أنا وأبي .... والمعركة مستمرة... وحتما أنا المهزوم
قصة جديدة محزنة من سلسلة قصصي المؤلمة سأسردها عليكم لأنفس عن نفسي أولا ولأتلقى نصائحكم ثانيا. أطراف القصة: أما الطرف الأول فحتما سيكون حضرتي الكاتب الحزين.
ولكن الطرف الثاني -فمن دواعي أسفي- أن يكون هو أبي.
أب لم يعد أبا في نظري لما فعله بي. يقولون بالعامية (ماحداش بصفت ابنه)، لا أدري إن كانت اللغة مفهومة لك أم لا؟ ولكن لن أفسرها لك. هل هذا القول صحيح ؟؟
في نظري ليس صحيحا!! نشبت المشكلة مذ كنت في السابعة عشر من عمري، كان لي أخ يكبرني بسنة واحدة، فكنت أنا في الصف الأول ثانوي وهو في الثانوية العامة. بعد موسم مطري جيد أنبتت الأرض وأكسبها المطر حلتها الخضراء، ونما العشب بشكل كثيف في حديقة منزلنا، وأصبح يشكل خطرا في كونه يشكل ملاذا آمنا للحشرات والأفاعي الخطرة.
في السنوات القليلة التي سبقت هذا الزمان كنت أنا المسؤول المباشر عن تعشيب الحديقة، وكنت أعشبها بإرادتي وبدون دوافع خارجية، ولكن في ذاك الموسم كنت متكاسلا عن هذا. وفي أحد الأيام طلب مني أبي أن أعشبها فقلت له: ( بديش). أي رفضت متحججا أني سأقوم بتعشيبها عندما أمتلك دافعا وأتحفز للعمل.
كان الوضع طبيعيا جدا فهذا الموقف شائع جدا جدا في أسرة مثل أسرتي والرفض الذي رفضته لم يكن رفضا من قوة أمتلكها أو ضعف في أبي الذي بات عمره قريبا من الستين وكنه مازال في كامل صحته فلا يغرنك العمر. (أريد تعليقا مباشرا على هذا الحادث من ناحية دينية).
بعد فترة قصيرة جدا من ذاك الحدث قمت بتعشيب الحديقة بالكامل، ولكن أبي أصبح يعتبر أن سكان البيت قد نقصوا اثنين الأول في السجن( معتقل لدى الاحتلال )، والثاني أنا. وأصبح لا يكلمني ولا يتحدث إلي أبدا أبدا ولا يتعرف علي إلا في أمر واحد وهو المصروف، وكان على استعداد ألا يعطيني إياه إن لم أطلبه أنا.
لم يخطر في بالي يوما أن السبب هو كلمة (بديش)، لأن الأمر طبيعي عندي، ولست أول من يتفوه بها فكثير قبلي قالوها. هل يوجد أسرة مثالية؟؟ هل هناك أسر لا تحدث مشاكل بين أفرادها؟؟
أسئلة واضحة الإجابة ولكن ....!!!
أعتبر أنا من الناس الغير اجتماعيين فلا أستطيع الاندماج بسهولة مع أي شخص، ولست متكلما جيدا، وأفضل الصمت على الحديث مع الأناس الذين لا تجمعني بهم علاقة مباشرة. ولأني إنسان أصبحت نفسي تشكل حاجزا بيني وبين أبي فكيف أكلم من لا يكلمني، ولا يعبرني بل ولا يعتبرني من الموجودين؟ لم أسمع اسمي على لسانه من يوم تلك الحادثة، ومرت الأيام والشهور، وخرج أخي من السجن واستمر الوضع، حاولت أمي التدخل في الموضوع، ولكن الفشل كان المصير. وكنت لا أدري ما السبب حتى باح الأب بالسبب تحت ضغوطات أمي المتكررة. ولما سمعت السبب (احتقرته) وعذرا على هذا، فهذا ما حدث أهذا هو السبب؟ تبا له من سبب!!
