مريم من الجزائر: وسواس الرياء
السلام عليكم:
أنا مريم من الجزائر، عندي مشكلة جد شديدة، وهي أني عندما كنت أصلي كنت أغمض عيني، وأتخيل أناسًا صالحين لأخشع ويزيد إيماني.
وكان الأمر ينفع معي، لكن الأمر بعدها انقلب علي، فأصبحت أغمض عيني فأرى الناس الموجودين معي في الغرفة، وتأتيني الوساوس أني لا أصلي لله بل لهم، مع أني كنت أقاوم إلا أني غالبًا ما أفشل، فأصبحت أصلي وحدي كي أتفادى هذه المشكلة، ونجح الأمر مؤقتًا لكن بعد ذلك أصبح أسوأ، فأصبحت وأنا أصلي أو أقرأ القرآن أشعر وأحس حقيقة بأن أحدًا يراقبني وعندما أغمض عيني لا أرى الوجوه، أي وجه، تصور حتى أنا وحدي في البيت تمامًا يلازمني هذا الشعور، مع أني مقتنعة بأنه من خيالي، لكن لا أستطيع مقاومة هذا الشيء.
أصبح هذا الأمر كابوسًا، أصبحت علاقتي بربي سيئة جدااااا، فكلما دعوته أرى وجوه الناس، وتأتيني الوساوس أني أدعو الله ليراني الناس، مع أني قاومت هذا الأمر إلا أنه بدأ يتمكن مني، أنا الآن لا أشعر بالله مطلقًا من كثرة الوساوس، سأصبح مقتنعة أنه فعلًا من نفسي وليس الشيطان.
من فضلكمممممممممم ساعدونييييييييييييي، أريد أن أقاوم هذه الوساوس، وعندما أدعو الله أدعوه لأنه ربي وليس لأجل الناس، أريد أن أصلي من دون أن أرى وجه أحد.
11/2/2012
رد المستشار
وعليكم السلام ورحمة الله تعالى وبركاته يا مريم...
من جهة أقول لك أعانك الله وخفف عنك فمعاناتك مريرة وشديدة، ومن جهة أخرى أقول لك: لا تجزعي كثيرًا وخذي الأمور ببساطة، لأن الحل يسير بإذن الله تعالى...
الوسواس في حقيقته تافه جدًا ولا يستحق كل هذه المعاناة وكل هذا الألم، لكنه مع ذلك يعذب صاحبه أيما عذاب!! وهذا التناقض في نفسه من أشد العذاب!
ما تعانين منه يسمى وسواس الرياء، وهو وسواس قديم معروف، تكلم فيه علماء المسلمين من مئات السنين، غاية الشيطان منه أن يصدَّ الإنسان عن العبادة، ويقنطه من رحمة الله تعالى، ويقنعه بأن عمله غير مقبول...
ومهمتك الآن:
1- أن تتوجهي إلى الصلاة، قاصدة عبادة الله تعالى.
2- ألا تفكري فيما يمر على ذهنك من خواطر بعدها، لأنها أفكار لاإرادية، تمر في ذهنك دون قصد منك، وتتكرر، ولكنها لا تعبر عن إرادتك وحقيقتك بحال من الأحوال.
وإليك نص الإمام ابن حجر الهيتمي -رحمه الله تعالى- في كتابه "تحفة المحتاج"، (وهو كتاب موسع في الفقه الشافعي)، عندما تكلم عن العَذَبة [أي قطعة القماش التي تتدلى في الخلف من العمامة] فذكر أن أصل فعلها سنّة، ثم تكلم على الذي يخاف أن يرائي بها إن فعلها فقال: (ولو خشي من إرسالها نحوَ خُيلاء [أي كبر وفخر] لم يُؤمَرْ بتركِها -خلافاً لمن زعمه-، بل يفعلُها، وبمجاهدةِ نفسِه في إزالةِ نحوِ الخيلاءِ منها، فإن عَجَزَ [أي عن طرد وساوس خوف الفخر والرياء من نفسه] لم يضرَّ حينئذٍ خُطورُ نحوِ رياءٍ [يعني وروده على ذهنه]؛ لأنه قهريٌ عليه فلا يُكلَّف به كسائرِ الوساوسِ القهريّة، غايةُ ما يكلفُ بهِ أنّه لا يسترسل مع نفسه فيها بل يشتغل بغيرها ثم لا يضرّه ما طرأَ قهراً عليه بعد ذلك.......).
ولعلك الآن تقولين لي: آمنت وصدقت، ولكني لا أجد طعمًا للصلاة مهما حاولت وحاولت. وأقول لك: إن هذا لا يهم، بل بالعكس، لأن الثواب على قدر المشقة، وحيث إنك تحسين بمشقة في الصلاة، ولا تشعرين بلذة تدفعك إليها وتخفف عنك شيئًا من ثقلها على النفس، فلك أجر أكبر بإذن الله تعالى...
لابدّ لك من الصبر على إهمال الأفكار دون مناقشتها، ومع المثابرة يزول القلق منها في فترة وجيزة، ثم مع الصبر لوقت أطول، يعود الخشوع إلى صلاتك، المهم ألا تيئسي مهما طالت المدة...
وأخيرًا: لم تذكري لنا ما يشير إلى ذهابك إلى الطبيب، أو إلى تناولك الأدوية، مع أن هذا مهم جدًا في تخفيف معاناتك ومساعدتك على تطبيق ما ذكرته لك بيسر وسهولة، فعجلي في طلب العلاج عند أهله –إن لم تكوني فعلت من قبل- وتداركي الأمر قبل أن يتمكن الوسواس منك أكثر فأكثر.
أعانك الله تعالى وأهدأ بالك.
واقرئي على مجانين:
عليّ صلوات السنوات: رياء أم حركات؟
وسواس الرياء في المسلمين
الرياء والوسواس القهري
التعليق: أريد أن أستفسر عن وضعكم في سوريا، أعلم أن الاستشارة ليست متعلقة بهذا، ولكن لم أجد طريقة أخرى .
فالأمور ما زالت ملتبسة على الكثيرين، هل ما يحدث مؤامرة، أم أنها ثورة، أم ماذا بالضبط .
وما يثير استغرابي هو موفق قسم من العلماء الأفاضل عندكم فهل بإمكانك إعطاؤنا لمحة عن الوضع إن كان ذلك لا يؤثر على حضرتك؟