استشارة
الأخوة الأفاضل القيمين على الموقع؛
أحمد الله سبحانه وتعالى الذي أتاح لي عن طريق الصدفة لقاء الدكتور أحمد محمد عبد الله في أحد المؤتمرات السياسية في الكويت، ولولا أني أحسست بالحياء من الحديث عن مشكلتي من أول مرة مع لهفتي لطبيب نفسي له خلفية إسلامية، لكنت فتحت الموضوع معه مباشرة، الحقيقة أني من فترة كنت أعالج من مرض الاكتئاب، ولكن لم يكن العلاج مقنعا لي، وكنت أتندر بأني أتناول "حبوب السعادة" ولكن المشاكل بقيت هي هي.
ربما استطعت أن أصنف حاجتي إلى المساعدة من مرض الاكتئاب لأن والدي مصاب به من فترة طويلة ويحتاج من فترة إلى أخرى لدخول المستشفى للعلاج منه، بدأت المشكلة معي بسلسلة إخفاقات في حياتي، من النواحي العملية والعاطفية، شعرت معها أني فقدت الرغبة في الحياة.
وأحمد الله الذي من علي بالإيمان لأنه لولاه لكنت في عداد المنتحرين، فقد تفاقم إحساسي بأني فاشلة رغم ما أتيح لي من فرص ليست متاحة لغيري من الناحية المادية، ومن الحرية في وسط عائلة متفهمة ووالد كان قبل مرضه داعية، حين أعمل أبدع، ولا فخر، ولكن أحيانا تصل بي الأمور وكأني كنت أغرف من خزان ثم انقطع، وأشعر بالخجل من الناس ومن الالتزامات التي تتأخر حين أصل بالشعور إلى أن كل شيء في دماغي قد توقف، أحيانا خلال ربع ساعة أكتب مقالا، وأحيانا يمر الشهر كله فلا تخرج مني كلمة واحدة، ويبدأ العتب، هذا من ناحية.
من ناحية ثانية، عملت فترة طويلة في صفوف الدعوة أتقاضى مبلغا زهيدا، وهذا ما جعل العائلة تتهمني بأني فاشلة، وأني أضيع مستقبلي بتفاهات، وانظري إلى فلان وفلان وفلان، وحين قررت أن أبدأ عملي الخاص قابلتني العثرات المادية والطعن النفسي من شريك العمل ثم طعن من أقرب المقربين إلي بذنب لم أقترفه، عدا عن قصة حب عاصف، أسهل شيء فيها على من أحب أن يتخلى عني، ولم يفعلها لمرة واحدة بل أكثر من مرة.
أود ولو أني أطلت عليكم أن أخبركم أيضا أني أعاني من السمنة من طفولتي، والحقيقة أني كلما نظرت إلى صوري وأنا صغيرة أشعر بالحرقة لأني لم أكن مسخاً كما كنت أعامل بل كنت طفلة عادية منذ السابعة أو أقل أشعرني الجميع أني عيب وسخروا مني وركض أهلي إلى أطباء الحمية حيث أعطاني أحد الأطباء حمية قاسية وأدوية مخففة للشهية وأنا في السابعة والله، وما زال راسخا في مخيلتي حين كنت في السابعة وطبيب الصحة يرغي ويزبد حول قوة الإرادة في الالتزام بالريجيم لابنة السبع سنوات، وأتمنى الآن لو أني ألصق في وجهيهما صورتي وأنا في السابعة وأسألهما بالله لماذا هل هذا شكل طفلة كانت بحاجة إلى حمية وإلى تحمل كل هذا الأذى النفسي.
والكل كان يتدخل ويعرف ماذا آكل ويعلق أمام الجميع بأني يجب أن أخفض وزني، والحقيقة أن كل هذه الذكريات تقفز إلى مخيلتي رغم مرور سنين طويلة عليها، وكأنها حصلت بالأمس لأنها تدمي قلبي، وأكذب إن قلت أني استطعت تجاوزها، فأنا جربت الكثير لأخفض وزني ونجحت في إنقاص وزني 45كجم، وأتمتع بلياقة بدنية عالية جدا، ربما أتفوق فيها في ممارسة بعض الرياضات على النحيفات، حتى أني جربت جلسات العلاج بالكهرباء لعلاج السمنة، ولكن كما قلت لم أستطع تجاوز ما يحصل معي، لأني أتصرف في كثير من الأمور على أساس رد الفعل.