تحت ضغوط الأسرة حدث مصالحة شكلية فقط، ولكن الأفعال والعلاقات لم تتغير أبدا.
سجن أبي مدة 6 شهور وكانت قد مرت على تلك الحادثة ما يقارب السنة، وبعد خروجه من السجن عادت المياه إلى مجاريها. لا ادري كيف ولكني كنت سعيدا، ولكن سرعان ما تحولت هذه السعادة إلى كابوس جديد.
حلقة جديدة من حلقات القطيعة، وانظر إلى الأسباب: تلفاز قديم تعطل في بيتنا، ونحن نسكن في قرية وكان في القرية مصلح للأدوات الكهربائية، فطلب أبي من أخي الكبير أن يتصل بالمصلح ليخبره عن المشكلة، فرفض وقال: أنت اتصل وأنا سأذهب بالتلفاز إليه بعدما يحدد لك موعدا. فانزعج أبي من ذاك الرفض، وجاء إلي وقال: اتصل أنت فرفضت أيضا. فأما الأسباب الداخلية فكانت أني لا أحب الحديث مع أشخاص ليست لي علاقة بهم، وقلت له : أنت اتصل، أنت المسؤول هنا، أنت صاحب الشأن.
فدخل على غرفته وأخذ يشتمنا الاثنين معا. في اليوم الثاني قرر ذاك القرار، وهو أن يعاود كرته وأن يقاطع أبناءه، فأما الابن الكبير فرفع صوته وقال له: (ليش بتحكيش معي؟؟). فضحك الأب ولم يقاطعه أما أنا الذي لم أتكلم معه، قاطعني بشكل كامل، حتى أنه لا يتكلم معي أبدا، ولا يرد السلام علي إن دخلت البيت وهو جالس فيه، ولا علاقة لي به إلا العلاقة المادية فقط (المصروف). انظر إلى السبب!! وأعطني تعليقا مباشرا على السبب بدون أي منمقات لغوية.
أصبحت أكرهه كرها شديدا، صحيح أن القطيعة من طرفه إلا أنني لم أحاول يوما ما أن أتكلم معه لكي أحل المشكلة، لأن نفسي ترفض هذا فكيف أتكلم مع شخص قاطعني على أسباب تافهة في نظري؟
بالإضافة إلى عجز في شخصيتي صاحبة (السلبية الاجتماعية).
أود إعلامك أخي الكريم أن حالات الرفض الاثنتين التي ذكرتهما لا تتكرر كثيرا في حياتي، فهي لا تشكل أكثر من 2 – 3 % من المعاملات الأسرية. وعليك أن تعلم أخي الكريم أن التصنيف الخارجي لأسرتنا هو أنها تعد من الأسر الملتزمة. ولكن تصنيفها الداخلي عندي عكس ذلك تماما.
تجاهل × تجاهل: قابلت تجاهله بتجاهل من طرفي إلا أني أؤكد لك أخي القارئ أن الكاتب لم يكن تجاهله إلا من خلل داخلي في شخصيته الاجتماعية، وأن وضعي الاجتماعي لن أستطيع أن أصفه لك بكلمات وأسطر قليلة، فسأسمح لتخصصك أن يحاول أن يتخيل أسباب تجاهلي له، وسأعذرك إن فشلت في ذلك.
بدأت العلاقات المشوبة بالكره تنتشر كانتشار الأورام، والضحية الجديدة هي أخي من يصغرني بثلاث سنوات، أما الأسباب فأراها مجهولة بشكل كلي، ولا أرى أن هناك أسبابا جديدة (تافهة كما حدث معي)، سبب الانقلاب في العلاقات الاجتماعية. ماذا يحدث في الداخل؟؟ أي داخل؟ إنه داخل أبي.
مم يعاني وبماذا يحق لي تصنيفه؟؟ وكيف يجب علي التعامل معه؟؟ أسئلة علي الإجابة عنها، وما أنا هنا إلا لأني أطلب المساعدة من حضراتكم.
