دماغي محتاج تجميع: ثمن الصمود الفلسطيني
أنا صاحبة مشكلة: دماغي محتاج تجميع: ثمن الصمود الفلسطيني؛ أشكركم على اهتمامكم وسعة صدركم ورحم الله شيخنا الشهيد ونحسبه كذلك ولا نزكي على الله أحدا نال ما تمنى وانك لتلمح ذلك السكون في وجهه رغم تمزق جثته وانفجار رأسه ولكن نسأل الله أن يرزقه جنان الخلد ويتقبل منه وبعد؛
لقد قرأت مشكلة ذلك الأخ والذي يبدو أنه يعاني مثلي وإن كان أقدر مني على طرح مشكلته بوضوح أكثر مني، بالإضافة إلى أنني أريد أن أعقب بشيء هو أننا كشباب فلسطيني حسب ما أعرفه، نكتمُ كثيرا في قلوبنا، ولا نتكلم عما نعانيه من قلق لأن الناس تعودت منا الصلابة والقوة، وأي شخص يجاهر بمشكلته النفسية يصبغ عليه صفة الضعف، ويبدو أنني كما توقعت تمام مصابة بخلل معين وأريد العلاج كما تفضل أستاذنا أحمد عبد الله، وبما أن الأمر غير متاح حاليا بالنسبة لي لأنتظم في جلسات مع طبيب نفسي فإنني سأسعى لمعاجلة نفسي بنفسي متوكلة على الله عز وجل.
وكنت سابقا قد وضعت برنامج لي حتى أقاوم هذا الضعف الذي اعتراني، ولكن لما وجدت أنه يتقدم ببطء معي أحببت استشارتكم بوضع ما أعانيه وأصف لكم حالتي حتى تساعدوني على معرفة هذا الخلل الذي في نفسي، ولم أكن أقصد أن تصفوا لي دواء أو غيره لأني أعرف بأن الأمر يتطلب مقابلة وجها لوجه، وقد أفادتني الروابط التي وضعتموها نوعا ما.
أما بشأن سؤالك أستاذنا الكريم أحمد عبد الله ((وقد أسألك لاستكمال التشخيص هل تحدث لك نوبات استرجاع لمشاهد القصف، فيمر عقلك وتعيش ذاكرتك خبرة تشبه "الفلاش باك" كما في الأفلام السينمائية عندما تتداعى الذكريات مكررة بعض مقاطع من الماضي، وكأن ما حدث في الواقع يتكرر ويعاد علي شاشة الخيال والذاكرة مرات ومرات؟!!)).
لن أقول لك بأنها تأتي على شكل شريط أمامي مرات ومرات ولكن ربما أثرت في بشكل غير واعٍ سأعطيك مثالا لكي يكون الأمر واضحا لك فمرات عندما أكون مع صديقة لي وعندما أسمع صورت طائرة بالسماء فإنني أتحفز وأضطرب وأحاول أن أتمالك نفسي حتى لا أحرج نفسي أمام صديقتي أو غيرها، وأحيانا مرت فترة كنت أصحو من النوم فزعة بمجرد سماع أي صوت طائرة بحيث يخفق قلبي بشدة ولكن أبدا بالاستعاذة وغسل وجهي بالماء.
أرجو أن لا يفهم من كلامي هذا أنني فتاة جبانة ولكن مر علي أكثر من موقف قصف ترك هذا الأثر في، فمرة رأيت قصف أربعة وقتلهم وكل ذلك كان فجأة كنت نائمة حينها وكان صوت الانفجار عنيفا جدا ولك أن تتخيل الموقف عندما تكون نائما بالإضافة إلى أن تشاهد بعينك جثث وأشلاء، ومرة كنت في طريقي للجامعة عندما سمعنا صوتا قويا وانفجار لندرك بعد ذلك أن الصوت هو عبارة عن عملية اغتيال لأحد قادة حماس ومنظر جثته أثناء انتشالها والدوران بها ليراها الناس محفورا بذاكرتي.
ناهيك عن القصف وإطلاق النار الذي أسمعه ويمنعني من النوم في أحيان كثيرة مما يدفعني إلى وضع يدي على أذني حتى لا أسمع الصوت، عذرا لدي الكثير لأكتبه لكن أجهل كيف أخرجه، ثم يا أستاذ عبد الله لا أدري ربما تسرعت بترك الدراسة ولكن لا أريد أن تكلف دراستي والدي فوق طاقته وسوف يعوضني الله.
سيدي أرجو أن لا يفهم من رسالتي أنني فتاة ضعيفة وجبانة ولا تتوكل على الله ولكن لنقل أنني أمر بأزمة وقد عزمت على أن أغير نفسي وأن أعود مثلما كنت، لأن الأمر مؤلم بحق ومرهق جدا ويتطلب مني شجاعة إلى أن أعود تلك الفتاة اللي أعرفها.
