تفكير زوري وسوء توافق
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته؛ تحية إلى موقعي الحبيب، والاستشاريين الأعزاء. لا تدرون كم أشعر بالعزاء الجميل عندما أقضي الساعات في هذا الموقع أبحث عن معلومة أو أقرأ كلامًا من ذهب كتبتوه حلاً لمشكلة، بارك الله لكم في أعمالكم وحياتكم وجزاكم عنا كل خير، من الآخر كده، كيف نتعامل مع شخص لديه تفكير زوري Paranoid thinking ؟ قرأت عشرات الصفحات عن هذا الموضوع ووجدت أغلب الصفات منطبقة على قريب لي لكن نادرًا ما أجد كيفية التعامل مع من لديه هذا التفكير.
كيف نحافظ على حقنا بأن لا يُساء لنا وتُحترم حدودنا وبنفس الوقت نُشعر صاحب هذه الشخصية بالأمان والثقة جهتنا وأنه مهما حدث بيننا سنرحب به عندما يهدأ؟ لو أخطأ معه أحد لأنه لم يعرف كيف يتصرف كيف يمكن أن يعيد علاقته به؟ ماهي التصرفات أو الكلام الذي يجب ألا يقال له أبدا؟ كيف يمكن أن يفهم ولو داخليًا أننا لسنا كما يظن أو يتهمنا حتى لو لم يعلن اقتناعه؟ ما هي الأشياء التي لا فائدة منها معه وما التي يمكن أن تفيد حتى لو بشكل بطيء؟! بعد أي موقف يفعل شيئًا يشعر أنه انتقم به ولو معنويًا ثم يتجاهلنا فترة طويلة، هل نطاوعه فيما يقول ويفعل دون تعليق أم نحاول شرح أسبابنا بعد فترة؟ هل نرد على تجاهله بتجاهل حتى يغير رأيه أم نحاول التقرب له؟
كيف أضمن أن الاستجابة لرغبته بالانعزال لن تزيد الأفكار في رأسه سوادًا ولن تعلمه ألا يثق بنا أبدا فيزداد تفكيره الزوري سوءًا ليتحول لاضطراب بدلاً أن يكون حالة عابرة؟ علمًا بأنه في الأوقات العادية يحاول أن يزور الآخرين ويهديهم، وسبق أن أحس أنه أخطأ أو بالغ فاعتذر بشكل مباشر أو غير مباشر. والحق يقال حتى الآن لم يحدث أن ضرب أحدا لكن قد يحدث خلال الشجار تكسير أشياء هذا غير ضرب الأبواب بعنف تهتز له الجدران.
هو ناجح بعمله و منضبط لكن يشعر أنه مخنوق في البلاد الخليجية، وفشل خطبة ومسؤولية وعمل قديم جعله يشعر بالسوء، يعني بعد كل تجربة يصبح أصعب. كيف نستغل إذن نقاطه الإيجابية؟
هذا بالنسبة له أما بالنسبة لي، فأظن أني أتأثر أكثر من اللازم بالمواقف الغاضبة والشجارات خاصة أن غضبة صاحب التفكير الزوري غير مفهومة فقد يكون عاديًا ثم يثور فجأة لخبر أو جملة بريئة قرأ ما وراء وراء وراء سطورها واستشرف مستقبلها بعد 5 سنوات!
أما في الأحوال العادية التي تهدأ فيها الأمور تماما لأشهر فأيضًا أشعر بالتوجس وحتى التبسط منهم أستقبله وأتعامل معه بشكل جيد لكني لا أثق باستمراره وأتمنى أن نفترق على هذه الحال الحسنة لأني متأكدة أن دوامها مستحيل. حتى لو كانت هناك نوبة غضب أو شجار حادة مرتين بالسنة فقط تكفيني لأعتبر الوضع غير مستقر طوال العام وأنه قد يحدث بسبب خطأ غير مقصود أو هفوة أو كلمة قيلت ببراءة أو حتى أمر خارجي لا علاقة لنا فيه أن ينفجر الغضب مطيحا بكل ما كان من قبل.