واعلم أخي أن ما أمر به لا تنفع الكلمات في وصفه، ولو كنت من ملوك اللغة.
أما أكبر نتائج هذه الأحداث أن قلبي أصبح كالصخر من ناحيته، وأصبحت أسأل نفسي عن مستقبلي، فأنا أقسم علاقة الآباء مع أبنائهم إلى أربع حالات:
الأولى: الأب جيد المعاملة مع ابنه فيخرج الابن جيد المعاملة مع أبيه وهذا شائع، وخصوصا عند المتدينين.
الثانية: الأب جيد المعاملة مع ابنه فيخرج الابن سيئ المعاملة مع أبيه وهذا شائع أيضا وخصوصا عند غير المتدينين.
الثالثة: الأب سيئ المعاملة مع ابنه فيخرج الابن سيئ المعاملة مع أبيه وهذا شائع أيضا وخصوصا عند غير المتدينين.
الرابعة: الأب سيئ المعاملة مع أبيه فيخرج الابن جيد المعاملة مع أبيه. وهذا من وجهة نظري (مستحيل) إلا عند المتدينين جدا.
وأود أن ألفت عنايتكم أن حالات القطيعة قد تكررت كثيرا مع إخوتي، إلا أن المدة الزمنية لم تكن طويلة كما حدثت معي، فأنا عانيت أكثر من عام كامل في الأولى، والثانية مضى عليها ما يقارب الثلاث سنوات ولم تنتهِ بعد.
سأكتب وأكتب وأكتب ليس لمجرد الكتابة فقط، بل لأتخذ طريق الكلمات طريقا لتفريغ الشحنات بعيدا عن الشجار والمناوشات. أريد تعليقين الأول ديني والثاني كمستشار نفسي.
وعذرا على الإطالة.
31/05/2012
رد المستشار
أهلًا وسهلًا بك يا محمد، على صفحة مجانين...
وبدون مقدمات...، هناك خليط من الأسباب التي أدت إلى معاناتك هذه. أولها: السن الحرجة التي بدأت فيها مشكلتك، فمفارقة الطفولة وشعورك بأنك أصبحت رجلًا جعلك –دون أن تشعر- تعامل أباك معاملة الند للند...
كذلك طبيعتك النفسية، وعدم مقدرتك امتصاص غضب والدك، وإقامة علاقة جيدة معه، وأخيرًا يأتي دور أبيك في شدته معك، والحق يقال إنه أقل الأسباب تأثيرًا في مشكلتك!
هناك فرق بين أن تقول: (بديش) تكاسلًا فقط، وبين أن تقولها لتثبت أن لك رأيًا: لن أفعل لأنك أمرتني، وإنما عندما أريد وأقرر أنا! يشير إليه قولك: (رفضت متحججا أني سأقوم بتعشيبها عندما أمتلك دافعا وأتحفز للعمل)، سأفعل عندما يحلو لي!!
غدًا عندما تنضج أكثر تعلم أنك أجحفت بحق نفسك في هذا! لأنك عندما تقوم من نفسك، تأخذ أجر العمل فقط، لكن عندما تقوم لأمر أبيك تنال أجر البر والطاعة، وأجر العمل الذي فعلته...، وأظن هذا السبب كافٍ للفرح والاستبشار بأوامر الوالدين.
تعاملك بندية مع والدك سبب له أهميته فيما يحصل، سيظهر هذا عليك ولا ريب، وسيشعر أبوك به، فلا يحق لك مثلًا أن تقول لأبيك: (أنت اتصل، أنت المسؤول هنا، أنت صاحب الشأن)، هو الأب وهو الذي يعلم ما يفعله، وما لا يفعله، وما يطلبه منك لتفعله نيابة عنه لأنه المسؤول! ولا أرى فيما نقلته عن أخيك مثل هذه الندية، وإنما مجرد تملص من المسؤولية وتكاسل.
