الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على خير مبعوث للعالمين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد؛
ابنتي غدير البالغة من العمر خمسة عشر عاماً أخبرتني منذ عدة أشهر أن هناك مجموعة من الأسئلة تلح عليها وتحتاج إلى إجابة ومعظم هذه التساؤلات تتعلق بالأمور العقيدية (إذا كان الله عز وحل خلق كل شيء فمن خلقه (تعالى عن ذلك علواً كبيراً)؟، أنا لم أستغرب كثيراً من هذا السؤال لأننا جميعاً ربما مررنا بهذا السؤال من قبل، ولكن بدأت ألاحظ أن السؤال يتكرر مع عدم الاقتناع بالردود المنطقية والمقنعة والأمر لم يكن مقلقاً لسببين: الأول: أن الفترات متباعدة بين التساؤلات فلم تكن ملفتة للانتباه. والثاني: عدم معرفتنا بأن الأمر قد يكون مرضياً وسيؤول إلى ما آل إليه في هذه الأيام. ونضيف إلى ذلك ثقتنا بالله عز وجل بأن الأمر عارض وسيزول بعونه تعالى.
ولكن التطورات كانت كالتالي: منذ شهر ونصف تقريباً بدا عليها الانزعاج الملحوظ من توارد الأفكار وعدم وصولها إلى اليقين والثقة الأمر الذي يفقدها طعم السعادة وفي الحقيقة كلما رأيتها مضطربة أحاول طمأنتها والجلوس معها لفترات طويلة على أمل أن ينفض المجلس وقد عادت لها الثقة والطمأنينة وهو ما كان يظهر في البداية ولكن سرعان ما تعود الأمور إلى حالها، ومنذ شهر تقريباً بدأ يزداد الأمر سوءاً والاضطراب يلازمها وبدأنا نلاحظ أفكار لا يقبلها العقل السليم الأمر الذي جعلنا (أنا وزوجي وابني الأكبر) نعمل ما بوسعنا جاهدين لإقناعها بكافة الوسائل ولكن دون جدوى وهذا أشعرنا بالعجز رغم أنني في قناعتي ومنهجية حياتنا نرفض العجز والاستسلام لعلمنا بأن كل شيء له حل ومخرج بإذن الله طبعاً.
واقتربت الامتحانات (وهي تقريباً من الطالبات المجتهدات ولديها حس بالمسؤولية) والأمور تزداد سوءاً وكثيراً ما أراها مغمومة باكية بشكل يدمي القلب وأحاول تهدئتها وتكرر القول (يا أمي أخشى أن يتوفاني الله وأنا على هذه الحالة فأنا لا أستشعر طعم الإيمان وأخشى من سوء الخاتمة لا سمح الله), فأجيبها قائلة: لا يا حبيبتي لا تخشي ذلك فأنت إنسانة مؤمنة تحبين الله تعالى وتحفظين القرآن وتحبين كل ما يرضي الله وتبغضين ما يغضب الله ولكن فقط استعيذي بالله واقرئي كل ما يدفع هذه الأمور وسينجلي كل شيء إنشاء الله.
في هذه الفترة المريرة (فترة الامتحانات) كنت أخفف عنها وأقول لها: لا بأس لا تدرسي إن كنت غير قادرة على ذلك ولا تفكري في النتائج فلا بأس عليك, وهذا طبعاً يقلقها لأنها معتادة على نتائج جيدة جداً ولكنها بصراحة كانت عاجزة عن الدراسة والإنتاج بشكل عام في شتى المجالات، وما تجدر الإشارة إليه هو أننا طيلة هذا الشهر نحاول أن نثنيها عن التفكير المقلق بالابتعاد عنه ودائماً الرد يكون: والله لا أستطيع, أتمنى ولكن لا أستطيع فأنا غير سعيدة ولكن الأمر أكبر مني. وقبل إنهاء الامتحانات بقرابة يومين قلت لزوجي هل ممكن أن يكون الأمر نفسي أو بحاجة إلى علاج أو أو....؟؛
وبعد ذهابها إلى الامتحان اتصلت بالإنترنت ووضعت في محرك البحث كلمة وسواس ولأول مرة أقرأ عن شيء اسمه الوسواس القهري وانتابني فرح يخالطه قلق، أما الفرح فبسبب أننا عرفنا أن الأمر تتم معالجته إن شاء الله، والقلق من هذا المرض وسببه وتداعياته و....إلخ، وعند عودتها من الامتحان كانت متأزمة بعض الشيء وأعادت علي سؤالها المتكرر وهي تبكي: هل أنا موجودة فعلاً؟ هل هذا الوقع من حولي موجود أم أنه وهم؟ وبعد الأسئلة أخبرتها: اطمئني فهناك مثلك الكثير (لأنها كانت تعتقد أنها الوحيدة التي تعاني) وعولجوا وشفوا تماماً ولله الحمد, عندها استبشرت وبكت كثيراً ومضى اليومان الباقيين بحالة أفضل مما سبق, وقبل انتهاء الفحص بيوم ذهبت وزوجي إلى الطبيب وشرحنا له الوضع على أن نذهب بها إليه في اليوم التالي, وهذا ما حصل.