أجد أني أتوجس بدون دلائل وغالبا لا تصدق توجساتي، لكن أعتبر الغضب والشيطان لو تمكنا من شخص فمن الممكن أن أتوقع منه أي شيء حتى لو لم يسبق لهذا الشخص أن آذى جسديا. أشعر أن لدي جهاز استقبال ممتاز للشحنات السلبية أو الهالات المعكرة بالجو فخلال الشجار أكون متماسكة لكن أشعر بعدها أن هناك طاقة سلبية فظيعة في الجو وحتى الشخص الغاضب يبقى في نظري بعد أيام من الشجار محاطا بهالة أو غيمة غضب تخيفني وتجعلني أتجنبه وأتجنب غرفته وحتى الوقت الذي يكون فيه والطريق الذي يسلكه. حتى الكلمة الواحدة المسمومة تكهربني لساعات. لا أعتبر نفسي حساسة لكني تفكيري بكم الغضب والكراهية وهذه المشاعر السوداء خلف كل هذا يجعلني أرتجف من الخوف.
قطيعة الرحم كابوس بالنسبة لي، وشجار الإخوة بينهم أو مع الوالدين يهب بمخيلتي فورا لقصة قتل قابيل لأخيه هابيل أول خطيئة في العالم، فأفقد الشعور بالأمان. لو تذكرت طفولتي أتذكر خلافات الأطفال الدائمة وكان أحد والدي صارما في تعليماته على الكل سريع الغضب ويضرب الأولاد بإيلام لكن دون جرح أو كسر ولأسباب أحيانا لا نراها تستحق كل هذا، لكن أبوي كبرا بالسن وأصبحا مسالمين. أتذكر وأنا طفلة أني كنت أحب البقاء وحدي حتى لو ضحيت بالخروج مع عائلتي للملاهي مثلا، لأني أفضل الهدوء عن ضجيج الصحبة، كما أني لم أتخلص من التبول اللاإرادي تمامًا إلا خلال مرحلة الثانوية.
بعد أي موقف غاضب أو شجار أبقى لأسابيع في تخيل دائم لسيناريوهات للمواجهة وهي إما تكون سلبية مقيتة كتخيل شجارات أخرى يحدث فيها ضرب وقتل أو عندما تجتاحني نوبة شجاعة أبقى أسرد حوارات في مخيلتي أقول فيها ماأفكر فيه وأدافع عن نفسي أو صاحب الحق وهذه الخيالات ملحة تأتي بدون أن أستدعيها فأجد نفسي حتى خلال الصلاة شاردة لأكمل حوار أو أتخيل مشهدا، أصبح من الطبيعي عندي أن تصل الصلاة لخمس ركعات أو ستة، لكن الجديد أن أجد نفسي شاردة لا أعرف بأي ركعة أنا وإن كنت ركعت أو سجدت أو سلمت أم لا!
المفروض أن أتعود لكني أزداد يقينًا أني لن أتحمل هذا مرة أخرى، وصلت في حالة أصدق ما أعبر عنها هي لوحة الصرخة للفنان مونك Munch، تأتي أيام يكون الخوف مسيطرا علي، أشعر بتعب في قلبي (نبضي ضعيف أصلا يتراوح من 44-50 دقة بالدقيقة) وأطراف متخاذلة ويد يسرى مخدرة وأرتجاف خفيف في الأصابع، مع فقدان شهية فأبقى بلا طعام ليومين أحيانا وحتى لو أكلت أشعر أن الطعام يقف كعبء في معدتي، أنعزل وأحاول النوم مبكرا لأتجنب أي أحد. أهمل مظهري وأعمالي، لم أعد أستمتع بأشياء كنت أقاتل من أجلها كالسباحة ولا بالحديث مع صديقة أحبها.