أتقنت فنونا في العمل اليدوي وأقمت معارض حتى أثبت للناس أن في داخلي إنسانة تستحق الاحترام، حائزة على شهادتين جامعيتين، وأعمل في مهنة الترجمة وأتقنها رغم أنها ليست من اختصاصي، أحاول جهدي بالاستقلال المادي، رغم التعسر فقط لأثبت جدارتي، ثم يأتي من يقول لي دائما أنت ممتازة لولا شكلك، ,أذكر أن احدهم قال لي مرة، لو أن وزنك ينخفض إلى الرقم كذا لاشتهاك الصبيان في الطرقات.
وأنا والله أعف نفسي وأفضل أن أبقى سمينة وعفيفة ومحترمة على أن أصبح عارضة أزياء ومصدر فتنة وشهوة للمارة، معاذ الله إنه ربي أحسن مثواي؛ أو من يقول أنت بلهاء ضيعت مستقبلك بكذا وكذا، سبحان الله أنا تربيت على الدعوة في بيت داعية حتى أصبحت الدعوة في دمي، ووالله لا أزكي نفسي ولكني زاهدة بالمال، والمجوهرات وزخارف الحياة الدنيا، وأشعر بهوة عميقة بين القيم والتقاليد، وألوم نفسي كثيرا على تقصيري في الدعوة وأنا أرى أخوات عاملات أكثر مني بكثير رغم ظروفهن الصعبة، أشعر بالفشل الحقيقي واحتقاري لنفسي حين أرى جهودهن العظيمة أمام جهودي الصغيرة.
حين بدأت كل هذه المشاعر تتفاقم بدأت أفقد القدرة على التركيز، وبدأت أيضا أفقد الرغبة في لقاء الناس، أو الكلام، وكنت أستيقظ كل يوم والدموع تخرج من عيني دون أي جهد، حتى تفاقم الأمر، وأصبت بنوبة عصبية ذهبت بعدها إلى طبيب نفسي، فقال هذا اكتئاب وأعطاني دواء، ولكن بعد فترة أصابني بعارض جانبي شديد، كنت أحس معه، بالرغبة في تمزيق ثيابي، وباختناق، وبأن شيئا ما رابض على صدري، وحين أوقفته تحسنت.
الآن بحمد الله أشعر أن الفترات الصعبة من الكآبة قد ولت، ولكن ما زالت مقابلة الناس مشكلة عندي، وما زال موضوع التركيز مشكلة أكبر بكثير، وقد أخسر من جرائها وظيفتي لأني لا أستطيع التركيز لكتابة مقال، وأحيانا لا أجد الرغبة في الخروج من البيت أصلا، فأرجو إن كان هناك طريقة أو نصيحة لمساعدتي على استعادة التركيز على الأقل لأمارس عملي بشكل شبه طبيعي أكون لكم من الشاكرين.
شكرااااا
وعذرا على الإطالة
16/3/2004
رد المستشار
الأخت العزيزة أهلا وسهلا بك على موقعنا مجانين، وشكرا على ثقتك، الحقيقة أن رسالتك تفتح عددًا كبيرًا من القضايا الطبنفسية والفكرية، وقد عرضت الرسالة على أخي وزميلي الدكتور أحمدعبدالله، فرأى أن أجيب أنا وأن يعقبَ هو لأنه رآك تفتحين جبهةً تتعلق بالحمية المنحفة وصورة الجسد وهما من أكثر النقاط شغلا لي في المرحلة الحالية.
أولا سأتحدثُ معك عن اكتئابك والذي يبدو لنا من خلال إفادتك أنه اكتئابٌ من النوع المسمى ثنائي القطب Bipolar Depression، أي ذلك "الانهباط" في المزاج والنشاط والقدرات المعرفية والنفسية ويصح أن نسميه "الهمود" كما كان يسميه أطباء المسلمين، ولكن ذلك الهمود يتناوب مع فتراتٍ من اتقاد الذهن وازدياد النشاط (ولا يشترط الانبساط المزاجي) وهذا يا أختي هو ما نستطيع استنباطه-والله أعلم- من عدة نقاطٍ وردت في سطورك الإليكترونية منها:
1- قولك (حين أعمل أبدع، ولا فخر، ولكن أحيانا تصل بي الأمور وكأني كنت أغرف من خزان ثم انقطع، وأشعر بالخجل من الناس ومن الالتزامات التي تتأخر حين أصل بالشعور إلى أن كل شيء في دماغي قد توقف، أحيانا خلال ربع ساعة أكتب مقالا، وأحيانا يمر الشهر كله فلا تخرج مني كلمة واحدة، ويبدأ العتب) فهذا تعبيرٌ رائع عن مزاجك الدوروي "نسبةً إلى دورة" Cyclothymic Mood.
