مما أشكو
تبدأ قصتي منذ الولادة فأنا رابع الترتيب لأختين وأخ وأخت أصغر مني، منذ طفولتي وأنا أعيش في عزلة وأميل لها وكنت أكره اللعب مع أقراني في السن، فقد كنت أميل للعب لوحدي والسرحان في الخيال حتى اعتدت عليه فصرت أعيش الواقع كأنه خيال أو مجرد حلم، بالطبع لاحظت أمي هذه الظاهرة وظنت أنها مجرد طفولة وتنتهي لكنها لم تعلم أنني لا زلت على هذه الحالة حتى يومنا هذا مما سبب لي الكثير من المشاكل،
كما أذكر طفولتي كنت طوال الوقت مع أمي والتي كانت تزور جيرانها ومعارفها بينما كنت مهملا ظنا منهم أني طفل مؤدب أو كباقي الأطفال، وكانت طفولتي أيضا مليئة بالعنف الأسري حيث كان والدي يضربنا بالحزام والعصا ضربا مبرحا لأسباب تافهة وكان أسلوبه في التربية هو "من قال لك أن تفعل هذا" ثم ينهال علينا بالضرب، ومما أذكره من والدي أننا ولا زلنا نخاف منه فقد كان يمضي معظم وقته خارج البيت وكنا لا نراه إلا في الشهر مرة أو مرتين بحكم عمله، وكان إذا زارنا أحسست بأنه ضيف أكثر من كونه أب فقد كان مؤدبا في أول يوم وكان يستقبلنا بالبشاشة، ويطلق النكات ونحو ذلك، حتى يستريح ثم ينقلب الوضع إلى الأب القاسي والضارب وكانت مسؤوليتنا كلها على عاتق أمي _رحمها الله برحمته الواسعة_ فكانت تنهار من كثر المسؤوليات عليها وكانت تهددنا ونحن صغار أنها سوف تغادر البيت وتهجرنا مثل ما تفعله بقية أمهات تعرفها، وكنا نرجوها ألا تتركنا ونتوسل لها، أذكر حدوث ذلك ثلاث مرات على الأقل،
بالإضافة أننا ذهبنا مرة مع أبي في شاحنة العمل وجلسنا بجانب الطريق، وبعد انتهائنا من الطعام، حدث خلاف بين أبي وأمي ما أسفر عنه شجار كلامي، انتهى بأن قال أبي اركبوا الشاحنة وسأترك أمكم هنا في الصحراء، وظل يمشي حتى كدنا لا نرى أمي، وبكينا ولكننا من شدة خوفنا من أبي وفي قمة الرعب لم نتفوه بكلمة، وهو مستمتع بالوضع، ولم ينظر إلى الوراء قط، ثم توقف قليلا فركبت أمي الشاحنة،
بينما كنت صغيرا اشترى أبي لإخوتي الأكبر مني هدايا قيمة جدا فمثلا أختي الكبرى حصلت على كاميرا وأخي الأكبر حصل على لعبة مثل البلاي ستيشن حاليا وأختي الوسطى لا أذكر لكنها كانت هدية قيمة جدا مما أعطاهم قليل من الثقة بأنفسهم بينما أنا وأختي الصغرى لم نحصل على شيء، وأعتقد أنه أثر على نفسيتنا أنا وأختي حتى هذا اليوم، ولاحظ أبي ذلك لكنه وعدنا أنه في المرة القادمة التي يزورنا سوف يشتري لنا الهدايا، وأخل بوعده، واستمر الحال هكذا صرت مرافقا لأمي، حتى أسمتني إحدى القريبات أنني كالعباءة لأمي، بينما ظل إخوتي في المدارس يتعلمون وينضجون وينمون فكريا ونفسيا، ظللت على حالتي هذه حتى بلغت المراهقة،
انتقلنا من بيتنا إلى آخر في مدينة أخرى، وعندما انتقلنا حاولت أمي تسجيلي في مدرسة ابتدائية لكنهم لم يقبلوني وقالوا لي إما أن ترجع لمدينتك أو تعيد من الصف الأول الابتدائي وكنت حينها أتممت الصف الثالث الابتدائي، وحصل ما حصل فرجعت إلى الصف الأول الابتدائي وأنا أكبر منهم بثلاث سنوات، ومرت الأيام حتى أصبحت في الثاني الثانوي وكنت متفوقا لكني كنت منعزلا جدا لدرجة أنهم كانوا يسموني في المدرسة بالصنم لهدوئي وبقائي على حالة الجلوس لفترة طويلة طوال مرحلة الابتدائي، حتى وصلت للصف الثاني الثانوي وأحسست بأني شخص مختلف كيف سأعيش حياتي وأنا على هذه الحال، وكيف سأتأقلم، حتى كنت أمشي مسافات طويلة دونما سبب،
