هل يلزمني التوجه لطبيب نفسي؟؟
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وكل عام وأنتم بخير...
أعتقد أن لدي مشكلة، ولكني فكرت أنني ربما يجب أن اعرض الأمر على متخصص ليقرر، فقررت الكتابة إليكم... أرجو أن يتسع صدركم لي.. المشكلة الظاهرة لدي هي الوضوء والصلاة والطهارة، كلها تأخذ مني وقتا وجهدا ناهيكم عن الإسراف في الماء.
لدي مشكلة ما في الجهاز الهضمي على ما يبدو، لذلك أنا لا أحتفظ بوضوئي، وللصلاة الواحدة أعيد الوضوء على الأقل مرتين، توجد حركة بالداخل عندي، وهي تزيد عند الصلاة، بالذات عندما أرفع قدمي على المغسلة للوضوء، أو عند السجود، أشعر بأن حركات كهذه تساعد في إخراج الغازات، ولست متأكدة دائما إن كانت هذه الغازات تخرج فعليا أم أنها تبقى بالداخل. عندما أذهب للحمام، لا أظن أن كل شيء يخرج، لهذا غالبا ما أشعر بتراكم أشياء داخلي، عدا عن الغازات....
المهم.. كل هذا جعل من وضوئي وصلاتي عبئا ثقيلا، فأحيانا أتنفس الصعداء لانتهائي من الوضوء، وما إن أصل إلى مكان الصلاة أفقده، وأحيانا أفقده بمجرد انتهائي من ارتداء ملابس الصلاة، أو أثناء الصلاة، والأسوأ عندما أفقده وأنا على وشك التسليم من الصلاة. قد يحدث هذا في نفس الصلاة الواحدة، مما يسبب لي توترا شديدا ونكدا لا يعلم مبلغه إلا الله، وأنا في الأساس عصبية.. وكل هذا يزيد من عصبيتي، وأحيانا أفقد أعصابي وأصرخ في كل من يحدثني.
أصبحت أخاف الوضوء والصلاة.. تقريبا أشعر بالخوف عند كل صلاة... أذكر مرة أنني كنت أحاول النوم قبل أذان الفجر.. لم أرد أن أسمعه، ولكني لم أستطع... وما أن بدأ الأذان حتى شعرت بدقات قلبي تتسارع... وانتابني خوف كما لو كنت أمام خطر داهم، تضايقت من خوفي يومها، كما أنني متضايقة من شعوري تجاه الوضوء والصلاة عموما.
عندما أتنكد فعليا آخذ أحيانا بالتذمر والشكوى من الصلاة، والتساؤل عن سبب فرضها علينا فرضا، أو عن سبب ربطها بالوضوء (فلا مشكلة فعليا مع الصلاة ذاتها من ركوع أو سجود، ولكن مع الشروط المرتبطة بها)، أشعر أن هذا سخيفا أحيانا، فالهدف من صلاتي أصبح إنهاءها قبل أن أفقد الوضوء، أليس من الغريب أن عدم فقدانك للوضوء أهم من خشوعك في الصلاة؟؟؟
أنظر إلى النصارى وأغبطهم أحيانا، عندما يدعون الله ويصلون له، ليس عليهم أن يهتموا بهذه الأمور... كما أشعر أحيانا -وسامحوني لقول هذا- بأنني أكره الله. أبدأ بالتفكير بأنه هو من فرض علينا الصلاة... ووضع لها تلك الأحكام التي تسبب لنا الشقاء... وأنا أدعوه كثيرا ليزيل عني هذا العبء وهذه المشاعر... ولكنه لا يستجيب لي... أدعوه حقا، وأفكر أنه سيخلصني بالتأكيد، وأذهب للوضوء والصلاة وأنا كلي أمل أن هذه المرة قد تكون مختلفة، وربما أنهي وضوئي بفرح، ولكن ما أن أبدأ الصلاة... حتى أفقد وضوئي... هل تتصور خيبة الأمل التي تنتابني؟؟؟
حسنا.. أشعر عندها بالإحباط والحنق وكسرة في القلب... طبعا كل هذه المشاعر (تجاه الله) أشعر بها فقط وأنا في حالة النكد والتوتر تلك.. عندما أهدأ.. تختلف رؤيتي للأمور.. لكن أحيانا يتطلب الأمر ساعات مني لأتخلص من حالتي تلك. كما أشعر أنني لا أحب الرسول... لأن انتقاض الوضوء بخروج الريح كان بسبب تعليماته على ما أفهم، وليس بنص القرآن... ستقول لي: إنه لا ينطق عن الهوى... الخ... ولكني أشعر أنه سبب معاناتي بشكل أو بآخر... كل هذه الأفكار والمشاعر -بالذات ما كان منها تجاه الله- تزيد في خوفي وشعوري بالذنب.
