السلام عليكم ورحمة الله وبركاته؛
وبعد: أنا طبيبة، ولدي بعض الأسئلة أود الاستفسار عنها:
أ- بحكم عملي أصاب بالإرهاق الشديد، ولكثرة الأعباء المنزلية، وتربية الأولاد، وكذلك التربية الجنسية الجافة التي تربيت عليها، كل ذلك جعلني كما يقولون باردة جنسيًّا، حتى إنني لا أرغب كثيرًا في العلاقة الجنسية بيني وبين زوجي، ونادرا ما أرغب في إشباعها، وإذا تم هذا الأمر فإني لا أصل إلى مرحلة الذروة في اللذة الجنسية إلا بعد فترة طويلة؛ وهذا يسبب لي الخجل والحرج من زوجي –الذي هو عكسي تمامًا-؛ فماذا أفعل لكي أزيد من رغبتي في اللقاء حتى أشعر باللذة كاملة؟؟ وأمتع زوجي في نفس الوقت؟!
ب- كنت أنا وزوجي "الملتزم" في منتهى السعادة الزوجية، ولا ينقصنا شيء، وكل منا راضٍ بالآخر على الكيفية التي هو عليها، ولكن زوجي منذ أن اطلع على كثير من الأسئلة الجنسية وإجاباتها، وكذلك الفتاوى التي تجيب على بعض التساؤلات الجنسية التي تُطرح في الإنترنت وغيرها، أصبح لا يعجبه شيء، وأصبح يتطلع مني لما هو أكثر وأقوى في الإثارة الجنسية!!، وبعض هذه الأمور أراها أنها تنتمي للعلاقات الجنسية غير الطبيعية مثل: الجنس الفمي، والأوضاع الغريبة في الجماع، وجواز إنزال المنيّ على صدر الزوجة،... و... كل هذا يصيبني بالاشمئزاز الشديد، ويصرفني عن العملية الجنسية من أساسها؛ فما العمل؟؟
ج- لماذا لا نتهاون عند الإحساس بنداء الجنس في أي لحظة ولا نؤجله، ويحرم تأجيله!!! ما هي الحكمة وما الدافع؟ في حين أن حق الله عز وجل نؤجّله ونسوّفه مثل: أداء الصلوات في أوقاتها، ومداومة الذكر، وتلاوة القرآن... هل هذا ضعف إيمان منا؟
* تم نشر هذه الاستشارة سابقاً على صفحة مشاكل وحلول
24/7/2000
رد المستشار
أختي الفاضلة، هذه الصفحة مدينة لبعض الأخوات والأخوة الذين فتحوا بأسئلتهم أبواباً يخجل الكثيرون من مجرد طرقها، وأنا وفريق مشاكل وحلول مدينون لهؤلاء وأولئك بالشكر؛ "ومن لم يشكر الناس لم يشكر الله" كما في الحديث الشريف. وسؤالك يا أختي يأتي ضمن هذه الأسئلة المفتاحية الهامة؛ فهو يطرح للنقاش موضوعاً حيوياً من زاوية جديدة؛ فجزاك الله خيراً كثيراً.
لعلك قرأت إجابة سابقة وصفت فيها رغبات المرأة الجنسية عندنا بالمارد في القمقم، وذلك رداً على اتهام شائع للمرأة العربية والمسلمة بالبرود أو الخمول، والقول في هذا ـ إن صح أحياناً ـ وراءه أسباب متعددة كامنة في الثقافة والعقلية، والعادات والتقاليد والأعراف السائدة. وبعض هذه المكونات مصدرها فهم خاطئ للإسلام، وبعضها مبعثه حرص متشدد على التماس العزائم، وهو مما يحمد طالما كان فردياً لا يفترض في نفسه الصواب المطلق، أو احتكار العفة. ومن المكونات أيضًا ما دخل على أفهام المسلمين من تأثيرات المسيحية وموقفها من الجسد ورغباته، ومنها ما جاء رد فعل لانحلال الغرب وانفلاته من كل قيد وضابط أخلاقي، وقد وجدنا أنفسنا ـ رداً على أسئلتكم ـ في وسط معمعة كبرى لا يكفي فيها أن نشتم الغرب وانحلاله، ولا العادات وانحرافها، وإنما رأينا واجباً علينا أن نصحح الأفهام، وأن نحاول رسم صورة متكاملة لفقه المتعة والإمتاع من وجهة نظر إسلامية، وهي مهمة هائلة لمن يعرف حجم المصاعب والألغام التي تحوطها.
