المواقع الإباحية عندنا: أزمة مجتمع غبي !
السلام عليكم ورحمة الله؛
تحيه طيبه للقائمين على الموقع وبعد، أنا صاحب استشارة "المواقع الإباحية عندنا: أزمة مجتمع غبي !"، بداية أحب أن أشكرك د.سداد على اهتمامك برسالتي جزاك الله عني كل خير. ذكرت سيدي أن هناك أمورا لم أذكرها في رسالتي وأن قاعدة الطب النفسي هي أن ما لم يذكره الإنسان أهم مما ذكره، حسنا إذن، سأحاول أن أذكر الآن كل مالم أذكره في رسالتي السابقة.
بالنسبة للجانب العملي والمهني ذكرت أنه لا يوجد ما يشير في رسالتي إلى أني سعيد في عملي، هذا صحيح جدا لسبب بسيط: أنا بالفعل لست سعيدا على الإطلاق في عملي.. لماذا؟؟ حسنا، تبدأ القصة عندما دخلت كلية الطب في الجامعة الموجودة بمحافظتي، وهي -بالمناسبة- جامعة صغيرة وليست مشهورة، والواقع أن المؤسسات التعليمية في مصر -ككل دول العالم الثالث- بحالة يرثى لها، أذكر أنه عندما وضعت قائمة لأفضل 500 جامعة على مستوى العالم لم تأت أي جامعة مصرية قط في هذا الترتيب بما في ذلك جامعتي القاهرة وعين شمس فما بالك بجامعتي الإقليمية المغمورة؟؟
ما أريد قوله أننا درسنا الطب -الذي يفترض أن يكون مادة عملية- لمدة ست سنوات بشكل نظري بعيدا عن الجانب العملي، وعندما تدرس تخصص عملي كالطب بشكل نظري بحت فأنت لا تستوعبه جيدا بل وتنسى ثلاثة أرباع المعلومات -أو ربما أكثر- التي تحشو بها رأسك قبل كل امتحان وهو ما حدث بالضبط معنا، ثم في سنة الامتياز (التدريب الإجباري) اكتسبنا القليل من المهارات والخبرات الإكلينيكية بشكل عشوائي وغير منظم.
النتيجة أنه بعد سبع سنوات مضنية من دراسة الطب: معلومات عامة قليلة ضبابية عن هذا العلم الواسع والقليل جدا من المهارات الإكلينيكية والتي لاتؤهلك قط لتكون ممارسا عاما -وهو ما يفترض أن تكونه بعد التخرج- ، تأتي بعد ذلك أسخف مرحلة في حياة الطبيب المصري وهي التكليف، وفيها يعين كل منا
طبيبا عاما في أحد الوحدات الصحية في القرى والنجوع حيث يكون الطبيب الوحيد هناك -أو معه بعض زملائه من نفس السن - وبعض الممرضات والموظفين الإداريين، ينحصر العمل هناك في معالجة نزلات البرد والإسهال للأطفال وصرف بعض مسكنات الصداع مثلا للكبار وخياطة الجروح البسيطة وهي أعمال كما ترى يمكن أن تقوم بها أي ممرضة لو كانت على قدر من العلم والخبرة بالإضافة لبعض الأعمال الإدارية البيروقراطية عديمة الجدوى.
هكذا تبدأ بنسيان القليل الذي تعلمته عن الطب وتشعر بالصدأ يزحف تدريجيا على خلايا مخك، وسواء أكنا نتحمل بعض اللوم على هذه الحالة أم تتحمله كله مؤسساتنا التعليمية والصحية الفاشلة فالنتيجة الآن واحدة وهي أنني حتى الآن أنا لست طبيبا حقا، أنا فقط أتظاهر بذلك، والبالطو الأبيض الذي أرتديه لا يخفي تحته إلا الخواء والجهل، إنه كما نقول بالعامية (منظر فقط)، ويا له من شعور ممض وقاس حقا أن تشعر أنك لست كفء في عملك -حتى لو تظاهرت بغير ذلك-، ولا تؤدي المطلوب منك على أكمل وجه.
ناهيك عن أنني حتى الآن لا أعرف ماذا سيكون تخصصي بالضبط واختيار التخصص يخضع لعوامل عديدة بعضها ليس بيدي مثل المجموع واحتياجات وزارة الصحة لذلك لا يستطيع أحد منا الجزم هل سيصبح طبيب غدد صماء أم قلب أم أطفال أم جراح مثلا ولا في أي جامعة سيستكمل الدراسات العليا ولا أي السبل في الحياة المهنية سيسلك، إنها فترة ببساطة يكتنفها الغموض والحيرة وتعتبر بالفعل من أسخف المراحل في حياة الطبيب.
