أحلام اليقظة والانفصال وشيء من الوسواس
السلام عليكم أنا شاب عندي 25 سنة وأعزب مصري من القاهرة, مسلم مستقر بعض الشيء في عملي أنام وأصحو بصعوبة وشهيتي للأكل طبيعية (تقل الشهية قليلا مع الزعل) العلاقة مع الوالد سيئة (ليس طوال الوقت) والوالدة متوفاة وعلاقتي مع أصدقائي جيدة, متردد في اتخاذ قراراتي ولديّ بعض من عدم الإحساس بالوقت والمسئوليات أعاني من كثرة السرحان والتشتت والتوهان وأيضا قلة الثقة بالنفس وبعض الخوف في مواجهة الناس (بعضهم وليس كلهم)؛
ولكن المشكلة الكبرى أني أفكر كثيرا في أفكار ليست موجودة في الواقع (أحلام اليقظة) طوال الوقت ولا أعلم ما السبب كمثال أتخيل نفسي إنسان مشهور أو أني أستطيع عمل أشياء بشكل استثنائي لا أستطيع عملها جديا في الواقع وهكذا وأتكلم مع نفسي كثيرا في هذه الأشياء طوال الوقت (أتحدث في سري مع بعض التفاعل الجسدي في أوقات متفرقة أثناء وجودي لوحدي) وأحيانا بسيطة جدا أتخيل أشياء حزينة (بسبب شعوري بالزعل من شيء معين مثلا) ولكن في أحيان كثيرة تقل هذه الأشياء أثناء تواجدي مع الناس ولكن أثناء تواجدي وحيدا يعود التفكير في هذه الأفكار بكثرة كما كان,
مع العلم أن أحلام اليقظة عندي من زمان مع المذاكرة وعدم قدرتي على الانتباه طويلا حيث أنني كنت أعاني من تردد لبعض الأغاني في ذهني مما أثر سلبيا على التحصيل الدراسي مع العلم أن عندي بعض الوساوس في غسل الأشياء وترتيب الأشياء مثلا أو التأكد المستمر من الأشياء وأيضا كثرة اللعب بيدي في شعر رأسي ولا أعلم هل هذا مرضي أم ماذا؟ حيث أنني كنت أعاني من تردد لبعض الأغاني في ذهني مما أثر سلبيا على التحصيل الدراسي أريد حلا لهذه المشكلة، أو استشارة وهل الحل في الأدوية أم ماذا؟
علما أني لا آخذ أي أدوية إطلاقا ولم أذهب إلى طبيب نفساني من قبل،
لكم مني جزيل الشكر.
29/03/2012
رد المستشار
أخي العزيز، أشكرك على استعمالك الموقع.
سأبدأ الرد بالحديث عن أحلام اليقظة. هناك العشرات من التفسيرات النفسية حول آلية أحلام اليقظة، نسبتها بين البشر، هل هي حالة مرضية أم طبيعية، وغير ذلك. ليس هناك إنسان لا تراوده أحلام يقظة بين الفترة والأخرى وخاصة إذا اعتزل الناس ودنياه، لذلك فإن الشكوى من أحلام اليقظة وبالصورة التي تصفها ليست علامة مرض نفسي.
لو كانت أحلام اليقظة علامة من علامات مرض نفسي فسترى الإنسان لا يصفها كما وصفتها وهي أشبه بالأوهام المرضية. لكن هناك إجماعا علميا اليوم بأن أحلام اليقظة ما هي إلا نوع من أنواع العمليات الانفصالية Dissociative Process والكثير يضيف إليها تعبير الـ "غير مرضي".
إن العملية الانفصالية شائعة الاستعمال في الطفولة وهي جزء لا يتجزأ من عملية التطور العصبي Neurodevelopmental process ويلتجأ إليها الكثير في مراحل الطفولة والمراهقة وتبدأ بعد ذلك بالتناقص السريع في النصف الثاني من عقد المراهقة. كذلك في هذا العمر تكثر عملية التجاء الطفل والمراهق إلى السلوك القهري أو الوسواسي Obsessive Behavior تماماً مثل ما وصفته في رسالتك. إن مثل هذا السلوك لا يتم تصنيفه مرضياً إلا إذا كان يؤثر بشدة على حياة الفرد وسلوكه وعلى من حوله. لم تشِر في رسالتك إلى تأثير مثل هذا السلوك على عملك وعلاقتك بالآخرين هذه الأيام ولكنه واضح من السطور أنه كان له تأثير سلبي على تحصيلك الدراسي من قبل.