وكنت أفكر كثيرا حتى أصبت بصداع نصفي وتم تشخيصي بالصداع النصفي من المستشفى بعد أن ذهبت إليها، ولم تنفع الأقراص التي وصفها الطبيب وظللت على هذه الحال حتى ذهبت لطبيب نفسي وقال أن لديك أعراض الاكتئاب ووصف لي أدوية وانخفض معدلي الدراسي جدا حتى ظنت أمي أني مصاب بالعين أو بالمس لدرجة أنهم أخذوني لشيخ يقرأ علي فرفضت لأنني أعرف أن ما بي ليس ذلك، وفعلا بعد القراءة علي لم يحدث شيء، ولم أخبر أمي أو أي أحد بما أمر فيه والأدوية،
أذكر مرة أني كنت ذاهبا للسوبر ماركت وفكرت واستنتجت أني أعيش في فقاعة بعيداَ عن الدنيا ويوما ستنفجر هذه الفقاعة والخيال والأحلام وأتعرض لهذه الدنيا، هذا عندما كان عمري عشر سنوات، يعني عرفت مشكلتي ولكني لم أعرف ما هو المرض الذي أعاني منه، بعد الانتهاء من الصف الثاني الثانوي قررت أن أنسى ما حدث لي وأرجع إلى فقاعتي بعيدا عن الدنيا بعيدا عن المشاكل، فقط هكذا حتى التخرج، ثم سيصبح كل شيء ممتاز وتنصلح الأوضاع هكذا كنت أوهم نفسي،
وفي الصف الثالث الثانوي كنت قد اقتربت من التخرج، بينما زملائي في أقصى سعادة كنت في أقصى التعاسة والقلق لأني كنت أعرف أني على وشك الدخول للعالم الحقيقي وترك العالم الخيالي والأحلام، فكنت شديد القلق والتفكير الدائم الذي لا يفارقني، فبدأت أسأل أمي أسئلة كثيرة، هل يحبنا أبي؟ ولماذا لا يسأل عنا؟ ولماذا؟....إلخ من الأسئلة التي لم أجد لها الجواب المقنع،
تخرجت من الثانوية وبعدها مرضت أمي مرضا شديدا، وكانت تعاتبني دائما وتقول لي لماذا لا تسأل عني؟ أنا أمك لما لا تفكر بي؟ ولم تكن تعلم أني حتى أنني لا أفكر بنفسي، ولا أهتم بنفسي جيدا، وعندما كنت بعشر سنوات أيقنت تماما أنه لو وضعت في أي مكان في العالم بأنني سوف أموت بالتأكيد، لأنني لا أعرف شيئا في هذه الدنيا سوى عالمي الخاص ودراستي فقط كنت متفوقا في الدراسة، لا لأنني اجتهدت بل كنت ذكيا بسبب عيشي في عالم الخيال فافترضت أن كل شيء ممكن،
وبعد مدة أدخلت أمي المستشفى بسبب مرضها، ثم مكثت فيه ثلاثة أشهر، بعدها ماتت وعند إعلان موتها في المستشفى أغمى علي من هول الخبر فقد كانت أمي هي كل شيء في هذه الدنيا بالنسبة لي وهي كانت اتصالي الوحيد بالعالم الواقعي، ففي تلك اللحظة آثرت الموت على الحياة، وفعلا تناولت طفاية حريق وبدأت أضرب بها رأسي، حتى كاد أن ينفجر دما، وسمعت الممرضات يقلن أنه يحتاج لتخدير، أو إرساله للصحة النفسية لعلاجه، ولكن أحد الجيران سحبني بقوة وأغمى علي ولم أعلم شيئا حتى استيقظت في البيت على السرير، وإذا أبي يصل للبيت، ومعه زميله في العمل، وكل ما كان يفكر فيه أبي أن آكل، ولم يقلق على صحتي النفسية، مع العلم أنه كان هناك أختاي الوسطى والصغرى، ولم يتأثروا بموت أمي كما تأثرت أنا، فأنا كنت شديد التعلق بها، ودفناها ومضت أيام وإذا بأبي يقول سأرسلكم إلى بلادكم،
مع العلم أني كنت أكره بلدي كرها شديدا لأن أبي كان يمثل بلدي بالنسبة لي، ورأيت نماذج من بلدي في مدينتي الأولى فكرهت بلدي أشد الكره، حتى كنت أحلم أحيانا أني سأخترع قنبلة ذرية وأبيد بلدي عن بكرة أبيها، ظلت هذه الأفكار تراودني حتى رأيت نماذج أخرى من بلدي فاكتشفت أن بلدي بلد جميل ورائع والشعب عاطفي جدا مثل الشعب المصري الكريم، لكني لم أرى إلا النماذج السيئة،