2- ما أشرت إليه في بداية إفادتك من وراثتك للمرض عن والدك الذي تكرر دخوله إلى المشفى للعلاج من الاكتئاب ولم توضحي لنا الأعراض في حالته.
وأهمية هذه الملاحظة هي أن استخدام مضادات الاكتئاب معك يجبُ أن يكونَ بحذرٍ ودقة وتحت إشراف طبيب نفسي، ومن الأفضل أن يكون استخدامك لمضادات الاكتئاب مصحوبا باستخدام مثبت للمزاج Mood Stabilizer، لكي لا يحدثُ انقلاب مفاجئ في الاتجاه العكسي للاكتئاب لأن هذا ممكن في حالتك، وأرى أن من الجائز جدا أن تفيدك مثبتات المزاج وحدها على الأقل في تقليل حدة تقلبات المزاج التي تعيشينها.
نأتي بعد ذلك إلى الحمية المنحفة التي أجبرت عليها وأنت في طفولتك ما تزالين، فهذا والله شهيدٌ ظلمٌ كبيرٌ لكننا لا نستطيع إلقاء اللوم فيه على أحدٍ بعينه، لأن الكل في الشرق وفي الغرب سقطوا قي فخ الصورة النموذجية الغربية للجسد الأنثوي الجميل، وسقطوا في أكذوبة الحمية المنحفة، وفي وسواس الوزن، ولم يكن دافع أسرتك ولا دافع الأطباء في توبيخك وإجبارك على حرمان نفسك من الأكل الحلال إلا رغبتهم في تجنيبك عاقبة الوحش الكاسر الذي رأوه يهددك منذ طفولتك، فهم كغيرهم من الآباء والأمهات والأطباء صدقوا الأكاذيب، وحملوا أنفسهم وصغارهم ثمن وقوعهم في ذلك الفخ، وأرى أن أحيلك إلى عددٍ من إجاباتنا السابقة ومقالاتنا في هذا الموضوع على مجانين وذلك تحت العناوين التالية:
ما الريجيم إلا أسطورةٌ كبيرة : برنامج بديل
فخ الصورة : أول الملف
الأصل وصورة المرآة.. وما أدراك ما المرآة!
اشتهاء السكريات واكتئاب لا نماذجي
أكل الثلج : عقعقةٌ ، ربما
اضطراب نوبات الدقر (الأكل الشره)
فتح حوارٍ نفسي : مع ذات السؤالين !
أكذوبة كبيرة اسمها الحمية المنحفة
تأرجح الوزن
أكذوبة الوزن المثالي
رؤية المرأة لجسدها من منظور اجتماعي
هل البدانة مرض ؟
أنت تقولين أنك نجحت بفضل الله في إنقاص وزنك 45كيلو جراما، ولم تذكري بأي شكل نجحت في ذلك، وأكاد أستشعر أن لذلك الفقد الكبير للوزن دورًا في نوبة الاكتئاب الحالية، ولكن المهم على أية حال هو الحفاظ على النتائج ولعل في اتباعك للبرنامج المعرفي السلوكي الذي نقدم الجزء الأول منه ضمن ما أحلناك إليه من روابط ما يعينك في إصلاح علاقتك بمأكولك وبجسدك، وأيضًا في الحفاظ على وزنك الجديد إن شاء الله.
والحقيقة أنني لا يسعني إلا أن أحييك على احترامك وإكبارك لجسدك حين تقولين: (وأنا والله أعف نفسي وأفضل أن أبقى سمينة وعفيفة ومحترمة على أن أصبح عارضة أزياء ومصدر فتنة وشهوة للمارة، معاذ الله إنه ربي أحسن مثواي)، فهكذا يا أختي تكونُ المسلمة الحقة بارك الله فيك.
وأما النقطة الأخيرة التي يجبُ العمل الآن من أجل الخلاص منها فهي الأعراض المتبقية للاكتئاب والتي تعانين منها وتتضح من قولك في آخر إفادتك :(ولكن ما زالت مقابلة الناس مشكلة عندي، وما زال موضوع التركيز مشكلة أكبر بكثير، وقد أخسر من جرائها وظيفتي لأني لا أستطيع التركيز لكتابة مقال، وأحيانا لا أجد الرغبة في الخروج من البيت أصلا) فنحن هنا بحاجة إلى تدخل علاجي يحددهُ لك طبيب نفسي يراك ويسمعك وأتوسم خيرا في المسلمين من أطباء بلدك الشقيق، فالجئي بعد الله إلى أحدهم وتابعينا بالتطورات.