أما بشأن عزمكم أنت والدكتور وائل أبو هندي على وضع صفحة لفلسطين فأنا معكم وأقترح أن تضعوا مقالات كثيرة عن الاكتئاب والقلق والأرق وكيف نتعامل مع الأطفال في حالة القصف وكيف نتعامل مع شخص أسير في سجون الاحتلال وكيف نتعامل معه بعد خروجه من السجن، وكيف نتعامل مع شخص فقد ابنه وهكذا، هذا ما لدي وإنني أدعو الله عز وجل أن يوفقكم ويكتب لكم الأجر العظيم.
اللهم زدهم علما وحكمة وخشية لك واجعل جباههم لا تنحني إلا لك
اللهم ثبتهم على كلمة أن لا إله الله وأن محمدًا رسول الله
اللهم اكتب لهم الأجر كما المجاهدين هنا
اللهم ارزقهم حسن الخاتمة
اللهم اجعل بيوتهم عامرة بالطمأنينة
اللهم ثبتهم في البلاء ونور قلوبهم
اللهم علينا الدعاء ومنك الإجابة
وسلمتم
25/3/2004
رد المستشار
الابنة الكريمة؛ أهلا بك مرة أخرى ونحن معك ومع أهلنا في فلسطين حتى نقتلع هذا الخنجر المسموم الذي أغمده الغرب في جسدنا العربي والمسلم، والمسمى "إسرائيل".
نعم... تعانين من أعراض اضطراب ما بعد الصدمة، وما زلت مصرا علي اقتراحي بأن ما يعاني منه أهلنا في فلسطين هو "اضطراب الصدمة، المستمرة"، وهو ما يحتاج إلى عون نفسي واسع النطاق، ولا أدري أين تقيمين؟! ولكنني سأجتهد في توصيلك ببعض الزملاء المتخصصين في فلسطين ولعل مادتنا التي وعدنا بها تكون جاهزة في أقرب فرصة، المجد للشهداء جميعا، والنصر موعدنا إن صح العزم، وبذلنا الجهد بإخلاص ودأب، والله الموفق
* ويضيف الدكتور وائل أبو هندي، الابنة الغالية والله لو تدركين كم ما استدعته سطورك الصادقة تلك في من مشاعر وأحاسيس وذكريات، خاصة وأنني وأخي الدكتور أحمد عبد الله ننتمي إلى جيلٍ واحد يتميز بخصوصية –نحسب أنها ثقلته وأعطته من الخبرات ما لم يتح لا لسابقه ولا للاحقه بوجه عام- هذه الخصوصية تميز جيل الستينات وربما أوائل السبعينات،
وهي سنوات بزوغ الإسلام كقوة سياسية وفكرية معاصرة، حيث حاصرتنا في سنوات تفتح وعينا دعايات واسعة عن الإسلام كمنهج حياة وكسياسة نستطيع بتمثلها أن نرفع رؤوسنا، وكان على كل واحد منا أن يحدد موقفه بشكل أو بآخر من أطروحات وخيارات وتوجهات تمثل كما يقول د. أحمدعبدالله جزءًا من السياق الدرامي لحياته، المهم أننا أيضًا عاصرنا مآلات الأشكال المختلفة لتلك الظاهرة الإسلامية، وها نحن نعيش أيضًا لنرى كيف أن الرأس لم يعد مرفوعا إلا في فلسطين على يد مجاهدي حماس وغيرهم من المجاهدين، وفي لبنان على يد حزب الله، وفي إيران أيضًا، وفي غير تلك المناطق من أمتنا لا نظن هناك رؤوسا ما تزال، غير التي تلبس فيها النعال.
والله ما أدري يا ابنتي ماذا أقول لك، لعلك لو تقرئين لست جبان .......ولكن : رهاب الدم، فستعرفين جزءًا مما كان في جنوب لبنان أيام مراهقتنا، وأيضًا لو تقرئين حوارًا أجراه مستشار مجانين الدكتور خليل فاضل مع السيد العلامة: محمد حسين فضل الله أيامها، وهو موجود على موقعنا مجانين أيضًا، المهم أنك ستعرفين جزءًا من التاريخ مهم أن تعرفيه فقد تكونُ الدول الآن أضعف لكن بالتأكيد أصبحت الشعوب العربية والمسلمة اليوم أقوى وهذه نذر الخير التي أظنها ستظل في تزايد مستمر.