ولا نعدكم بأكثر من تحرّي الحق وسط أباطيل كثيرة، يكمن وراء بعضها الجهل وحسن النوايا، كما يكمن وراء البعض الآخر نوايا خبيثة تضمر للمسلمين الشر كله، وسبيلنا إلى ذلك هو العلم والبيان للناس، ونتوقع منكم التفاعل من واقع تجاربكم كما تفعلين أنت في سؤالك، فشكراً لك مرة أخرى، والله الموفق.
أختي، تعالي نستكمل من خلال الإجابة على سؤالك نسج الصورة التي نحاول استكمالها:
تقولين: إنك باردة وتصفين هذا البرود، وتحاولين رصد أسبابه، وتطلبين وصفة لتجاوز هذا الخلل! فمن أين جاءت قناعتك بأن هناك خللاً، وأنت تقولين بعد ذلك إنك كنت في منتهى السعادة الزوجية، ولا ينقصك وزوجك شيء؟!.
أختي، لا التربية الجنسية الجافة، ولا ترك الروح والنفس تنضغطان بين العمل والأعباء المنزلية، وإرهاق هذا وذاك، ولا قلة الرغبة في العلاقة الزوجية الحميمة، ولا نتائج هذا وذاك (في الخجل من الزوج في هذه المسألة) كل هذا لا يمثل مقدمات منطقية معقولة لانتهاء أو خفوت السعادة الزوجية!!.
لقد كنت وزوجك -في أحسن الأحوال- تعيشان حالة من الرضا، ناشئة عن الجهل بهذا العالم، وعن التغافل عن فتح هذا الملف برمّته، وكان هذا الرضا مهدداً يمكن أن ينهار في لحظة، وعلى أهون سبب "كمثل العنكبوت اتخذت بيتاً، وإن أهون البيوت لبيت العنكبوت لو كانوا يعلمون" (العنكبوت:41) ... ولعلك تسمعين قصصاً لرجال عاقلين، أو نساء عاقلات اندفعوا أو اندفعن ـ فيما يبدو ـ وراء شهواتهم فجأة، ودون مقدمات ليهدموا الرباط الأسري المقدس، وينساقوا وراء ما يبدو أنه لوثة طارئة، ونميل عندها لاعتبار هذه الحالات نوعاً من الشذوذ الذي لا يمكن أن يكون قاعدة نقيس عليها، أعني: نحاول تهميش هذه الحالات لنستريح، بينما نحن في مواجهة ظاهرة تتسع باطراد، في ظل ثورة التطلعات، وانفتاح العالم؛ الأمر الذي صار معه الجهل أصعب بكثير من ذي قبل.
وللأخوة والأخوات المحمّرة وجوههم خجلاً من تناول هذه المسائل قلنا كثيراً: إن شأن الجسد هو من الشئون الهامة في حياة الإنسان، والإسلام بوصفه نظاماً للحياة لا بد وأن يعالج هذا الشأن بما يشبعه، ويضبط ممارساته كلها بمنهاج الشارع الحكيم، كما قلنا: إن الخيار أمامنا حالياً ليس بين الرضا مع الجهل -كما في السابق-، أو المغامرة بكشف ما تحمّر له الوجوه، وإنما الخيار الفعلي الواقعي المتحقق هو بين أن يعلم المسلمون أمور حياتهم ـ ومنها الجنس ـ عن طريقٍ مثل طريقنا، أو يعلمون بها عن طريق آخر، كما كانوا يفعلون دوماً قبل أن يتصدى فقيه بحجم الشيخ القرضاوي لتبيان هذه المسائل وأحكامها، أو قبل أن تسير محاولتنا على نفس الدرب: تعميقاً وتفصيلاً، نستهدي بالعلم وروح الشرع ومقاصده... ولا أريد أن استسلم لإغراء الاستغراق في مناقشة جوانب القضية على حساب تساؤلاتك الحائرة.
تحتاجين يا –أختي- إلى تغيير يتخلص تدريجياً من ميراث الجهل والجفاف في التربية الجنسية، كما يتخلص من هذا الكبت المرضي لمشاعر الحب المتبادل الذي أحلّه الله، وحض عليه بين الزوجين، والجنس من مكونات هذا الحب، وآية هذا التغيير، وأهم وسائله: حوار حميم مع زوجك "الملتزم" حول هذه النعمة الجليلة، والميثاق الغليظ المشترك بينكما، وحديث عن العلاقة العاطفية والجسدية، كما يحدث حول شئون حياتكما كلها سواءً بسواء.