باختصار..الصلاة بالنسبة لي كأنها معركة.... ولكم أن تتخيلوا حالة شخص يشعر بأنه يخوض 5 معارك يوميا! بسب الصلاة والوقت والجهد النفسي الذي تأخذه مني.. أشعر بأن الحياة بدأت تتسلل هاربة مني.. حسنا أنا في الأصل كسولة ولست اجتماعية... ولكن هذه المشكلة تزيد الأمور سوءا... أحيانا أذهب للنوم للتخلص من النكد.. أحيانا أظل وقتا جالسة هكذا.. بانتظار أن تخف حدة مشاعري السلبية... صرت أكره الذهاب إلى أي مكان.. لأني لا أعرف كيف أتوضأ وأصلي في الخارج أو في بيوت الآخرين.. أجد الأمر محرجا.. أن أتوضأ عند الآخرين أكثر من مرة مثلا... لا أستطيع أن أعمل السيشوار بسبب الوضوء.... وكذا لا أضع الكريمات.. أو الزيوت.. ولا أضع شيئا على وجهي.. أشعر أحيانا أنني إما أن أعيش وإما أن أصلي!.. أحيانا أفكر أن الموت هو الشيء الوحيد الذي سيخلصني من الوضوء والصلاة... والتعب والنكد المرتبط بهما.
المشكلة الأخرى في الوضوء والصلاة هي النسيان... فأنا أنسى إن كنت قرأت الفاتحة أم لا..... إن كنت ركعت.. سجدت.. كبرت.. الخ... ذات الشيء في الوضوء.. وكذا عند الطهارة.. أشك أنني لم أنظف المحل جيدا.. أو لم أغسل رجلي..الخ... أحيانا أعرف أنني فعلت هذا... أو ذاك... ولكن مجرد كوني أشك في أمر قد فعلته يؤلمني ويخيفني في ذات الوقت....
نفس الشيء يتكرر عند قراءة القرآن.. فأنا أعيد قراءة الآيات.. أظنني أخطئ في القراءة.. أو أنني لم أفهم.. فأعيد.. إلى أن اشعر بضيق في الصدر وتوتر.
عند الشك مع أني أحيانا أعرف أني فعلت الشيء إلا أني أعيده.. التكرار يزيد التوتر.. ويزيد الشك.. عند الصلاة أطلب من أختي مراقبتي... لأتأكد أن صلاتي صحيحة... قرأت في كذا موقع أنني لا يجب أن أعيد... وأحيانا أنجح ولا أعيد.. عند بداية الصلاة.. في المرة الأولى منها مثلا.. تكون حدة الشك خفيفة.. فإذا انتقض وضوئي أو شككت فيه... يزداد توتري.. وتزداد حدة الشكوك...
أظن كذلك أن لدي مشكلة في التركيز.. فعندما أريد أن أقرأ كتابا مثلا.. لا أركز فيه.. وأضطر للعودة إلى الصفحات السابقة لأتأكد مما قرأت.. وهكذا في أشياء أخرى... أحيانا أعود لأتأكد بأنني أغلقت مفتاح الغاز جيدا.. أو أنني قمت بالتعليق الذي أردت إدراجه هنا أو هناك... الخ...
غالبا هذه المشكلة مرتبطة بسابقتها أيضا.. ولكني أشعر بالخوف نوعا ما بسبب هذا.. أشعر أنني أفقد عقلي شيئا فشيئا.... فهل كل هذا يعني أن لدي مشكلة تستوجب مني مراجعة طبيب نفسي أو تناول عقاقير معينة.. أم فقط أغير عاداتي وسلوكياتي وفهمي للأمور؟؟؟ هل لكوني لا أعمل علاقة بالأمر... أو باستفحاله؟؟؟
شكرا لكم.. وآسفة لكثرة الأخطاء.. ولعدم الوضوح ولقلة الترتيب..
ملاحظة: أرجو أن يقوم الدكتور وائل بالإجابة على أسئلتي
23/08/2012
رد المستشار
وعليكم السلام ورحمة الله تعالى وبركاته يا "ه"؛
أعتذر منك بداية للتأخير الكثير، فقد استراحت استشارتك قليلًا عند أحد المستشارين، ثم أكملت طريقها إليّ....
اطمئني ليس لديك مشكلة يا "ه"، وإنما لديك معضلة!!! لديك وسواس قهري قد استفحل أمره، وأمسك بخناقك وأنت لا تعلمين ما هو....
