إلى أمي
السلام عليكم، أنا من المعجبين بموقعكم ودائما أحب قراءة المشاكل النفسية وقراءة ردودكم صراحة أنا أحب أقص عليكم قصة أمي, قد يكون في تعليقاتكم وردودكم الكثير من الفائدة، هي كانت تمشي في الشارع مثل الملائكة, ليس في قلبها غل أو غيرة من أحد, دائما بشوشة وفي حالها... كانت شديدة علي حبتين ولكن لها عذرها بما أني كنت الطفل الثالث وأكيد كنت مغلبها وأكيد كانت تعبانة حبتين، دائما كنت أتذكر خناقتها مع أبي وشكها فيه،
وهو كان دائما يكسب الشجار، هو أبي قوي الشخصية, سريع البديهة ويعرف إزاي يتعامل مع الخناقة, ولكن ده مامينعشي أنه كان ليه علاقات نسائية، أنا شفته كذا مرة ومعاه واحدة بنت جميلة في العربية... وبدون الحكم من ظواهر الأمور، لكل مشكلة سبب, قد يكون ظلمه الشديد في الشغل قد يكون مرض أمي، الله أعلم.
والله لا أتذكر الكثير من المواقف عنها وإن كنت مجرد ما كنت أوعى على الدنيا وأدرك الأمور كانت على طول مكتئبة وتصرفاتها غريبة شوية، أبي كان في آخر الخناقة دايما بيقول لها كلام زي يا مجنونة، أنت اتجننيتي، أتذكر أول مرة وقعت على الأرض في نوبة صرع، أنا ما كنتش فاهم يعني إيه نوبات التشنج ديه، لكن عرفت أنها بتروح لأستاذ كبير في الطب النفسي كان بيديها أدوية كتير جدا، لدرجة أننا كنا أنا وأخويا بنظمها في أكياس...
كيس للصبح وللظهر وللمساء... مجرد ما نتظمت في الأدوية كانت حالتها أفضل، في مرة جدتي (واحنا ساكنين في بيت عائلة فيه جدتي وأخوالي وخالاتي)، وجدوا عمل سحر تحت السرير، وجابوا بعدها واحد بيطلع عفاريت وكلام من ده، أنا وقتها كنت خلصت المدرسة وخلوني أقعد في شقة جدتي، ومفهمتش حاجة غير أن أمي كانت نائمة وتعبانة جدا...
بعدها الطبيب النفسي المعالج شتمهم على اللي عملوه ده , وأنه جهل......إلخ، لكن حالة أمي كانت ما زالت في تدهور، أنا كنت في ثانوي وقتها، وأتذكر أنها كانت بتزعل جامد أوي وكان فيه افتعال في كلامها، تفتعل الزعل والفرح، ممكن تعيط وبعدها بدقيقة تضحك بطريقة مفتلعة عجيبة...
بعدها كانت بتنام 24 ساعة في السرير... وموش بتقدر تروح الحمام حتى... وقتها طبيب نفسي صديق للعائلة جاء وزارها ووصانا أننا لازم نغير الطبيب المعالج لها وأنها تعمل أشعة مقطعية على المخ، واستغرب من تصرف الطبيب المعالج بالرغم من أنه أستاذ كبير لكنه ما طلبش الأشعة وهي من البيدهيات في العلاج.
وقتها أبي كان شغله في السفر بعيد عن البلاد، وكذلك أخويا في التجنيد، لكن أخويا التاني يوم وداها تعمل الأشعة... وأنا رحت بعدها بكذا يوم أستلم النتيجة, وكانت النتيجة إن فيه ورم كبير في المخ. تم الاتفاق مع جراح كبير في القاهرة على العلاج، حسب كلام الطبيب أنها سافرت على آخر لحظة، وعملت العملية....
أتذكر أني كنت أزروها في غرفة العناية المركزة... كانت حالتها صعبة أوي.. يمكن أصعب من كل المرضى الآخرين، ماكانتش متذكراني، لكن افتكرت ابن عمتي. الجمعة اللي بعدها زرتها كانت رجعت طبيعية لكن ذراعها موش بيتحرك كويس، بس افتكرتني، وأنا افتكرت ابتسامتها الحلوة ونظرتها الجميلة.