ويضيف الدكتور أحمدعبدالله: أشكرك علي ثقتك وجرأتك التي تحسدك عليها كثيرات، فما نزال في مرحلة بدائية نستحي أن يتقدم أحدنا ليقول أنا أعاني، وأحتاج إلى استشارة أو عون نفسي، أحييك على شجاعتك في هذه النقطة.
والحقيقة أن مفتاح فهم الكثير من المشكلات هو بالضبط يكمن هنا: "كلام الناس" وانظري معي وتأملي في كلماتك: العائلة تتهمني بأنني فاشلة و"يأتي من يقول أنت ممتازة لولا شكلك"، أحدهم قال لي مرة لو أن وزنك ينخفض إلى الرقم كذا....، أو من يقول: " أنت بلهاء ضيعت مستقبلك بكذا..."
والمشكلة هنا لا تكمن في أنك تتأثرين بهذا الكلام فحسب، ولكن الأخطر هو أنك تحددين اتجاهات حياتك باتجاه رد الفعل، والجهاد لإثبات العكس، وبأنك مثلا إنسانة "تستحق الاحترام"، أو تفضيل السمنة مع العفة علي النحافة والفتنة، وكأنهما قرينان لا ينفصلان!!!
والحقيقة يا أختي الكريمة أننا حين نصغي للنقد الذي يتحول أحيانا إلي تجريح، وحين نبتلعه إلي الحد الذي يصوغ قائمة أولويات حياتنا، ويرسم خطة تحركنا فيها.... حين نبتلعه يسري في أجسادنا مثل السم الزعاف، والأصوب أن نبصقه لأنه تافه وعقيم هل تراني هكذا أدعو إلي رفض النصح أو سماع الرأي المخالف؟!.
أبدا.... أنا فقط ألفت الأنظار إلي أن العقل ينبغي أن يشبه المُرَشِّـح "فلتر للترشيح" فلا يقبل كل ما يسمعه الإنسان، ولكن يزن ويقارن، ويخطط ويتوازن.
وقد رأيتك متماسكة القوام، معتدلة الحركة، ولكنني لا أعتقد أن اهتمام الإنسان منا بصحة جسده، ولياقته، وخفة مبادرته، وامتشاق قوامه في حدود المعقول –يعني أنه أصبح عبدا لشهواته ساجدا في محراب صورته في أعين الناس، وأنا مثلا أتمني أن أكون أقل وزنا كما تعودت طوال حياتي– لأن الزائد علي يضايق سرعتي في المشي وصعود درجات السلم.... الخ، وصاحب الدعوة يتحرك كثيرا، ويروح ويغدو، ولياقته البدنية، وخفة مادته جزء من أدوات نجاحه، فهل إذا سعي لتصحيح بنيته يكون بالضرورة متأثرا بصور أغلفة المجلات، ووصفات حميات التنحيف؟!!
وصاحب الدعوة يعمل بأجر مقابل تفرغه، ويعمل متطوعا أحيانا أخري، في مقابل أن يكتسب خبرة في مجال جهده هذا، وقد يقوم أحيانا ليس من وراءها سوي ابتغاء مرضاة الله، ولا تعارض بين هذا وذاك وذلك، والاقتصار علي شكل واحد من العطاء ليس صحيحا.... رضي الناس أو سخطوا.
وأنت حين تعملين بأجر مناسب للجهد الذي تبذلينه، وتكون نيتك فيه خالصة لوجه الله، وتتبعين إفادة المسلمين وكفاية نفسك ماديا، وإفساح المجال أمام تطوعك ببعض الوقت دون مقابل، فإنه مما لا شط فيه أن هذا يفتح المجال لذاك، وكلاهما في سبيل الله فأصبحت النية، وتحقيق النفع خاصا كان أو عاما.
لو أنك استطعت التخفف من تأثرك بكلمات من حولك، وتجردت من الكسل، ومن رد الفعل، وبدأت في وضع برنامج للوصول إلي قوام معتدل، وسعي عملي متوازن ومفيد، وأنا هنا أضيف علي ما تفضل به أخي دكتور وائل، وبالنسبة لك أعتقد أن الأمور ستكون أفضل، وتابعينا بأخبارك.