وأوصيك بمتابعة ما ننشره تباعاً على موقعنا فيما يخص هذه الأمور؛ ففيه الكثير مما يفيد بهذا الصدد، ولقد نشرنا بالفعل الكثير، ونطمح إلى المزيد لعل الله يوفق ويسدد.
ومن ناحية ثانية أقول لك: إن ما سبق وقرأت عنه -وكذلك زوجك- من صور الاستمتاع والإمتاع تدور كلها في إطار المباح، دون إلزام بالفعل أو الترك، و "الناس فيما يعشقون مذاهب" وطالما ابتعدنا عن الحرام، فإنه لا جريمة في الفعل، ولا عزيمة في الترك، إنما يكون المطلوب هو ما يوافق محبة ورضا الطرفين، دون تعسف باسم التجريب، أو تشدّد في غير موضعه.
الإثارة الجنسية بحر واسع ذاخر لن يشبع من يصرّ على الارتواء منه، والعاقل من يبحر فيه فيستمتع بهوائه، ويصطاد بعض أسماكه، ويمارس رياضة التزحلق على صفحته، إنما الغوص فيه مهلك مهلك؛ فالحذر.. الحذر.
إننا كما نعترض على حياة جنسية زوجية قاحلة، ونراها مقدمة لمفاسد كثيرة، وانحرافات صارت شائعة للأسف، فإننا في الوقت ذاته نحذر من التمحور حول الجنس ليصبح تعبيراً وحيداً عن الحب، ونشاطاً مركزياً للإنسان، وإذا كنا في الأولى قد انتقدنا رهبانية النصارى، فإننا في الثانية نشير إلى شهوانية اليهود "وكان بين ذلك قواماً" (الفرقان:67).
الجنس مهم جداً بالفعل، ولكنه ليس كل العالم.. ندعو الله أن يلهمنا الحكمة، وبعض الحكمة في التوازن والضبط.
أما سؤالك الثالث والأخير فقد هزني، وأنت تقولين لماذا جعل الله من الحرام تأجيل إجابة نداء الجنس، بينما قد تتأجل صلاة على وقتها، أو تلاوة قرآن، أو مداومة الذكر؟!! إنه الفارق يا أختي بين الله جل في علاه، وهو من لا تزيده الطاعة ولا تضره المعصية، وبين الآدمي الذي تؤذيه شوكة، وتمرضه جرثومة لا تُرى بالعين المجردة، ويجرحه إعراض رفيقه عنه، يجوع ويعطش، وتستبد به الشهوة، ويخاف ويفزع، فسبحان من لم يتخذ صاحبة ولا ولداً، الحي القيوم، الأحد الصمد القائم بذاته المستغني عن أكوانه جميعاً، وعن خلقه: الطائع منهم والعاصي.
بدايتك يا أختي أن تتخففي من بعض أعمالك في المنزل وخارجه، وأن تقومي بترتيب جلسات أو رحلات تنفردين فيها بزوجك، وتستمتعان معاً بمزايا هذه النعمة الجليلة (الزواج) كما تتشاركان في تحمل أعبائه، وأعلمينا بالتطورات.
ويتبع>>>>: الجهل بالجنس ضار.. وأحياناً مريح م. مستشار
التعليق: لا شك أن هناك أكثر من علامة استفهام حول محتوى وإطار الشكوى.
لكي يشكو الرجل أو المرأة من الجنس فإنما يشكو من العلاقة الجنسية، والعلاقة الجنسية هي علاقة بين اثنين، والعلاقة الجنسية ما هي إلا جزء من العلاقة الأكثر شمولاً بين رجل وامرأة أو بين زوج وزوجته.
ما هو واضح من الرسالة أن الزوج غير مشغول بزوجته والزوجة غير مشغولة بزوجها. بعبارة أخرى هناك عملية انسحاب disengagment في العلاقة الزوجية، وتم استعمال عملية إزاحة displacement للمشاكل الزوجية نحو العلاقة الجنسية.
استمرت عملية الإزاحة هذه نحو الفتاوى والشريعة والجهل والبرود الجنسي.
أخذ الزوج على عاتقه عقاب زوجته بسلوك عدواني سلبي passive aggression ولجأت هي بدورها الدفاع عن نفسها وأصبحت أكثر تزمتاً وغضباً على ما تسميه زوجا ملتزما سخرية منه ومن المجتمع.
حان الوقت ليستمع له ويستمع لها لاكتشاف العصاب الذي يعزل الطرفين.