فضلت في المستشفي فوق الشهر ونصف، كان أبويا معاها في المستشفى كل يوم واحنا كنا بنزورها كل جمعة علشان الدراسة، بعدها رجعت كويسة وطبيعية، وإن كان وجهها اتغير, قطعة من الجمجمة تم إزالتها، شعرها تم حلاقته بالكامل... كنا أنا وهي بنروح مع بعض العلاج الإشعاعي كانت دايما بتحمد ربنا لأن فيه هناك ناس حالتهم وحشة جدا، أوحش من حالتها بكتير، لكن تقريبا كل سنة كان لازم تحصل مشاكل أكتر، بعدها بسنتين المشاكل زادت أكتر، ابتديت تعمل تصرفات عجيبة، مرة قالتي سرها: إن فيه ناس بتراقبها من المرايا، وكانت نظرتها عجيبة، كانت موش مدركة بتقول إيه،
ممكن تقول كلام خاص جدا ويتقال قدام كل الناس... وابتدت التشنجات تيجي تاني، وخصوصا مع الزعل والضيق، عملت أشعة أخرى، وكان فيه ورم تاني عملت العملية التانية، والطبيب الجراح قال إن العلاج الإشعاعي كان في غير محله وأنه نشط الورم مرة أخرى، الله أعلم إيه الصح وإيه الغلط، عملت العملية التانية، ماما رجعت كويسة تاني الحمد لله، وبتروح الشغل كل يوم، كانت فعلا تمشي في الشارع زي الملائكة، لاغل ولا حقد ولا في نفسها أي غضب أو عدم رضا، كان دائما دعائها لربنا هو رضا وطلب الستر.
أتذكر وأنا في صيف سنة تالتة كلية وأنا بستعد إني أسافر أمريكا لفترة أجازة الصيف علشان أشتغل نظرة أمي الغريبة، بالمناسبة كان أخويا الكبير كان سافر من زمان، أخويا التاني جاله عقد وسافر، بعدها بيومين أبويا سافر الشغل بتاعه، بعدها بيومين كان معاد سفري... أكيد كان أسبوع صعب عليها، بس في آخر يومين قبل السفر كانت نظرتها غريبة، زي نظرة زمان، نظرة موش عارف هي بتبص علي فين... سافرت وكنت مطمئن إن جدتي وخالتي وخالي بجانبها...
وإن كنت مازلت قلقان، بعدها بشهرين وأنا في السفر عرفت إنها تعبانة تاني وإن الورم رجع للمرة التالتة، المرة ديه الطبيب قال إن الورم تحول إلى سرطان وأنه منتشر جدا واستحالة التدخل الجراحي، وإن مافيش فائدة، قال إنها حتموت بالراحة، جزء جزء يقع بالراحة... مسألة وقت، رجعت على طول، شفتها، كانت طبيعية كالعادة، نفس الوجه الراضي، ونفس النفس الجميلة... بس كانت ابتدت تفقد القدرة في التحكم في الحمام، ابتدت متشوفش كويس، المشي بصعوبة، كانت مدركة للأمور بس فيه شيء غلط، كانت دايما ملتزمة بالصلاة، كنت أسمعها وهي بتدعي ربنا أنه يسترها ومتجيلهاش نوبة الصرع في الشارع بس تجيلها في البيت فقط، كانت دايما بتنسى، كل شوية تروح تصلي على أساس أنها نسيت إنها صلت قبل كده.
أخويا في أمريكا، عرف يدور على طبيب بيقول إنه عنده علاج بيجربه على النوعية ديه من الأمراض، وممكن نجربه عليها، كان آخر أمل لينا... أبويا وأمي سافروا أمريكا، أتذكر وأنا بوصلهم المطار، ماما قالتلي: "تفتكر حرجع وله لأ؟" وكان عندها حق تسأل، الطبيب في أمريكا شافها، وأكد أن ما ينفعشي نعمل تدخل جراحي، لكن ممكن نجرب العلاج والله أعلم النتيجة إيه، رجعوا بالسلامة ولكن هي مرجعتشي زي ما هي، كانت الحالة تدهورت أكتر، مكانتش تعرف تمشي على رجلها وكانت كفيفة تماما، بعدها في كل أسبوع كان فيه تدهور أكتر، ابتدا جسمها يتشل، ذراعها، ذراعها التاني، معرفتش تتكلم، معرفتش تأكل...
كنت كل يوم أرجع من الكلية موش عارف يا تري حرجع ألاقيها عايشة وله ميتة، بعدين نقلناها العناية المركزة علشان تاخد محاليل بدل الأكل، لكن الحالة كانت بتدهور أكتر وأكتر... كانت الممرضات بيطلعوا من حجرتها وهن بيبكين من المنظر، كنت كل يوم لازم أعدي عليها في المستشفى وأروح البيت من هناك أنا وبابا... جاه يوم رجعت كويسة جدا، اتكملت مع بابا ومعايا أنا فقط، قالت لبابا إنها بتحبه أوي...
عرفت أن أخويا خطب، قالت لبابا إنها بتحبني أوي، أنا سلمت عليها، وهي سلمت عليا، بعدها بيوم، وكانت الدنيا زحمة قبل الإفطار في رمضان واتأخرت في الكلية شوية، ومعرفتش أزورها اليوم ده، وصلت البيت قبل الفطار على طول، لقيت الباب مفتوح، دخلت الشقة كان أبويا وجدتي وأخت جدتي، وكان أبويا بيبكي وقالي أنها توفت، الله يرحمها. أمي وحشاني جدا، موش ببالغ لو قلت إني أعمل أي شيء لمجرد إني أشوفها دقيقة أبوس فيها إيديها فقط،
عدى على وفاتها أكتر من 13 سنة واحنا مفتقدينها جدا...