أما بالنسبة للجانب الاجتماعي، فأنا أصنف من النوع الانطوائي الخجول، فأنا لست بارعا في العلاقات الاجتماعية ولدي عدد قليل من المعارف وعدد أقل من الأصدقاء المقربين... هذا عن العلاقات الاجتماعية مع أبناء جنسي فكيف بالجنس الآخر؟؟
الواقع أنه لم تكن لي علاقات بالجنس الآخر وسبب هذا هو بالأساس البيئة المغلقة التي تربيت فيها حيث لم تكن هناك مواقف احتكاك كثيرة تفرض علينا التعامل مع الفتيات حتى أيام الجامعة بالإضافة إلى طبيعة شخصيتي الانطوائية، حاليا يعمل معي في الوحدة الصحية بعض الزميلات المتزوجات وبعض الممرضات وأصغرهن سنا في الثلاثين وهي أيضا متزوجة وأم، بالطبع أتعامل معهم بشكل طبيعي جدا كزملاء عمل لا أكثر، وهذا ما عانيته بأنه ليس لي علاقات بالجنس الآخر، كنت أقصد العلاقات الأعمق بالطبع...
ذكرت سيدي أن الحب في كل مكان ويمكنني البحث عنه والحصول عليه، لست أفهم بالضبط مالذي تقصده بالحب هنا؟ هل تقصد ما يفعله بعض المراهقين في فترة الثانوية والجامعة حيث يتعرف على إحدى الفتيات ويأخذ رقم هاتفها ليحادثها ليلا بالساعات ويبثها مشاعر الشوق والغرام ويخرجان في اليوم التالي ليتنزهو متشابكي الأيدي في إحدى الحدائق الهادئة مثلا وهكذا حتى يملها فيبحث عن واحدة أخرى ليكرر معها نفس القصة وتفعل هي الشيء نفسه؟؟
بالطبع ليس هذا ما أريده فهو محرم من الناحية الدينية ونوع من عبث المراهقين الأحمق عديم الجدوى وبالمناسبة فحتى لو أردت علاقة بهذا الشكل فهذا لا يزال صعب المنال بالنسبة لي، فهذه العلاقات لها قواعدها التي لا تعلم إلا في مرحلة البلوغ والمراهقة المبكرة ومن الصعب تعلمها في سن متأخرة...
ذكرت أيضا أن من حقي الاعتراض على مؤسسة الزواج، ربما لكن لا يمكن -ولا أريد- أن أظل للأبد دون زواج، الواقع أنني لا أريد استخدام حقي في الاعتراض على مؤسسة الزواج، بل أريد استخدام حقي في الزواج لكن كيف أقدم عليه وأنا مكبل بكل تلك القناعات السلبية المترسخة والتي تزداد رسوخا يوما بعد يوم؟؟ هذه هي المشكلة.. وإذا الأمر كذلك بالنسبة للزواج وبالنسبة للعلاقات العاطفية خارج إطار الزواج فكيف ومتى إذن يمكن تلبية احتياجاتي الناقصة والمشروعة؟؟ هذا هو السؤال الأهم هنا.
أخيرا سيدي بقي أن أحدثك عن شيئين، الأول هو الهوايات، فأنا أحب القراءة جدا -بالرغم من أني لا أمارسها بانتظام للأسف- بالذات كتب الأشعار والأدبيات، وأحب أيضا الكتابة، فأحيانا عندما تختلج في نفسي فكرة ما أو تلح علي عاطفة قوية أعبر عنها بقصيدة شعرية مثلا أو مقال أدبي يلقى استحسان أغلب من يقرؤه، أشعر حينها براحة جما وسعادة غامرة، أشعر أنني أنتجت شيئا مميزا وجديدا.. لكن للأسف هذا لا يحدث إلا نادرا جدا، كان الشعراء قديما يستخدمون مصطلح (شيطان الشعر) للتعبير عن الإلهام الذي يدفعم لكتابة قصائدهم، حسنا المشكلة هنا أن شيطان الشعر هذا نادرا جدا ما يزورني ولا أدري حقا لماذا.
الشيء الأخير هو هذا الإحساس القاتل الذي يسيطر علي الآن، أنا أشعر أن عمري يضيع سدى فها أنا ذا أهدر أعز أيام الشباب -التي يتمنى الجميع عودتها- في ماذا؟؟ لا شيء، نعم لا شيء فأنا لا أفعل أي شيء إطلاقا، لا على الصعيد المهني ولا الديني ولا الشخصي ولا الاجتماعي، بل حتى تلك المغامرات والنزوات التي يقوم بها بعض الشباب في مثل سني -والتي لاتعتبر في أغلبها شيئا مفيدا وجيدا- لا أقوم بها، بالفعل إن شبابي يضيع سدى وأعلم أني سأندم بعد ذلك إن عشت على تلك الأيام التي ضاعت سدى،
أرجو سيدي أن أكون الآن قد أوضحت كل جوانب حياتي وشخصيتي.
