مريض من العيار الثقيل
أفكر في الكتابة لكم منذ فترة طويلة ولكن الذى يمنعنى هو طول الرسالة إذ كيف يمكن اختصار رحلة المرض الطويلة في صفحة واحدة.. سأحاول..
عمري الآن يا سيدي40 عاما وبدأت قصتي مع المرض عندما كان عمري 20 عاما ووقتها كنت شابا رائعا مما أثار غيرة أحد أصحابي وكان شخصا سيكوباتيا.. حيث قام هذا الشخص بتوجيه كلمات قاسية لي تتعلق بعيب بسيط في وجهي ورغم أنني لست دميما إلا أن هذا الشخص صور لي أنني أقبح إنسان في العالم وأنني لا أستحق الحياة.. بعدها بدأت الأعراض المرضية في الظهور وكانت الأعراض تتمثل في- تشوش كبير في التفكير- حزن شديد واكتئاب- احتقار شديد للذات- الإحساس وكأني في عالم آخر- تدني في المستوى الدراسي- فقدان الدافع.. ولكن لم تكن توجد هلاوس أو ضلالات..
ووقتها لم أكن أعرف شيئا عن المرض النفسي غير أني كنت أعرف أن شيئا كبيرا قد حدث فذهبت إلى طبيب نفسي في مستشفى طلبة الجامعة وظل الطبيب يتحدث معي بعض الوقت ثم طلب مني مقابلة والدي وفي هذا الوقت كانت علاقتي بوالدي متوترة جدا ولم أستطع إخباره بشيء وكتب لي الطبيب دواء تفرانيل استخدمته لمدة شهر واحد وشعرت ببعض التحسن في المزاج (وهو ما جعلني دائما أعتقد أن حالتي هى اكتئاب) ولكن ظلت باقي الأعراض كما هي.. وبعد ذلك استطعت إكمال دراستي الجامعية بصعوبة شديدة وبمساعدة دواء (موتيفال) حيث كنت أتناوله أيام الامتحانات وكان يسيطر على الحالة بشكل معقول.. وتمكنت من إنهاء الدراسة بصعوبة وعمري 30 عاما وبعد إنهاء الدراسة وجدت نفسي غير قادر على إنجاز أي شيء واكتفيت بالجلوس في المنزل مما كان يعرضني لضغوط شديدة تسببت فيما بعد في إصابتي بحالة من أسوأ حالات الاكتئاب..
المهم أنني بعد إنهاء الدراسة حاولت العلاج ولكن حظي كان سيئا مع الأطباء ومع الأدوية أول طبيب كتب لي نوعين من الأدوية هما (تريبتزول وابكسيدون) وتسبب الدواء في إصابتي بصداع شديد مما أجبرني على وقف العلاج بعد ذلك ومع استمرار جلوسي في المنزل تعرضت لحالة من الاكتئاب الشديد تطلب الخروج منها تناول كمية هائلة من الأدوية ودواء واحد كان هو المؤثر وهو انفرانيل وجميع أدوية SSRI لم تكن مؤثرة..
كل هذا العمر يا سيدي وأنا لا أعرف تشخيص محدد للحالة وأخيرا ومنذ سنتين ذهبت لطبيب وسألته عن تشخيص الحالة فقال إنها بين (فصام سلبي أو وجداني) وكتب لي دواء (ابيكسيدون 4مجم + اريببركس 30 + أكينتون) ورفض إضافة دواء للاكتئاب.. ولم أشتري الدواء ولم أتناوله وذلك لخبرتي السيئة بالأدوية وخوفي من تدهور الحالة إلى الأسوأ.. واستقرت الأعراض الحالية عند الأعراض السلبية + خلل في التفكير يأخذ الطابع الوسواسي.. وأريد أن أسأل أسئلة كثيرة..
بماذا تنصحني؟ هل أحاول العلاج مرة أخرى على أمل حدوث تحسن أم أرضى بحالي حيث أنني أستطيع القيام بالأعمال المنزلية ورعاية والدتي المسنة وهل تقترح إضافة دواء للاكتئاب أم يكون دواء للفصام فقط؟..
هل تنصح بتناول دوائين معا - ابيكسيدون واريببرازول - أم دواء واحد - وأنا مستعد للإجابة على أي أسئلة..
وأرجو الإجابة من الدكتور وائل أبو هندي أو الدكتور مصطفى السعدني - مع احترامي لجميع الأطباء بالموقع –
مع جزيل الشكر .
27/07/2012
رد المستشار
1. الشكوى المقدمة Presenting Complaints:
اضطراب في التفكير، اكتئاب، انتقاد شديد للذات، أعراض انفصالية، فقدان الدافع وتدهور الإنجاز الدراسي منذ عمر 20 عاماً. يضيف المستخدم البالغ من العمر 40 عاما بأن هذه الأعراض ظهرت بعد انتقاد من أحد زملائه لمظهره.
2. المعلومات الخلفية Background Information :
تناول المستخدم العديد من العقاقير، ويضيف بأن عقار الأنفرانيل والموتيفال سابقاً كانت أكثر فعالية من غيرها. رغم ذلك لا يوجد دليل بأن فعالية أي دواء كان لها تأثير قاطع على أداء المستخدم المهني والدراسي ولا على حالته النفسية.