ظلت أمي تردد بأن عمك كان رجل علم ودين وذو همة عالية لم تؤثر علي تلك المعلومة كثيرا لأني كنت أعيش في عالمي الخاص فكان عمي أشبه بشخصية خيالية لكاتب ما، كنت أعشق العيش في الخيال والأحلام حتى صارت وسيلة للهرب من كل شيء، من العنف الأسري، الإهمال، الجفاف العاطفي، ونحوها، كنت أؤمن فعلا أن من سينجح في الدراسة سينجح في الحياة، أو هكذا تم زرع هذه الأفكار من قبل أمي، ففوجئت عندما تخرجت بأن الدراسة لا تعني شيئا ما لم يكن عندك قدر معين من كل شيء، توازن نفسي، معرفة سابقة نابعة من خبرات الآباء، مكانة اجتماعية نابعة من مكانتك الحالية، وإلخ من الأشياء الأخرى، كنت أتفاجأ بل وأنصدم حينما كنت في المدرسة بأن زملائي يتغيرون وأنا على نفس الحالة، لماذا؟ ماذا حدث لهم؟
هذه الأسئلة كانت تدور في رأسي كالدوامة، ولم أجد لها إجابة حتى رأيت بأم عيني لماذا يتغيرون، ببساطة كانوا يتغيرون لأنهم ينضجون، والنضج لابد له من تفاعل، والتفاعل أساسه مشاعر، حينها أدركت أنني لم ولن أنضج طيلة حياتي لأني لست كباقي الناس، فالناس لديها مشاعر وأحاسيس ويتفاعلون مع بعضهم البعض، وأنا كنت أفتقد هذا الشيء، لأن أبي زرع فيني الخوف والرعب الشديد حتى صرت كلما سمعت أمرا نفذته وكأني إنسان آلي، وأظن السبب كما قلت الخوف الشديد من أبي الذي لا أريد عصيان أوامره، وكان ولا زال لدي افتراضات عن طريقة سير هذا العالم فأنا لم أتعرض لها مثل علاقة الأب بابنه كنت أظنها مثل ما نعيشه نحن،
وأيضا اكتشفت أن الناس تحبني فقط لذكائي ولأجل خدمتهم فكنت أخدمهم ببساطة لأنهم يعطوني مثل الأمر، ولاحظت على نفسي أني أنفذ أي أمر بالحرف الواحد، فكنت أحب المثالية والكمالية، في كل شيء في طريقة ملبسي ومشيي وترتيبي لكتبي وشنطتي حتى في طريقي الذي أمشي فيه كنت أحب أن أمشي بخطوط مستقيمة لا متعرجة أو في الأتربة ونحوها، مع أني كنت مهملا لنظافتي الشخصية وصحتي الجسدية ولا أعلم السبب، ومما أذكر أني كنت أكره أماكن يزدحم ويكثر فيها الناس كنت أشعر أني كنت أختنق أو أموت، لذلك أخواتي وأمي رحمها الله كانوا يكرهون الذهاب للسوق معي لأني كنت أستعجلهم في التسوق وأقول لهم لماذا لم تعدوا قائمة وتتسوقوا بسرعة لماذا تضييع الوقت،
في هذه الأثناء كان أبي إذا رجع من سفره استعار سيارة أحد أقاربه ليقضي لنا ما نحتاج وكنت مرافق لأمي وأذهب معهم للسوق ولاحظت طريقة أمي رحمها الله في الحديث مع أبي فكانت تتحدث معه وكان يستمع لها، فقلت في نفسي لما لا أجرب مع أبي هذه الطريقة، وفي يوم من الأيام كان أبي يجلس في المجلس وكنت قد أخذت من المدرسة منشور عن أضرار التدخين فاستجمعت قواي وشجاعتي وقلت سأهدي أبي هذا المنشور لعله يستفيد منه مع العلم أنه إذا جلس أبي في المجلس قام كل من المجلس من في العائلة خوفا منه ويذهبوا لغرف أخرى، ودخلت عليه وقلت له تفضل يا أبي هذا المنشور استفد منه فاستشاط غضبا وقال اذهب لأخيك ودعه يصلح ساعتي،