يتمثل حاليًا: بوسواس انتقاض الوضوء، وكذلك بالوسوسة في الوضوء نفسه وهل أتممته أم لا، وسواس طهارة ونجاسة بدرجة أخف، وكذلك الوسوسة في الصلاة وحسن أدائها....، ومن نفس هذا المعين، توسوسين في عدد من أفعالك وتتأكدين من حسن أدائها.....
طبعًا مشكلتك بحاجة إلى مراجعة الطبيب وحالًا....، وليس لها علاقة بأنك عاطلة عن العمل، ولا بشيء آخر من هذا القبيل.....، إنما هناك بعض الخلل في الناقلات العصبية لدى الموسوس، يعالج بالأدوية، وهناك خلل في المعارف والسلوكيات، يعالج بالعلاج المعرفي السلوكي.....
جميع ما تصفينه من قلق وتوتر، وإنهاك، وخوف، والخوف من قدوم وقت الصلاة....، كل هذا من مفرزات الوسوسة....، لك الأجر بالصبر عليه -إن شاء الله تعالى- لكن ما أعتب عليك فيه، هو مشاعرك تجاه الله عز وجلّ ورسوله صلى الله عليه وسلم عندما تشتد الأمور عليك.....
الله عز وجل فرض الصلاة رحمة للعباد وحبًا بهم، وليس لشقائهم، وعندما يكون عند أحد منهم عذر من الأعذار، يراعي عذره ويخفف عنه، ولكن لا يحرمه من شرف الوقوف بين يديه... فهذا الذي فقد قدميه يصلي قاعدًا ولا يحرمه الله تعالى من الوقوف بين يديه، وهذا الذي أصابه الصمم.... يقف بمقدار قراءة الفاتحة ساكتًا ويتشرف بأداء حق العبودية.... والموسوس...، هل يحرم الصلاة لأجل مرضه؟ هل يعامل على أنه (بشر درجة ثانية)؟ هل يقف الجميع يناجون الله تعالى، ويبقى هو منبوذًا لا يشاركهم هذا الشرف؟
لا طبعًا...، له أحكامه الخاصة يا "ه"، أحكامه التي تجعله يصلي بارتياح، وهدفه منها ليس أن ينتهي قبل أن ينتقض وضوؤه!! وأحكام الموسوس تُختَصَر في ألا يتبع ما يمليه عليه شكه ووسوسته في أي أمر من الأمور.....
إذا توضأت فقلت: نويت أم لم أنوِ؟ بلى نويت...، تابعي وضوءك دون رجوع للوراء.
غسلت وجهي أم لم أغسله؟ بلى غسلته...، تابعي....
انتقض وضوئي يا ترى أم لا؟ لم ينتقض!! وطبعا هنا في حالة عدم التأكد من الانتقاض، أما حال اليقين وعلمك 100% أنه انتقض، فلا مجال لهذا الكلام...
وهناك حالة، تسمى حالة دائم الحدث، أي حالة الذي يستمر معه الحدث دائمًا فلا يجد وقتًا يتسع للصلاة دون أن ينتقض وضوؤه. إذا كنت كهذا -لا قدر الله- فهنا تتوضئين وتسارعين إلى الصلاة دون فصل بينها وبين الوضوء بأمر لا علاقة له بها...، وليس عليك إعادة الوضوء ولا الصلاة حتى إن انتقض وضوؤك أثناء أدائها...
كذلك بالنسبة لوسوسة الصلاة يا "ه"، تسألين نفسك: كبرت جيدًا أم لا؟ بلى كبرت...، تابعي صلاتك....، ركعت أم لا؟ بلى قد ركعت...، تابعي إلى السجود... وهكذا...
في البداية سيزداد القلق والتوتر لديك جدًا، لكن سيخف تدريجيًا وتنتهي منه -بإذن الله تعالى- في غضون أسبوعين أو ثلاثة...
إذن أنت التي تشقِّين على نفسك باتباع الوسواس، وليس الله تعالى يشق عليك بافتراضه الصلاة...، أليس كذلك يا "ه"؟
سيفيدك كثيرًا بشأن وساوسك: الرجوع إلى مقالات: منهج الفقهاء في التعامل مع الوسواس القهري. وعمومًا فإن نطاق الوسواس القهري مليء بالكنوز التي تهم الموسوس...
كذلك أنصحك بالرجوع إلى ملف استشارات: علاج الوسواس OCDSD فقهي معرفي إسلامي Religious CT
بانتظار زيارتك للطبيب وبدئك بالعلاج...، وطمئنينا بعد ذلك
استمري بالدعاء، فالله أكرم من أن يردك، عافاك الله وشفاك...