3. التاريخ الشخصي Personal History :
أنهى دراسته الجامعية متأخراً جداً. أعزب وعاطل عن العمل. يقوم حالياً بأعمال منزلية ورعاية الوالدة.
4. التاريخ العائلي Family History :
لا يوجد ذكر لتاريخ مرضي في العائلة.
5. الحالة العقلية Mental Status :
اكتئاب وقلق مزمن رغم أن المستخدم لا يتطرق إلى أعراض اكتئاب أو قلق أخرى أو أفكار انتحارية. الشكوى تتعلق بضعف الاندفاع وعدم القابلية على التغيير . لا وجود لأعراض ذهانية. يدرك المريض بأنه يحتاج إلى علاج ولكنه في عين الوقت فقد ثقته في العلاج.
6. صياغة الحالة Formulation:
رجل في الأربعين من عمره يعاني من ضعف في الاندفاع مع شكوى من أعراض اكتئاب وضعف في التركيز وانتقاد شديد للذات. يفسر المستخدم ظهور الأعراض بعد تعرضه لانتقاد شديد من أحد زملائه، ويشير كذلك إلى توتر علاقته بوالده سابقاً مما يوحي بوجود عوامل نفسية تتعلق بالنظام العائلي وتعلق المستخدم بالوالدين. تحول سلوك المستخدم مع السنين إلى القيام بأعمال منزلية ورعاية الوالدة وفشل في الانفصال عن بيت العائلة وإقامة علاقة زوجية. فشلت جميع العقاقير من مختلف الأصناف بتغيير سلوكه جذرياً.
7. الاستنتاجات Conclusions :
أخي العزيز:
o شكراً على تراسلك مع الموقع وأتمنى لك الشفاء.
o في بداية الأمر لابد من التطرق إلى الأعراض الشخصية كما وردت في رسالتك. إن أعراض الأمراض النفسية التي يشكو منها المريض (الأعراض النفسية الذاتية) يمكن حصرها في 9 مجموعات كالآتي:
1- اكتئاب.
2- قلق.
3- رهاب.
4- وسواس قهري.
5- جسمانية.
6- عداء Hostility .
7- حساسية في التفاعلات الشخصية.
8- زور Paranoia أو هذاء (أو وهام Delusion).
9- ذهانية Psychotic .
• إن أعراضك النفسية تنحصر في القلق والاكتئاب والرهاب وربما في التفاعلات الشخصية. لا وجود لأعراض ذهانية أو زور أو هذاء. على ضوء ذلك لا أتفق مع تشخيص الطبيب.
• لا فائدة الآن من وضع مصطلح تشخيصي لحالتك. مهما كانت الأسباب التي دفعت بك إلى الاكتئاب والقلق وضعف الاندفاع فهي الآن لا قيمة لها والأهم من ذلك صياغة الحالة على ما نطلق عليه السلوك المرضي المزمن Chronic Illness Behaviour .
• هناك سبعة أبعاد لهذا السلوك المرضي وهي:
o توهم المرض (مراق).
o القناعة بالمرض.
o التمركز النفسي أو الجسماني.
o الإحباط الوجداني.
o الاضطراب الوجداني.
o إنكار عوامل شخصية واجتماعية لتفسير السلوك دون المرض بحد ذاته.
oالاستثارة
• إذا تمعنت جيداً ستدرك أن هناك قناعة بالمرض، تمركز نفسي، اضطراب وجداني، وإنكار العوامل الاجتماعية والشخصية لتفسير السلوك.
• على ضوء ذلك يمكن القول الآن بأن مشكلتك ليست هي المرض النفسي وإنما هي سلوك مرضي أصبحت سجينه منذ عشرين عاماً. موقعك الاجتماعي غير الطبيعي الآن لا يمكن الاستمرار به دون القبول بقناعتك الشخصية بأنك رجل مريض نفسياً. أما إذا اقتنعت بأنك لست رجلاً مصابا بمرض نفسي فعند ذاك ستتغير ولكن هذا سيولد لك تنافرا معرفيا يصعب عليك التعامل معه بسهولة.
• لم تنفعك العقاقير ولم تغير سلوكك ولن تفعل ذلك أبداً. إن الذي سيغيرك هو عزيمتك في البحث عن عمل مهما كان، الاتصال مع الناس، والبحث عن شريكة حياتك.
• لا بأس من الحديث مع معالج نفسي أو مهني يساعدك في وضع جدول زمني للقيام بفعاليات ونشاطات تساعدك على التغير التدريجي.
• لا بأس أيضاً من تناول أي عقار مضاد للاكتئاب في مرحلة التغيير والفعاليات. هذه العقاقير لا تساعدك أكثر من 20% أما الـ 80% فهي عزيمتك على التحول من إنسان إلى آخر. من إنسان مريض إلى إنسان غير مريض. من إنسان عاطل إلى إنسان عامل. من إنسان تجنبي إلى إنسان اجتماعي. من أعزب إلى متزوج.
• إن الإنسان ليس مجرد مواد كيمائية يتم التلاعب بها عن طريق العقاقير لكي يتغير، وإنما هو كائن حي له مشاعره، وعواطفه واحتياجاته.
• إن راجعت طبيب فاطلب منه شيء غير العقاقير، وإن لم تراجع طبيبا فلا بأس من ذلك، الأفضل من ذلك غرس العزيمة على التغير في ذاتك.
وفقك الله