هذه أول مرة أتحدث مع أبي وجها لوجه، والمرة الثانية كان عندما قررت أمي أن أذهب للشيخ ليقرأ علي فقالت اذهب مع أبيك، وظللنا في الشارع ننتظر ابن الجيران ليأخذنا هناك، وبينما نحن ننتظر، قلت في نفسي الآن وقد كبرت وأصبحت في الصف الثاني الثانوي ربما أبي يضع لي اعتبارا، ويحترمني قليلا ويأخد برأيي، وكان هناك أمامنا فيلا فسألت أبي: هل يوجد في بلدنا مثل هذه البيوت، فقال: نعم بل أجمل منها، ففرحت فقد غير مفهوم سيء كنت قد تصورته عن بلدي وأنه بلد فقر وجهل وقبلي....الخ ، فقلت له من شدة الفرح : والله، أي أطلب منه التأكيد، فاستشاط غضبا وكاد أن يضربني وقال هل أنا في محكمة حتى تطلب من الحلف،
بعدها مرت الأيام، فصرت أخرج من البيت، وأسأل من استطعت وخاصة الأخوة الأجانب وهم أشخاص لا أعرفهم إنني أريد الانتحار ولا أريد العيش، فكانوا يحزنون ويقولون أنت لا تزال صغيرا لماذا تريد الموت، وكنت أعجز عن إجابتهم لأني أنا لا أعرف ما بي، ولاحظت على نفسي أني أحمل كل من أقابله، أذكر مرة كنت في شقتنا أنظر من الشباك فإذا رجل النظافة وتبدو عليه علامات البؤس وكانت أختي بجواري وقلت لها انظري إليه حرام وكنت أريد أن أساعده لكنها قالت لي هذا عمله ما عليك منه، وصرت منذ ذلك اليوم كل من قابلته أحمل همه وأسأل نفسي يا ترى من يعتني به، هل يأكل، هل هو متزوج، هل هو مرتاح.......؟
وأسئلة كثيرة وهذا من أحد أسباب إصابتي بالصداع النصفي والسبب الآخر هو التفكير في حالتي، ولاحظت أني أفعل ما أقرأه بالحرف الواحد، مثل الرجل الآلي بدون مشاعر، وكنت مؤمنا أنه لا يوجد شيء اسمه مشاعر فقط موجود بالأفلام والمسلسلات، وكنت أظن أن ما يحدث داخل التلفزيون هو الحقيقة وما أعيشه هو مجرد حلم،
ففي دراستي كنت لا أحب الاختلاط مع أحد وإذا رجعت البيت حللت الواجب الذي علي ثم أتفرج على التلفاز ثم أنام إيمانا مني أن هذا هو المطلوب مني وكنت إذا رأيت أحدا يختبر مشاعر مثل الحزن أضحك عليه، ومن أشد الصعوبات التي كنت أعيشها هي العيش مع لغتين الأولى لغة بلدي والثانية اللغة العربية فكرهت لغة بلدي لما تمثله لدي من صورة الأب، وكنت أكره التحدث بها، فقد كانت مصدر إحراج لي في المدرسة لأنني تحدثت بها مرة عن طريق الصدفة فضحك علي الصف، فوعدت نفسي ألا أتحدث بها أبدا،
ومن أحد الأسباب الأخرى أني لا أتحدث بها هي عدم وجود أحد أتحدث معه فقد كان معي أخ أكبر مني لكنه كان ولا زال يكرهني ولا نتحدث مع بعض، بينما أخوات الإناث وهن ثلاث يتحاورن مع بعض دائما منذ الصغر ومما يزرع الثقة فيهم هو وجود أمي رحمها الله كصديقة لهم ورفيقة وكانت تلعب معهن أدوار أكثر من الأم الناهية والآمرة، بعكس أبي تماما فقد كان الآمر الناهي وكانت كل أوامره مستجابة من الخوف الشديد، أنا لا أظلم أبي لكنه في تصوره يتوقعنا أننا نعيش حياة طبيعية، مع أنه انصدم عندما علم أنني وأخي لا نتحدث أبدا منذ فترة قريبة،
كنت أوهم نفسي دائما أن ما أفعله طبيعي وحالتي طبيعية وكل الناس هكذا والدنيا تسير هكذا، ثم أنصدم بالواقع المرير، ففي كل مرة ألتقي إنسان أجده أذكى مني، ويملك مشاعر، وله مكانة اجتماعية، ويستغرب من التصرفات التي أفعلها، وأيضا الناس ألاحظ عليهم أن أكثر الناس ثقة بنفسه هو الذي لديه حب وحنان وأب فعلي كالذي أراه في التلفاز هنا بدأ التصادم الواقع بالخيال، وبدأ عالمي يتداعى شيئا فشيئا.......
