هل أنا موجود ؟ : اختلال الإنية
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أكتب لكم بعد أن جفت دموعي وضاق بي الحال فصار صمتي من المحال.
أولا أنا شاب عمري 16 سنة عشت طفولة عادية كبقية الأطفال لعبت وضحكت بكيت وحزنت لم يكن في حياتي ما يزعجني ويحزنني سوى أن أمي وأبي دائما الشجار, فيتخاصمان على أبسط الأشياء وأتفهها وكان هذا الأمر يحزنني كثيرا ويبكيني, في عمر الـ 11 صرت أشعر أحيانا بتسارع دقات قلبي عند النوم وأسمع صوت غناء لا يمكنني التخلص منه حيث يشوش على أفكاري فأتخيل أني أتصارع مع هذا الصوت لكي يتوقف, وبعدها أصبحت خائفا من أن يموت أحد أقاربي فكنت كل ليلة أدعو الله أن يحميهم وينجيهم . ذات يوم تشاجرا أمي وأبي شجارا عنيفا فأغمي على أمي عندها انتابني هلع شديد ولم أعرف كيف أتصرف وصار أخي الذي يصغرني ب 4 سنوات يبكي ويصرخ بشدة .
تتالت الأيام وعادت المياه إلى مجاريها لكن بدأت معاناتي وصراعي مع اختلال الآنية الذي دمرني وحطمني. كنت جالسا وحدي وفجأة أحسست بأنني خرجت من جسدي وفصلت عنه. تخونني الكلمات لأصف لكم ما أشعر به لم أعرف ما الذي حدث دخلت في حالة من اللاوعي لا أشعر بجسدي وبنفسي حتى أني صرت أضرب نفسي للتأكد من أنني موجود.
أما عن أعراض هذه الحالة فهي كالتالي: أتكلم فيخرج الكلام مني بشكل تلقائي ودون تفكير أحس بأنني مفصول عن نفسي ومشاعري وأنني أصبحت ربوتا مبرمجا يقوم بحركات تلقائية وردود أفعال دون تفكير أشعر أني أراقب نفسي من بعيد فجسدي موجود في الأرض وروحي ومشاعري وعقلي تراقبه من بعيد الدنيا بالنسبة لي هي بمثابة الحلم يبدو كل شيء غير حقيقي ومزيفا كأنني أعيش في فيلم فحتى أحلامي صارت أكثر واقعية من حياتي فقدت الكثير من القدرة على التحليل والاستنتاج وربط المعلومات وأشعر بأن ذهني مشغول ومشوش لا أملك أي ساعة بيولوجية فأنام لـ 12 أو 13 ساعة إذ لم يوقظني أحد
أرى الأشياء بأبعاد غير حقيقية فيبدو كل شيء بعيدا حتى أنني أجريت فحصا للتأكد من سلامة بصري لا أعرف معنى الحياة والهدف منها وأحس بأن الوقت يمر بسرعة كبيرة لم أعد أخرج من المنزل إلا نادرا وخاصة في وقت العصر والظهر لكن في الليل أحس ببعض التحسن
أنا لا أصلي فلا أعرف ما معنى حساب وجنة ونار فالصلاة عندي عبارة عن حركات أوتوماتيكية من غير نية أو خشوع أو إدراك لمعنى الصلاة وأنا أصلا غير موجود لست في الواقع والدنيا الحقيقية وإنما كله حلم ووهم.
باختصار أنا وهم وكل شيء حولي وهم وكل المواقف التي أمر فيها وكل أقوالي وأفعالي وتصرفاتي وحياتي أعملها وأنا مسيَر في أحداث حلم غريب لا أفهم تفاصيله ولا أذكرها وأنا بانتظار أن أفيق من هذا الحلم وأرجع لنفسي ولحياتي.
قررت في أحد الأيام أن أصارح أمي بما أحس وفعلا حصل ذلك وذهبت إلى طبيب نفسي فشخص حالتي على أنها اكتائب ووصف لي دواء NETRAL لكني لم أشعر بأي تحسن والآن أنا أتناول دواء solotik ولم يبد علي تحسن ملاحظة أنا متأكد من أخي يعاني من نفس حالتي فنظرته متغيرة وقل خروجه من المنزل فبمجرد النظر إليه أعرف أنه يعاني نفس معاناتي .
بالله عليكم ساعدوني هل هناك أمل في الشفاء والعودة إلى طبيعتي؟ والله العظيم أصبح الانتحار ملازما لتفكيري والبارحة كدت أن أضع حدا لحياتي فقد يئست من الأدوية والجلسات والانتحار هو أحسن حل بالنسبة لي فأنا غير موجود فما الذي يمنعني من الانتحار؟
ولا أظن أن الله سيحاسبني فلا حرج على مجنون
27/07/2012
رد المستشار
الابن الفاضل "محمد" أهلا وسهلا بك على مجانين وشكرا على ثقتك، يمنعك من الانتحار عقلك السليم وأملك في الشفاء إن شاء الله .... لست مجنونا بأي حال لينتفي الحرج عليك يا ولدي فلا تسمح لمثل هذا اللون من التفكير أن يطول بك في أي حال.
إحساسك بأنك لست موجودا أو بالأحرى عدم إحساسك بأنك موجود هو حالة انفصالية عابرة بلا شك ما لم يستمر تعزيز بقائها من خلال طريقتك أنت في الاستجابة لها كما سأبين لك.