وكما أنك تقول: (فكيف أكلم من لا يكلمني، ولا يعبرني بل ولا يعتبرني من الموجودين؟، لأن نفسي ترفض هذا فكيف أتكلم مع شخص قاطعني على أسباب تافهة في نظري؟) فإن من حقه أن يقول: كيف أتنازل لابني الذي خرج مني ولم يكن قبلها شيئًا مذكورًا....، كيف أتكلم معه قبل أن يعرف أني أنا الأب وهو الابن؟
أنت تظن أن المشكلة تكمن في كلمة، أو في جزئية تحتقرها سببًا للقطيعة، ولكن المشكلة هي منظومة متكاملة من الأقوال والأفعال، والمشاعر تحكم أفعالك، فكل حركة وسكنة يترجمها الآخرون بحسب هذه المنظومة...، ربما لم يحسن أبوك شرح هذا لك، فعبر عن استيائه منك بحادثة جرت، لكن حقيقة استيائه هي من منظومة الأفكار التي تحركك.
عليك أن تعرف مفاتيح أبيك، وأظن أن إخوتك علموا تلك المفاتيح، فاستطاعوا أن يفتحوا قلبه، وأن يكسروا القطيعة التي يَبْدَؤُهَا...: عندما أخذ أخوك الموقف بشيء من الدعابة: (ليش بتحكيش معي؟؟). فضحك الأب ولم يقاطعه) ولطف جو الغضب لدى أبيه، وأشعره بهذا الكلام أنه حريص أن يكلمه، كسر حاجز القطيعة...
أما سكوتك مع الغضب، والكره، ومع شعورك: بأنه إذا كان يفعل هذا، فأنا لست بحاجة إلى أن يكلمني، ولن أكلمه أيضًا!!! هذا السكوت، وهذا الشعور منك، سيجعله يقول في نفسه: أنت لا تهتم إذا لم أكلمك، ولستَ بحاجة لذلك، إذن كما تريد، لن أكلمك!!
حاول دائمًا أن تعتذر بلطف وابتسم، وامزج اعتذارك بالدعابة تجد قلب والدك قد عفا وصفح ونسي كل ما بدر منك...، مثلًا قل له مازحًا: (ليش يا حلو زعلان؟ مين زعلك؟ قول لي اسمه حتى اضربه!!!)... قد يقول لك: اذهب من وجهي...، تابع ملاطفتك له وقل: (الله يخليك، قل لي اسمه لأضربه!!!)...وهكذا يمكنك إنهاء الموضوع، وعد لمحادثته بعد ذلك بشكل طبيعي وانسَ ما حصل...
ربما كانت هذه مرحلة متقدمة وعليك الآن أن تصحح الماضي، اذهب إليه، وانوِ إرضاء الله تعالى بفعلك، فنحن إنما نرضي الوالدين ليرضى الله تعالى، وليس لمجرد أن نسمع كلمة: "الله يرضى عليك" من فمهما،... ارجع ووطن نفسك أن تكرر الفعل مرات ومرات قبل أن يستجيب، فقد طالت مدة القطيعة، وإنهاؤها يحتاج إلى جهد وصبر...
لاطفه قدر المستطاع، واعلم أن هذا عزك ورفعتك، وليس إهانة لك كما توهمك نفسك، قل له القول الكريم، واخفض له جناح الذل من الرحمة، وصلَّ ركعتين قبل هذا تدعو الله تعالى فيهما أن يفتح قلبه ليرضى عنك ويصفح...، وأخيرًا: ((رَبُّكُم أَعْلَم بما فِي نفُوسِكمْ إنْ تَكُونُوا صَالِحِينَ فَإِنَّهُ كَانَ لِلَأوَّابِيْنَ غَفُوَرًا))
ويتبع >>>>>: الحل الأمثل لذي الوسواس المسلسل!