شخصية متقلبة
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته؛
في البداية أحب أن أعبر عن إعجابي الشديد بهذا الموقع والذي أشعر بدون مبالغة أنه بالنسبة لي مثل الصديق الحكيم الذي لا يمر علي يوم بدون زيارته. مشكلتي هي أنني شخصية متقلبة إلى حد بعيد وممكن أن أقسم الموضوع إلى ثلاثة مستويات:
أولا: الخطوط العريضة لسلوكي فهي ثابتة أي أن من يعرفني معرفة سطحية يراني على نمط واحد.
ثانيا: السلوك اليومي متقلب ولكن بشكل معقول مثال على ذلك أنني قد أتحمس لموضوع وأدافع عنه ثم أفتر ولكن لا أتحول إلى الهجوم.
ثالثا: الإحساس الداخلي وهو أساس المشكلة حيث إنني أتقلب في اليوم الواحد بين عدة أمزجة وبسرعة عالية فمن حزن شديد إلى فرح وحماس وتفاؤل ويكون سبب التغير بسيطا لا يستحق هذا التغير المفاجىء.
وعلى مستوى التفكير أيضا هناك تقلب واضح فمثلا عندما أكون مستلقية في وضع أفقي أفكر أفكارا يغلب عليها الخيال وعدم الواقعية وعندما أغير وضعية جسمي تتغير أفكاري لدرجة أنني ممكن أرجع في قرار اتخذته قبل دقائق عن اقتناع بل وأستنكر من نفسي اتخاذ هذا القرار السخيف، وهكذا يكون تفكيري أكثر من تنفيذي بكثير وحتى في مشاعر الحب للناس أو النفور لا أثبت على حال إلا في حالات ممكن عدها على أصابع اليد ويكون هذا غالبا بدون سبب واضح أو بسبب تافه جدا وأحب أن أوضح أنني على هذا الحال طوال حياتي مع وجود فرق واحد وهو أنني في السابق كنت أثبت على حال معين لمدة يوم أو أيام والآن أصبح التغيير سريعا ربما دقائق أو ساعات حتى في الجانب الروحاني أتقلب بين الخشوع لله وقسوة القلب في اليوم الواحد من حال إلى نقيضه.
هذه هي مشكلتي فهل هي فعلا مشكلة أم شيئا طبيعيا وسمة من سماتي الشخصية،
لي عندكم رجاء وهو أن يجيب على رسالتي هذه الدكتور وائل لأنني معجبة جدا جدا بردوده ودمتم في رعاية الله.
02/04/2004
رد المستشار
الأخت الفاضلة...... السلام عليكم ورحمة الله وبركاته؛
التقلب هو أحد السمات الرئيسية في الإنسان (ذكرا كان أم أنثى وإن كان أكثر وضوحا في الإناث لأسباب بيولوجية وأخرى نفسية واجتماعية), وإن كان ثمة قانون لنفس الإنسان فهو التغير والتقلب, ولهذا كان من أكثر دعاء رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اللهم يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك". وهذا التقلب –في حدوده المعقولة– له وظيفة تكيفية حيث إن الإنسان يعيش في عالم متغير ومتقلب, ولكي يتكيف معه فلابد من مواكبة متغيراته بمرونة حتى لا يصطدم مع حركته أو يمشى عكس اتجاهه.
والتقلب صفة بيولوجية ونفسية أصيلة في المرأة بالذات, فهي منذ بلوغها لا تستقر على حال, فأحداث الدورة الشهرية وما يسبقها وما يصاحبها وما يتبعها من تغيرات تجعلها تتقلب في حالات انفعالية متباينة, والحمل وما يواكبه من تغيرات جسدية وهرمونية ونفسية يجعلها بين الشوق والرفض وبين الرجاء والخوف طيلة شهور الحمل, ثم يتبع ذلك زلزال الولادة الذي ينتج عنه تعتعة ما تبقى من استقرار لدى المرأة. ومع قدوم الطفل تصبح الأم مسئولة عن كائن كثير الاحتياجات شديد التقلب, ولابد أن تكون مهيأة هي وسلوكياتها لمواكبة كل هذا وغيره كثير في حياتها. ومن لا يفهم صفة التقلب لدى المرأة يحار كثيرا أمام تغير أحوالها ومشاعرها وقراراتها وسلوكياتها.