شكرا لوقتكم
11/10/2012
رد المستشار
استشارة نفسية تعليمية Psychoeducational Consultation
نظرة عامة Overview:
أحد الأخوة يشارك الموقع بمعاناة والدته التي ودعت الدنيا منذ أعوام ولكنه يطرح مسألة في غاية الأهمية تتعلق بالفحوصات التي يجب عملها في الاضطرابات النفسية لنفي وجود مرض عضوي.
التوصيات Recommendations:
۰ الأخ العزيز: شكراً على مراسلتك الموقع والتعبير عن معاناة والدتك رحمة الله عليها وداع الأب والأم أمره شديد وبين الحين والآخر يتذكر الفرد يوم رحيلهم ويكتم مشاعره حول هذا الأمر خشية إزعاج الآخرين والأكثر احتمالاً هو اعتزازه بهذه المشاعر التي لا يفهمها ولا يحس بها أحد غيره.۰ لكنك شاركت الموقع مشكورا بهذه المشاعر التي تحملها منذ أكثر من عقد من الزمان لا أظن أنك مصابٌ باضطراب نفسي وكان أسلوبك في التعبير في غاية الوضوح كانت الوالدة مصابة بالصرع الثانوي واضطرابات نفسية ثانوية أيضاً من جراء وجود مرض عضوي وهو ورم في الدماغ تم اكتشاف المرض في مرحلة متأخرة بعد عمل أشعة مقطعية للدماغ تحول تشخيصها من صرع وأمراض نفسية إلى ورم في الدماغ بعد عمل الأشعة بذلت العائلة جهدها لعلاج الأم ولكن فرص النجاح تضاءلت مع الوقت.
۰ تاريخ الوالدة الصحي يطرح مسألة لا تزال تثير الجدل حول ما يجب أن يفعله الطبيب النفسي للتحري عن مرض عضوي في مريض يشكو من أعراض اضطراب نفسي؟ السؤال الأكثر جدلاً هو هل يجب عمل أشعة مقطعية للمخ في كل مريض يشكو من أعراض اضطراب نفسي؟.
۰ على كل طبيب نفسي أن يفحص المريض فحصاً سريرياً عاماً في الاستشارة الأولى للمريض يمكن للطبيب النفسي أن يتجاوز هذه الخطوة إذا كان المريض قد راجع طبيباً آخر وتم فحص المريض، وخاصة إن كان الأخير مختصاً بالأمراض الباطنية.
. بعد ذلك عليه أن يقرر أي الفحوصات المختبرية التي يجب عملها للمريض ومنها الكشف عن فعالية الكبد والكلى والغدد الدرقية بالإضافة إلى فحص الدم.
۰ الخطوات الأخيرة متفق عليها ولكن ما هو غير متفق عليه هو عمل الأشعة المقطعية للدماغ تكون النتيجة في الغالبية العظمى من المرضى طبيعية ولذلك هناك من يقول أنه لا ضرورة لعمل مثل هذا الفحص إلا إذا كان هناك سببا آخر يثير الشك حول طبيعة الاضطراب النفسي مثل:
1- ظهور الأعراض لأول مرة بعد عمر الأربعين عاماً.
2- الأعراض التي يشكو منها المريض غير مثالية.
3- وجود تاريخ عائلي لأورام الدماغ.
4- عدم وجود تاريخ عائلي لاضطرابات نفسية.
5- غياب أي تفسير مقنع لظهور الأعراض من خلال مراجعة التاريخ الشخصي للمريض.۰ لكن هناك رأيا آخر أكثر شيوعاً في القارة الأمريكية الشمالية وهو وجوب عمل أشعة مقطعية أولية لكل مريض مصاب باضطراب نفسي هذه الممارسة مرتبطة أكثر بطبيعة الممارسة الطبية في هذا الجزء من العالم وشركات تأمين الممارسة الطبية.
۰ بطبيعة الحال فإن الرأي الثاني لا يخلو من الغلو، فحتى الأشعة المقطعية قد لا تكشف أحياناً عن أورام حديثة العهد جداً، وكذلك قد تكشف عن نتائج غير طبيعية ولكن لا معنى لها وقد تصبح مصدر قلق للمريض والطبيب على حد سواء.
۰ أما الصرع فليس هناك مفر من عمل أشعة مقطعية أولية لكل مريض يشكو من هذا المرض. الاستعاضة بعمل تخطيط مخ كهربائي بدلاً من الأشعة المقطعية ممارسة غير سليمة سواء في المرضى المصابين بصرع أو أعراض اضطراب نفسي في الحقيقة لا مكان لعمل تخطيط مخ كهربائي بدون وجود صرع.
۰ أشكرك ثانية على طرحك لمسألة في غاية الأهمية في ممارسة الطب النفسي والتي يجب الخوض فيها أكثر ومناقشتها عبر الموقع.
۰ وفقك الله ورحمة الله على أم واجهت النهاية بكل شجاعة.
التعليق: الله يرحمها إن شاء الله هتكون في الجنة مرتاحة من الألم ومن باباك
ويا ريت متطلعش زيه ربنا يهديك