الجملة الأخيرة أعلاه تقودني إلى النظر في ما تطرقت إليه حول ضعف التركيز الذي عانيت منه في السابق وأظن لا تزال تعاني منه الآن. الكثير من الذكور في مرحلة المراهقة يعانون أحياناً من بعد آخر من أبعاد العملية العصبية التطورية التي تطرقت إليها أعلاه وهي اضطراب نقص التركيز Attention Deficit Disorder إن الاضطراب الأخير قلما ينتبه إليه الأطباء والمعلمين على حد سواء في غياب فرط الحركة والسلوك التهوري.
لتوضيح الأمر أكثر يمكن أن أستنتج ما يلي:
1- لديك اضطراب نقص التركيز.
2- اضطراب السلوك الوسواسي أو القهري.
3- استعمالك الآلية الانفصالية بكثرة متمثلة بأحلام اليقظة.
يمكن جمع النقاط الثلاثة أعلاه على أنها 3 أجزاء من اضطراب عصبي تطوري. لكن هناك رأيا صائبا آخر وهو بأن استعمال الآلية الانفصالية هو عملية دفاعية غير شعورية ضد اضطراب نقص التركيز والسلوك الوسواسي. أنا أميل إلى الرأي الأخير. أما أعراض القلق التي تطرقت إليها وخاصة القلق الاجتماعي فهي ناتجة من جراء الاضطرابات التطورية وليست جزءاً من الاضطرابات التطورية ذاتها.
العلاج:
في بادئ الأمر لابد أن أقول لك بأن الأعراض أعلاه تميل إلى التحسن في منتصف العقد الثالث من العمر. كذلك لابد من التأكيد على أن ما تطرقت إليه لا يعني بأنك مريض أو إنسان ضعيف القدرة. إن الكثير من المصابين بما ذكرت أعلاه يحالفهم الحظ في مجال عملهم ويكتشفون مجالات في الحياة يبدعون فيها.
لو راجعت طبيباً نفسياً ربما ينصحك بعلاج الوسواس بالعقاقير المضادة للاكتئاب. هذه العقاقير في حالتك قد تقلل من نسبة القلق والسلوك الوسواسي القهري ولكنها قلما يكون لها تأثير واضح على أحلام اليقظة، ناهيك عن أعراضها الجانبية. رغم ذلك لا يعني كلامي أن من غير الصواب علاج الحالة بالعقاقير، ولكني شخصياً لا أرى سبباً علمياً مقنعاً للغاية لاستعمالها.
إذا كانت الأعراض تؤثر عليك بشدة في مجال عملك خاصة فعند ذاك هناك البعض من العقاقير المنبهة التي يمكن استعمالها لمدة خمسة أيام من كل أسبوع. هذه العقاقير لها مشاكلها ولا يجوز وصفها إلا بعد إجراء فحص طبي وفحوص طبية نفسية لقياس درجة التركيز والسلوك الوسواسي. تحتاج هذه العقاقير إلى إشراف طبي وكما ذكرت فإن أعراضها الجانبية لا يتحملها البعض. بالطبع لو كنت في عمر المراهقة لنصحتك بها قبل كل شيء.
كما ذكرت في البداية فإن المشاكل التي تطرقت إليها في رسالتك ستتحسن بدون شك. إن الانتباه لوجود هذه الأعراض يمثل بحد ذاته خطوة علاجية. حاول أن تتجنب العزلة، واحرص دوماً على تنظيم جدولك اليومي والأسبوعي في المجال المهني والاجتماعي على السواء. إن ممارسة هواية رياضية بصورة منتظمة ويا حبذا يومياً مثل العدو أو المشي أو السباحة لمدة ساعة يومياً له تأثيره الإيجابي على المدى القريب والبعيد. إن التفاعلات الكيمائية في الجسم البشري والدماغ من جراء الفعاليات الرياضية أفضل بكثير من تعاطي الكثير من العقاقير. كذلك الأمر مع التغذية الصحية وتجنب الطعام غير الصحي بقدر الإمكان.
في نهاية الأمر أرجو أن لا تفهم الرأي الذي طرحته بأنك رجل مريض ومتخلف. على العكس من ذلك يجب أن تستوعب الأمر من ناحية علمية وما طرحته لا يعني أبداً أنك رجل قليل الفطنة والذكاء. ربما لو انتبهت إلى هذا الأمر في عمر مبكر لأنجزت أكثر مما توفقت إليه تعليمياً. أقول لك وبكل صراحة أنت رجل طبيعي وسيحالفك التوفيق بإذن الله.
واقرأ على مجانين:
الوسواس القهري وأحلام اليقظة!
أحلام اليقظة بين الصحة والمرض
أحلام اليقظة متابعة
بين حديث النفس وأحلام اليقظة
أحلام اليقظة: بين الوسواس والفصام