03/06/2013
رد المستشار
تأخذنا بعض رسائلكم إلى رحلات نتعلم فيها ونراقب هذه الأكوان الداخلية الفريدة، ويتأمل المستشار في جوانب القصص ساعيا إلى تقديم الجديد!!
حياتك رحلتك يا صديقي، وحين تتوقف لحظة لتسألنا، وترد لنا حتى ننظر معك فتأكد أن غاية ما يمكننا هو أن نرد عليك بكلمات قد تضئ لك بعض طريقك القادم، أو تساعدك على فهم الماضي، لكن خطواتك أنت هي ما يرسم مصيرك، ويصنع سعادتك، أو شقائك!!
مسيرتك منذ اللحظة التي تبصر فيها نفسك مراقبا لها، ولاعبا أساسيا فيها، هي من صنع أفكارك، وإرادتك، وقراراتك، فهل لديك الاستعداد للمراجعة؟! أعتقد أنك تريد هذا، هيا بنا نحاول معك!!
هل تعتقد أنك وحدك – في هذا العالم – من عاش خبرة الأب القاسي، وصاحب الخوف حتى صار له قرينا، ورفيقا موحشا، وعالما تعيسا، لكنه لا يكاد يعرف سواه، وبالتالي يتردد في هجره، والاستعانة بالله، وبالشجاعة اللازمة لحياة تليق بإنسان!!!
دعني أستخدم لغة علمية بسيطة وأنا أتحدث إليك عن أحلام اليقظة – بمناسبة ما ترويه – وأكرر لك ما سبق وقلته عدة مرات، ومنذ وقت مبكر – على صفحات إسلام أونلاين – من أن أحلام اليقظة هي من مظاهر النشاط العقلي الذي يحصل لكل الناس، في كل الأعمار والظروف، وأحدث الأبحاث ترى أن لها دورا مهما في تخفيف آلام العيش، وإشباع تحقيق ما نعجز عنه في عالم الواقع، وهي تساعد في عمليات التعلم، وحل المشكلات التي تواجهنا بطرق مبدعة، وغير مألوفة، وفي فترات الطفولة المهددة تلعب الأحلام في اليقظة دورا مهما في تعويض ما هو غائب، وتكون التهديدات والمواقف الصعبة هي شرارة الإطلاق المستمر لهذه الأحلام، ويبدو أنها أصبحت عادة دماغية لديك، ولا بأس في هذا إذا استثمرته في حدود المعقول؛
أما إذا غرقت به في محيط الذكريات والأفكار السوداء، فإنه يتحول عندها من نعمة إلى نقمة!!
وأتوقع أنك إذا واصلت في طريق البصيرة والوعي والنضج الشخصي، والاستقرار النفسي، والتواصل الاجتماعي فإن هذه الأحلام ستأخذ حجمها، وتفيدك دون أن تعطلك!!
وبمناسبة التعطيل أقول لك:
إن ظروفنا في الحياة والأسرة قد تعوق نمونا الإنساني، ونضوجنا الروحي الذي هو غاية وجودنا في الحياة، وقد تتعكر سعادتنا لفترة، ثم تلوح الفرص بعد ذلك – كما هو حاصل معك حاليا – لاستعادة النمو، والسعادة، والتحرر من قيود الذكريات بالعيش في اللحظة الحاضرة بشجاعة، وتركيز، ومن ثم نتعرف على العالم أقرب، وعلى أنفسنا أكثر، وعلى ملكوت الله فينا، وجمال خلقه، وفطرته!!