وقد يزيد التقلب لدى المرأة حتى يصل إلى ما يشبه التناقض أو الجمع بين النقيضين في ذات الوقت, فهي تجمع بين اللذة والألم في لحظة بعينها, ويتجسد ذلك في حالة اللقاء الجنسي الذي يموج بمشاعر غاية في التناقض لدى المرأة, ويتجسد أيضا في حالة الحمل والولادة والرضاعة وتربية الأولاد, فعلى الرغم من شكوى الأم من آلام الحمل والولادة والرضاعة والتربية إلا أنها تشعر في ذات الوقت بلذة عارمة أثناء هذه المراحل.
ويمتزج الحب بالكره لدى المرأة فهي تكره شقاوة الأبناء وتحبهم في ذات الوقت وتحقد على الزوج ولا تطيق ابتعاده عنها, وتغضب من الأب وتدعو له بطول العمر. وهى تجمع بين الضحك والبكاء ويساعدها تكوينها العاطفي وسيولة مشاعرها على ذلك, ويساعدها التكوين البيولوجى فتسعفها الغدد الدمعية بما تحتاجه من دموع وبمنتهى السرعة والسهولة. ولولا هذه السيولة العاطفية والمرونة الانفعالية لما استطاعت المرأة القيام بأدوارها المختلفة والمتعددة والمتغيرة كابنة وكزوجة وكأنثى وكأم لأطفال لهم أمزجة مختلفة واحتياجات آنية متغيرة.
وهناك صفة أخرى فطرية وأصيلة في المرأة تجعل تصرفاتها محيرة جدا للرجل وربما للمرأة ذاتها, تلك الصفة هي الوفاء للطبيعة, فالرجل يريد من المرأة أن تكون وفية له دائما, والمرأة السوية تفعل ذلك غالبا خاصة إذا كان وفاؤها للرجل يتماشى مع وفائها للطبيعة, أما إذا تعارض الاثنان فإنها تختار (شعوريا أو لا شعوريا) الوفاء للطبيعة. وهذه فطرة أصيلة في المرأة للمحافظة على القوة والجمال في النوع البشرى, فالمرأة أكثر ميلا نحو الأقوى (بكل معاني القوة) والأجمل (بكل معاني الجمال) وهى مدفوعة لذلك بالفطرة, ولو كانت غير ذلك فقبلت الأضعف والأقبح لتدهورت السلالات البشرية. وهذه الصفة رغم انتهازيتها الظاهرية –على الأقل في نظر الرجل– إلا أنها تدفعه ليكتسب مصادر القوة (الصحة والمال والنفوذ...الخ) ويكتسب مصادر الجمال (المظهر والأخلاق والسلوك), وهذا يصب في النهاية في مصلحة الجنس البشرى ككل حتى وإن كان على حساب الضعفاء من الرجال.
وهذه الصفة (الوفاء للطبيعة) تضع المرأة في مواقف صعبة حيث تجد بوصلة قلبها تتذبذب كثيرا نحو الأقوى والأجمل ولو لم يكن لديها ميزان قيمي وأخلاقي يضبط هذه التذبذبات ويجعلها في مستويات مأمونة لوقعت كثيرا في المحظور.