لدي لا مبالاة كبيرة وشعور أني مستعدة أن أصبح شرسة، أشعر أني لا أمانع أبدًا أن يأتيني الموت في أي لحظة، لكني لا أفكر في إيذاء نفسي لكن أتساءل ماذا فيها لو صدمتني هذه السيارة أو توقف قلبي ووقعت أو أصبت بمرض خطير؟ في الحقيقة أبقى في انتظار حدوث ذلك وأشعر أنه سيريحني، والله العظيم سيريحني. على الأقل عندما يمرض أحد بمرض خطير يصبح للموقف هيبة وتتوقف الخلافات.
أشعر أن ملامحي اكتست بتعبير وتجاعيد شخص قرف من الحياة. والآن أصبحت فكرة رحيل والدي أو أحدهما هما بالنسبة لي، لأنه مهما حدث فالوالدان يجمعان أولادهم، فلو رحلوا هل سيقطع بعضهم البعض؟ وهل سيتفق الإخوة على شيء كبيع البيت أو إبقائه أو اختيار زوج لأختهم؟
أشعر أني لم أخطط لأن أعيش أكثر من سني الحالي، تعلقي بوالدي ليس عاطفيا جدا لكني أقدر وجودهما كقيمة وبركة لحياتي وأنا مكتفية بوجودي معهما ولا أفهم كيف يترك الأبناء آباءهم ليتزوجوا ويتركوهم وأنا أهيم حبا بالكبار، لذا أفكر أنهما لو غابا سينسف هذا فكرة وجودي الحالية، لذا لست مهتمة بالحياة أكثر من الآن، ولست مهتمة بالزواج فقد قرفت حاليا من أي مخلوق ذي شعر.
ماذا نفعل معهم؟
وماذا أفعل في جهاز استقبال الشحنات السالبة لدي -فائق الجودة-!
01/12/2011
رد المستشار
القلق.... ما أمقته، ما تعانين منه يا ابنتي قلق واضح المعالم، فأنت ترتعدين من فكرة "غياب" الوالدين أو أحدهما وما سيترتب على ذلك من دراما سوداء، وتفاصيل تسرق منك ذهنك حتى في وقت الصلاة، والحقيقة يا ابنتي أن الأمان حاجة من احتياجات الإنسان الأساسية التي تجعله مستقراً هادئاً ليتمكن من القيام بالأدوار المطلوبة منه في تلك الحياة، فحين يُخترق أو حين يُحرم منه الإنسان خاصة في بداية حياته أثناء طفولته المبكرة يظل متخبطاً يبحث عن الأمان في علاقاته وفي مساحات حياته المختلفة، والحقيقة في هذا الأمر أن الأمان "بناء ذاتي" يا ابنتي؛ أي أنه شعور يتم تقويته ودعمه وبناؤه من داخلنا وليس من خارجنا؛ فكلما بحثنا عنه في الخارج لنستقر لن نتمكن منه أبداً؛ فمن بحث عن الأمان في المال خانه المال في ضربات البورصة القاصمة في لحظات، ومن بحث عن الأمان في بقاء الوالدين اكتشف أن من يهب ويعطي ويبقى للأبد هو الله وحده سبحانه، ومن بحث عن الأمان في الحب تعلم أن قصص الحب التي تحطمت على صخرة الواقع ورداءة معدن المحبين نسفت الفكرة من أساسها، ومن بحث عن الأمان في العمل فهم أن العمل رزق يرتبط بأمور كثيرة قد لا تمت بصلة للبقاء في مكان عمل معين... إلخ؛
فالأمان إذن ينبع من الداخل ولم أقصد أن كل ما ذكرت لا يسبب الشعور بالأمان ولكن يساهم في دعم الأمان بداخلنا أكثر فلو قسمناها نسبة وتناسب سنجد أن الأمان من داخلنا سيمثل حقيقة الأمر بنسبة 80% وتبقى ال20% الباقية لكل ما سبق ذكره!، إذن صار السؤال هو كيف أصل للأمان بحق حتى أتخلص من كابوس القلق؟ وهنا أقول لك: أن الأمان يتحقق بداخلنا كلمنا أضفنا لأنفسنا رصيدا إيجابيا حقيقيا لذواتنا فنطور أنفسنا دوماً فنفعل مواطن قوتنا ونقويها ونستخدمها في كل مساحات الحياة من حولنا في الدراسة، في العمل، في العلاقات، في الترفيه، في الرياضة، في التطوع.... إلخ، وحين نكتشف كذلك مواطن الضعف فينا فنقف عليها بهدوء لتهذيبها وتطويرها، وهذا التطوير والدأب سيبعث في النفس الثقة والوقوف على "قوة" نفسك في التعامل مع تحديات الحياة والقدرة على "التكيف الناضج" مع متغيرات الحياة، وهي الأمور نفسها التي ستجلب لك ال20% الباقية لتمام الأمان بداخلك، يبقى في موضوع الأمان أن يكون مخطط الأمان الداخلي موصولاً بداية ونهاية بالتوكل الصحيح على الله سبحانه في الأمر كله.