وأغلب الناس منشغلون بالأشياء والممتلكات والماديات ثم هم يشتكون من فساد الأمزجة، وظلمة الأرواح!!
نعم..... تركيزك مع نفسك، وتوقفك عن ممارسة المقارنات – غير السليمة، ولا النافعة – مع ظروف وقصص الآخرين، وتصحيح مفاهيمكم عن الحياة، والسعادة التي تكمن في الاكتشاف والتأمل الذاتي، والنمو الروحي، والتوازن النفسي!! هذا التركيز هو اختيارك وطريقك إن شئت التحرر!!
ولا تتشابه بصمة أحدنا مع الآخر، ولو حصل هذا بنسبة واحد في المليار فإن حياتنا لا تتشابه في تعاريجها وملابساتها وتفاعلنا وفعلنا في تفاصيلها أبدا، ومن أجل ذلك نأتيه سبحانه يوم القيامة فردا فردا.
فتوقف عن خيبة المقارنات مع الآخرين.. فورا.
وتوةقف عن الأسئلة المعطلة: عن أبيك، وعن كل ما هو، ومن هو غيرك، واهتم بشأنك، وأمورك جسمانيا وعقليا وروحيا!!
ولا تقع في خطأ الأعتقاد بالعجز، وهو شائع ومتداول، وهو ما جعلك تؤثر الموت لأنك تتوهم العجز عن رعاية نفسك، وبخاصة بعد موت أمك!! وتوقف عن توهم السعادة في الأشياء المادية!!!
ما كان الله ليخلق الإنسان، ثم يتركه هملا، وسط المحن، والمتغيرات.... إنما رزقه القدرة الكاملة على أن يضرب في الأرض، ويرعى نفسه تماما دون احتياج لأحد، ما تجاوز مرحلة الرضاعة، والرعاية الوالدية الأساسية في سن الطفولة المبكرة، وما حصل لك، وما يحصل للملايين أن هذه الهبة الربانية، وخلقة الله فينا قد تتعطل، أو يتم تعجيزها مؤقتا على يد أقرب الناس إلينا، ولكن من عظمة خلق الله للإنسان أننا يمكننا استئناف هذه القدرة بالوعي والبصيرة، والتأمل والتركيز الذاتي، باستكشاف معالم ملكوتك الداخلي، وتضاربه، وبإيقاظ قواك الداخلية التي وهبها الله لك – مثل كل البشر – ثم تعطلت، ثم أنت تحاول أن تستعيدها!!! ولعلك تبحث حولك عمن يسلك هذاالدرب!!!
الأفكار غير النافعة هي سبب صداعك، واجترار الذكريات بلا طائل يعطلك عن تحقيق أهدافك، ويلزمك العيش في اللحظة، والتركيز على تحسين نفسك، وحياتك بالمعنى المادي: استكمال تعليمك..ربما، تعلم المزيد عن الحياة والبشر، والتواصل مع المحيط الاجتماعي!!! وبالمعنى الروحي: أي استكشاف نفسك، وقواها!!
تفكك سردك تركني حائرا لا أعرف أين تعيش حاليا؟! ولكن في كل الأحوال فإن في سطورك تلوح بعض علامات اضطراب القلق والتوتر، وهو ما تفيدك فيه مراجعة متخصص، ولكن العقاقير النفسية قد تعالج بعض الأعراض المرضية – إن وجدت وهي لا تعالج حياتك، ولا تغيرها إلا بمقدار ما تستثمر أنت تحسن حالتك المزاجية، وتقوية قدرتك على التباعد عن أفكارك المؤرقة، وهذا تمنحه العقاقير!!!
مسيرة الحياة طويلة يا صديقي، "وكل إنسان ألزمناه طائره في عنقه" كما يقول مولانا وخالقنا، وأنت قد تأملت وعرفت من أين يأتي الخلل، والمرض الأساسي هو الخوف، وهو لا يزول بمهاجمته، ولا بتكرار الحديث عنه، ولا بالشكوى منه، ولكن بالشجاعه التي تعني أن نأخذ زمام حياتنا بأيدينا، ولك الاستعانه بكل ما يفيدك في هذا، وتابعنا بأخبارك.
واقرأ على مجانين:
على باب الله : الخوف