تشير في إفادتك إلى بداية أعراض القلق لديك منذ خمس سنوات ويبدو أن ما تصفه في قولك (...أسمع صوت غناء لا يمكنني التخلص منه حيث يشوش على أفكاري فأتخيل أني أتصارع مع هذا الصوت لكي يتوقف) هو أحد نماذج الوساوس الموسيقية Musical Obsessions التي يشتكي أصحابها من تسلط نغمات موسيقية أو مقاطع من أغنيات معينة على تفكيرهم ضد رغبتهم وبشكل يعيق أداءهم الحياتي بدرجات متفاوتة الشدة.... وبعد ذلك بدأ القلق يتسرب إلى حياتك في صورة المخاوف التي وصفتها.
وعلى تلك الخلفية داهمك اختلال الإنية، ولم توضح لنا كيف توصلت إلى تشخيص الحالة (وليس الوصول إلى تشخيص مؤكد لهذه الحالة سهلا) وإن كان استنطاق الإنترنت بحثا عن تفسير للأعراض صار سلوكا يتبعه أغلب مستخدمي الإنترنت على مستوى العالم.... لكن الطبيب النفساني الذي فحصك رأى أن الحالة اكتئاب واختلال الإنية الثانوي للاكتئاب هو من نوع اختلال الإنية العابر.... ذلك أن اختلال الإنية كثيرا ما يكون عرضا من بين أعراض الاكتئاب خاصة في بدايته أو نهايته.
أما الرأي الذي أميل إليه فهو أن اكتئابك يبدو ثانويا لاختلال الإنية مثلما تبدو وسوستك المستمرة بفحص مشاعرك واختبار إحساسك بنفسك وهذا السلوك الأخير في تخميني هو سبب استمرار الحالة أو استمرار وعيك بها وتركيزك عليها.
وعلى كل أحيلك بداية إلى قراءة بعض ردودنا السابقة على المشتكين من اختلال الإنية، وإلى مقالين سابقين في الموضوع فاقرأ على مجانين:
ظواهر الانفصال وسوسة فاختلال الإنية
اختلال الإنية في نطاق الوسواس القهري مشاركة
نفسي انفصلت عن كلامي: اختلال إنية!
اختلال الإنية- تبدل الواقع غالبا عرض
تبلد الأحاسيس أم اختلال الإنية؟
اختلال الإنية و/أو تبدل الواقع مقدمة
اختلال الإنية و/أو تبدل الواقع: وصفوفي ضوء ما سبق يا "محمد" لا شك أن لديك أعراضا تعتبر من أسخف أعراض اختلال الإنية وأكثرها إزعاجا لصاحبها إلا أن لدي نقطتان مهمتان لك هما:
- كثيرا ما تكون أعراض اختلال الإنية في مثل سنك عابرة يا "محمد" تنتهي بانتهاء مرحلة الإنضاج والتكوين النفسي الاجتماعي أو المراهقة خاصة إذا نجحت في تجاهلها.
- تبقى الأعراض التي وصفتها كلها أعراضا آمنة أو غير منبأة عما هو أسوأ وقد تعرضت للفحص من قبل أطباء عديدين واطمأننت أن معاناتك كلها نفسية فليس في رؤية الأبعاد أحيانا على غير حقيقتها أو في قوة إبصارك مثلا مشكلة ولا في مستوى وعيك مشكلة، ولا في إحساسك بأنك تراقب نفسك إلخ..... مشكلة.... فهذه كلها ليست مقدمات لحالات أخرى بل كل ما هنالك هو هذه الأعراض التي لا معنى لها سوى أنك مفصول عن أحاسيس معينة تود الوصول لها أو الإحساس بها.
لم تذكر لنا جرعات العقاقير التي تعاطيتها وعلى كل فإن النيترال Netral وكذلك السولوتيك solotik هما اسمان تجاريان لعقَّار واحد هو السيرترالين Sertraline وهو أحد عقاقير الم.ا.س.ا وهي عقاقير تنجح في علاج الاكتئاب كما تنجح في علاج الوسوسة إلا أن استخدامها لعلاج اختلال الإنية يحتاج جرعات عالية وليست كفاءتها في العلاج مع الأسف عالية إلا أن هذا حال العقاقير كلها في محاولة علاج هذه الحالة.... واقرأ عن العلاج: اختلال الإنية وأو تبدل الواقع العلاج
إلا أن خبرتي الشخصية في علاج الحالات المماثلة تفيد نجاح العلاج المعرفي السلوكي مدعوما بجرعات صغيرة من عقاقير الم.ا.س.ا التي تنجح في تقليل إلحاح الوعي بالأعراض وتقليل شدة وقعها ويبقى على العلاج المعرفي السلوكي إقناع وتدريب المريض على الكف عن الاختبار الذاتي لنفسه وأحاسيسه بين الحين والحين فإذا نجح المريض في ذلك تراه يعيش طبيعيا تماما، وبعضهم يؤكد أن أعراض اختلال الإنية تفتر كثيرا بمرور الوقت وبعضهم لا يتذكرها إلا لحظات متفرقة متباعدة.
التعليق: لا تسأل نفسك أين ذهبت لأنك لو سألتها طول العمر لن تجيبك لأنها معك ولكن إحساسك بها معطل، أعرف أنه إحساس صعب لأنني أعيش به، ولكن جرب أن تتجاهله وتنطلق في الدنيا وتحتك بالناس وتبني نفسك،
ولا تنزعج كثيرا من هذا الإحساس حتي لا تكتئب وتفوت علي نفسك الكثير.