟ أنا لم أعد أعرف...،" انها اصعب مهمة أن تعرف نفسك!! أنصحك بالرجوع إلى استشارة:
بوصلة على مفترق طرق
و متابعاتها .
تريد سرا صغيرا قد يخفف عنك قليلا: "لست وحدك ظروفك متأزمة" فقد عانيت معاناة لا تقل عن معاناتك ولكني أدركت أن الله لم يخلقني لأعاني
وقد تأملت قول الله عز وجل: "طه*ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى" نعم فالحياة أسمى من مجرد معاناة ومآسي..
من تجربتي أيضا لاحظت أني من يظن بنفسه سوءا ثم يتهم الآخرين بذلك فانتبه إن كان عندك شيئا من هذا... شدتني جملتك: "أنني لا أظن أن الحل سيكون بتغيير شيء بداخل" فهنا مربط الفرس أنت عرضت العلاج ولكنك رفضته! وأصدقك القول أن هذا لن يكون سهلا فمنذ 9 سنوات أحاول تطهير نفسي وتغييرها ولا زلت أجاهدها ولم أصل للمستوى المطموح... فإياك أن يصيبك اليأس!
"وما يلقاها إلا الذين صبروا وما يلقاها إلا ذو حظ عظيم" بارك الله بك يا أستاذة رفيف فكنت سببا في إحياء النفوس