وصفة التقلب حين تكون في مستوياتها المعقولة فهي -كما قلنا- تؤدي وظائف تكيفية تحتاجها المرأة بل وتعطي للمرأة مزاجها العاطفي المتلون والمتجدد, أما حين تزيد عن ذلك فهي إن كانت بدرجة بسيطة أو متوسطة فهي علامة تأخر في النضج النفسي والانفعالي وهذا يحدث كثيرا في الشخصيات الهستيرية ذات التفكير السطحي والانفعالات السطحية المتقلبة كثيرا والتي تسعى طول الوقت لجذب الانتباه إليها لأنها لا تشعر بالثقة في نفسها ولا تشعر بالأمان ولذلك تضبط موجاتها على ما يجذب انتباه الآخرين حولها وبما أن موجات الآخرين متعددة ومتباينة لذلك نجد موجاتها كثيرة التعدد والتقلب, فهي لا تملك موقفا محددا من شئ وإنما يتحدد موقفها بتأثيرات من البيئة المحيطة بها وبما أن هذه البيئة بالضرورة كثيرة التغير والتقلب تكون هي (أي المرأة الهستيرية) كذلك.
والمرأة الهستيرية تميل بطبيعتها إلى التهويل وإلى إعطاء أبعاد درامية لأي حدث وتميل إلى الإثارة وأن تكون مركز الاهتمام في أي مكان تتواجد فيه. وهذه الحالات ليست مرضا في حد ذاتها وإنما هي نمط شخصية قد تكون هشة ومعرضة للاضطراب إذا وقعت تحت ضغوط أقوى من احتمالها, وهي –أحيانا- تحتاج للمساعدة لاكتساب المزيد من النضج والعمق في الأفكار والمشاعر وتبني مواقف تنبع من قناعات داخلية (أكثر ثباتا) ولا تتحدد بالمتغيرات الخارجية المتعددة والمتقلبة.
أما إذا كانت التقلبات شديدة لدرجة أنها تعوق التكيف في الحياة أو كانت لها صفة النُّوَبِيـَّة (أي تظهر أو تشتد في نوبات في أوقات أو مواسم بعينها) فإننا هنا نكون أمام ما يسمى بــ"الاضطراب الوجداني ثنائي القطب" وهو يتميز بتقلبات وجدانية مابين الهوس أو تحت (الهوس) والاكتئاب (الحزن وفقد الاهتمام والشعور بالدونية والذنب وغياب المعنى وقلة الحيلة وفقد الأمل). ويصاحب كل حالة من هذه الحالات الوجدانية منظومة من الأفكار والسلوكيات تتفق مع المشاعر الموجودة في فترة بعينها.
وهذه الحالات تحتاج إلى ما يسمى "مثبتات المزاجMood Stabilizers" لتخفف من حدة هذه التقلبات الوجدانية بالإضافة لعلاجات دوائية أخرى حسب شدة الحالة. وفى النهاية أرجو أن تكوني من المتمتعين بالثبات على هذا المتصل بدءا من التقلب الطبيعي مرورا بالتقلب الهستيري وألا تصلي أبدًا لمرحلة التقلب الوجداني المرضى, وإن كنت أنا شخصيا أرجح تقلبك بين الاحتمالين الأولين (الطبيعي والهستيري). وأخيرا أرجو لك مزيدا من التوفيق والثبات.
ويضيف الدكتور وائل أبو هندي، الأخت السائلة أهلا وسهلا بك، وأشكرك على ثقتك في صفحتنا استشارات مجانين، ما أود إضافته بعد الإجابة الشاملة للأخ الزميل الدكتور محمد المهدي، صاحب الاهتمام بالصحة النفسية للمرأة، ليس إلا إحالتك إلى ردود سابقة على صفحتنا استشارات مجانين فيها ما يهمك أن تعرفيه فطالعي ما تجدينه تحت العناوين التالية:
الشخصية النوابية (الفرح انقباضية)
الارتباك أم الخجل ؟ :غربةٌ واختلاط مشاعر
الشخصية الفرح انقباضية والشواق والإنترنت
بين الجنون والعقل
سعادة بلا سبب .. وحزن بلا سبب ..
وأهلا وسهلا بك دائما وشكرا جزيلا على إطرائك الرقيق، وتابعينا بأخبارك.