وحتى يكون حديثي قريباً من الواقع والعملية أقترح عليك متابعة ما كتبه الدكتور محمد شريف سالم في القلق فهو أجمل وأقرب ما كتب على مستوى الواجبات العملية اليومية والتي تتعامل مع المشاعر والسلوك وكذلك الجانب المعرفي، أما موضوع قريبك فبما أنك تلميذة مجتهدة في موقعنا فلابد وأنك تعلمين أن التفكير الزوراني ليس مستوى واحداً ولكنه ثلاث مستويات لكل مستوى "درجة" من هذا التفكير يتطلب تعاملا معينا؛ لأنه يمثل عمقا معينا من هذا التفكير، وكذلك هناك فروق فردية بين كل شخص والآخر تتوقف على البيئة التي أحاطت به وأثرت فيه وكذلك التجارب الحياتية التي كونت لديه أفكاره وبالتالي تؤثر في مشاعره وسلوكه؛ فما تساءلت عنه تتغير الإجابة عنه بما حدثتك عنه، وكذلك قد تشخصين أنت من وجهة نظرك أنه يعاني من التفكير الزوراني ويكون هذا التفكير ليس هو أكبر ما يعانيه فمن خلال سطورك فهمت أنه يمر بفترات عصبية شديدة يحدث فيه انقلابٌ لنفسيته وتصرفاته وتواصله مع الآخرين ولفترات تكاد تكون ثابتة وهو ما يشكك في وجود اضطراب وجداني لديه فمن يجزم؟!
لذا أفضل ما يمكن عمله معه هو أن تنتقي وقتاً يكون فيه هادئاً لتتحدثي معه بدبلوماسية ونضج عن إمكانية تواصله مع مرشد نفساني، فالمرشد في مساحة "المستشار" الذي يساعد الإنسان في ترتيب أفكاره وفهم نفسه وما إلى ذلك واتركي الأمر بعد ذلك لهذا المرشد النفساني ليقوم بواجبه وخطة علاجه التي لن تتمكني أنت من القيام بها لأنها تحتاج لمتخصص، ولا مانع كذلك أن تستفيدي من علمك الذي حصلت عليه من موقعنا وأمثاله لتتواصلي أنت كذلك مع متخصص نفساني ليتابع قلقك وما ترتب عليه من اكتئاب واضح المعالم لديك فيما تحدثت عنه كعدم الرغبة في عمل شيء وعدم شعورك بطعم أو معنى للحياة والرغبة في الموت ورؤيته راحة لك، فكل ذلك ما هو إلا أعراض الاكتئاب التي تحتاج لتواصل نفسي، أسأل الله لك التوفيق وراحة البال.
التعليق: http://www.almanar.jo/AlManarEn/Portals/0/PDF/1393.pdf