ما أروعك وأنت تقولين "وكنت سابقا قد وضعت برنامج لي حتى أقاوم هذا الضعف الذي اعتراني، ولكن لما وجدت أنه يتقدم ببطء معي أحببت استشارتكم بوضع ما أعانيه وأصف لكم حالتي حتى تساعدوني على معرفة هذا الخلل الذي في نفسي"، وليس الخلل في نفسك، ولا شكواك أيا كانت ضعف أو جبن لا والله يا ابنتي، ولا أستطيع أن أنسى هنا أبي يرحمه الله، في نفس أيام مراهقتي وهو يعلق على مشاهد الراقصين في التليفزيونات العربية والحفلات التي كان يقيمها زعماؤنا العرب الأشاوس، حين يرى شبابا خليعا فيقول ساخرا حزينا: لا إله إلا الله هل هؤلاء هم من سيحررون فلسطين! هل هذا اتباع قول الحق تبارك وتعالى (وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لا تُظْلَمُونَ) ((لأنفال:60)) صدق الله العظيم.
الحمد لله الذي أحيانا لنرى الشباب الذين إن شاء الله سيحررون فلسطين الحبيبة، ونسأله أن نكونَ من من ينعم عليهم سبحانه بنعمة الشهادة، بقي أن أسألك عن الشاب الذي تقصدين وأرسلت متابعتك هذه من داخل مشكلته، فأنت تحسبين أننا سنعرفه، كما يهمني أن تعرفي أن خبرة الأعراض النفسية وكذلك التعرض للاضطراب النفسي أيا كان ليس دليلا على ضعف الإيمان يا صغيرتي كما يمكنك أن تفهمي من نقر العناوين التالية على موقعنا مجانين نقطة كوم، وقراءة ما تقودك إليه:
المرض النفسي لا يصيب المؤمن القوي!
أبو حامد الغزالي يعاني الاكتئاب
من المهم جدا يا فجرُ أن تبزغي وسط الحدث الرضحي المأساوي الذي يسببُ أعراض القلق والخوف لديك الآن، من المهم في علاجك لنفسك يا ابنتي وفي علاج جراحنا كلنا، أن تتحولي من دور الضحية (الذي هو دورك المنطقي مع الأسف)، إلى دور من يقدم العون للآخرين أثناء الحدث المأساوي!
من المهم في علاجك الذاتي يا ابنتي لتصلي إلى ما أعتبره بزوغا ل"فجر"، أن تمرِّي بمراحل كلها صعبة مع الأسف، ولو نذرت ما تفعلين لله فستكونُ ميسرةً إن شاء الله، فأولاً عليك أن تتعلمي كيف تعبرين عن المشاعر ولو على مستوى التخيل أولاً، فتبدئين بتخيل أحداث المأساة وتخيل نفسك فيها واسترجاع مشاعرك أثناءها، وتكررين ذلك رغم ما سيصاحبه من أعراض خوف شديدة وربما بكاء، واستمري في تخيل الأحداث حدثا حدثا على مدار الأيام حتى يصبح بمقدورك أن تتمالكي نفسك أثناء الحدث المتخيل، دون أن تعيقك أعراض الخوف والقلق.
وثانيا إذا ما استطعت اجتياز تلك المرحلة فإن عليك أن تسألي نفسك عن كيف ستتصرفين وأنت متمالكةٌ نفسك أثناء الحدث؟ كقصفٍ أو حصار أو جريمة صهيونية ترتكب أمام عينيك، كيف ستتصرفين كمسلمة واثقة بحضور ربها سبحانه وتعالى؟
لابد أنك ستساعدين وتنجدين وتطمئنين الأطفال وربما تلقين حجرًا على صهيوني غاشم ربما يا فجر، أريدك أن تفعلي هذا ولو على مستوى التخيل ولكن أثناء تخيلك للقصف أو الحدث المأساوي الرضحي وما أكثر الأمثلة عليه في فلسطين.
لا أريد من كلماتي تلك إلا أن أبين لك كم الصعوبة التي ينطوي عليها أن تعالجي نفسك ذاتيا من مثل هذه الأعراض، وما أطلبه منك أسميه مع بعض مرضاي جلسات التعذيب الذاتي بالتخيل، لكنها اختيارية يا "فجر"، ولست مجبرةً عليها إلا إذا أردت أن تخلصي بذاتك -ودون مساعدة بعد الله من أحد سوانا- من الأعراض التي تعانين منها أثناء القصف.
إلا أن من المهم يا ابنتي أن تعالجي بعض أعراض الاكتئاب التي كانت واضحة في إفادتك الأولى دماغي محتاج تجميع: ثمن الصمود الفلسطيني، فلديك أعراض خلطة القلق والاكتئاب ولعلك تستفيدين من من قراءة مقال: العلاج المعرفي للأخت المستشارة: د. داليا مؤمن، وعلاج هذه الأعراض قد يكونُ ضروريا قبل أن تبدئي في عملية الانتقال من دور الضحية السلبية المستسلمة تماما للحدث الرضحي، إلى دور المشارك في الحدث بصورة إيجابية.
أسأل الله أن يعينك، وأن يقويك وتابعي معنا، ودمت سالمة لمجيبك.
ويتبع>>>>>>>>: دماغي.محتاجة تجميع:. ثمن الصمود الفلسطيني: دعم ودعوة ودعاية م1