وشكرا على اهتمامك.
10/01/2013
رد المستشار
معضلة طبيب A Doctor’s Dilemma
مناقشة عامة General Discussion :
شكراً على تراسلك ثانية مع الموقع وتعبيرك عن مشاعر تشترك بها مع الكثير من طلاب كليات الطب في مصر والعالم العربي وربما في العالم أجمعه دراسة الطب طويلة، مكثفة ويتبعها تدريب في مختلف الفروع وتنقل من مكان إلى آخر لكنها مقارنة بالكثير من الدراسات الجامعية وبقية المهن تكاد تضمن لمن يتخرج من كلية طب فرصة عمل ليس في بلدة فحسب ولكن في بقية أنحاء العالم.
التنافس بعد التخرج أشد من التنافس بين الطلبة في مراحل التعليم. على الطبيب أن يأخذ بنظر الاعتبار الجانب الاقتصادي من ناحية العرض والطلب معظم الأطباء يخضع لهذه القاعدة ويختار اختصاصه اعتماداً على ما هو متوفر ليضمن فرصة التدريب المتقدمة للحصول على الاختصاص الذي يضمن له وظيفة استشاري في فرع ما هذه القاعدة لا تقتصر على مصر وإنما سارية المفعول في جميع بلاد العالم لكن هناك من يقرر الكفاح لفترة أطول والحصول على فرصة للتدريب في الفرع الذي يهواه وتراه لا يعرف اليأس ويعيد الكرة بعد الأخرى.
ليس كل من تخرج من جامعة معروفة أصبح طبيباً ناجحاً والعكس صحيح تماماً، فحاول أن تتخلص من هذه العقدة التي لا أساس لها على أرض الواقع ما لم تحصل عليه من علم في أيام الجامعة ستحصل عليه بعد ذلك، ودراسة الطب منذ عدة أعوام أصبحت تعتمد على التوجيه الذاتي Self – Directed Learning. هذا ما عليك أن تفعله الآن.
الحب في كل مكان الحب لا يبحث عنك وإنما أنت الذي تبحث عنه وستجده بدون معاناة حاول أن تكون أكثر إيجابياً في تعاملك مع الماضي، والحاضر والمستقبل فترة التكليف قد تكون دون ما تسعى إليه ولكنها خبرة في التعامل مع المرضى من طبقات اجتماعية أقل حظاً من غيرها.
التوصيات Recommendations :
عمرك لم يضيع سدى ولا تزال في مقتبل العمر الوصول إلى الأهداف بعد التخرج من كلية الطب يتطلب فترة لا تقل عن ثمانية أعوام وحتى بعدها لا نهاية للتعليم والتطور هذا هو حال الطب في كل مكان وحتى هنا في الغرب هناك من يقرر الرهان على حصان آخر ويغير مسير حياته ولكن الحصان الحر قد لا يكون أوفر حظاً من الأول.
عليك الخروج من هذا السجن الانفرادي النفسي وتبدأ بالصراع والتنافس في ميدان المهنة الطبية اخترت المهنة، وبدأت المشوار ولم يبقى سوى أن تمضي في مشوارك.
التعليق: أرى أن مشكلتك هنا أيها الزميل تكمن في جانبها الاجتماعي، فيبدو لي أنك بعيد تماما عن أجواء المنافسة المحمومة بين الأطباء حديثي التخرج، لو أن علاقاتك الاجتماعية على ما يرام لعلمت من زملائك كيف يخططون لمستقبلهم المهني منذ سنوات فمثلما ذكر د. سداد دراسة الطب أصبحت تعتمد على Self – Directed Learning لا أقصد هنا سوى التشجيع، لماذا لا نحاول أن تعلم نفسك بنفسك،
لو فعلا لم تتعلم كما يجب في السابق لماذا لا تتدرب في استقبال أي مستشفى وتتعلم وبعدها تشتغل (برايفت) وتحسن دخلك مثلما يفعل جميع الزملاء لماذا لا تعمل بصيدلية ولو ظروفك المادية جيدة فعلام تنتظر وزارة الصحة من ممكن أن تبدأ زمالة أجنبية في التخصص الذي تريد، ولو اضطررت للانتظار حاول أن تقرر أي تخصص تميل إليه واسأل عن المجموع في السنوات السابقة لتعرف هل ممكن أم مستبعد، أو اعرف توجهك بشكل عام للباطنة أو الجراحة ولو مصمم على تخصص معين ممكن تاخده في مكان أبعد شويه،
وبمناسبة أننا على مجانين لو كان الطب النفسي يقع في دائرة اهتمامك ممكن تاخد كورسات مجانية أون لاين على coursera
يا دكتور اللي في مكانك الآن بيتعلم ويشتغل و يحضر في نفس الوقت