في الجلسة الأولى تكلم معها وأراد معرفة بعض النقاط وهي كالتالي: منذ متى بدأ الأمر لأول مرة؟ أجابت: منذ سنتين تقريباً ولكن ازداد وضوحاً وإزعاجاً هذه السنة هل كنت تخافين عندما كنت صغيرة؟ أجابت: تقريباً لا وبحدود جداً عادية. هل يوجد مشاكل أسرية؟ أجابت: أبداً ولله الحمد. وغيرها من الأمور التي سبق ذكرها وصف لها الطبيب أنافرانيل 25ملغ حبة واحدة يومياً قبل النوم على أن تكون المراجعة بعد أسبوع. في الأيام الثلاثة الأولى تقريباً لم تلاحظ فرق كبير ولكن اليومين التاليين أحسسنا أن الأمور أهدأ قليلاً وفي اليوم السادس والسابع ساءت الأمور قليلاً, وعند زيارة الطبيب وصفت له الوضع فاستبشر خيراً وقال لها إن كانت نسبة التحسن فقط10% فقط يكفي ولكن أنا لاحظت تحسناً كبيراً 60% من خلال ملامح وجهك فهو الآن أكثر إشراقاً وارتياحاً وسنرفع الجرعة إلى حبتين يومياً حبة صباحاً وأخرى مساء.
وهي منذ يومين تأخذ حبتين يومياً وكانت مساء البارحة في حال سيء جداً (بكاء وتعاسة وإحساس بعدم وجودها و.....إلخ) وأنا أهدئها بقولي لا تحزني فالأمر يحتاج إلى صبر والأمر لا يتم بين يوم وليلة...إلخ. ولتبيين الحالة أكثر سأذكر بعض الجوانب علها تساعد في العلاج إنشاء الله، شخصيتها عادة مرحة جداً ومحبوبة ومحبة لجوانب الخير وتكره الأمور السيئة وتحب الخير للجميع (ولكن طبعاً الآن تكثر من عبارة: أنا حياتي جحيم ووصلت أن قالت لي منذ خمسة عشر يوماً: أليس الله يستجيب الدعاء؟ إذاً ادعي الله لي بأن أموت لأن فيه راحتي وخلاصي) إضافة إلى أنها بين زميلاتها لها آراءها وثوابتها المتمسكة بها.
ولكن أعاني من أمر صعب جداً وهو أنني كلما تكلمت معها لأريحها وأبعث في نفسها التفاؤل معتمدة على اليقين الموجود لدينا بالله عز وجل وبأن تتوجه إليه بالدعاء أشعر وكأنها تقول لي: كيف تطلبين مني ذلك وأنا معظم مشكلتي تتعلق بهذا الأمر وأصبحت تشكك بكل من حولها خاصة نحن الذين على احتكاك مباشر ودائم معها وبكل من يتكلم معها على أنهم قد يقولون ما يقولون فقط لإقناعي ولكن هذه ليست الحقيقة التي أنشدها وفي الحقيقة كلما رأيت عرضاً جديداً سارعت إلى قراءة كل ما يتعلق بالأمر للإحاطة أكثر بجوانب المرض ولكن هذا أتعبني كثيراً لأنني أستبشر لفترة وأقلق أخرى وقلقي ازداد أكثر عندما قرأت عن (السيروتونين ووظائفه ومسببات نقصه وتداعيات هذا النقص و.....إلخ) الأمر الذي أتعبني جداً وقررت أن أتوقف عن التبحر أكثر بأن أبعث إلى جنابكم الكريم الحالة بدقة راجية الله عز وجل أن تتفضلوا بالرد السريع ما أمكن.
أشعر بالأسى والحزن لمعاناتها فهي صغيرة على هذه المعاناة وخبرتها بالحياة نظراً لصغر سنها قد لا تعينها في التعامل مع الأمر وتفهمه مع العلم أنني أمدها دائماً بالقوة والثقة وبأننا إنشاء الله سنخرج من هذا الأمر بسرعة وسلام.
أعتذر للإطالة ولكن علمت أن دقة التفصيل تساعد في العلاج والحل مع الرجاء بإبداء الرأي بالعلاج المتبع إذا كان مناسباً. وأعتذر مجدداً عن الإطالة راجية أن يذهب الله الهم والحزن عن الجميع وأن يمن بالعلاج الشافي ويلهمنا إياكم الرشد, جعل الله ذلك في ميزان حسناتكم والسلام عليكم.
والدة غدير
8/12/2011
رد المستشار
السيدة العزيزة "أم غدير " أهلا وسهلا بك على صفحتنا استشارات مجانين وحمدا لله أن عرفت أن حالة ابنتك قابلة للشفاء، وأحسب أنكم لم تتأخروا -أعانكم الله- في عرضها على الطبيب النفسي وقد بدأ معها العلاج بعقَّار الم.ا.س أو الأنافرانيل وهو أحد أفضل وأنجع علاجات اضطراب الوسواس القهري، إلا أن الصبر مطلوب وكما أقول دائما في علاج الوسواس: لا سحر يا ناس.
وكذلك فإن من المهم في حالة ابنتك أن تتلقى علاجا معرفيا لتعرف كيف تتعامل مع الفكرة وأذكرك بحديث سيد الخلق صلى الله عليه وسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال صلى الله عليه وسلم: "يأتي الشيطان أحدكم فيقول: من خلق كذا،من خلق كذا، حتى يقول من خلق ربك. فإذا بلغه فليستعذ بالله ولينته"صدق صلى الله عليه وسلم، رواه البخاري ومسلم.
وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لن يبرح الناس يتساءلون حتى يقولوا هذا الله خالق كل شيء فمن خلق الله، فإذا جاءه شيء من ذلك فليستعذ بالله من الشيطان الرجيم وليقل آمنت بالله "، " صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم" رواهُ البخاري في صحيحه.
وأخيرا وكي تقللي من قلقك أنت أنصحك بأن تقرئي ما تقود إليه الروابط التالية:
الوسواس له علاج لماذا الرعب؟
الأفكار الكفرية: ذلك صريح الإيمان
الوسواس القهري في الأفكار، علاج معرفي!
الوسوسة الدينية وخرق السماء
وساوس دينية شديدة جدا
وأهلا وسهلا بك دائما على موقعنا مجانين فتابعينا.